لا لمقاطعة الأنتخابات ولا لاستجداء الكوتا ونعم للوقوف وقفة رجل واحد
هل نحن شعب لا يتقن من اللغات سوى لغة الأستجداء والتسول واستدرار العواطف والخواطر ؟ماذا بنا نستجدي الرغيف من على موائد اللئام ؟
لماذا لا نوّحد صفوفنا ونقف وقفة رجل واحد ؟
ماذا ننتظر بعد كل الذي حصل لنا ومتى نتوحد ؟
الأمة ، الدولة ، الشعب ، القومية ، العشيرة ، القرية ، الأسرة .. كل هذه المكونات تتوحد لحظة تعرضها الى الخطر . في بلدتي القوش ، مهما بلغت الخلافات والأحقاد وحتى العداوات ، فإن كان هنالك خطر داهم على البلدة او على احد ابنائها ، ففي الحال تتبخر تلك العداوات والأحقاء والخلافات ، لينهض الجميع نهضة رجل واحد وليتجه الجميع نحو درء الخطر بعيداً عن القوش ، إنها شيمة الرجال والشواهد والوقائع كثيرة لا مجال لسردها لأنها ليست في سياق هذا المقال .
نحن المسيحيون او السورايي من كلدانيين وسريان وآشوريين يجمعنا قارب واحد يبحر في اليم المترامي وتتلقفه الأمواج والعواصف ، وعلينا ان نفكر كيف ننقذ القارب الذي يجمعنا من الغرق ، ولا نجاة لفريق خارج هذا القارب ، فلنا مصير واحد إما النجاة وإما الغرق نحو الأعماق ، فالبحر والأمواج العاتية لا تفرق في هوية الموجودين على متن القارب .
ولكي نواجه هذه الظروف العسيرة ينبغي مواجهتها بواقعية وعقلانية ، لا بد من وجود غايات نسعى لانجازها ، وما هي هذه الغايات سوى افكار نعمل على تطبيقها على ارض الواقع .
بات في حكم اليقين بأن البرلمان العراقي والحكومة العراقية لا يعنيهما شأن الأقليات ، وإن التوجهات في مراكز صنع القرار على الساحة السياسية العراقية تنحصر بيد التحالفات والأصطفافات الطائفية والدينية المتشددة ، والتي ثبت بالتجربة الملموسة ، بطغيان انتماءاتها الحزبية والمذهبية والدينية على انتمائها العراقي ، ولهذا رأينا هذه القوى كيف تدير ظهرها للمكونات العراقية الأصيلة ، وتجربة البرلمان خير شاهد على هذه المواقف البعيدة عن الروحية العراقية والأنتماء العراقي الأصيل .
لا بل في عملية لا اخلاقية دأبت هذه المكونات تحاسب الأقليات على أعدادها القليلة في حين لم تسأل نفسها ، عما سببه الأرهاب لهذه الأقليات من مآسي وتشريد وقتل وذبح وخطف ...
وبعيداً عن الشعارات والمفردات الأنشائية الفضفاضة علينا ان نتعلم فن التعاون ، ومن ابجديات التعاون يأتي في المقدمة التفاهم ونبذ الأستفزاز لجعل الآخر ينفر من كل كلمة مؤذية تجرح المشاعر . وهذا التفاهم وتلطيف الأجواء يشكلان مدخلاً لوضع اسس وتفاصيل التعاون ، وأمامنا لوحة التنكر لحقوق شعبنا وفي البداية تكلمنا عن حقنا في الحياة وحقنا في العيش على تراب وطننا بمستوى المواطن من الدرجة الأولى .بعد ذلك نجري وراء حقوقنا السياسية في التمثيل في مجالس المحافظات والبرلمان .
كانت دعوة السيدين ابلحد افرام ساوا ويونادم كنا لمقاطعة الأنتخابات ، والرجلان يعكسان مدى المكابدة والمعاناة في اروقة البرلمان ، وهما يعيشان وسط المعمعة ، ولهذا كان رد الفعل عندهما كبيراً بضرورة مقاطعة الأنتخابات ، وفي الحقيقة نحن نقدر ما ذهب اليه السيدان وردّة الفعل لديهما من المواقف اللامسؤولة التي يسلكها معظم تلك الكيانات في منطلقاتها الدينية والطائفية ، فالكتل البرلمانية وحتى الكيانات السياسية التي تروم خوض الأنتخابات البلدية والتي تشكل ما ينيف على 400 كيان معظمها ينطلق من مرتكزات طائفية ودينية متشددة .
وأنا اتفق مع الأستاذ ابلحد افرام والأستاذ يونادم كنا بضرورة ان نكف عن نبرة الأستجداء والتسول ، ولكن لا اتفق معهما بالاحتجاج السلبي في ضرورة مقاطعة الأنتخابات على خلفية المواقف المتشددة من المكونات الأصيلة لمعظم الكتل البرلمانية .
في قراءتي لمقال رابي عمانوئيل خوشابا وطرحه المتضمن رفض الكوتا بهوية دينية ، وتركيزه على ضرورة إبراز هويتنا القومية . في الحقيقة ان هذا الطرح مطلوب وواقعي ، وعلى الآخر ان يعاملنا معاملة الأنداد ، وليس من منطلق ديني من زاوية التعامل مع اهل الذمة الذي طواه الزمن غير مأسوف عليه .
ولكن ماذا يقصد الأخ عمانوئيل خوشابا بالهوية القومية ؟ هل هي تلك التي يطرحها احد الزملاء الأعزاء حيث يقدم نفسه على انه استاذ جامعي ومستقل ايضاً ؟
حيث يقدمنا على اننا (( شعب آشوري مسيحي ، ويبدو انه متأثر جداً بأفكار الدكتور سركون داديشو الأقصائية لمكوناة شعبنا ، فهو يؤكد لنا في ملاحظته العبقرية ليقول : }ملاحظة.., نقصد بالشعب الأشوري المسيحي , اتباع الكنائس ... الأشورية والكلدانية والسريانية بكل تفرعاتهم { .
