Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مثالين من حرب الرموز السياسية داخل الوطن العربي


"عبدالكريم قاسم استثنائيته ،،،في كونه موحدا للشعب ،،يجب ان يهشم لتهشيم الشعب"، هكذا كتب أحد الأصدقاء المعلقين على مقالتي السابقة (الثانية) من هذه السلسلة حول حرب الرموز التي تشنها أميركا علينا وعلى بلدان عديدة أخرى تقع تحت تأثيرها.(1) وقد جرى بعض التحديث على المطالب التي ذكرناها في تلك المقالة بالإستفادة من المناقشات التي جرت على النت، فتم تغيير لقب "أبو الشهداء" بـ "شهيد الشعب" تجنباً للإختلاط مع لقب الشهيد الإمام الحسين، وكذلك اقترحنا إسم "شارع قاسم" بدلاً من "شارع عبد الكريم" للسهولة اللفظية. 

نؤكد هنا أن للزعيم أخطاءه، وأننا في حملتنا لتثبيت رمز الزعيم، إنما نكتفي بالخطوط العريضة لشخصية الرجل والأعمال الأساسية الكبيرة التي قدمها خدمة للعراق ولم يفعلها قائد غيره، وكونه رمزاً بنزاهته وزهده، وهي ما يحتاجه العراق في رمزه.

في هذه الحلقة الثالثة من المقالات نتحدث عن مثالين على حرب الرموز السياسية من لبنان ومصر، وسنكمل في حلقة قادمة حول  حرب الرموز الثقافية التي تشن ضد الشخصية العربية وغيرها استكمالاً للموضوع. 

***

يكتب الدكتور عامر محسن عن لبنان في مقالته "كيف نتعلّم أن نحبّ القنبلة"، وصفاً رائعاً لتخلي اللبنانيون عن حقهم في تقرير رمزهم وإضاعة فرصتهم في التوحد حوله فيقول: "من المؤسف أن اللبنانيّين استنكفوا عن إعطاء مقاومتهم حقّ قدرها ... رغم أنّ قصّة المقاومة اللبنانيّة في العقود الأخيرة كانت السرديّة الوحيدة التي تصلح لبناء وطنيّة لبنانيّة حقيقية.. لبنان دولة لا تهتمّ لشهدائها. حين تشيِّد الدولة ورأسمالها، الأحياء «النموذجيّة» في بيروت، وتملأها بالرموز السياسية والوطنية والاستهلاكية، يكون الحرص على إخفاء هذا الجزء من تاريخنا على أشدّه. حتّى الحرب الأهليّة القبيحة حاول عدد من المهندسين إبقاء بعض آثارها رمزيّاً في «سوليدير» (بهدف التذكير)، لكن لم يقترح أحد شارعاً باسم المقاومة في قلب عاصمتها، أو نصباً للتحرير، أو تمثالاً لمقاومين ينصبون صاروخ «كورنت»، حتى يتذكّر اللبنانيّون دوماً من حمى بلادهم عام 2006 وجعل لهم عاصمة. على العكس تماماً، صارت السخرية من المقاومة والمقاومين و«نزع هالتها» سياسة إعلاميّة مقصودة، حتّى كانت صورة لا تنسى في أحد مهرجانات شباط منذ ثلاثة أعوام: يشمتون علناً بمقتل من هزم إسرائيل وسط تصفيق الرعاع الطائفيّة، وهذا في مهرجان لتخليد «الشهداء»، وعماد مغنية لم يكن إيرانيّاً ولا هو من أميركا الجنوبية، بل هو مواطن لبناني من طيردبّا، ولد في هذه الأرض وقاتل كلّ حياته من أجلها." (2)


تشم من كل هذا، حرب رموز عنيفة لا يخطؤها أنف! ومن الطبيعي أن هذه المقاومة، برمزها الواضح، السيد حسن نصر الله، الأكثر تمثيلاً في حاضرنا للكرامة العربية والإسلامية معاً، لن تسلم من سهام الخندق المقابل. ولا اشك أن الرجل هو الأكثر شعبية ورمزية لدى الشعب العربي، لجمعه الصدق والزهد والشجاعة المتناهية والبساطة والحكمة والوقوف بوجه الطائفية والتزمت. هذا إضافة إلى الكارزما والقدرة على الحديث وشحن الجماهير بالآمال التي برهن واقعيتها بأعماله الفذة في الصراع مع إسرائيل وإدارة الصراع مع عملائها في بلاده، وحقق ما لم تحققه الجيوش والأنظمة العربية. لقد كشف حزب الله للشعب العربي عن "كنوز" من فرص للكرامة، لم يكن أحد يحلم بوجودها في العالم العربي، الذي يتسلط عليه "الروح الثقيل" لليأس! 

