Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

متى يرسم شعبنا الحدود بين ما هو ديني ومذهبي وبين ما هو سياسي وقومي

 

هناك خلط كبير لدينا نحن ابناء شعب واحد بمختلف تسمياته ومذاهبه حول أمور كثيرة لا سيما بين الدين والمذهب من جهة والسياسة والقومية من جهة أخرى وأظن ان واقعا إجتماعيا كهذا صار من الأسباب الرئسة لما نعانيه من تهميش وتخلف وتمزق.

تقريبا كل شيء يدور حول المذهبية بينما المذهب ما هو إلا تفسير بشري لنص ديني واحد تلتزم به وقدسيته اتباع ذلك الدين بمختلف مشاربهم.

والتفسير وليد المكان والزمان والظروف آنية وغيرها وإن نظرنا إلى أكثر المذاهب شيوعا في اي دين لرأينا ان ما يلتزم به اليوم من تفسيروالذي  يضعه احيانا حتى فوق قدسية النص الذي لديه كان بمثابة كفر يعاقب عليه قائله اشد عقوبة في الماضي.

المذهبية والطائفية

والمذهب يتحول إلى مذهبية او طائفية – وهي كلمات وأوصاف سلبية – عندما يضع اتباع مذهب محدد او حتى دين محدد مصيرهم بيد عدد محدد من كبار رجال الدين او ربما رجل دين واحد ويجعلون منه اية ويعلنون ولاءهم المطلق له ولما يقدمه من  تفسير للنصوص التي يعدونها مقدسة. والولاء المطلق، أي نفذ ثم ناقش او بالأحرى نفذ ولاتناقش و في أي مسلك – ديني، سياسي، إقتصادي .. ألخ – يعد اليوم ظاهرة شمولية يجب مقاومتها إن أراد المجتمع، أي مجتمع، التطور والإزدهار.

وهذه أيضا ظاهرة بشرية – وليس سماوية – سلبية جدا لأن هدفها مؤسساتي سياسي منفعي سلطوي يتخذ الدين – التفسير البشري للنص – لخلق مذهب يتحول بالتدريج إلى مذهبية او طائفية  شمولية تلقن أتباعها ما مفاده ان هذا التفسير أي المذهب هو التفسير الصحيح وما عداه خاطىء او كفر وهرطقة.

وبمرور الزمن يتقبل الناس التفسير هذا ويجعلونه نبراسا لحياتهم ويقيّمون موقعهم وموقع الأخرين بموجبه ليس في هذه الأرض بل في السماء ايضا.

وبمرور الزمن تتكون لديهم مفردات وألفاظ ، أي خطاب محدد له قوالب لغوية جاهزة يحكمون على الأخر وثقافته وأسلوب حياته من خلالها،  أي إن إستخدم شخص الفاظهم هو منهم وإن إستخدم ألفاظا أخرى للتقرب من الأخر والحوار معه ضمن نطاق ثقافته وأسلوب حياته صار عدوهم – عدوهم في هذه الأرض وعدوهم بعد الممات لأنه ما دام لا يستخدم الفاظهم ولا يقبل سلطة رجال دينهم فإن مصيره الجحيم.

ماذا عن وضع شعبنا

وبما أنني أكتب لهذا الموقع الذي غالبية قرائه من أبناء شعبنا اقول إن الخلافات التي تعصف بشعبنا لها جذور مذهبية وطائفية تستند في جوهرها إلى تفسيرات بشرية للنص المقدس ضمن الإطار الفكري الذي أتينا به أعلاه.

ولنفترض ان هناك مذهب الف وباء وجيم تتمثل بكرسي 1 و2 و3. أكاد أجزم أن السواد الأعظم من اتباع أي من المذاهب والكراسي لا يفقه الفرق بين مذهبه وكرسيه وبين المذاهب والكراسي الأخرى. وحتى لدى المتنورين ومن ضمنهم كبار رجال الدين لا يتجاوز الفرق الألفاظ الخاصة بالمذهب الذي هم عليه يتخذونها هي وليس جوهر الرسالة الإنجيلة معيارا لتقيم أنفسهم والمختلفين عنهم أيضا. كل ما يملكونه هو جمل ومفردات وعبارات – الفاظ – محددة يرددونها ويمنحون انفسهم أفضلية من الناحية البشرية والسماوية بناءا عليها ويضعون الأخرين في مرتبة إنسانية وسماوية ادنى إستنادا إليها. 

