متى نتعلم الدرس؟/1
طرحنا في المقال السابق (المقدمة) بعض التساؤلات التي غايتنا من خلالها أيصال المعلومة الصحيحة الخالية من الهدف، والمصلحة؛ خاصة لكي يكون السياسيون الذين يمثلون شعبنا، أكثر مسؤولية وحرص على مستقبل الأمة (السريانية الكلدانية الآشورية) وتأخذ طريقا مرسوما ومحسوبا نوعا ما بدقة بين باقي أمم العراق لكي نستفيد من أفرازات الواقع السياسي الجديد والأسلوب الديمقراطي الذي بدأنا نمارسه وهو بأن تكون لصناديق الاقتراع الفيصل بين الفائز والخاسر فيها وليس البندقية أو السلاح الجارح، هذه العملية ومن المفروض أن نكون فيها من المتميزين بحكم النسبة العالية من الثقافة التي يحملها أبناء الأمة بغض النظر عن كل الاعتبارات الأخرى.لذلك أردت من هذه السلسلة من المقالات أن أشرح للقارئ ما قد يكون غير واضحا لديه في اللعبة السياسية لكي تتضح عنده الصورة ويحدد ملامح قراره المستقل والذي يصبّ في صالح أمتنا المغلوبة على أمرها والباحثة عن المستقبل الأكثر بهاءً وتألقاً!!
اللعبة والدرس:
مما يتوضح من العنوان أن هناك درسا ينبغي علينا تعلمه في زمن غير محدد، ومما سبق الحديث عنه وجود لعبة سياسية، فإذاً درسُنا هو المطلوب الاجتهاد فيه حول هذه اللعبة لكي نتقن قواعدها ونلعبها كلاعب أساسي وليس لاعباً مكَمِلاً وأحيانا كما يحلو لأهل الرياضة يقولون أنك (لاعب وراء الـﮕول) أي خلف الهدف لجلب الكرات الخارجة من الساحة!!!
فهل نرضى لأنفسنا أن نكون لاعبين في هذه اللعبة وفي مثل هذا الموقع الهامشي، كلا، بل أمنيتنا أن نكون من اللاعبين الأساسيين الذين يُطبقون خطة المدرب ويحققون الأهداف وبالتالي كسب المباراة. وهنا لا أريد تشتيت فكر القارئ ليذهب في التفكير وكأننا نقصد الحديث عن مباراة لكرة القدم، إنما جاء هذا التشبيه لأننا تطرقنا إلى اللعبة؛ وبالتأكيد نقصد بها اللعبة السياسية. وكذلك الانتخابات وغيرها.
قارئي العزيز مع الاختلاف بالأهداف فقد تصحّ عملية التشابه التي سقتها في المثل السابق؛ فالمدربون هنا في لعبتنا السياسية هم أحزابنا السياسية، وكابتن الفريق أيضا، لكن معظم اللاعبين هم من الشعب الذين عليهم تطبيق خطة المدرب، وليس الفشل دائما في أي لعبة يعود إلى اللاعبين، بل أيضا لخطة المدرب تارة وجهله بالتطورات والحديثة منها في جانب الخطط والتكتيك. وهنا ممكن أن نجزم بأن المسؤولية مشتركة، بل جماعية، فكم من لاعب مجتهد ينقذ الفريق كله بنشاطه الدؤوب وحرصه العالي والمتفاني، وكم من مدرب بخطته المحكمة وبتطبيق لاعبيه لها وحتى لو كانوا مغمورين يكسبون نتيجة المباراة ويحققون غايتهم.
لا تجعز عزيزي القارئ كوننا في بداية السلسلة من المقالات والتي تأتي من وحي الانتخابات التي بدأ الشعب العراقي يمارسها، والتساؤلات التي جاءت في مقدمة هذه المقالات ينبغي الاجابة عليها وتوضيحها لأبناء الأمة لكي يتجلى لديهم أهمية دورهم وقرارهم في دعم ممثلي شعبهم في هذه العملية، وغايتنا أن ينتقل شعبنا خطوات إلى أمام ومع كل خطوة ديمقراطية، لذلك فإن كتبنا بدون هدف مرسوم فنكون من دون شك نقوم بإضاعة وقت القارئ.
الوعي:
ولكي ندخل في صميم الدرس والبدء في الشرح والتوضيح لهدف وغاية الكاتب مما ابتغى أيصاله للقراء الأعزاء، فالمقصود ولأول وهلة من شعبنا أن يكون واعيا ومدركا لنفسه وأهميتها ولما حوله في كل الأمور والمتغيرات ولِما يسعى الوصول إليه باقي شركاء الواقع العراقي، وكما شاهدنا من مشهد الانتخابات في كانون الأول 2005 وجود كم هائل من الكيانات والتآلفات السياسية منها: الدينية السياسية، ومنها العلمانية السياسية، أو القومية السياسية.... أي أن القاسم المشترك لكل هؤلاء هو السياسة، الجميع في خططهم وأهدافهم تأتي السياسة أولا، لذلك دخلوا هذا المعترك، وطبعا إلى جانب هذا الحرص والنضال وغير ذلك من المصطلحات لدى أهل السياسة التي من خلالها يتم تحقيق الأهداف ولكل كيان حسب برنامجه الخاص به.