فالهجوم عليه لا يجب ن يثير أي عجب. فأن أميركا لا يمكن أن يسعدها أن يحتضن المسلمون رمزاً  يقول "لماذا نركض سريعاً برجلينا إلى الفتنة التي تريدها أميركا؟"، لذلك فلا مفر من أن تشغل ماكنتها الإعلامية وكل عملائها في المنطقة لتحطيم مثل ذلك الرمز، ولم يكن سعيهم خائباً تماماً، فنحن نجد الكثير من الناس الإعتياديين والطيبين، وقد انحرف تقييمهم لهذا الرمز، لأسباب مبهمة، أما غير صحيحة تماماً، أو مبالغ بها أو غير مهمة قياساً بالنقاط الأساسية في الرمز. 

سعى الإعلام إلى إلصاق التهم جزافاً به مثل الكذب والطائفية، إضافة إلى تهمة العمالة لإيران، وبلا أي دليل، ويقوم "المشعوذون الجدد"، (الإنتاج الجديد لليبراليون الجدد) أمثال ياسر الحبيب بتكفيره بحجج سخيفة مثل أن الحزب قد دعم من "مغنيات" نشدن بأمجاده! ولا يسلم المدافعون عنه أحياناً من الردع بخشونة. وقد لاحظت من ردود الفعل على تصميمي بوستر لنصر الله أن المنزعجين لا يقتصرون على السنة والعلمانيين، بل يراه الكثير من الشيعة الآملين برضا الأمريكان، مصدر إحراج مزعج، لأنه فضح ضعف مصداقية الخطاب الداعي إلى ضرورة الإستسلام والتخلي عن الكرامة والإستقلال، واعتبارهما قيماً "عفا عليها الزمن" وكسب وسام "الإعتدال" الأمريكي، من أجل "العيش". ولا اصدق في التعبير عن ذلك من حين نشر خصومه إعلانات بعبارة "بدنا نعيش"، فأضاف مناصروه أسفلها كلمة: "...بكرامة!" 

لقد نجح نصر الله في إعادة المصداقية إلى الرمز في الوطن العربي ، فأزال من الأنشودة الوطنية المرارة التي علقت بها عقوداً من زمن الهزائم أمام الطغيان والإحتلال، وعاد التغني بها - فيما يتعلق بحزب الله على الأقل - يثير تداعيات إيجابية، وعادت تنتشر من جديد بقوة وعمق بين الناس، مثل أغاني جوليا بطرس، وخاصة أغنيتها الأخيرة الرائعة "مقاوم" (عاب مجدك)(3) التي تقول فيها عن لسان نصر الله: "وأنتم مجد امتنا، وأنتم أنتم القادة، وتاج رؤوسنا أنتم، وأنتم أنتم السادة، بكم نبني غداً أحلى، بكم نمضي وننتصر."

من كان ممكناً أن ينشد مثل هذا الكلام في الوطن العربي، دون أن يحس بمرارة الحقيقة قبل عقد ونصف من الزمان؟ لقد أحيا حزب الله الرموز التي قتلتها الهزائم والسخرية المرة، وأعاد القدرة على رؤية بعض الضوء والأمل بالكرامة الإنسانية لهذا الشعب. هذا كله يمثل بالنسبة لإسرائيل تراجعاً وهدماً كبيراً لما تم بناؤه خلال عقود الهزائم والقصف الإعلامي الذي دفعت اتعابه، ومن الطبيعي أن نسمع زئير غضبها بصوت هذا الإعلام. 

أنظروا إلى مقدم هذا البرنامج يغضب ويفقد كياسته أمام رجل يرفض رموزه الإنبطاحية. لاحظوا الطريقة الفجة التي يعامل بها الإعلام الجديد، الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم،(4) حين يرفض تسويق رمز إذلال عربي هو السادات، ويصر على الدفاع عن رمز كرامة، وهو نفسه رمزُ لها، وكيف يتشبث مقدم البرنامج بأن تصويت بضعة شباب ممن حضروا البرنامج  يمثلون الرأي العام، أو رأي الشباب ضد ذلك الرمز، ليوحي للمدافع عن الرمز بأنه وحيد في موقفه، وليوحي للمؤيدين لنصر الله من المشاهدين بأنهم قلة بائسة! وبالإمكان إجابته بالإشارة إلى الآلاف التي وقفت تهتف لجوليا بطرس، والحماس الشديد الذي تملكهم، ومظهرهم الدال على انتشار رمز حزب الله بين مختلف الطوائف والجهات العربية،وكذلك جوليا نفسها، وليس فقط الطائفة الدينية التي ينطلق منها الحزب فقط، فأية مقارنة بين هؤلاء وبضعة حاضرين في البرنامج، يقدمون على أنهم يمثلون الرأي العام بنصر الله؟ أيهما "القلة البائسة" إذن في حقيقة الأمر؟ 

