مطارنة الشمال هل هي صحوة ُ أم ملامح كبوة
أعتذر مقدمّا ًعن طول المقال.من بديهيات الحياة , إنّ جواز رقيّ الإنسان من عدمه يتناسب طرديا مع مدى إعتماده عنصر التنافس الحميد المبني على مصلحة الفرد والمجتمع على حد سواء , وطبع الإنسان حين يصل مرحلة القدره على التعبير عن حاضر رغباته أو عن تطلّعاته المستقبلية , فإنه بكل تأكيد يرى في ضمان أو إمكانية تحقيقها سبيلا إلى التوافق والتواصل الإنساني مع البيئه الإجتماعيه ألتي يعيش ضمنها, وهو أمرلا يستحيل تحقيقه ما دام للعقل فسحة لأنسنة التنافس , فلمجرّد إشتراك الناس في إثارة رغبة معيّنه ,وهذا ممكن دائما ً , يمكن لهذه الرغبة المشتركه أن تكون سبباّ في حث العقول بإتجاه ترويض الصعاب وتذليلها لتحقيق الرغبات الأخرى , من هنا تبرز فائدة مبدأ الحوار وتبادل الأراء كفرصة مثلى لإحداث النقلات النوعيه الأكبر في حياة المجتمع ولإرساء الناس في ضفاف الإقرار بحق الأخر ممّا سيديم استمرارية العيش والعمل سوية وصولا إلى مرحلة علّها تتوَّج في تبّني فكرة التجديد و إعتمادها في تذليل كل العقبات .
إذن التجديد الإيجابي , هوأحدّ الخيارات الناجعه في تذليل ما يطفو على سطح العلاقات من خلافات لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات , وقد إختبرت هذه التجربة مجتمعات مختلفة المتقدمة منها والناميه تاركة تجربة إنسانية غنية من خلال "النموذج" الموروث إنسانيا ً و الذي يؤكد بأنّ المجتمعات ألتي إعتمدت التعايش وتبادل الرأي والإختيار الحر قد إزدهرت وتقدّمت على عكس تلك التي غاب فيها مبدأ الحوار و التفاهم وفي الخضوع لقواعد الديمقراطيه.
بقدر تعلّق الأمر بكنيستنا وهي في عامها الثامن بعد الألفين , فإنّ أبرز ما يمكن رصده عبر تاريخها هو ظاهرة الإنشقاق والإنقسام المتكررّه على أيدي رجالاتها الذين عليهم تقع مهمة رفعة شأن رسالة المسيح بالدرجة الأساس ثم زرع مفاهيمها في عقول الناس , فعندما نقول بأن لا وجود لعلم طب راقي من دون رجال أطباء ماهرين ولا قضاء معتدل من دون رجال قانون مميزين , هو نفس قولنا بأنه لا دين من دون رجال دين متنوريّن .
ما يحصل اليوم من مشادّات , أدّت بعضها وتكاد الأخرى في طريقها لتؤدي إلى إنشقاقات كنسيّة مضافة لسابقاتها, هي ليست سوى تحصيل حاصل لحركةمسلسل الإنقسامات التي حدثت بالأمس تحت فعل وتأثير ثقافة المنفعه الشخصية ألتي لاتزال تشلّ قدراتنا على الصمود أمام قسوة الأيام ومحن الزمان , و الذي مارس هذا الدور في السابق نرى له ذات الشبه يظهر لنا بين الفينة والأخرى كما إعتدناه متقمصاً برداء توكيل السماء له لكنه يفعلها بشحن وتشجيع الغرباء .
