Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

لتكن القوش فوق فلسفة: انا اعترض إذن انا موجود.

حلقة رقم 1
بعد عودتي من الوطن, كتبت مقالا تحت عنوان (في قامشلي تفاضلت الخيبه), تناولت فيه آفة المنافي بإعتبارها ظاهرة قاتلة لو دامت, وإتخذت حالة الصديق سمير توما توماس ألذي التقيته في القامشلي مثالا ً، وآثرت التأكيد على هذه الحالة كونها طارئة يستوجب معالجتها قبل أن تستفحل وتعلوها ملفات أخرى فتتفاقم اكثر.
ربما اثار مضمون مقالي حفيظة أصدقاء أعزاء لي آخذين عليّ المسألة وكأني سعيت من خلال طرح حالة الصديق سمير توما توماس دون الاف الحالات مجرد لإلقاء اللّوم فقط على الحزب الشيوعي لعدم إيلائه الإهتمام المطلوب بالصديق سمير توما توماس , وهنا أود أن أوضح أنني لم أبغ ذلك إطلاقا لسبب بسيط جدا،وهو معرفتي اليقينية بمعاناة الحزب الشيوعي ومناضليه في خضم أوضاع العراق المتناقضة جدا اليوم، أو على الاقل كي لا أعفي الحكومة وأحزابها من تقصيرهم في تدارس حيثيات الحالة بإطارها الأوسع، لأنّ ألذي يدور في قرانا اليوم هو نتاج طبيعي لتقاعس الحكومة وإنفراد الأحزاب القوية في أغلب مجالات الحياة وهي ذاتها السبب في العديد من الإشكالات والتناحرات ألعبثية ألتي طافت على السطح مؤخرا, مما دفع إلى تلكؤ أهلنا وتعاملهم المترّهل مع حالات متعدده هي جزء من مهامهم , فحالة العزيز سمير أو كبوة ترك جثمان المناضل المرحوم والده توما توماس في دهوك لحد الأن وأمور اخرى هي أمثلة حيّة لما اردت الوصول اليه ، علاوة على تجاوزات وإشكالات أخرى كثيرة حصلت وما زالت تحصل مشكلّة في مجملها مأخذا دامغا ً على الحكومة بالدرجة الأساس ثم على نخب قرانا وأحزابنا السياسية بالدرجة الثانية , وفي هذا المقام أستعين بفقرة من مقالة كتبها المرحوم المناضل الشيوعي الحتاري ابوحربي في ذكرى رحيل رفيق دربه أبي جوزيف حيث قال :(((,,,,,,,,,إلتقيته مرات ومرات وأتذكر حاثة لم أرويهاسابقا عنه, كان ذلك يوم عرس ولده سمير(حكمت)في قامشلي/سوريا, رأيت الدموع تنزل من عينيه رغم فرح مجموعة الأنصار ودبكاتهم وحضور الاصدقاء والأحزاب المتواجدةهناك, سألته لماذا الدموع يا أبا جوزيف؟ ردّ عليّ, قال أنها دموع الفرح والحزن,قلت كيف؟ قال أن العرس هو عرس ولدي وحتما أنها دموع فرح, أما دموع الحزن ,لأن زواج ولدي في الغربة وليس بين أهلي واقاربي وأصدقاء طفولتي, لهذا تراني أليوم تختلط دموع الفرح والحزن وهذا قدرنا, ,,,,,,بهذه المناسبة أناشد وأطالب المجلس البلدي في ألقوش عمل تمثال للمناضل ابو جوزيف في مدخل الناحية تخليدا ووفاء ً لنضاله,,,,,,,,,))


الوصول إلى ألقوش:

وصلت ألقوش قبل غياب السابع من حزيران , ومن نافذة السياره حاولت جاهدا مشاهدة الجديد البارز فوق أرضها , لكنني لم أتمكن سوى من القاء نظرة خاطفة بسيطة لم تثر إهتمامي ،ربما لاني كنت متأكد اني سوف امر بكل ذلك سيرا على اقدامي لاحقا، وصلت دارنا لأفاجئ والدتي ألتي كنت قد اخبرتها وتحوطا من ما ليس في الحسبان ، بأني سأصل في التاسع من حزيران وليس السابع ، وجدتها تسقي المتسلّق الأخضر الذي كان يغطي كامل واجهة بيتنا إضافة إلى جزء من واجهة بيت جارنا الملاصق ، لحظتئذ تذكرت ( الدرهم) الذي كنا نتقاضاه من المرحوم والدي عن جلب صفائح ماء من احد الابار القريبة لكي يسقي نفس هذا المتسلق وأشجار أخرى يوم كان الماء شحيحا.
بعد العناق الطويل الممزوج بدموع امي الحارة السخية،وبعد عتابها المّر كوني فوّت عليها فرصة التعبير عن فرحها بوصولي،حيث كما اسلفت كنت قد تحوطت للطواريّ ،لانها كانت قد اعدت احتفالية تبتدأ بذبح خروف اعبر من فوقه كدلالة على مدى معزتي عندها.


