كلمة قداسة البطريرك مار أدى الثاني رئيس الكنيسة الشرقية القديمة في العراق والعالم.. في مؤتمر التعايش والتسامح الاجتماعي المقام في أربيل
02/12/2010شبكة أخبار نركال/NNN/
القى قداسة البطريرك مار أدى الثاني رئيس الكنيسة الشرقية القديمة في العراق والعالم، كلمة في مؤتمر التعايش والتسامح الاجتماعي المقام في أربيل، للفترة من 30/11 - 1/12 /2010 وفيما يلي نص الكلمة:
كلمة قداسة البطريرك مار أدى الثاني رئيس الكنيسة الشرقية القديمة في العراق والعالم.. في مؤتمر التعايش والتسامح الاجتماعي المقام في أربيل للفترة من 30 تشرين الثاني ـ 1 كانون الأول 2010.. والذي نظمته وزارة حقوق الإنسان العراقية بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب في حكومة إقليم كردستان والمعهد الديمقراطي الوطني (NDI):
(دور رجال الدين في دعم حقوق الإقليات)
أصحاب السيادة والنيافة..
السيدات والسادة الحضور الكرام بمختلف العناوين الرسمية والدينية والمؤسساتية..
السادة الضيوف الأفاضل والمشاركون الموقرون.
سلام الله معكم..
في الوقت الذي نتمنى لمؤتمرِكم الكريم هذا كل النجاح والتوفيق لتحقيق الغاية السامية والهدف النبيل الذي تم تنظيمه من أجله، إسمحوا لنا أن نَستهل مشاركتَنا فيه بمقدمة قائمة على رُكنين:
الأول: تقديم الشكر والامتنان لوزارة حقوق الإنسان في جمهورية العراق، ودائرة رصد الأداء وحماية الحقوق في هذه الوزارة.. واللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر لتنظيم هذا التجمع الكريم، وكذلك لوزارة الثقافة والشباب في حكومة إقليم كردستان ومن خلالها إلى حكومة الإقليم الموقرة، لتضييف هذا المؤتمر وهذه المبادرة الكريمة التي تأتي في وقت مهم وعصيب يمر به بلدَنا الحبيب.
والثاني: أن تسمحوا لنا أيضا أن نؤكد بدورِنا تَحفُظـّنا وعدم قبولنا بصفة (الأقليات)، بل المطالبة بتغييرها إلى (المكونات) أو (القوميات الصغيرة) لأن الأمم والشعوب لا تُقاس بالعدد فقط إنما بالعطاء والمساهمة في بناء حضارة ومدَنية كل شعب وأمة.
ولا يَخفى على حضراتِكم ما لشعبِِنا في العراق، سواءًا بهويته الدينية كمسيحي.. أو بهويته القومية البابلية الآشورية من دور مشهود وإسهام فعّال في حضارة العراق ماضيا وحاضرا.. لا بل في حضارة البشرية جمعاء.
ويسُرنا بعد هذه المقدمة القصيرة أن ندخل في جوهر مشاركتَنا هذه والمتعلقة بدور رجال الدين في دعم حقوق المكونات الصغيرة الدينية أو القومية فنقول:
إن الدور الرئيس لرجل الدين، وكما هو معروف، هو تنظيم العلاقة الإيمانية والتعبُدية بين الخالق والمخلوق.. بين الله العزيز الكريم وعبادِه من بَني البشر.
هذا التنظيم الذي ينبغي أن يقوم على مباديء وتعاليم الكتب المقدسة للأديان السماوية السمحاء، فيقوم رجال الدين بنشر هذه التعاليم السمحاء من خلال المواعظ والخطابات والدروس والمقالات ومختلف طرق التوعية والاتصال بعامة الناس.
وكما هو معروف أيضا فإن كل الديانات السماوية السمحاء تقوم على أسس وثوابت مشتركة أساسُها التوحيد والمحبة والسلام والتسامح والمغفرة واحترام حقوق وكرامة الإنسان الذي هو أسمى خلائق الله. وكذلك على التعددية وحرية الفكر وقبول الآخر.
ففي المسيحية نُطالع وصية السيد المسيح: (إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم). فنرى أنه له المجد لم يَخُص الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله بقومٍ واحد وأمة واحدة.. إنما جميع الأمم مهما كان عدد أبنائها ضمن الأثنية القومية أو العرقية.
ونقرأ في الآية الثالثةَ عشر من سورة الحجرات في القرآن الكريم: (يا أيها الناس إِنَّا خلقناكُم من ذكر وأنثى وجعلناكُم شعوبا وقبَائل لتعارفوا إِنَّ أكرمكم عند اللَّه أَتقاكُم.. إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير).