هكذا دواليك إلى أن وصلنا إلى حال من الحيرة و التشكيك ثم الضياع في خضمّ الإنشطارات ذات الدوافع ((الغير الروحيه)) , وأقول الغير الروحيه بدليل أنّ جهات ((( غير دينيه ))) هي ألتي تقف وراء ما يحصل وبإغراءاتها بات البعض من رجال الدين يتمرّد بدعوة الإصلاح ,لقد أصبحنا نحلم ونحلم فقط بلقاء روحي حقيقي يجمع قيادات الكنائس على بركة المسيح من أجل نصرة قضايا شعبهم المسيحي , لكن تجاربنا المؤلمة ألتي علّمتنا اليقين تستدلّنا بأن حضور المسيح وروح كلماته في مثل هذه اللقاءات قد غدا أشبه ما يكون بالمعجزه ,لأنهم لو أنصتوا إلى صوت كلماته المدوّي أثناء تناطحاتهم المنفعيه سيكتشفون بأنهم سيخرجوا كمن عاد َ بخفيّ حنين في نهاية المطاف , أمّا حين يطرق مسامعنا إنسلاخ مطران او إنشطار مجموعه دينيه عن بيتها الكبير فهو , مع الأسف, قد بات أمرا ً متوقعا ً دائما وشبه مستساغ ,وما مقاطعة مطارنة الشمال للسنهادوس الأخير المنعقد في ألقوش/ دير السيده إلا خير دليل على ذلك .
جرح جديد اّخر: (( مطارنة الشمال)) ألذي دخل تاريخ كنيستنا كمصطلح جديد مؤخرا وهم مجموعه من مطارنة الكنيسة الكاثوليكيه الكلدانيه من المناطق ألتي يراد لها أن تكون اقليما شماليا بما فيها المناطق المسّماة بالمتنازع عليها.
لوبحثنا مليّا ً عن مبرر يعلّل دواعي بروز هذه التسميه و طروحات المنضوين تحت هذه التسميه و في هذا الوقت بالذات , لوجدنا بأنّ هنالك عدم الدّقة في تشخيص الحالة على حقيقتها وتغافل عن وقائع ذات علاقة حصلت في أوقات أخرى هي من الأهميه بحيث تتطلّب التوقف عندها قليلاً كي نكون أقرب للصورة قبل الإستسلام في ترديد ما يتم ترويجه من مفاهيم يراد منها تلميع المواقف و تبريد الأرضية ألتي يقفون عليها حتى يوهمونا بأنها مجرّد محاوره تدور حول الشأن الروحي المسيحي أوحول تنظيم أجندات لإدارة مهام العمل الروحي المسيحي الكنسي , كلا !! هذا التفسير برمّته غير صحيح وبعيد عن حقيقة الأمر,فهوغطاء لوعاء طبخة فوق نار متأججه , وما يجدر الإشاره إليه في هذا الصدد هو أن تنافس إلإستحواذ على الكعكه قد شمل معظم دواخل مكونات كنائسنا حتى بين أطراف المجموعة الواحدة سواء كانت مجموعة مطارنة الشمال أو بغداد أو أميركا, خلافات وتنافسات غير حميده تؤكدها تناقضات تصريحات العديد منهم , خاصةأولئك الذين يسعون التقرب إلى حيث يتم عرض الكعكات , ولا ننسى بأن جهات سياسية معروفة وبكل وسائلها تسعى إلى تمرير ما في أحلامها , وليس مستبعدا أن تتم إضافة مجموعه أخرى من مطارنة الكنائس الأخرى إلى مجموعة مطارنة الشمال كي تكتمل أدوات اللعبة بغطاء ديني, وهذا ما تؤكده مطالبة مطارنة الشمال في تفعيل الحوار مابين الكنائس الذي توقف .
أحدّ" الفرسان السبعه" أطل علينا قبل سنتين على شاشة قناة كرديه إلى جانب القائد الروحي لطائفة الإيزديه , طارحا ً مشروع سياسي بحت تضمّنه دعوة لتشكيل "محافظه مسيحية"في سهل نينوى شريطة إلحاقها وضمّها إلى أقليم كردستان , هذا التصريح لرجل دين يفترض أنه يخدم رعيته ويبشر بينها بكلمةالسيد المسيح , أثار طرحه في حينها عاصفة إستنكار وإستغراب لدى الكثيرين ,و قبل فترة أسبوعين أو أكثر من تاريخ كتابة هذه الأسطر , صرح ( الفارس) نفسه بأنه رفض مؤخرّا ً الخوض في موضوع غير ديني ,هذا ما تضمنّه تصريحه المنشور بعد أن تمت دعوته من قبل البرلمان الكردي وهو يقول بأنه كان يجهل دوافع تلك الدعوه كماذكر في تصريحه.
