Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

كلام الليل .. يمحوه النهار

قد يحصل احيانا اننا نغالي في مدح شخص بما ليس فيه ، فينقلب مدحه ذما علينا ونندم ،وقد يكون مدحنا هذا مشفوعا بدافع الحصول على مبتغى معين ، فنقوم باطراء الممدوح بعبارات التكبير والتبجيل حتى وان كانت تلك العبارات بعيدة كل البعد عن المنطق والحقيقة والتي لا يتصف بها الشخص المعني ابدا .. ولهذا نجد باننا نضع انفسنا في مأزق خانق وفي موقف لا يحسد عليه . ففي ايام الطفولة الغابرة سمعت حكاية لطيفة في نفس الاتجاه ولكنني لم افهم معناه في تلك الفترة .. تدور احداث الحكاية حول شاعر بدوي ( مطرب متجول) يصول ويجول في البوادي حاملا كيسه على كتفه وربابته في يده متنقلا بين القبائل سيرا على الاقدام يمدح هذا ويذم ذاك ، كل ذلك في سبيل طلب الرزق ، وفي احدى رحلاته حلّ ضيفا على قبيلة عربية اصيلة ، كان شيخها معروفا بين شيوخ القبائل الاخرى بكرمه وورعه ورجاحة عقله ، فاستقبله الشيخ في مضيفه بكل حفاوة وتكريم كعادة اهل البادية حين يستقبلون ضيوفهم ، وفي المساء حضر رجال القبيلة الى المضيف مرحبين بضيف شيخهم ولكي يقضوا ( التعليلة ) مع الشيخ والضيف ،وبعد العشاء واحتساء فنجان القهوة العربية التي تشتهر بها البادية ، تناول الشاعر ربابته وشرع بغناء الاهازيج البدوية الجميلة ،وبعد حين اخذته نشوة الطرب الى اطلاق عبارات المديح والثناء على شيخ العشيرة واصفا اياه بمواصفات ما بعدها اوصاف ، ومن جملة تلك العبارات :- { يا شيخ مشايخ كل العرب.. انت الوحيد كالفضة والذهب .. انت بطل القبائل بين الشرق والغرب.. فمن قال غير هذا قد كذب .. وانت الفارس الهمام ومدحك الان وجب ... الخ .. الخ } واستمر الشاعر في مدحه والحاضرون مبتهجون يهزون رؤوسهم بكل فخر واعتزاز مؤيدين لما يطلقه الشاعر من عبارات المدح .. اما الشيخ الحكيم فقد كان يقهقه ضاحكا .. بل انه اخذ يغدق على شاعرنا بعد كل مديح 100 ناقة ، وكلما ازدادت عبارات المدح ازاد الشيخ في كرمه الى ان اصبح مجموع ما وهبه الشيخ للشاعر 1000 ناقة ، وبعد حين انتفض المجلس عن اهله واوى كل الى فراشه .. وفي الصباح وبعد تناول وجبة الفطور ، استأذن الشاعر من شيخ القبيلة الرحيل فقال :- { يا عمي الشيخ ارجوك اسمح لي بالرحيل } فرد الشيخ :- { حللت اهلا ونزلت سهلا ، ارحل محروسا بامان الله } .. لكن الشاعر ظل مسمرا في مكانه ليعيد عبارته مرة اخرى { يا عمي الشيخ اود الرحيل } وكان رد الشيخ مماثلا لرده الاول ، الى ان ضاق صدر الشاعر وافصح عن طلبه حيث قال:- يا عم الشيخ ..الامانة.. وكان يقصد الـ ( 1000) ناقة طبعا ، فضحك الشيخ وقال له :- { اسمع مني يا ولدي كلامي هذا ، انا لم اهبك شيئا يخصني .. لأنك اسمعتني كلاما طيبا ، اما انا فلم ارغب بجرح شعورك فأسمعتك كلاما طيبا ايضا .. ثم انك مدحتني بما ليس فيّ وتلك اهانة لي ، عليه فمنحت لك ما لا املكه ، وتذكر مثلا تعلمناه في البادية وهو .. كلام الليل يمحوه النهار ...} ...... / تحيــــاتي

Opinions