بمعنى أن الخالق نفسه، جلّ جلاله، قد بارك خليقته وِفق حقيقة تعددية الشعوب والقبائل والأمم لكي يتعارفوا على التقوى التي تحقق لهم الإكرام عنده سبحانه وتعالى.
وهذه التعاليم السامية.. موجودة ولا شك في باقي الأديان التي يَدين بها أبناء شعبنا في العراق، وهذه هي بالتالي التعاليم التي ينبغي على رجال الدين التركيز عليها في خُطبِهم ومواعِظم وتعليمِهم في دور العبادة في عالم اليوم الذي يتجه البشر فيه إلى الاتصال بالبعض والتوجه نحو الآخر وقبولِه كما أسلفنا أعلاه.. وذلك بعيدا كل البعد عن أي شكل من أشكال الجنوح نحو التطرف والتعصب والمُغالات والعنصرية الدينية أو القومية التي تؤدي إلى إقصاء وتهميش الآخر وبالتالي تهديده في وجوده وحقوقه بعيدا عن التعاليم السماوية والمواثيق والمعاهدات الوضعية.
إن على رجال الدين جميعا.. ولا سيما الذين هم في موقع القيادة والرعاية.. أن يسعون لا فقط للمحافظة على كرامة وحرية وحقوق الجماعة الدينية والقومية التي يقومون برعايتها الروحية وحسب.. إنما أيضا، ولكي تكتمل رسالتهم، على كرامة وحرية وحقوق الجماعات الأخرى المتجاورة والمتآخية معهم ضمن الوطن الواحد والرقعة الجغرافية الواحدة.. وذلك من خلال التوصية والتعليم باعتماد مباديء العيش المشترك والسلام والوئام والأخذ والعطاء معهم.. لأن البشر جميعا أخوة في الإنسانية أولا، قبل أن يكونوا أخوة في وطن واحد، مثلما هم أخوة في عبادة الله الواحد جَلّ وسما.
وبهذه الطريقة يساهم رجل الدين في المحافظة على مختلف الجماعات من القوميات والمكونات الكبيرة منها والصغيرة ضمن حدود الواطن الواحد وبما يضمن الانسجام وتعزيز أواصر المحبة والأخوة والعيش المشترك بين عموم المواطنين ومختلف الطوائف. وهو ما يأتي بالخير والسلام والبركة على الجميع.. وبما يضمن أيضا العدالة والمساواة أمام القانون وفي الحقوق والواجبات.. بعيدا عن انتهاج سياسة الإقصاء والتهميش وإلغاء الآخر.. وربما التحريض عليه أو تكفيره ومحاربته، الأمر الذي يؤدي بأبناء القوميات الصغيرة التي تتعرض للتهميش والإلغاء أو الاضطهاد.. إلى التفكير في الهجرة.. سواء الداخلية أو الخارجية، فيكون ذلك سببا في تشتتهم وتفرقهم وضعفهم.. وربما انصهارهم بعد فترة من الزمن في أقوام وثقافات أخرى لا تمت إلى جذورهم بأية صلة.. في الوقت الذي كانوا فيه من أبناء البلد الأصلاء الذين ساهموا في بنائه وتطوره.
والخلاصة.. فإن لرجال الدين، ولا سيما في مجتمعاتنا الشرقية، دور مهم ومُضاف لدور رجالات السياسة وباقي أركان الدولة، في الحفاظ على وحدة الصف والحفاظ على كرامة وحقوق كل المكونات والطوائف وبما يحفظ الخصوصية الدينية والقومية، وذلك من خلال التوعية بكل ما يضمن تجسيد مباديء المحبة والسلام والتآخي والعيش المشترك والاحترام المتبادل للعقائد والأفكار والآراء.. بعيدا عن كل صور التعصب والتطرف ومحاولات إقصاء الآخر التي لا تنسجم ووصايا الله الخالق ومشيئته في خلقه البشر أُمما وقبائل وشعوب متعددة.. وبلغات وثقافات وعادات مختلفة ومتنوعة لكنها تصب في حقيقة واحدة هي أن لهم أولا وأخيرا نفس الكرامة والحرية والحقوق والواجبات دونما تمييز أو تفريق.
وشكرا لحضراتكم على حُسن الإصغاء.. ونكرر تمنياتنا لهذا المؤتمر المبارك بالتوفيق والنجاح.. ولتكن نعمة وبركة الرب الإله معنا جميعا في كل حين.. آمين.
البطريرك أدى الثاني
رئيس الكنيسة الشرقية القديمة
في العراق والعالم
30 تشرين الثاني 2010