Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مشاكل الهوية الشخصية والمكانة في المجتمع والحياة

ان تكوين الهوية الشخصية امر طبيعي وضروري وحتمي بالنسبة للفرد وعملية هذا التكوين تبدأ اول ما يبدأ الطفل بتحسس بعض اعضاء جسده ومن عملية تكوين هذه الهوية يصل كل فرد الى تلك المرحلة التي يقول فيها ((أنا )) ومع ان الالقليلين يستطيعون قول هذه الكلمة بوثوق عقلاني الا ان معظمهم ينطقون بوثوق عاطفي بهذه الهوية – ويصاحب هذا الشعور عند المراهق السعي للأبتعاد عن الارتباط العائلي والاتجاه بدلا من ذلك الى أقامة الصلات مع صديق او جماعة من اقرانه ومثل هذا التحول قد يصور للمراهق بأن مكانه الحقيقي هو (خارج البيت )وبأن عائلته قد اصبحت تمثل عائقا امام تحرره والوصول الى تكامل ذاته ----!!! واكثر ما يحدث هذا التحول عند اولئك المراهقين الذين اتسمت طفولتهم السابقة للمراهقة بالشدة والتقييد والقسوة والحرمان --- او الذين سادت في طفولتهم وحداثتهم او ما زالت تسود مظاهر الصراعات العائلية او عدم التوافق بين الوالدين وبذلك يكون سلوك المراهق في هذه الفترة تعبيرا عن تمرده عن واقعه ومحاولة للأبتعاد عنه ولعل اهم الوسائل المفتوحة امام المراهق هي (الهرب من مثل هذا الواقع ---وهو ما يحدث بالفعل في معظم الحضارات الغربية وعلى سبيل المثال فأن عدد الهاربين من بيوتهم في العام الواحد في أمريكا يزيد عاى المليون مراهق وقد يكون العدد الفعلي اكثر من ذلك بكثير ومن حسن الحظ ان هذه الظاهرة غير بادية في مجتمعنا الا ما ندر جدا ويمكن اعتبارها حالات شاذة ----
لعل اهم المشاكل التي يعاني منها المراهق في نطاق حياته العائلية تتعلق بموقفه من والديه والذي يحدث في حياة معظم المراهقين – هو انطلاقهم من فرضية يؤمنون بها وهي (ان والديهم او احدهم لايستطيعون فهمهم ) وبأن الزمان تغير وبأنهم يجب ان يعاملوا تبعا لهذا التغيير وحصيلة هذا الفهم بالنسبة للمراهق هو حقه في التصرف بحرية وبدون قيد او حتى توجيه وهو يطالب بتمرد وبعنف احيانا بالتمتع بهذا الحق في الوقت الذي يستمر فيه بالتواكل المادي والمعاشي على والديه وهو يفسر هذا التواكل بأنه حق طبيعي له ايضا (يمكن اعتباره حكم القوي على الضعيف )وقد اصبح هذا التخلخل في علاقة المراهق بعائلته ظاهرة بارزة في حياتنا تجلب الكثير من المعاناة للعائلة وللمراهق على حد سواء –ويتوقع لهذه الظاهرة ان تتزايد وان يتعاظم خطرها باستمرار ضعف او تضاؤل مسؤولية العائلة في التربية والتوجيه ومع ان المراهق يؤمن بأن حريته تضمن له تكامل هويته الشخصية –ومع ان بعض علماء النفس يؤيدون هذا المبدأ الا ان وضع هذا المبدأ موضع التنفيذ او موضوع التجربة العملية كما حدث في موجة التسامح التي غمرت امريكا واوربا في الستينات قد فشل او برهن على فشل مراميها والى العودة الى الاعتقاد بان القيود العائلية في بعض حدودها ضرورية لعملية البناء الصحيح للشخصية واعدادها للمستقبل والى جانب المشاكل التي كثيرا ما تحدث في نطاق العلاقات العائلية فهنالك مشاكل اخرى تنجم عن المثالية الخاصة للمراهق وعن واجبه في السعي الى تطبيقها او في التمرد على كل مالا يتوافق وينسجم معها ومع ان هذه