رغم ذلك لم "يعط اللبنانيون المقاومة حق قدرها" كما يقول الدكتور عامر محسن، تماماً مثل بقية العرب. فلم تتمكن الأمة العربية من الدفاع عن رموزها كما يجب، كما فعلت فنزويلا مثلاً حين حمت رمزها شافيز من الإغتيال بمؤامرة أمريكية، فأتاحت له أن يقدم لها وللمنطقة الكثير من المكاسب التي لم تكن تحلم بها، قبل أن يتم اغتياله بالسرطان. وكذلك أستفاد (فقراء) الشعب الإيراني من دفاعهم عن الدكتور أحمدي نجاد ودعمه لولايتنين، وهو رمز حقيقي في الشجاعة والأمانة والزهد، مثل الزعيم قاسم الذي كانت استفادة العراقيين منه مبتورة. 

ومقابل الهجوم على رمز حسن نصر الله، يتم في العالم العربي، تقديم رموز بديله، إسرائيلية من جينات عربية. فيقدم لقيادة مصر، الدكتور أحمد زويل، الذي قدمه أوباما الذي اختاره ضمن مجلسه الاستشاري للعلوم والتكنولوجيا، باعتباره صوت للعقل في الشرق الأوسط" وأذكر أني كتبت قبل سنوات مقالة عن "صوت العقل" هذا، وأنه لا يحتاج إلى أي عقل، فيكفي أن تتبع تعليمات أميركا وإسرائيل لتحصل عليه! 

كان دكتور زويل من  أبرز المقربين من مبارك الذي منحه ارفع الأوسمة ،وأشادت به صحف مبارك وأجهزة إعلامه وغنى له رجال وسيدات فن مبارك  وقتها ومن بينهم الفنانة لطيفة، وكل هذا يشي بالكثير. إلا أن زويل أرتدى علي الفور قميص الثورة ،وتم الدفع به من قبل دوائر أمريكية ليطرحه بعض أعوانه  مرشحاً لمنصب الرئيس الجديد!

وقبل ترشيحه لرئاسة مصر، قدم زويل مشروعاً لإقامة مركز بحثي، يشرف عليه بنفسه مصراً أن لا يكون للدولة عليه أية سلطة! وبصعوبة استطاع الحصول على  موافقة من أحمد شفيق في ظروف الإضطراب، واستولى رسمياً على مباني جامعة "النيل" رغم احتجاجات الأساتذة والطلبة واعتصامهم. 

وتروي الدكتورة سهام نصار علاقة زويل بإسرائيل(5) مشيرة إلى بحوث زويل مع الجيش الإسرائيلي لتطوير منظومة الصواريخ باستخدام الليزر ومنحه أعلي جائزة علمية في إسرائيل هي جائزة "وولف" عام 1993 وقيمتها 100 ألف دولار معفاة من الضرائب سلمها له الرئيس عزرا وايزمان (وزير الدفاع السابق) في الكنيست وهي التي مهدت له الحصول على جائزة نوبل.

وتكتب يسرى الخطيب: : من يحمي أحمد زويل؟ 

وتتساءل لماذا تعامله إسرائيل هكذا ولم لم تغتاله مثل الدكتور يحيى المشد أوسعيد بدير أو القلّيني أو سميرة موسى؟(6)

لم يجدوا طريقة أكثر ذكاءاً للجواب سوى محاولة  بعض إعلامييهم، (مثل أحمد المسلماني، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية) لإقناعنا بأن الدولة إسرائيل التي قدمت له جائزتها العظمى ورشحته بها لنوبل وقام هو بمساعدتها في الصواريخ، "تتآمر عليه وعلى مشروعه"(7) وتم كذلك نشر إشاعة بأن زويل مصاب بمرض خطير جراء محاولة إسرائيل اغتياله بالإشعاعات! (10)

ويلجأ د.عماد جاد إلى حيلة قديمة بربط الأمر بـ "نظرية المؤامرة" فيقول: "فما من جريمة تقع على أرض مصر إلا وهناك من يبادر صارخا إسرائيل، إسرائيل، الموساد والصهيونية" ! وكأن التعاون مع مشروع تطوير صواريخ إسرائيلية ليس سبباً كافياً للصراخ "إسرائيل إسرائيل".(8)

ولكي تكتمل الرمزية الكاذبة لحقيقته، أدان زويل إسرائيل لإزالتها سور حديقة أثرية بالمسجد الأقصى(9). 