ومن المؤسف ان تسود لحد اليوم مثل هذه الطروحات والأفكار العنصرية المتشددة بين مثقفينا ، فهم يعاملون الآخر بذهنية القطيع ، والزميل العزيز الأستاذ الجامعي المستقل يعتقد بأنه توصل الى اكتشاف خطير في عالم الأختراعات ناسياً او متناسياً ، بأن هذا المنطق الشوفيني العنصري المقيت في إلغاء الآخر قد ردده قبله الكثير من قادة الحركات القومية العنصرية الفاشية منهم هتلر وموسليني ، وآخرهم كان صدام حسين ، الذي الغى القوميات العراقية على حساب إبقاء القومية العربية)) .
ولهذا انا اؤيد ما ذهب اليه الأستاذ عمانوئيل خوشابا في طرح الهوية القومية لشعبنا ، ولكن بشكلها الواقعي الصحيح لتكون في مقدمتها هوية القومية الكلدانيــــــــــــة العراقية العريقة ومن ثم القومية الآشورية والسريانية .
في هذا السياق ايضاً يطرح الزميل اسكندر بيقاشا رأياً متأرجحاً بين مقاطعة الأنتخابات او المشاركة في ظل خطوات التهميش التي يتعرض له شعبنا المسيحي بمكوناته القومية الكلدانية والسريانية والآشورية . ووجهة نظري في هذا السياق هو المشاركة الفعالة ، ونبذ التسول والأستجداء على موائد اللئام كما تقول العرب ، علينا بخوض الأنتخابات مهما كانت النتائج ، فإن حصلنا مقاعد معقولة ستكون تجربة طيبة لمواجهة الأنتخابات في المستقبل ، وإن لم نحصل على نتائج مرجوة ، سنحلل وندرس النتائج ونبحث اسباب الأخفاق لتكون تجربة رائدة للمستقبل ايضاً .
علينا ان نمزج مخاوفنا بالواقعية ، والخيارات المتاحة امامنا احلاها مر ، لكن ينبغي ان نجابه الواقع بوقفة وإرادة رجل واحد .
ينبغي ان يكون لنا قراءة حقيقية لواقعنا ، هنالك خلافات تراكمية تباعدنا وتشرذمنا ، ولكن ينبغي علينا ان نلوذ في كهف التعاون والأتحاد ، وإلا تعرضنا الى خطر الأنتهاء والأندثار من ارض الآباء والأجداد .
قبل ايام قرأنا عن تشكيل قائمة باسم قائمة عشتار الوطنية ، وتدعو هذه القائمة المرشحين الأخرين كأفراد او كيانات للأجتماع يوم 10 / 11 ولم نقرأ بعد ذلك عما اسفر عنه مثل هذا الأجتماع، او إن كان قد تم فعلاً .
انا شخصياً اعلن بتواضع ان اقوم بجهود في المساعي الحميدة لتقريب وجهات النظر وأن اتعاون مع اي نخبة مستقلة من ابناء شعبنا ، ولا اريد ان اذكر الأسماء ، لنقوم بمساعي لاحلال التعاون بين المكونات السياسية المعروفة :
الحركة الديمقراطية الاشورية ، وحزب الأتحاد الديمقراطي الكلداني ، والحزب الوطني الآشوري ، والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري والأحزاب المتآلفة في قائمة عشتار الوطنية وبقية الأحزاب .
من خلال قراءاتي يبدو ان المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري لا يريد خوض الانتخابات بقائمة مستقلة وهو يميل الى التنسيق بين المكونات السياسية لشعبنا ، وهذه حالة تضيف قوة الى مسار تقريب وجهات النظر . وبنظري ينبغي ان تكون ثمة قيود اخلاقية او لنقل قوانين اخلاقية مستمدة من حتمية تعاوننا وتضامننا لقيادة هذا الشعب نحو بر الأمان .
نحن بحاجة الى حوار حقيقي اكبر ،((( ليس من أجل توحيد تسمياتنا ))) ، وإنما من اجل تقريب وجهات النظر في الأنتخابات المقبلة . لكي نجتمع في إطار قائمة واحدة ، وانطلاقاً من مصلحة شعبنا المهددة ، وإذا وضعنا هذه المصلحة في المقدمة ، سنتغاضى عن افكار تحقيق المكاسب السياسية ، وعن فكرة الغالب والمغلوب ، والمنتصر والخاسر ، والكبير والصغير .
وإذا توصلنا الى حالة الدخول في قائمة واحدة ، سيكون بمقدورنا مفاتحة كنائسنا ورجال الدين الأجلاء بمباركة هذه القائمة ليكون لها زخماً مضافاً بين ابناء شعبنا .
وأكرر استعدادي شخصياً للسفر الى العراق للأشتراك والمساهمة في لجنة يقبل بها وبجهودها وعملها المكونات السياسية لشعبنا ، لكي نعمل على تنسيق المواقف لخوض غمار هذه التجربة ، او نستعد من الآن لخوض الأنتخابات للبرلمان العراقي بقائمة قومية موحدة .
يتحتم ان يكون لنا شخصية وكرامة ونفرض انفسنا على الساحة السياسية بأصواتنا المتجمعة المتعاونة المتحدة ، ولنهجر اسلوب التسول والأستجداء والتوسّل واستدرار الخواطر والعواطف وطلب الرحمة ، نحن شعب عريق وعلينا ان نثبت ذلك على ارض الواقع .
ولنقف مرة واحدة وقفة رجل واحد .
حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.no