المثالية طاقة فعالة وهامة ليس في عملية تكوين الشخصية فقط وانما في تكوين وتطوير المجتمع ---الا انها من الممكن ان تصبح احيانا مصدر معاناة عظيمة للمراهق الذي تصطدم مثاليته الخاصة بواقع الحياة وقد يكون لتفشيل المراهق في تأكيد او تحقيق مثاليته اثرا بالغا في حياته النفسية في المستقبل خاصة اذا كان المراهق ذا شخصية انفعالية وخيالية وقد تنعكس أثار ذلك على علاقاته الشخصية والاجتماعية وعلى سعيه الحياتي ---ومن الاحتمالات التي يمكن ان تحدث للمراهق في مثل هذه الحالة هي انزلاقه الى ما يخالف مثاليته من سلوك وكأنه بذلك يحاول ان يثأر لنفسه من المجتمع ومن نفسه في آن واحد وهذا الاحتمال يفسر الكثير من مظاهر الاضطرابات السلوكية التي يتسم بها بعض المراهقين في حيـــــــاتهم
اما مشاكل المكانة في المجتمع والحياة
حيث يبرز سعي المراهق لايجاد مكانته الملائمة لطموحاته في المجتمع والحياة في المرحلة الاخيرة من المراهقة وتقع عادة بين الثامنة عشرة والحادية والعشرون من عمر الفتاة والثامنة عشرة والسادسة والعشرين من عمر الفتى وهذا السعي لابد ان يصطدم بواقع الحياة وان تتقرر نتائجه بما يتوفر لدى المراهق من امكانيات وما يمكن لواقع الحياة ان يوفره لتحقيق هذه الامكانيات واول ما يمكن ان يصطدم به المراهق في هذه المرحلة هو فشله في تحقيق طموحاته الدراسية على الشكل الذي حلم به ويمكن لهذا الفشل ان يترك اعظم الاثار في الحياة النفسية واكثرها استمرارا وقد يرتبط بهذا الفشل فشل آخر هو الحصول على الشريك الملائم لطموحاته في الزواج – وارتباط الفشلين معا قد يؤدي الى وضع المسيرة الحياتية لمستقبل المراهق في الاتجاه الخاطىّ
ومن المشاكل التي تبرز في هذه المرحلة ما يمكن ان ينجم عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمراهق وشعور الكثيرين من المراهقين بخلفيتهم في هذين المجالين وبحاجتهم لتجاوز هذه الخلفيات قد يسبب الكثير من المعاناة وقد يكون لهذه الحاجات اثرها في توجه السلوك –
اما عن طريق السعي الايجابي لتغيير هذين الدافعين –واما عن طريق الانحراف السلوكي لأختصار الطريق الى هذا التغيير وهنالك الكثيرون في هذه المرحلة ممن يتقبلون وضعهم بدون اي جهد نحو محاولات التغيير غير ان هذا القبول الظاهري يقترن عادة بالشعور بالنقص والضياع واذا استقر هذا الشعور في النفس فأن له ان يسمم نفسية المراهق بشكل دائم يصعب عليه تجاوزه
ومن المشاكل التي قد تعرض للمراهق وهو على عتبة الرجولة ما تتعلق بحياته العاطفية وتركيزه لهذه العاطفة على هدف معين وفشل المراهق او المراهقة في ملاقاة حاجاتهما العاطفية وتعذر دفع هذه الحاجات الى مرحلة التحقيق بالزواج قد يؤدي الى تأزم نفسي يفوق شدة اي تأزم لسبب اخر وهذه الحالة اكثر حدوثا حدوثا في مجتمعاتنا منها في المجتمعات الغربية -- وسبب ذلك يعود الى تحديد مجالات الاتصال بين الجنسين مما يربط الطاقة العاطفية بكاملها في الكثير من الحالات بالهدف الذي تركز اهتمام المراهق عليه وفشل المراهق او نجاحه في هذا الجانب من حياته العاطفية قد يعني الفرق بين فشله او نجاحه في ايجاد مكانه في الحـــــــياة
عــــادل فرج القس يونان
تـركيا
27حزيران 2011

Opinions