Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

لا قضية ولا وجود بلا جغرافيا سياسية.. فهل من يعي؟


((إدارة محلية، حكم ذاتي، محافظة، إقليم)) مفردات وطروحات تناولها أغلب المهتمين بقضية شعبنا وفي مقدمتهم الساسة والكتاب خلال السنوات العشر الماضية، لكن هل تعاملنا معها (بحنكة) وتعاطينا مع مضامينها (بجدية) وفق نظرية طالب وتشبث بالممكن والأنجع؟.. شخصياً أميل أكثر إلى الاعتقاد بأننا تعاملنا مع كل تلك المشاريع التي كان من المؤمل أن تحقق (جغرافيا سياسية) خاصة بشعبنا بمختلف الطرق والتوجهات إلا الحنكة والجدية.. وهذا ما يمكن التحقق منه من خلال تحليل النتائج والتوقف عند ماوصلت إليه كل تلك المشاريع، والتي أوفرها (حظاً) هو اليوم أما مركون في رفوف الحكومة الاتحادية أو هو (أسير) مزاجات حكومة إقليم كردستان.
ماذا فعلنا إذن؟
ولكي لا نغالط أنفسنا ونشجعها على الاقتراب أكثر من الصراحة (الأخوية)، يجب أن نقر بأننا عملنا على تغليف جل مواقفنا وآراؤنا وربما حتى برامج أحزابنا ورؤاها السياسية بهالة من القدسية (الزائفة) التي سعت إلى الحفاظ على شخصياتنا (المادية) قبل المعنوية أكثر من حرصها على ديمومة وجودنا.. لا بل أن العديد من طروحاتنا لما يخص آفاق قضيتنا القومية ومستقبل شعبنا في الوطن تعرضت إلى التشويه وغلفت بأبشع أنواع (المزايدات) السياسية المبنية على أساس ردود الأفعال الهادفة إلى سحب البساط من تحت أقدام المنافس، وليس كما صوُرت بأنها تلاقح أفكار (وبرامج) الغرض منها تثبيت حقوقنا المشروعة.
ما معنى الجغرافيا السياسية؟
إجمالاً يمكن فهم الجغرافيا السياسية بأنها "دراسة الوحدات أو الأقاليم السياسية كظاهرات على سطح الأرض ومقومات وجودها وتطورها معتمدة على خصائص البيئة الجغرافية من حيث قوتها أو ضعفها واستقرارها أو تفككها، كما تهتم الجغرافيا السياسية بدراسة النظم السياسية".. وهي تضم مجموعة من المفاهيم السياسية الرئيسية منها "جغرافية المستعمرات، الدولة والإقليم، الأمة والقومية، جغرافية الانتخابات".. كما أن الجغرافيا السياسية "ليست فقط تأثير الجغرافيا على السياسة ولكن أيضا تأثير السياسة على الجغرافيا، حيث هناك الكثير من القرارات السياسية التي غيرت الوجه الجغرافي لمناطق كثيرة بالعالم" كشق قناة السويس مثلاً.
لكن ما تأثير الجغرافيا السياسية على قضية شعبنا؟
بالنسبة لتجربة شعبنا في عراق مابعد 2003 أو بعبارة أدق عراق مابعد (المركزية) يمكن ملاحظة أن أكثر الأداء قوة وإصراراً لم ينجح في تحقيق إلا النزر اليسير مما تحقق لباقي أطياف الشعب العراقي، وبالطبع فأن مرد ذلك يعود إلى جملة من العوامل والمؤثرات الخارجية والداخلية (أي ما خطط له الآخر وما مارسناه نحن).. لكن يبقى أن العامل الرئيسي المؤثر إيجاباً في قدرة المكونات الكبيرة على تحقيق طموحاتها (الفؤية) هو تمتعها بنوع من الجغرافيا السياسية التي أثّرت بشكل مباشر أو غير مباشر في عملية تحقيق تطلعاتها الخاصة.. حيث أن إنهيار النظام المركزي الذي كان يقبض بقوة على قرار (الأطراف) محولاً إياها لمجرد جغرافيات خاضعة إضافة إلى مرونة البنود الدستورية (المتسامحة) مع مختلف التوجهات اللامركزية، شجعت