الذي أفرحني نسبيّا ً أثناء وجودي في ألقوش عقب كل ما كنا نسمعه ونقرأه من أخبار ، هو أن عاصفة المشاحنات العبثية (السياسية) ألتي كانت قد تصاعدت وتيرتها في مجتمعنا الألقوشي وبقية قرانا بعد سقوط النظام السابق،كانت وبفضل جهود الأخيار قد خف طنينها الآن بعد ان طالت شظاياها حدود شق صفوف المجتمع ردها من الوقت وإلى خلق المشاكل والشغب حتى ما بين الاصدقاء_ الذين كان قد نالهم ما نالهم من قمع نظام صدام _ لتصل حد تعكير أجواء الأسرة الواحدة، لكن واقع الحالة الراهنة وحاجتنا الماسة إلى رأب ما تركته المشاحنات من تصدعات ما تزال تستدعي ألى المزيد من تكثيف جهود الخيرين وتكاتفها بعجالة من أجل إعادة اللحمة إلى حالتها الطبيعية ليواجه الكل مجتمعين مسؤولياتهم في مواكبة واقعهم الجديد بروحية يسودها الإحترام المبني على التمسك بإبراز ثوابت الإنتماء النظيف للفكر والأرض والدم والتاريخ و بذل المزيد للترويج لهذا المبدأ .

وفق هذا المنحى المنوّه عنه أعلاه , دارت كل الاحاديث التي جمعتني بإخواني وأصدقائي في القوش طول فترة مكوثي فيها ،وهكذا في لقاء أصدقاء طيبين في تللسقف من ضمنهم الاستاذ باسم روفائيل وآخرهم كان لقائي المقتضب بالسيد جميل روفائيل ألذي وصل العراق متأخرا عن الموعد ألذي سبق و أعلمني به حيث وصل وأنا منشغل في التهيئة للمغادرة , و آخر حديث ممتع جرى كان في أمسية جمعتني مع عدة عوائل من أقربائي في عنكاوة في دار أبن عمّي العزيز سعيد توسا ( أبو نائل) وأبنائه وبناته وعوائلهم , كما تكرر لقاء مشابه له لكن في دار السيد سالم جبرائيل رزوقي(أبو سورث) في عنكاوه أيضا, وقد أغنى السيد ابو سورث أمسيتنا الجميلة بخبرته وطروحاته المتعلقة بواقع ومستقبل أبناء شعبنا عبر إشاراته الدقيقة إلى ما يتوجب على مثقفينا و فصائلنا السياسية عمله من أجل تجاوز المطبّات ألتي تواجه شعبنا , وبمناسبة ذكر مدينة عنكاوة, علمت أن هنالك ما يقارب المئة عائلة ألقوشية تعيش الآن في عنكاوة أغلبها طلبا للعمل والعيش.

لقد حرصت بشدة منذ سنوات وتوخيت ان لا اخوض من خلال كتاباتي أو حواراتي أي جدالا او نقاشا من شأنه ان يأزم علاقات شعبنا سواء في الداخل او خارج الوطن لعوامل نعرفها جميعا رغم أني أختلف حتى مع المقربيّن إليّ في مسائل لا أريد الخوض بها هنا ,وما أتمناه هنا من أهلي هو أن لا يتهمونني بالمتشائم ولا بهاوي إثارة النعرات بسبب ما سأطرحه , لأني سأحكي في ما سأكتبه لأنقل قدر مستطاعي وبحيادية شيئ عن ما رأيته وسمعته بنفسي وليس ما تتناقله الأخبار, وأترك شأن التصديق به من عدمه للقارئ المحترم وقناعاته ،لذلك ارجو الجميع اليوم ان يأذنوا لي بقول ما يعتمل في صدري بالصراحة التي عودتهم عليها دائما و بكل محبة وإعتزاز .

