Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مسيحيون .. في نعوش الديمقراطية

لا تعجبوا من إختياري لهذا العنوان ولا تخافوا على الديمقراطية من نعوشنا.. فإني أرى وبكل اعتزاز انه بات من واجبنا أن نتقبّل اغتيالاتنا كمسيحيين كون من يقتلنا يثبت لنا وللعالم بأن قياداتنا وحركاتنا السياسية والإنسانية تخيفهم وتشكل خطراً كبيراً على امتداد تطرفهم الأعمى الذي يغرقهم في بحر من الجهل والظلام والإجرام الإرهابي.

لم أتحمس يوماً للكتابة باسم ديني المسيحي أو طائفتي المارونية ولكن تزامُن إغتيال وزير الصناعة اللبناني الشيخ بيار أمين الجميل مع إغتيال رئيس تجمع السريان المستقل الأستاذ يشوع مجيد هدايه، دفعني الى التوقف عند مسلسل الإنتهاكات الذي يبثُ سمومه ويرتكب أبشع الجرائم بحق المسيحيين ومؤسساتهم، تارة في لبنان وتارةً أخرى في العراق.

من الواضح جداً ان النقاط المشتركة في مشكلة البلدين لم تعد تُخفى على أحد وبات جلياً أمر الصراعات الإقليمية الملتهمة للإثنين. ولو أعدنا قراءة ما كان ينادي به الشهيدان يشوع مجيد هدايه السرياني وبيار الجميل الماروني (والأصل واحد .. سرياني) لفهمنا انهما ببرامجهما وطروحاتهما قد شيعا لقناعة ثابتة وهي حرية الأرض وحقوق الشعوب.

برغم صغر سنه كان الشهيد الشيخ بيار الجميل كبيراً بمواقفه.
أنشر نبذة صغيرة من تصريحاته البارزة والتي أزعجت "الجبناء". يستوقفنا من تلك المواقف إصراره على سيادة لبنان المدعومة بكل شعبه ويفاجئنا ببرامجه الإقتصادية المستقبلية للبنان والتي لا تصب في مصلحة البعض.
هو أول من "وضع خطة عمل للصناعة في لبنان أسماها "صناعة لبنان 2010"، فقال في احدى خطاباته:
" ليس للصناعة اي انتماء حزبي او طائفي او مناطقي او مذهبي، هي تحمل اسم لبنان، وهي القاسم المشترك بين جميع اللبنانيين... ان حزب الصناعة هو الحزب اللبناني الذي تسقط فيه الشعارات السلبية والمزايدات ويبقى العلم اللبناني ولبنان اولا في الصناعة ... هذه الصورة التي يجب ان نطل من خلالها على العالم الخارجي، وهي التي توحد اللبنانيين تجاه الخارج وهي التي تلغي الفروقات الصغيرة والضيقة بين اللبنانيين..."

في مواقف أخرى وطنية وسياسية، قال:
" أن الوضع في هذه المرحلة، والتهديد بالشارع يشير الى أن هناك محاولة وضع يد كاملة على الوضع اللبناني ... ان لغة التهديد والوعيد لن ترهبنا او تدفعنا الى التراجع عن مسيرة بناء الدولة العادلة والحاضنة للجميع مهما كانت العقبات والعراقيل ... ومهما حاول البعض اختزال التمثيل المسيحي بفريق معين او بفريقين او التنكر لوجود الكتائب ولدورها الوطني والتمثيلي ولتضحيات شهدائها فهو لن ينجح ... كنا وما زلنا في قلب الحدث وسنبقى... ان المطلوب منا اليوم كلبنانيين ان نثور من اجل الحقيقة ونعرف اننا اقوياء بوحدتنا وان لا احد اقوى من لبنان والدولة اللبنانية ... نحن كلبنانيين نتحمل وندفع الثمن ليحيا لبنان ... نحن كنا ولا نزال اوفى الاوفياء في زمن التخلي، لم نترك لبنان في زمن الصعاب ولم نتركه اليوم في مرحلة التعافي واعادة البناء. حملنا في اصعب الاوقات صليب لبنان وقدرنا ان نزرع دائما ارزة على جباله لإيماننا بهذا الوطن ورسالته ومسيرة الشهداء الذين سقطوا دفاعا عنه ... علينا نحن أن نريهم أن الدولة حقا قائمة وهذا المجتمع عمره ستة آلاف سنة من الحضارة وهذا البلد لم يقم صدفة, انه رسالة. وهذا ما تكلمت به الكتائب في ال43 وتكلم به الارشاد الرسولي بعد خمسين سنة، نحن مؤمنون بصيغة لبنان وبالعيش المشترك الفعلي في لبنان، مجتمع كامل متكامل مع بعضه في لبنان...
"
وفي مواجهته ضد التمييز الحاصل في ما يتعلق بقضية عودة المهجرين ودفع التعويضات لهم، دعا الى " التلازم في الدفع بين مهجري الجبل والشوف وعاليه من جهة (وهم مسيحيون)، والضاحية الجنوبية من جهة أخرى(وهم من الشيعة)، فلا «نفضّل» من يطلق الكاتيوشا ساعة يشاء ويتظاهر بالفـــؤوس والبلطات ويطلق الآينرغا على من يخاف الدولة ويحترم قوانينها ... أتمنى ان يصار الى معالجة الموضوع برمته لانه من غير الوارد لدينا القبول بهذا التمييز الفاضح الذي يجعل المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية، وقد اضطررنا الى الحديث بهذا المنطق، بعدما وصلت الامور الى حد غير مقبول ... "
وأضاف " ما ذنب المسيحيين في كل ما جرى، وقد ذاقوا الويلات من الحروب والتهجير ولا من يهتم لأمرهم، لافتاً الى نتائج جولاته على القرى المهجرة ومعاناة الناس هناك ..."