المكونات على الاعتماد على خصوصياتها (العرقية والطائفية) في إدارة صراعاتها الوطنية.. وهو الأمر الذي أثر في السلوك التصويتي للجماعة التي دعمت (المنتخبين) على أساس إنتماءاتهم الجغرافية وبرامجهم المكوناتية، بعكس ما حصل لشعبنا من تشظي الأصوات بين مختلف الطروحات بسبب فقدانه القدرة على الاقتناع بنظرية أن العام لا يقيد الخاص.. وذلك بسبب (التغافل) الواضح من قيادات شعبنا السياسية ومرجعياته الكنسية في تبرير ضعيف (وساذج) يفاضل بين مصالح الوطن (العامة) ومصلحة مواطنيه (الخاصة)، إلى درجة (تخوين) دعاة تقديم مسألة الحفاظ على خصوصياتنا (العرقية والدينية) على عمومياتنا الوطنية.
تحليل واستعراض
وبوقفة (متسامحة) على جرد حساب لما تحقق لشعبنا خلال العقد الأخير وما لحق به من خسارات في ضوء ما أنتهج من سياسات وما تم التركيز عليه من أولويات، فأننا سنلاحظ أن أكبر مكاسبنا القومية لم تتجاوز استحصال بعض القرارات (القاصرة) هنا وضمان إيصال عدد من الممثلين السياسيين والاداريين (كتحصيل حاصل) هناك.. أما الصراعات والتحديات الرئيسية فقد أستمرت في المضي من سيء إلى أسوأ في ظل تفاقم الصعوبات السياسية والمعيشية على شعبنا الذي بات يصارع لتحقيق ذاته والحفاظ على هويته، فالهجرة ما زالت مستمرة وبوتيرة متصاعدة وممارسات التغيير الديمغرافي لم تتوقف بل إزدادت حدّة بأعتراف الجميع وفي مقدمتهم (تجمع التنظيمات السياسية).. كما أن ممارسات التهميش والإقصاء وفرض الوصاية على إرادة شعبنا إلى جانب ما يتم ممارسته من (التعالي والفوقية) من قبل الجماعات الأكبر (وخاصة اليمينية منها) بحق شعبنا والتي تسلّم العديد من (ثعالبها) القرار الوطني العراقي، كلها أسباب أدت إلى بقاء قضيتنا القومية في محل إعراب (مبني على المجهول) قياساً بقضايا عموم الشعب العراقي.
وجهة نظر
أن كل ما يتم الحديث عنه اليوم من مخارج سياسية لقضيتنا القومية وما يتم طرحه كحلول (مؤقتة) لمسألة الحفاظ على وجود شعبنا في أرض الوطن ونيل حقوقه المشروعة هو كلام لا يمت إلى الواقع بصلة، لا بل أنه قد يصل لأن يكون مجرد (تضليل) إعلامي.. حيث أن (جميع) مؤسساتنا القومية تعيش في واد بينما شعبنا يعيش في واد آخر، فلا مقاعد البرلمان ولا المناصب الوزارية ولا عضوية مجالس الإدارات ولا الدرجات الوظيفية الخاصة ولا المشاركة في الهيئات الحكومية (لا المستقلة ولا المنحازة) باتت تهم شعبنا المطعون بمواطنته وأصالته.
لذا نرى أن ما يجب العمل والنضال من أجله حالياً وما يمكن أن يكون علاجاً (ومخرجاً) لهمنا القومي ويساعد في الحفاظ على (ماتبقى) من وجودنا في (ماتبقى) من أراضينا التاريخية هو العمل (المحنك) الممزوج بالسعي (الجاد) من أجل تحقيق (جغرافيا سياسية) خاصة بشعبنا.. حينها فقط سيتمكن شعبنا من أن يكون رقماً في صناعة القرارات السياسية وليس مجرد متلقي للنتائج، كما ستتمكن فعالياته السياسية من إجبار الحكومة على الاستماع لرأيها والتوقف عند مطالباتها، وبخلافه ستبقى هجرة شعبنا مستمرة وستبقى حقوقه مهضومة وستتواصل ممارسات التغيير الديمغرافي بحق مناطقه وسيبقى شعبنا في واد وأحزابه في واد آخر.. فهل هناك من يعي ذلك؟.
g_hasado@yahoo.com

Opinions