Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

لهذه الأسباب انهارت القاعدة في العراق

يبدو أن عمر تنظيم القاعدة في العراق بدأ يشارف على نهايته. فالضربات الموجعة التي تلقاها افراد هذا التنظيم و التي كان من أبرزها و ليس آخرها مصرع أبو عمر البغدادي ، أمير ما يعرف بدولة العراق الإسلامية و نائبه أبو أيوب المصري أو المهاجر أدت إلى تقويض أركان هذه الدولة المزعومة. و قد أدى هذا التسارع الكبير في عمليات اعتقال قادة هذه الدولة و ولاتها إلى التساؤل حول مصير تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.



فالمتابع لمسيرة الأحداث يرى وجود عدة عوامل تؤدي إلى تقويض وجود القاعدة في العراق و استحالة نجاح مشروعها في إقامة ما يعرف بدولة العراق الإسلامية.

فهذه الدولة المزعومة و التي أعلنت في العام 2004 هي غير واضحة المعالم و هي لا تمتلك مقومات الدولة سواء أكان هذا من الناحية التشريعية أو التنفيذية . حتى أن العديد من منظري التيار السلفي يشكلون على قيام هذه الدولة كونها تقوم في ظل الاحتلال حسب تعبير هؤلاء. كما أنها لم تقم على اساس الشورى على الرغم من اسم (مجلس شورى دولة العراق الإسلامية) الذي يطلق عليها.



و لا يخفى على أحد تبعية دولة العراق الإسلامية لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين و اسامة بن لادن و الظواهري المتواجدين في خارج العراق. و هذا أدى إلى عدد من الصراعات الداخلية بين قادة و أمراء التنظيم نفسه. فالبعض منهم رفض أن تكون أوامره صادرة ممن هو من خارج العراق و الآخر أراد أن تكون سيطرته مركزية على مجمل التنظيم بما في ذلك إصدار الفتاوى. و قد ظهرت العديد من بوادر الشقاق و الخلاف داخل صفوف هذا التنظيم من خلال الرسائل التي نجحت قوات الأمن العراقية في فكّ شيفرتها و من خلال اعترافات بعض أفراد التنظيم الذين تم اعتقالهم.



و قد حاول البعض من منظري هذا التيار القضاء على هذه الإشكالية من خلال وضع شرط أن يكون أمير دولة العراق الإسلامية قرشيا ً في نسبه. و ذلك بهدف حل إشكالية النزاع على السلطة التي زعزعت من تشكيلة هذا التنظيم و هرميته. و هذا ما حصل مع أبو عمر البغدادي الذي تولّى هذا المنصب بدلا ً من أبو ايوب المصري على الرغم من أن الأخير كان العقل المدبر لكل العمليات التي تمّت. و هو الأمر نفسه الذي حصل مع الأمير الجديد لهذه الدولة و المعروف باسم أبو بكر البغدادي الحسيني القرشي على الرغم من أن الأوامر الفعلية تصدر عن المغربي الجنسية و المعروف باسم الناصر لدين الله أبو سليمان الذي عيّن كوزير للحرب.

و للتمويه على هذا الصراع الداخلي على السلطة تم إدخال بعض الأمور الشرعية من التاريخ الإسلامي كقضية الخلافة و ربط هذا الأمر على انه تجسيد لعلاقة الإسلام بالسلطة السياسية.



إلا أن كثيرا ً من مؤيدي الفكر السلفي يعتقدون بأن تشدد دولة العراق الإسلامية في الكثير من الاحكام الشرعية و صراعها مع العشائر العراقية ، كانا من العوامل الاساسية في سحب البساط من أمراء هذا التنظيم في العراق. فقضية جواز خروج المرأة إلى مزرعتها بدون جلباب مع وجوب لبسها للنقاب على سبيل المثال كانت من جملة القضايا التي تشير إلى قلة الوعي و الفهم التي تميّز بها من قام بإصدار هذه الأحكام . و هذا ما يعتبره بعض السلفيين ابتعادا ً عن الواقعية.



و يضيف هؤلاء بأن العراق ليس افغانستان و لا اليمن أو الصومال . فالشعب العراق شعب متعدد المذاهب و الأديان و القوميات و لا يجوز التعامل بفكر منغلق مع الجميع و وفق معايير لا تتناسب مع الواقع و الزمن الذي نعيشه. فقضية الاختلاط في التعليم كمثال آخر و التي حاربها أمراء هذا التنظيم في العراق و قضية التعصب الديني هي أمور أدت إلى توحيد العراقيين ضد فكر هذه الدولة المزعومة و تأليب معظم العشائر العراقية عليها. خاصة تلك العشائر التي اعتقدت القاعدة بأنها سوف تكون حاضنة لها في المنطقة الغربية من العراق.