وحين كثرت الأسئلة على زويل عن علاقته بإسرائيل، لم يجد جواباً سوى أن يقول: "العلم لا وطن له.. لا سياسة في العلم ولا علم في السياسة"! (11)

وهذا الإحتيال اللفظي المراوغ ليس صعب الرد، فالعلم لا وطن له، أو لا علم مع السياسة، بمعنى أنك يمكن أن تحصل على العلم من أي مكان، أو أن البحث العلمي يجب أن يكون موضوعياً باحثاً عن الحقيقة ولا يتأثر بموقف العالم السياسي أو الإيديولوجي. وهذا يختلف تماماً عن أن يكون معناه أنك يمكنك أن تقدم علومك لأي كان، حتى لو كان سيستخدمها في جريمة. إن زويل يهين العالم بهذه النظرة ويجعل منه "بقرة" يمكن لأي يشاء أن يحلب علمها، دون أن تسأله ما سيفعله به، بشرط أن يدفع ثمنه علفاً! ولو كان هذا الموقف صحيح أخلاقياً لما أمكن لأحد أن يلوم العلماء اللنازيين الذين كانوا يجرون تجاربهم على البشر. وإذا كانت السياسة والعلم لا ينسجمان بهذا المعنى الذي طرحه زويل، فما الذي أتى به إلى مصر ليتقلد منصباً سياسياً، وهو رجل علم فقط؟


ناقشنا في هذه المقالة مظهرين من مظاهر حرب الرموز التي تشن على العرب، الأول لتحطيم رمز إيجابي، والثاني لخلق رمز سلبي. وفي الحلقة القادمة نتحدث عن حرب الرموز على المستوى العالمي، وهي إكمال لهذه الحلقة ونهاية للسلسلة. 

(1) صائب خليل - نحن نحدد رموزنا: عبد الكريم "أبو الشهداء" و14تموز...

http://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/580536455336761

(2) كيف نتعلّم أن نحبّ القنبلة: في العلوم العسكريّة 

http://www.al-akhbar.com/node/13326

(3)  ▶ ‫جوليا بطرس - مقاوم (عاب مجدك) -حفلة بلاتيا Julia Boutros‎ - YouTube

http://www.youtube.com/watch?v=jYsuvUkMAIc

(4) ماذا يقول احمد فؤاد نجم عن السيد حسن نصرالله‎

http://www.youtube.com/watch?v=SMorrC5P044

(5) الدكتورة سهام نصار: تكشف العلاقات السرية بين أحمد زويل و إسرائيل  

http://moheet.com/news/newdetails/351885/0/0.html 

(6) يسري الخطيب: من يحمي أحمد زويل

http://y3000.blogspot.be/2007/10/blog-post_4773.html

(7) أحمد المسلماني يكشف المخطط الإسرائيلي لقتل «زويل» 

http://www.january-25.org/post.aspx?k=139933 

(8) د.عماد جاد: إسرائيل و «زويل»

http://www.pharaohstoday.com/%D8%AF-%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88-%D8%B2%D9%88%D9%8A%D9%84/

(9) زويل: جريمة إسرائيل بحق الأقصى تحتاج تدخلاً دولياً

http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-12-79795.htm

(10) بعد الفصح عن اصابته بمرض خطير..هل تعرض زويل لمحاولة اغتيال بالاشعاع؟ 

http://www.ahram-canada.com/5014/ 

(11) أحمد زويل يبرر دوره في تطوير صناعة الصواريخ الإسرائيليىة بعدم وجود وطن للعلم

http://www.arabic-military.com/t34455-topic

(12) ▶ إغتيال العالمة المصرية د.سميرة موسي-الطبعة الأولي - YouTube

http://www.youtube.com/watch?v=ja3ASFUCfr8

(13) ‫سري للغاية مقتل يحيى المشد‬‎ - YouTube

http://www.youtube.com/watch?v=woATST6wl54

(14) نبيل القليني 

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%A8%D9%8A%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%86%D9%8A

(15) علماء مصر الذين اغتالتهم اسرائيل سعيد السيد بدير

http://www.masrawy.com/ketabat/ArticlesDetails.aspx?AID=199700

3 أكتوبر 2013 

 

Opinions