لا تعلم الغجر تنسيق الألوان لأنهم يجدون جميع الألوان جميلة
متى يجب أن نبدي ملاحظاتنا للآخرين كان نقول لهم لا تفعل هذا أو ذاك أو أنت مخطئ أو محق ولمن نوجه عبارتنا التي نحاول فيها الكشف عن طريقة تفكيرنا أمام الناس. ألا يجب أن تنطلق في وقتها أو مكانها المناسب والى الوسط الذي يقدر أهميتها ويحسن تقييمها أو على الأقل يفهمها وبخلاف ذلك ألن تذهب جهود المتكلم سدى وعباراته مع الريح لأنه لن يستوعب لمن وجه الكلام ولم يدرك بان السكوت في بعض الحالات تفوق أهميته الكلمة غير الهادفة أو الموجهة بشكل غير مدروس .ما الفائدة من تكرار الكلمة وشرح الموقف أمام أي عنوان أنساني سواء كان شخصية عامة أو هيئة سياسية أو إعلامية أو حتى مجموعة اجتماعية طالما لا نستطيع بكلمتنا الوصول إلى جوهر هذه العناوين وتغيير قوالبها الثابتة أو حتى محاولة التأثير عليها وجذبها لتبني أفكارنا وتجربة أسلوبنا في الحياة .
أن أشباه المبادئ المعتمدة عند عديمي المرونة تصبح قواعد أساسية التحول منها يعني انحرافا ولان التربية وفق نمط معين وفي وسط قد لا يكون مقبولا لدى اغلب البشر ينتج عنه قبولا واحتراما من الذي تربى فيه أصلا حتى لو قيل له بأنه يملك ذوقا سيئا ويعيش في نمط حياتي خاطئ أو انه يعتقد ويؤمن بشيء لا وجود له .
فمثلا كيف سيستوعب الغجر انتقادا موجها إلى ألوان ملابسهم المزركشة ألا يعتبر صاحب الرأي أنسانا جارحا بنظرهم لأنه استهزأ بألوان أزيائهم وتمادى في الخطأ وحاول تلقينهم دروسا في فن تنسيق الالون ومزجها علما بان البيئة السهلة التي عاشوا فيها والحياة غير المستقرة أثبتت لهم بأن جميع الألوان جميلة ومهما تمازجت فهي ستمثل زيا رائعا بنظرهم حتى لو كان مثيرا لاشمئزاز الذوق العام وكذلك الحال بالنسبة للأماكن فمهما كانت صعبة أو سهلة مقفرة أو غنية فهي تصلح لأن تكون وطنا مؤقتا بنظر المرتحلون وهذا الكلام في الذوق يكاد ينطبق على جميع الناس وليس فقط على الغجر لأن البيئة والتربية والثقافة هي من تحدد فيما بعد المعايير الذي يرتكز عليها الذوق الخاص .
والذوق هنا بالطبع لا يشمل اختيار الألوان والأماكن ولكن المبادئ والأفكار التي يعتنقها كل إنسان وأيضا في اختيار الأبطال الشخصيين له والقدوة التي يجدها كل واحد منا المثل الأعلى الواجب أتباع خطاه.
فعلى سبيل المثال أية كلمات نستعمل في أقناع من يعتقد بأن الزرقاوي مناضل أو أمام يستحق أن يدفن في مدينة الموصل ويدعي صاحب الدعوة بأن جميع أبناء هذه المدينة مستعدون للدفاع عن مرقده المزعوم وكأن جميع أهل الموصل يختصرون في شخصية مرسل هذه الرسالة إلى قناة الجزيرة وهذا مستحيل بالطبع وفي قمة الأنانية لأنه يلغي أراء المتبقي من السكان ويصادر حقهم في مدينتهم بعد أن يعتبرها ملكا مشاعا بيده يحق له استقبال من يشاء ودفن من يراه رمزا وقد يخالفه في ذلك الغالبية الساحقة لأبناء أم الربيعين . كيف سيتمكن أي إنسان حتى لو مثل موسوعة في قدرته الأقناعية أن يغير هذا المفهوم عن الزرقاوي في عقول مريضة كهذه .؟ كيف سنعرض أعماله الشنيعة أمام تلك العقول بعد أن أقفلت أبوابها أمام صور الدمار والدم التي تبثها في كل دقيقة فضائيات العالم.؟ أليس من الأجدى عدم التكلم مع هؤلاء أصلا أو الرد على كلامهم لأنهم وصلوا إلى مرحلة لن تنفع معهم الكلمات وربما يحتاجون إلى أساليب أخرى لسنا بصدد مناقشتها الآن. عزيزي القارئ إذا كنت ممن يوافقونني الرأي كيف ستشارك أصلا في استفتاء تدعي الجزيرة بأنه أعلامي يحترم الرأي الأخر حول المسمى الذي تختاره للزرقاوي ؟ وهل يا ترى لا زلنا بحاجة إلى تسميات تطرحها الجزيرة لتحدد من هو الأخير ؟ ألا يعرفه العراقيون جيدا من أصغر طفل إلى أكبر كهل فيهم ؟ أم سنرمي جواهرنا أمام أرجل الخنازير ونقول لهذه القناة أحسني اختيار ألوان العناوين بعد أن استحلت مزجها الهمجي بين المقاومة والإرهاب وابتهجت بصنوف الدم الكثيرة المراقة على أرض العراق تماما كما يعشق الغجر ألوان الطيف كلها والفرق بين الحالتين هو سذاجة الأولى وخبث الثانية .
العقم هو المصير المحتوم لكل حوار تفتحه مع كل من أستسهل كبائر الناس وكل من حاول المقارنة بين حالة العراق اليوم وبين حروب وغزوات وشواذ تاريخية حدثت عندما لم يكن في العالم كله صوت واحد ينادي بحقوق الإنسان أو صحفي جريء يكشف انتهاك تلك الحقوق على الملأ كما يحدث اليوم في عالمنا المليء بالمؤسسات الدولية التي تنظم حياة البشر على سطح الأرض كلها وليس في دولة معينة فقط .
لسنا كعراقيون مطالبون اليوم أمام العالم بتحمل كل ما يجري في العراق فالجميع يتحملون المسؤولية كاملة بدءا من النظام السابق مرورا بالإرهاب ودول الجوار وتدخلاتها وأمريكا طبعا متوجة على عرش المسؤولية لأنها ارتكبت أخطاء جسيمة في احتلالها للعراق ولأنها لم تبرهن لحد الآن بأنها سترحل في أقرب فرصة ممكنة وبأن بقاء قواتها منطلقة في شوارعنا يبرر للبعض نهش أجسادنا البريئة تحت مسمى المقاومة العشوائية ولأنها تأكل أيامنا وشهورنا وسنواتنا بنوع جديد من الحروب كنا في غنى عنه لأن ماضينا مليء بشتى العبارات الدموية فكيف نقنع الساسة الأمريكيون بمشكلتنا وهم من عشق التسلط على الشعوب والتحكم بمصير الدول واعتبروا ذلك الأمر لعبة مستساغة لديهم أو جزءا من مسؤوليتهم العالمية تماما كألوان الغجر واستفتاءات الجزيرة الإرهابية .