إلا أن أمراء التنظيم و من يواليهم لا يؤيدون هذا الاعتقاد و يميلون إلى الرأي القائل بأن نجاح الحكومة العراقية في تشكيل الصحوات و الأموال التي أغدقت على هذه العشائر هي من ساعدت في نجاح الحكومة العراقية في إعادة سيطرتها على تلك المناطق.



و لا يخفى على أحد بأن دولة العراق الإسلامية هذه أخذت على عاتقها محاربة الشيعة في العراق و هم الغالبية السكانية في البلاد. و هذا أدى إلى فقدان القاعدة إلى الأرضية الصلبة التي تستند عليها . فهي فقدت تأييد السنة في المنطقة الغربية و بعض المناطق الشمالية و استعدت الشيعة في بغداد و جنوب العراق بل جعلتهم هدفا ً لحربها.



و هنا برزت مشكلة التجنيد و التمويل كمصادر مهمة في دعم عمليات القاعدة في العراق. فالشباب العراقي الذي يشكل غالبية سكان العراق كان من أبرز ضحايا عمليات التنظيم الانتحارية التي شنّها هنا و هناك. لذا فإن التوجه الشعبي صار متوحدا ً ضد وجود هذه الدولة المزعومة على الرغم من المحاولات اليائسة لإعطاء الصبغة الطائفية لهذا التنظيم من خلال استغلال أسماء بعض الصحابة و إطلاقها على أمرائهم و عملياتهم.

و للالتفاف على هذه المعضلة المتمثلة في صعوبة إيجاد من يقوم بهذه العمليات لجأ أمراء هذا التنظيم إلى عمليات الخطف و التهديد خاصة للنساء و الأطفال و ابتزاز عوائلهم للحصول على الأموال أو استخدام المخدرات للسيطرة على هؤلاء الشباب.



إلا ان التواجد الأمني المكثف و عمليات المداهمة التي قامت بها القوات العراقية و التشدد في مراقبة الحدود إضافة إلى تطور كفاءة القوات العراقية و طرق قتالها و تكتيكاتها كلها عوامل أربكت القاعدة و ساعدت في تجفيف منابع التمويل و التجنيد التي كانت ترفد دولتها في العراق. و هذا ما أدّى إلى ازدياد حالات السطو على بعض المصارف و المؤسسات التجارية بغية الحصول على الأموال. و قد لوحظ ارتفاع عمليات السطو على محلات الصرافة و قتل و اختطاف عدد من التجار في بغداد في العام 2009 . حتى أن هذا التنظيم كان قد عيّن المدعو (طارق حسان عبد القادر) و الملقب أبو ياسين الجزائري كمسؤول عن عمليات السطو المسلح على المصارف و محلات الصاغة و شركات الصرافة في العراق.



و يبدو من خلال التحليل أن اعتماد دولة العراق الإسلامية على الأموال هو رئيسي في تمكنها من الاستمرار في عملياتها و هذا يتنافى مع المبدأ القائل بأن الناحية الفكرية و العقائدية هي من تحفّز على القيام بالعمليات الانتحارية و التي تعتبر استشهادية من وجهة نظر أمرائها. و قد أشار السيد إمام عبد العزيز الشريف المعروف (بالدكتور فضل) و هو الزعيم السابق لتنظيم الجهاد المصري في كتابه (مذكرة التعرية لكتاب التبرئة) إلى هذا الأمر. حيث أوضح أهمية عامل الشعبية لحصول تنظيم القاعدة على التبرعات و الأموال و هو الأمر الذي تستخدمه القاعدة في خطاباتها الدعائية. إلا أن الخطاب الدعائي لدولة العراق الإسلامية بات غير قادر على تبرير أعمال القتل و الدمار التي تستهدف المدنيين الأبرياء.

و هذا إن دلّ على شيء فيدل على الصعوبة التي يواجهها هذا التنظيم في إقناع الشباب العراقي و السنّي خاصة ً على اللحاق بصفوفه و الانصياع لأوامره.