وهنا يجب أن نكون على درجة عالية من الوعي وتحقيق مصالح أمتنا في هذا المعترك المزدحم من السياسيين في الكيانات العديدة، وقد نجد من يلوم هذا الحزب أو ذاك في أمتنا؛ مرة كونه لم يأتلف مع تلك القائمة القوية أو غيرها، وأخرى كان اللوم لأنه قام بالتحالف مع غيره من الأحزاب في كيان انتخابي محدد !!! فأين هو الصواب وأين يتوجب علينا تركيز وعينا في كل هذا؟ بل أين هي مصلحة أمتنا الواحدة بألوانها الثلاثة؟ هل هي بالتحالف مع الأقوياء أم بخوض المعركة الانتخابية مستقلين ومعتمدين على أنفسنا ودعم شعبنا؟ بلا شك أنهما موقفان معقدان وهما بحاجة للحكمة العالية من السياسيين العاملين بين أبناء شعبنا لتحديد ورسم ملامح المستقبل الذي يتطلب هنا القراءة الصحيحة للمستقبل لأن في كلتا الحالتين يجب أن نتوقع الخسارة للأمة وقد تكون فادحة!!! وكيف لنا أن نجتاز هذه المعركة ونصل إلى الفوز ونحقق أهداف الأمة؟
والوعي هنا ليس فقط لأحزابنا السياسية بل لشعبنا أيضا، فعليه أن يعي بأن يكون له قرار شجاع ويصب في صالح أمته، ويأخذ في الحساب أن أمته كانت يوما عظيمة جدا وشغلت الدنيا بل تحكمت بها وكان العالم كله يحترمها تارة لقوتها وأخرى لحكمتها وتطورها الحضاري، وهي التي وضعت الأسس التي لا زال العراق يفخر بها، ومن هذا الأرث المبارك يتوجب على أبناء اليوم العمل المضني لاستعادة تلك الصورة البهية وإزالة ما علق بها من ركام الأيام وتشوهات الزمن، وهذا يبدأ أولا بالوعي لهذه الحقيقة والانطلاق نحو البناء وعلى كافة الأصعدة ومنها موضوعنا الذي نحن بصدده.
فمصلحة الأمة يجب أن تكون نصب أعيننا في حملتنا الانتخابية سواء كنا فرادى أم متحالفين مع غيرنا، لأن القرار المستقل الذي يخدم مصالح الأمة هو المهم في القضية، فبالتأكيد عندما نخوض الانتخابات بمفردنا ومتكلين على أبناء أمتنا وأصدقائنا لِمَنحنا ثقتهم وأصواتهم سيكون هذا قراراً مستقلا وباتجاه الأمة بشكل كلي ودون خوف من تدخل أي طرف من القوى الأخرى في تحديد شكل ونوع القرار. وبعد حسم النتائج مهما كانت بسيطة قياسا بالرقم الكلي الذي سيكون كسبا لأمتنا حتى لو كان صوتا واحدا؛ لأن هذا الصوت نتفاخر به كونه بأصوات أبناء الأمة ومن دون شك من يفوز بأصوات أمته سيكون صوته جهورا ومتميزا عندما يتحدث باسمها لأنه انبثق من رحمها ومن عقلها وقرارها، وبعد وضوح الرؤيا تأتي التحالفات لاحقا لكسب ما يمكن كسبه من الكيانات الأخرى لمصلحة الأمة.
أما إذا أخذنا الجانب الآخر وحسم أمرنا منذ البداية وقبل دخول المعركة الانتخابية بالتحالف مع قوى معينة دون غيرها، فهنا قد نخسر كل شيء عند انجلاء غبار المعركة الانتخابية، وقد نكسب صوتا هنا أو هناك، لكن هذا الصوت هل سيكون مستقلا عن قرار التحالف الذي ساعده للفوز أم يكون مرتهنا به؟ هنا يكمن الوعي لكي يكون تحالفنا مع غيرنا مبنيا على قرارنا المستقل الذي تمليه عليه مصلحة الأمة، لكي يتفاخر من صعد بهذا الشكل بأنه مُلكا لأمته وأمينا لها ولأبنائها.
هذه إذن جانبا من قواعد اللعبة التي تقتضي وعيا عاليا لموازنة الأمور والمصالح ذات الغاية الأسمى لإعلاء شأن الأمة في هذا المعترك الحاسم الذي يرسم ملامح المرحلة المقبلة من عمر العراق الذي يمتد إلى أربع سنوات قادمة وإن كنا مبتدئين في هذا المجال فلنا مستقبل ممكن أن نعمل لكي نتقن هذا الفن وننطلق نحو الغد الأفضل الذي سيكون ربما بعد أربعة سنوات وهي جدا كافية لتعلم الدرس والانتقال إلى مرحلة التطبيق.