كل الدنيا لأدام الا احنا لا وارا وهور يابو الهوارى
كان وجهه مليئا بالشعر تكاد بعض تلك الشعرات أن تصل الى عينيه والسيكارة لا تسقط من فمه مخلفة ورائها اثار كتلك التي خلفتها تسونامي على أسنانه وعندما نصحه زميله في العمل قائلا لماذا لا تزيل تلك الشعرات عند حلاقك المفضل بما يسمى الخيط أو التحديد . رد بعصبية وهستيرية قائلا يا أخي حرام والله حرام ولأن صديقه يعرف الكثير عنه أجابه قائلا ، طيب تحديد اللحية حرام وتهريب الاسلحة الى العراق مش حرام . أم لأنك تتقاضى مبلغا خياليا عن كل سفرة تعبر بها الحدود فتنسى الحلال والحرام وأن ذلك السلاح ربما سيقتل به الكثير من الابرياء . ولأنه ممن تنطبق عليهم أبيات الهوارى هذه برر عمله بأنه خدمة للمقاومة وليس فقط من أجل المال . ولأن صديقه لا يقل مكرا عنه . رمى بالكرة مرة اخرى في مرماه وبعصبية أيضا . طيب السيكارة التي في فمك والتي حولت فمك الى كهف مظلم اليست حرام هي ايضا . ألم تسمع بأن بعض الجماعات السلفية والمتشددة في العراق تقتل الناس بسبب التدخين هذا طبعا لو بحثت عن الحرام والحلال . هنا استسلم صديقنا قائلا . نعم هي حرام ولكنني لا استطيع تركها . وان دل هذا على شيء فهو يدل على مدى تأخرنا في فهم أنفسنا وأستعدادنا لتلبية متطلبات مجتمعاتنا بعيدا عن الحرام والحلال بعيدا عن ما ينهينا عنه الدين أو يوجهنا اليه . فمجتمعات الهوارى لم تنضج بعد لتصل إلى مرحلة البلوغ التي تمكن الناس من فهم أنفسهم أولا وبعدها فهم متطلبات بقاء مجتمعاتهم حرة ومستقرة وبعيدة عن نوبات الزكام المفاجيء . يجب أن نجتاز هذه المرحلة وبسرعة . وتكون القاعدة في اساس أي تصرف شخصي هي القناعة الذاتية سواء كانت مبنية على أساس سليم أو مريض شريطة ان يتحمل صاحبها لوحده المسؤولية كاملة وليس المجتمع كله وعليه فإذا أقترفت خطأ ما فأنا على علم كامل بأنه خطأ دون أن أحتاج إلى مبررات كتلك التي نسلي أنفسنا بها أحيانا وهكذا مع الصواب . يجب أن تحكمنا قيم أعلى من تلك التي تحكمنا اليوم أيا كانت طائفتنا أو ديننا . قيم تحررية وأنسانية تحتاج إلى أصوات كثيرة تعبد أمامها الطريق . قيم ومعايير دولية أو إنسانية أو دينية شاملة هي من تحدد لنا الحرام والحلال وليس نحن . فما قد يكون حلال على المسلم يكون حرام على المسيحي وما هو صائب عند الشيعي يكون خطا عند السني ومن يعتبر نفسه مسيحيا خالصا من أي مذهب كان قد تعتبره الكنيسة الكاثوليكية مهرطقا وهكذا تستمر الدوامة إلى ما لانهاية طالما لا نسمح بالتوليفات العلمانية الناجحة في العالم بأن تحكمنا على أعتبار كوننا شعوبا منوعة وفسيفساء جميلة ونحن عكس ذلك مليئون بالاختلافات والأنقسامات وما أن يسمح لكل واحد بأن يعبرعن نفسه ربما سيصبح الوطن العربي كله كالعراق الأن. كل العالم تقريبا تفهم لمثل تلك المشاكل والكثير من الدول وضعت نفسها على الخطوات الاولى في طريقها لتجاوز تلك المشاكل الناجمة عن التنوع الفكري والتعدد الايديولوجي . وحماية المجتمع من الدعاة الجدد لا تؤمنها الاسلحة فقط بل الثقافة والوعي ومساعدة الشعوب على التحرر من القيم البالية والقيود الثقيلة وألا فأن لكل شخص حرام وحلال ولكل رأس نبي ودين وداعي جديد طالما لا نملك رادعا ذاتيا نكشف فيه الجاهل من الفيلسوف ومجتمعاتنا بالتأكيد ستصبح عاجزة عن مجابهة الانبياء الكذبة الذين سيدعون ظهور العذراء أو العودة القاسية للمسيح في دينونته للعالم والبلبلة ستكون أكبر وأكبر خصوصا بعد أن سمعنا بان المهدي المنتظر سيسبقه أكثر من عشرون وعندها قد نفشل في أستيعاب أثار وأعمال تلك الحركات كما نجحت اليابان في التصدي لجماعة كانت تحضر لنهاية العالم بتسميم مترو الانفاق وأخرى تجمع الناس في البيوت في أمريكا وتساعدهم لينتحرون . مشكلتنا في العالم العربي والاسلامي هي أكبر من مشاكل تلك الدول في مواجهة مثل تلك الحالات لأن الجهلة هم فقط من يسمع لهم رأي ويتبعهم الناس , والراشدون يتكلمون بأصوات خافتة وخائفة . ولا تعني حرية التعبير عندهم بالضرورة أن يكون للمرء أتباع وكنائس وحسينيات بل يكفي بضعة قراء ومعجبون ومثيرون للنقاش الجريء بدون تحفظ أو تخوف من صاحب الرأي فلا عصمة عند تلك المجتمعات لأصحاب الفكر والمدعين بالقيم الجديدة كما يحدث في بيوتنا وشوارعنا . وإذا لم تصدقني الرأي راقب مجتمعك وأمسك قلما وورقة وعدد الحالات التي سترى فيها أعتداء على حرية الناس وحجم الضغط الذي تمارسه الحكومات والاديان على الحيز الفكري الذي ينطلق منه القرار الشخصي لأي إنسان بدءا من أعلان يقول نحتاج إلى سكرتيرة جميلة وأخر يطلب موظفة محجبة ومرورا بوسائل أعلام كثيرة لا تخوض في كل شيء خوفا من كل شيء ونهاية بطفل صغير كان يغني ويرقص أمام نافذتي في الصباح الباكر مرددا جملة العنوان أعلاه فأي تصور سيكون له في الحياة وأية قدرة ستتولد لديه لتفجر العشرات من براءات الأختراع كما يحدث في الدنيا وهو على حق فالكل إلى أمام ألا نحن . وفقط نحن إلى الوارء .عصام سليمان – تلكيف .
Assyrian_publisher@yahoo.com