أما في ما يتعلق بمواقف الشهيد ايشوع مجيد هايه فاخترتُ من مقال الأستاذ سامي المالح، المنشور في موقع عنكاوا دوت كوم، مقطعاً يصف به الشهيد هدايه ويختصر أهدافه وفكره، فيقول:
"ان تأسيس حركة تجمع السريان المستقل، بمبادرة وقيادة الشهيد ايشوع، أضاف رافداً قوياً وأساسياً جماهيرياً الى مجرى نضال شعبنا النامي. كانت تلك المبادرة الحكيمة والجريئة، ضرورة واستجابة واعية، لتطور الوعي القومي، وتطلع أبناء شعبنا في المنطقة الى الحرية والحياة الكريمة ...
لقد تميزت الحركة بقيادة الشهيد ببرنامجها الوطني بربط النضال القومي المشروع لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري بالقضية الديمقراطية في العراق وبجرأتها في بلورة مطالب شعبنا في المرحلة الراهنة ومطالبتها بالحكم الذاتي في مناطقنا التاريخية ... وأوضح بجلاء أهمية ذلك في تطوير العراق والأقليم وبناء النظام الديمقراطي الحقيقي الذي لا بد أن يضمن حقوق الجميع دون استثناء..."
حلل الشهيد الأوضاع السائدة في الوطن وكذلك في إقليم كردستان وشدد بمسؤولية وصدق على أهمية تعزيز العلاقات الكفاحية بين كل أبناء العراق من كل القوميات والطوائف وبين كل القوى الوطنية والديمقراطية الخيرة لما فيه المصلحة المشتركة وبناء الوطن الواحد..."

هذا وكانت زوجة الشهيد يشوع هداية قد أعلنت :" انه كان لا يخشى ولا يهاب لأنه كان يعمل في النور ليس للسريان فحسب بل لكل الخيرين".