بين الأصدقاء:

في البدء ,أقول بكل تواضع وشجاعة: إني أعدّ نفسي ذلك الغائب المنهزم حين استجلي بحيادية الظرف الذي عاشه أهلي الذين رفضوا مغادرة الوطن رغم قسوته ،سواء خلال التسعينات ايام النظام السابق او خلال فترة الفوضى ما بعد سقوط النظام، لأنّ الظرف اليوم في القوش عدا الحالة الأمنية فهي مستقره, لكن الكلام عن المفاصل المهمة الأخرى (السياسية والإقتصادية ) ما تزال ليس بالهيبة التي يمكننا إعتماد الجانب الأمني سندا كافيا لكيل المديح بحقها وكفى , لأننا شعب معروف عنه طموحه ومثابرته و نتطلّع حالنا كحال أي شعب ناضل وكافح إلى المزيد والأفضل بالقدر ألذي يستحقه تاريخ هذه المدينة النضالي و عطاءات تضحيات أهلها ، ولا بد لهذا الواقع أن يعكس بعض الحزن والالم،ولكي أراعي الحقيقة قبل الإنقياد لمداراة المشاعر ، قررت ان اتواصل مع كل الذين كانت ولا زالت تربطني بهم سواء اصرة دم او علاقة زمالة عمل سابقة او علاقة فكرية واجتماعية من اي نوع، عن طريق الالتقاء بهم(دون ذكر أسماءهم الجميلة لكثرتهم والبركة فيهم ) ومن أجل التعرف على التجارب التي مرت بهم او تلك التي مروا بها خلال سنوات تغربي، وهذا ما كان فعلا .
الذي لفت نظري ومن اليوم الاول والثاني لوصولي الى القوش لم يكن سهلا قبوله ، حيث لاحظت ظاهرة غريبة أثناء لقاءاتي اثارت حفيظتي،الا وهي تخندق نسبة كبيرة من اصدقائي في خنادق ان لم اقل عنها معادية لبعضها او متخاصمة فقط من أجل الخصام ,أقول بأنها لا تلتقي مع بعضها في الرؤية النهائية لأبسط مرتكزات المجتمع الالقوشي و جوهر تطلّعاته،علما ان جميع الفرقاء تنادي بشعارات ملزمة لخدمة الشعب والوطن وتتكلّم بإسهاب عن أهمية تبني القرار الجمعي, لكن في حقيقة الأمر, أن ما ينقصهم فعلا لا يتعدى عتبة إعادة النظر في كامل المشهد لإعادة ترتيب الحالة من جديد, واذ أستهجن هذه الظاهرة المرضية في مجتمع كمجتمع القوش ،ادعو وبألحاح شديد الى تداركها قبل ان تنعكس نتائجها على ضمائر الاجيال سلبا فنكون قد اسأنا الى اهلنا من حيث نريد لهم الخير دون ان ندري ،وعلة هذا التخندق كما تأكد وليعذرني أصدقائي لو قلت بأنها في غالبيتها لا تنطلق عن قناعات فكرية او سياسية بقدر ماهي إنعكاس لمخلّفات عقود من القمع والملاحقات ممزوجة بقليل من الغيرة أو الكبرياء أحيانا علاوة على الظروف الاقتصادية التي تلم بأغلب هؤلاء المتخندقين بحيث اجبرت البعض على تناسي الثوابت الوطنية والقومية لابناء القوش الذين عرف عنهم وعلى مدى تاريخهم الطويل صبرهم الأيوبي و تكاتفهم امام المحن مهما إشتدت شراستها .

تسنى لي عن كثب ان اناقش هذه الظاهرة مع عدد لا بأس به من اصدقائي ومعارفي الطيبين من مختلف التيارات السياسية سواء تلك اليسارية التقليدبة اوالمستقله او القومية ذات النهج الجديد والمنحى ألذي لم نألفه عن حقائق التاريخ ومعطيات العلم والعقل ،وبعد تلك النقاشات الهادئة خلصت لدي قناعة تقول أنّ ألسياسات ألتي إعتمدها النظام السابق وألتي إمتدّت لعقود,خلّفت في نفسية العراقيين ( الألقوشييين خصوصا)شهوة الرفض أو المعارضة المزمنة أو لنسمّها ثقافة المعارضة بحسب المفاهيم العصرية, بحيث أصبح إقصاء الذات عن موقع إتخاذ القرار إجراء ً نمارسه طوعياً مضاف إلى عوامل اخرى مهدّت للآخر إحتلال موقع صاحب القضية بغير حق .

يتبع..في حلقة ثانية

Opinions