و هنا تبرز إشكالية جديدة تعيق قيام دولة القاعدة في العراق على خلاف ما هو موجود في الصومال أو افغانستان و حتى اليمن. فالسنة في العراق اصحاب مدرسة متطورة و منفتحة على المذاهب الأخرى . أمّا دعاة الفكر التكفيري فهم قلّة و قد يكونون معدومين إذا ما قارنا العراق بالبلدان المذكورة آنفا ً . لذا فإن كل فتوى تخرج من أمراء دولة العراق الإسلامية يجابهها علماء السنة بفتاوى تحرم قتل الابرياء أو استخدامهم كدروع بشرية.



و هذا ما دعى الكثير من معارضي قيام دولة العراق الإسلامية من داخل التيار السلفي إلى الدعوة إلى الخروج من العراق بأسرع وقت ممكن و عدم الوقوع في مأزق يؤدي إلى هزيمة محتمة للقاعدة في بلاد الرافدين. و يشبه أحد مفكري التيار السلفي دولة العراق الإسلامية بكيس بلاستيكي منتفخ و مليء بالسائل ، ما إن تحدث فيه ثقبا ً صغيرا ً حتى ينهمر السائل كله و يضيع و ينتفي هذا الانتفاخ الكاذب.



و يبدو أن أمراء دولة العراق الإسلامية قد فقدوا القدرة على تحديد مفهوم الجهاد الصحيح فباتوا يرون في كل من يخالفهم مجرد الرأي عدوا ً حقيقيا ً يستوجب الهلاك و القتل. حتى لو كان هذا الطرف إماما ً لأحد المساجد.. كما حدث مع إمام مسجد بعقوبة الشيخ عبد الله جاسم شكور الصالحي الذي انتقد هذا التنظيم خلال خطبة صلاة الجمعة فكان جزاؤه القتل و التمثيل بجثته.

و قد حدث الأمر نفسه مع إمام مسجد قرية آل شاهين في بعقوبة الذي أعدم أمام أنظار عائلته لمجرد انتقاده لأفعال و تصرفات قادة تنظيم القاعدة تجاه العراقيين على حد سواء.



و كان عدد كبير من قادة القاعدة في خارج العراق و داخله قد أعلنوا في أوقات سابقة عن رفضهم لرؤية دولة العراق الإسلامية في استهداف المسلمين و التأثيرات العكسية لهذه التصرفات على شعبية هذا التنظيم و تهديدا ً لوجوده. و قد صدر عن أحد قادة القاعدة و هو المدعو (أبو محمد المقدسي) رفض صريح للتكفير وتنديد بتنظيم القاعدة بسبب عمليات القتل من دون تمييز. أما الشيخ (نجد الراوي) فقد حذّر من الإفراط في التكفير لأنه سوف يولد عداءً غير مبرر. كما نصح الشيخ (حامد بن عبدالله العلي) و هو أحد قادة الحركة السلفية في الكويت الجهاديين بالاعتراف بحرمة دماء المسلمين و الكف عن استهدافهم.

أما (أبو يحيى الليبي) فقد حذّر من الأخطاء العملياتية التي تؤدي إلى سقوط ضحايا من المسلمين و تنفير شريحة واسعة منهم من القاعدة.



و قد أظهرت إحدى الدراسات التي قام بها مركز بحثي متخصص أن معظم ضحايا العمليات التي قامت بها القاعدة كانوا من المسلمين. و أوضحت الدراسة التي أجريت في الفترة الزمنية (2006-2008) إلى أن (98%) من مجمل ضحايا القاعدة كانوا من المسلمين على الأراضي العربية والإسلامية، بينما لم تتجاوز نسبة الأجانب الغربيين من القتلى جراء عمليات القاعدة (2%).



و لا يزال النقاش حول تحديد هوية العدو قائما ً في داخل صفوف التيار السلفي نفسه حيث يتم تفسير بعض الأحاديث على أنها تبرير لقتل المدنيين الأبرياء في حين يتم تجاهل أحاديث أكثر صراحة و وضوحا ً تحرم قتل الأبرياء و تحث على احترام النفس البشرية.



و يحاول أنصار الفكر السلفي الذي ينتمي إليه قادة و أمراء القاعدة حل العديد من القضايا الفكرية التي تؤثر على وجودهم كتنظيم ليس على الصعيد العراقي و حسب و إنما على الصعيد العربي و العالمي. لهذا فجدلية الصراع مع الحكومات العربية ما تزال في سلم أولويات هذا التنظيم . كما أن التناقض الداخلي بين مفهوم الدولة المزعومة و التنظيم المكون من عدة أفراد و جماعات يشكل عامل ضغط نفسي شديد على أفراد هذا التنظيم.



