محنة مسيحيي العراق
يعيش مسيحيوا العراق حاليا فترات عصيبة تذكرنا بفترات الأضطهاد في أواخر القرن الرابع الميلادي , والأضطهاد الحالي هو الأشد لأن القائمين به جهات متعددة وبتغافل أو ربما بتواطؤ من القوى الفاعلة على الساحة العراقية ويبدو وكأن للجميع مصلحة ما في هذا القتل والأختطاف والسلب والأغتصاب والأستيلاء على الممتلكات. والتهجير الداخلي والخارجي ويبدو حتى المجتمع الدولي يساهم في ذلك ولا سيما الدول التي عادة ما تستقبل اللاجئين من مختلف أمصار العالم , فأن المسيحي العراقي مستثنى من ذلك رغم أنه مسالم , متعلم في الغالب , يعشق العمل , كاره للمشاكل , مطيع للقوانين , سريع الأندماج في مختلف الثقافات . فما العمل ؟بما أننا لا نستطيع مقاومة الشر بالشر , ليس لأننا لم نهيء أنفسنا لذلك ولم نهيء الأسلحة اللازمة للدفاع عن النفس فقط . بل لأن أيماننا وما علمه لنا ربنا يسوع المسيح نهانا عن ثقافة الحقد والكره والأنتقام وأوصانا بالمحبة والغفران ومقابلة الشر بالخير , غير أنه لم يتركنا بدون سلاح , بل أعطانا
سلاحا فعّالا لا يمكن لأي سلاح لدى العدو من التغلب عليه وهو سلاح الصلاة . الا أنه حدد شروطا في حالة أستخدامه ليكون فعّالا أهمها أن نكون في حالة من التواضع , كتواضع العشار في صلاته وليس كبرياء الفريسي , وكذلك أن نكون مؤمنين بقدرة الرب يسوع المسيح في قدرته على أعطائنا كل ما نطلب , وأيضا أن تكون هذه الصلاة بيننا وبين الهنا كما جاء في الأنجيل المقدس . متي 6 : 6
وأنت متى ما صلّيت , فأدخل مخدعك , وأغلق بابك , وصلّ الى أبيك الذي في الخفاء , فأبوك الذي في الخفاء , يجازيك علانية
غير أن ما نشاهده على الفضائيات وما نقرأه في وسائل الأعلام المختلفة عن نشاطات جاليتنا المسيحية في المهجر يؤشر الى غير ذلك . وحتى أحيائنا لتذكارات القديسين والقديسين الشهداء ونحن على علم مقدار الآلام والعذابات التي قاسوها قبل استشهادهم , فأن قسما كبيرا منّا يشارك في هذه المناسبات الدينية بالرقص على أنغام الموسيقى الصاخبة وبتناول ألذ الأطعمة والمشروبات الكحولية أضافة اى أرتداء الملابس التي أقل ما يقال عنها أنها لا تلائم هكذا مناسبات دينية . وأن شاء قسم قليل منا المشاركة بالصلاة فأن فكرنا ينحصر في متى تنتهي هذه الصلاة لننصرف الى الغاية الرئيسية التي
حضرنا لأجلها للرقص والأكل والشرب . ونعود الى بيوتنا من البارك أو القاعة ونحن نحاول أقناع أنفسنا بأننا أكملنا واجبنا الديني وشاركنا بالشيرا أو المناسبة الدينية كمسيحيين مؤمنين ولا نريد أن نصدق بأن ما قمنا به هو أبعد ما يكون عن ممارسة أي من شعائرنا الأيمانية , بل هو حفل للرقص والأكل والشرب وعرض للأزياء . وبعد ذلك مباشرة تزدحم الفضائيات ومواقع الأنترنيت بالصور ومباهاة ما قمنا به . فهل هناك من يصدق بأن ما قمنا به هو شيرا أو صلاة لذكرى قديس أو شهيد ؟ وهل أن هكذا صلاة وبهكذا أسلوب سوف تستجاب ؟ أنا أشك في ذلك
ومن المؤسف أن الجمعيات الكثيرة التي تأسست في بلدان المهجر لدرجة وجود جمعية لأهالي كل قرية بل لكل عشيرة أو عائلة وعلى سبيل المثال هناك عشرات الجمعيات في مدينة واحدة للمسيحيين العراقيين تحت أسماء مختلفة , وكافة هذه الجمعيات نشاطها يتوقف على أقامة الحفلات والأمسيات وللترفيه فقط . سواء كان هناك مناسبة أو لم يكن . معتقدين أن الجمعية تأسست لأقامة الحفلات فقط وليس لنشاطات ثقافية تربوية تعليمية لأبراز ثقافة وطنهم في بلدان المهجر وللجاليات الأجنبية . وهنا أورد كمثال للجمعية الحقيقية , جمعية آشور بانيبال , في بغداد ذي التاريخ الزاهر بالفعاليات والنشاطات والمحاضرات الثقافية التي كانت تنظمها لعلماء وأساتذة كبار في مختلف مجالات الثقافة والأدب , وما أنجبته من كتّاب وأدباء لا زالوا نجوما ساطعة في سماء الثقافة السريانية من أمثال الأساتذة , سعيد شامايا و يونان هوزايا , نزار الديراني , أديب كوكا , موفق ساوا , عادل دنو , كوركيس أوراها وغيرهم كثيرون لا تحظرني أسمائهم
ومن المؤسف كذلك أن قسما من كنائسنا في المهجر سكتت على هكذا فعاليات , بل أن قسما منها
.تتباهى وتشارك بها وتقوم بنشرها على أنها فعاليات كنسيّة
أننا بحاجة ماسة وملحّة لأن نستخدم سلاحنا الوحيد والفعّال في هذه الظروف الصعبة وبالشروط التي حددها لنا ربنا يسوع المسيح , وهذا ما يؤكده وبأستمرار , غبطة بطريركنا الجليل , مار عمانوئيل الثالث دلي , وأخيرا في رسالته الرعوية الجديدة الصادرة بتاريخ 17\10\2007 والمنشورة في موقع البطريركية , ويؤكد على ذلك أيضا كافة آباء كنائسنا المسيحية في العراق ومن جميع الطوائف , وهذا يقع على عاتق مسيحيي المهجر بصورة أساسية , لأن مسيحيي الداخل ولا سيما في المناطق الساخنة , فأن مجرد بقاؤهم ومعايشتهم هذه الظروف وتحملهم لها , هي بحد ذاتها صلاة يمارسونها ليل نهار
وأخيرا أذكر هذه المقولة الرائعة لأحد آبائنا القديسين لكافة الأخوة المؤمنين بصورة عامة والآباء
الأجلاء الكهنة في دول المهجر . حيث يقول .
(يزدهر الجسد بقدر ما تضعف الروح . وتزدهر الروح بقدر ما يضعف الجسد )
بطرس شمعون آدم
تورونتو-كندا