أجد في الخطابين إصراراً عنيداً على تفعيل دور المسيحيين في البلدين ضمن إطار التمسك بكرامتنا كمسيحيين ويرمي الخطابان الى تذكير "منسي" بأهمية دور المسيحيين وبتضحياتهم الكثيرة أيام الحرب والسلم، كطيف أساسي ورئيسي في كيان ووجود البلدين. هم "لن يكونوا مواطنين من الدرحة الثانية" في لبنان حسب ما قال بيار الجميل، ولهم كل الحق في " مطالبتها بالحكم الذاتي في مناطقهم التاريخية في العراق ...وعلى أساس ديمقراطي وعصري" حسب ما ورد في حديث يشوع مجيد هدايه.
في الخطابين أيضا،ً تمسكٌ واضحٌ بالأرض وبوحدة الوطن تحت ظلال الشرعية الدستورية التي يجب أن تدافع عن كل الأطياف الوطنية على أساس ديمقراطي دون أي تمييز.
هذا وَبَدا واضحاً للجميع أن المسيحيين في لبنان وفي العراق قد انتهجوا استراتيجية مغايرة لما سلف من خلال التحالفات الجديدة المنفتحة على الآخرين والتي قد تؤمن لهم حق البقاء على أرضهم والحد من هجرتهم وتشتتهم خارج أوطانهم لا سيما وان رحيلهم سيؤدي الى انقراضهم في المنطقة العربية، وفي ذلك جريمة إنسانية وتاريخية لن يرضى بها أي قائد وطني مسؤول وواع ٍ للمخططات التي تحاك ضدهم وضد اعتدالهم الموجه نحو قبول واحترام مجتمعاتهم التعددية على أرض الوطن وفي نصوص دستوره الشرعي.
إن الهدف الرئيسي للجرائم التي تُرتكب بحق المسيحيين هو ضرب الطبقة المثقفة والمعتدلة المؤمنة بحقوق كل الشعوب والمنادية بالحرية وبالديمقراطية التي يحلمون بها ويسعون لتطبيقها في أوطانهم. يغتالوننا ويقتلون كل إنسان حر لأنهم يريدون أن يسيطر التطرف على كل العقول والأمكنة ويعملون جاهدين لزرع الدكتاتورية في الأرض التي ناضلت وبصقت جذور الظلم والأنظمة الاستخباراتية المريضة والظالمة.
ولو عدنا الى الوراء اسبوعين وتذكرنا زيارة الرئيس الأسبق الشيخ أمين الجميل لشمال العراق وللقاءاته مع رئيس الأقليم مسعود البرزاني وغيره من المسؤولين هناك، لظهرت أمامنا لوحة التحالفات المسيحية الجديدة والساعية الى تعديل الوجه الديني من نظرة كنسية وكهنوتية ضيقة الى كيان إنتمائي وثقافي وتربوي مشكلاً جزئية مهمة من هويتهم الوطنية والمسيحية الشاملة مما أعاد الكثيرين من المؤمنين وغير المؤمنين الى انتمائهم للكيان المسيحي.
وقد يجوز ان بعض أهداف زيارة الجميل للبرزاني كانت تصب في اتفاقيات إقتصادية ولكن تصريحات الجميل الداعمة لحكومة البرزاني قد أعطت لهذه الزيارة طابعاً سياسياً، يبدو انه قد أزعج الكثيرين بقدر ما كانت ولا تزال التعددية الثقافية والدينية التي يطالب بها مسيحيو لبنان والعراق تزعج المنادين بأحكام إسلامية أو عقائدية حزبية "توتاليتارية" في المنطقة.

فهل نرضى بما كان شائعاً حول خسارة المسيحيين للحرب في لبنان، وكان ذلك زوراً مثلما كان اغتيال الرئيسين بشير الجميل ورينيه معوض وغيرهم من الزعماء الوطنيين الذين حلموا بلبنان حر ومستقل عن نفوذ "الأشقاء"؟

هل نرضى بالدجل السياسي الذي حكم زوراً بالسجن على الدكتور سمير جعجع بعد أن فشلوا في إلحاقه بأبواق من قبلوا بالتبعية والذل؟

وهل نصمت أمام اتهام المسيحيين بالإنفراد بالتفاوض مع اسرائيل على غرار ما قام به الرئيس الراحل "المغتال" ايضاً بشير الجميل، في الوقت الذي كانت بعض الدول العربية تزحف بشكل سري وخبيث على حساب اللبنانيين، لحل أزماتها مع إسرائيل، والمسيحيون يُنعتون بالتعامل ويُقتلون ويُسجنون ويُرحّلون تحت اسم العمالة والتخوين؟

وهل كان من العدل أن يدفع لبنان ثمن القضية الفلسطينية وحده مثلما تحول العراق اليوم الى ساحة تُحل فيها كل الصراعات الإقليمية والسورية-الايرانية، فيدفع العراقي ثمن الإنشقاقات الطائفية السنية-الشيعية التي اوجِدت وتأججت بشراسة لمنعه من النهوض ولضرب الديمقراطية التي كان يحلم العراقي بتطبيقها بعد سقوط النظام البعثي المستبد؟

اكتظت عقولنا بالأسئلة مثلما اجتاحت المصالح والصفقات السياسية "الفاسقة" أوطاننا على حساب شعوبنا المقهورة التي لا تطلب سوى العيش بكرامتها على أرضها، فهل نرضى بالواقع ونصمت؟!

إغتالوا منا أكثر وابطشوا بتهديداتكم أكثر ولكن جبنكم قد فاق قوتكم المؤقتة والآنية لأنكم أضعف من أن تواجهوا صوت الحق والحرية، دون أقنعتكم الفاسدة والجبانة.
طالما خوفكم منا يكبر، نحن منتصرون.. بالموت وبالحياة الباقية، نحن منتصرون .. لأن كلمتنا أشرف من أن تدنسها عمالتكم واستشهادنا هو شرف نعلقه على صدورنا وعلى قبور شهدائنا الأحياء.
ومن آمن بالله وبالوطن، لا يمكن أن يموت...



ليلى كوركيس
مونتريال-كندا
27 تشرين الثاني 2006


Opinions