ونحن إذ نشير إلى دور القائد الروحي(الفارس) ألذي يفترض بأنّ مهمته هي هداية المؤمنين ,نحن لا نبغى من وراء ذلك التشهير به_ وإن كان كشف الحقيقة واجب_ بل نريد أن يعلم أبناء كنائسنا الحقيقة المؤلمه وأن تحفظ ذاكرتهم المواقف ألتي تصدر من رجال يفترض بهم تقديم خدماتهم الروحية لكنهم إختاروا أن يكونوا سياسيين من أخر زمان . إنّ محاولة بعض رجال الدين المسيحي التقرّب من مراكز القرار السياسي,( الكردي على سبيل مثال) والتغازل معها هي ليست تنفيذا لما جاء بالكتاب المقدس, وإنمّا هي إنعكاس لحالة تصاعد النفوذ الكردي ألذي يسّيل لعاب البعض ومنهم للأسف بعض مطارنتنا ألذين طالما قدمنا لهم الإحترام والتكريم .
كلّنا يتذكر تسارع رجال ديننا إلى حضور مؤتمر ايلول 2003 في بغداد الذي نظمّته الحركة الديمقراطيه الأِشوريه, و ما خرج به المؤتمر تمّ إعلانه على الملأ , كان رجال ديننا في مقدمة الموافقين والمباركين على تسمية الكلدواشوريه ألتي إقترحها و وقعّ عليها المئات من المثقفين داخل المؤتمر , لكن وبلمحة بصر إنقلبت الأية , نقض رجال الدين عهدهم وسحبوا مباركتهم وبررّوا ذلك بأن المسأله فيها خديعه, ولم نتأكد لحد الأن أين كانت الخديعه , هل في تحقيق وحدة شعبنا؟؟ ولصالح من كان تغيير موقف الكنيسه .
على أية حال , إنّ طبيعة سوسيولوجية بعض رجال ديننا, تكشف لنا( وهي حالة نأسف لها ونتألّم منها) مدى عشقهم لصحبة الأقوياء و موائد الاغنياء حتى و إن كانوا من الطغاة, من أجل أي مكسب هي هذه الإستباحة ألتي تدفع بهم إلى ولوج دهاليز السير بعكس إتجاه أهلهم, رغم كل إدعاءاتهم المتكرره بعدم التدخل بالسياسه , لكنهم لم يتوقفوا من إثارة الخطابات الإستفزازيه المبطنّه وفي ذات الوقت ذهب البعض منهم يناشد اليساريين واليمينيين و يحث المستقلّين والمنتمين الذين لم يكن لهم يوما أي شأن بالأمور القوميه الى تشكيل أحزاب قوميه مجرّد بالأسم كي تكون واجهة تستخدمها من أجل منافسة أهاليهم ومغازلة صاحب النعم والمغدقات , تخبطات من هذا النوع لابد أن تلقى اّذان صاغية لها لتساندها وتموّلها و تشحنها أكثر, وخير دليل هو توقيت وتكثيف زيارات بطاركة الكنائس للقيادات السياسية الكردية و السيل الهائل من الصلوات والدعوات و الأوسمة والأنواط ألتي تم تقديمها و منحها لدفتردار بيت المال .
ومن أجل إغراق أهلنا أكثر في أمور تبعدهم عن متابعة همومهم الوطنية وشؤونهم السياسية القومية , زفّت عروس عشتار الفضائية لتساهم بالمزيد في التحّكم و تحديد تداول عقول الناس بريمونت كونترول تم تكويكه على طرح ثلاث خيارات للمشاهد لا غير , إمّا أن تشاهد القداديس و سماع الصلوات على مدى ساعات طويله أو تتمتع بمشاهدة حفلات الرقص والبذخ الفارهة أو تبتهج في رؤية الناس وهي تحمل صور أغا جان وتهتف بالروح بالدم نفديك ....... يا لها من ورطة !ماذا سيقول العراقيين عنّا ؟ هل هذا ما نحتاجه اليوم فعلا؟أم هو ما نستحقه!.