ظاهرة خطيرة

وهذه ظاهرة خطيرة لأنها تمنح الأقوى بين المذاهب والكراسي الأفضلية على الأخرين بحيث لا تُقبل مساواتهم مالم يتبعوا ويمارسوا الألفاظ التي لدى صاحب السلطة والقوة. وهذه أيضا حالة بشرية عامة لها إنعكاساتها في شتى ميادين الحياة حيث لا يقبل فيها القوي ان يساويه الضعيف ما لم يصبح تابعا ذليلا له.

الشعوب المتمدنة أنهت سيطرة المؤسسة الدينية أي رسمت حدودا فاصلة بين الدين والمذهب وبين الهوية والسسياسة والقومية وما النهضة الأوروبية (الغربية) إلا إنعكاسا لهذا الفرز المهم في الحياة.

شعبنا ضحية المذهبية والطائفية

شعبنا الواحد بتسمياته ومذاهبة المختلفة ونتيجة لظروف تاريخية قاهرة لا يزال ضحية عدم فرز بين ما هو ديني ومذهبي وطائفي وما هو سياسي وقومي يخص هويته وإرثه وتراثه وموروثه ولغته.

 ومن هذا المنطلق لا يزال بعض الأخوة والأخوات من مثقفي ومثقفات شعبنا لا يقبل او يتغاضى عن الفرز الذي أجريه في كتاباتي بين الكنيسة كرسالة إلهية والكنيسة كمؤسسة بشرية ويغلّف تقريبا كل شيء بإطار مذهبي وطائفي.

ولهذا حتى إن كان لنا الدليل المادي ان جريمة كبرى تم إقترافها بحق شعبنا وهويته القومية بإسم المذهبية ينبري لنا بعض الأخوة بالقول بأننا اعداء للكنيسة كرسالة سماء وهذا بالطبع ليس صحيح على الإطلاق.

وأخر ضربة لهويتنا القومية – اي لغتنا – وردت في تصريح للناطق الرسمي  بإسم البطريركية الكلدانية حيث ظهر ان واحدا من أهم الكنوز التي نمتلكها كشعب وأمة والتي تخص هويتنا – أي ذاكرتنا القومية – المتمثلة بمخطوطات لا تقدر  بثمن جرى إتلاف بعضها نتيجة الإهمال وعدم إكتراث المؤسسة الكنسية الأرضية وليس السماوية (رابط 1). أليست هذه كارثة بحق هويتنا القومية والكنسية؟ 

ولكن هذه الكارثة لم ولن تجلب حتى إنتباه وليس نقد بعض "القوميين" من ابناء شعبنا لأن مسببها الكنيسة (المذهب او الطائفة). لنفترض أن مسببها ليون برخو او مذهب أخر، فماذا كنا نتوقع؟

وبإمكاني الإتيان بعشرات الأدلة وبعضها اشبعته نقاشا في مقالاتي السابقة والذي لا يمكن إستيعابه إلا ضمن اطار الفرز ورسم الحدود بين ما هو لله وما هو لقيصر.

هذا بيت القصيد ولهذا السبب لا استطيع مهادنة المؤسسة وأحاسبها كما أحاسب نفسي واحاسب اي من طلبتي او اقاربي او الناس حولي.

هذا ما علمتني اياه مسيحيتي المشرقية اي انا مسيحي مشرقي وليس مسيحي لاتيني او غربي – وهذا فرز أخر علينا إستيعابه لأنه جزء من هويتنا – وهذا واحد من الأرصفة الفكرية الاساسية التي ابني عليها فلسفتي وأتخذها نبراسا في كتاباتي.

رابط 1

http://www.chaldeaneurope.org/2013/06/27/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%81%D8%A7%D8%B8-%D8%B9%D9%84%D9%89/

 

Opinions