و يخشى أمراء القاعدة و على رأسهم من هم في خارج العراق من أن يؤدي سقوط دولة العراق الإسلامية إلى بداية سقوط كامل الشبكة في المنطقة العربية و الإسلامية. لذا يفضل البعض منهم الخروج من العراق حفاظا ً على ماء الوجه و للإبقاء على الصورة الإعلامية للتتنظيم كقوة لها فعاليتها ، على الأقل في أذهان مناصريها .



و يُشكل البعض على دولة العراق الإسلامية المزعومة بقاءها في إطار السرية و عدم قدرتها على التحرك بصورة علنية كما هو الحال لأعضاء هذا التنظيم في بلدان أخرى كأفغانستان و باكستان و الصومال . التي يخرج افرادها بين الحين و الآخر على شاشات التلفزة للتهديد و الوعيد . في حين يبقى تحرك أمراء القاعدة في بلاد الرافدين محصورا ً في مناطق محدودة و معتمدا ً على بعض الرسائل الشفهية و بعض البيانات المنشورة على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).



و لدحض هذه الصورة قامت القاعدة مؤخرا ً ببعض العمليات اليائسة التي استهدفت أحياء و أبنية سكنية و عمالا ً و موظفين في مناطق سكنية لا وجود فيها لقوات أمنية أو حكومية. الأمر الذي فسّر على أنه الرمق الأخير في عمليات تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.



و من المشاكل الكبيرة التي يواجهها أفراد القاعدة في العراق افتقارهم إلى الغطاء الجغرافي الذي يحصلون عليه كما هو الحال في كل من افغانستان و اليمن حيث التضاريس الجبلية و الوعرة . فالعراق أرض منبسطة صحراوية يصعب الاختباء فيها أو حتى القتال و صد الهجمات المضادة كما يحصل مع مقاتلي القاعدة في المغرب أو اليمن و افغانستان. مما أجبر العديد من هؤلاء على الاختباء في المدن و الأحياء السكنية. و قد أدى هذا إلى مزيد من النقمة الشعبية على أفراد هذا التنظيم و استحالة تقبل وجودهم ككيان ملطخ بالدم في داخل الدولة.



لذا فإن دولة العراق الإسلامية المزعومة و بحسب توقعات منظري التيار السلفي ذاته هي أمر غير منطقي و لا واقعي و هي دولة وهمية لا وجود لها إلا في أذهان من يحلمون بالسلطة و الإمارة . و ينصح هؤلاء بالخروج من العراق بأسرع وقت ممكن و البحث عن بديل أو التركيز على اليمن و الصومال و أفغانستان. في حين يدعو البعض الآخر إلى الالتفات إلى النواحي الفكرية و العقائدية لتأسيس فكر أكثر انفتاحا ً على الآخر مع مراعاة الظروف الموضوعية و المؤسساتية لقيام الدول. و يستشهد هؤلاء بهجرة الرسول الأكرم (ص) إلى المدينة و كيفية تأسيسه لدولته و ذلك على الرغم من الاختلاف الشديد بين أفكار رسول الله (ص) و أفكار هؤلاء.



و يحاول بعض متشددي التيار السلفي تجنب أية هزيمة محتملة للقاعدة في أي بقعة من العالم مع الإيحاء بأن قادة هذا التيارهم المقاوم الوحيد و الشرعي للمشاريع المعادية للإسلام في العالم. إلا أن ّ هذا يفسر من قبل البعض بأنه نزاع على مركز الصدارة في زعامة العالم السني المسلم.



و يحاول هؤلاء تجنيب مشروعهم الجهادي صفة القطرية و الابتعاد عن تأليب الحكومات العربية ضدهم . لذا فهم يحاولون الخروج من هذا الإطار إلى إطار أكبر و أوسع. كما أن هذا الرأي يتناسب مع رغبة البعض في تصدير أزماته إلى العراق و إبعاد من يسمّون بالمتشددين عن أراضيه. فالعراق من وجهة نظر هؤلاء يجب أن يكون ساحة للصراع و أن يبقى مركزا ً لاستقطاب الأفراد و الجماعات المتشددة من كل حدب و صوب. إلا أن الواقع الذي تعاني منه القاعدة في العراق يجبر العديد من السياسيين و المنظرين على تغير حساباتهم و البحث عن بديل آخر للعراق في اقرب وقت ممكن.

Sadekalrikaby@gmail.com
Opinions