إنها الكارثة لو كان هذا ما اراده رجال ديننا ؟فقط ظهورهم المشّع على الشاشات وهو يقلّدون الأوسمة للمسؤولين!!! أو يلقون الخطب الدينيه المكرره ؟؟ من دون شك ,هم في ذلك يعتقدون أنهم قد فازوا على الأشرار , لأنهم حين إعتبروا كل من كان بالأمس يعادي الشيوعية واليوم يقمع بالقوميين هو صديق وحليف لهم كائن من كان , و ألأسباب كما نعرفها جيدا عمرها لم تكن دينيه ولا روحيه إطلاقا , فنتائجها لم تكن أقل من كارثية و ستكون نتائج ممارساتهم اليوم هي الأسوأ في المزيد من الإنقسام الكنسي والتشرذم بين صفوف ابناء شعبنا,,,,,,,,وسنظل نتساءل أين السبب؟
المثير للإستغراب هو إدعاء الأحزاب الكردية (العلمانيه) وإبتعادها عن الدين كمرشد سياسي في نشاطها , إلا أن المراقب يلاحظ بأنّ القياده الكرديه في تقربّها من "مطارنة الشمال" ليست غايتها خدمة هؤلاء الذين طالما عانوا عبر تاريخ من المذابح والإظطهادات , وليس لتقديم المواساة أو تضميد الجراح وتخفيف الظلم المسلّط عليهم بقدر ما هو محاولة تهميش وإزاحة الدور السياسي للكلدواشوريين السريان السكان الأصليين للأرض,ومما يؤسف له هو إختيار هذه الزعامة التعامل مع مكونات غير سياسية من أبناء الكنائس المسيحية في حين ذاكرة التاريخ غنية بما فيه الكفاية لكي يتذكر هؤلاء الزعماء الدور الرائد والمساند الذي قدمته الأحزاب الكلدواشورية السريانيه للحركة الكرديه والتضحيات ألتي قدموها , ولكن مع الأسف يجازى اليوم بالمناورات ألتي يؤلمنا أن يشارك فيها مطارنة يحملون على صدورهم الصليب الذي يرمز إلى الكثير من الأمور ألتي يعرفها هؤلاء المطارنة قبل غيرهم.
الموضوع إذن ليست مسالة خلافات روحيه ولا هم يحزنون , فسيادته حين قال خائن هو الكلداني الذي يقول عن نفسه أشوري, وخائن هو الاشوري الذي يقول عن نفسه كلداني, كان وقعها على شعبنا كالسيف ,من الطبيعي أن يشكلّ هذا الكلام معزوفة يطرب لها السياسي الكردي قبل العربي والإسلامي !! والأمر الأكثر غرابة هو إصرار مؤتمر رؤساء الكنائس الأخير في بغداد على تسمية أحزابنا القوميه الكلد_اشوريه السريانيه بالأحزاب المسيحية!! كيف هو شكل الكبوة إذن؟ ومن سيرد على تصريح الملا بختيار بأننا ككلدواشوريينسريان نحن أصحاب الأرض ؟؟
أللهّم أشهد أني أتكلّم عن هموم شعبي ودور رجال دين كنيستي لأنهم أناس مثلنا والعصمة للّه وحده , ولا يعني ذلك بأني أحاول التغطية على أخطاء بعض رموز الكنائس الأخرى ,هم أيضا لم يدخروا فرصة إلا وأستثمروها في المزيد من التقسيم والتشّظي وبث الحقد والكراهية في صفوف أبناء شعبنا وإلا بماذا يمكننا أن نصف خطبة المطران ميلوس الشديدة الحماس في أستراليا, يصرّ سيدنا المطران والصليب على صدره على تحريض الأخ ضد أخيه,سبحان الله ايّ مسيحية ٍ هي هذه !! نعم إنها ردّة فعل صريحة على الخساره التي سببها إنشقاق المطران باوي سورو وسحبه مؤيديه معه , وفي نفس الوقت هي متاجرة و قرصنه ماهرة لا أكثر, وكأننا نحن البشر لا نشكلّ في نظرهم سوى قطيع من الأغنام والأبقار الحلوبه, إن أخفقوا في إستحلابنا وإستعبا دنا حرّضونا على قتل بعضنا البعض.
أمّا الله , فإنه لا يحاسب ناكريه في جهلهم , بل سيعاقب مخالفي وصاياه وتعاليمه في علمهم .