مع الوعي المتزايد لقضيتهم عالمياوضع مسيحيي العراق إلى أين؟
وزير الهجرة: التحرر في الحديث عن قضيتهم كمسيحيين وليس فقط كخصوصية اثنيةورشة عمل في كالغاري بشأن المهاجرين العراقيين: تعدد التسميات ظلم مسيحيي العراق
منذ أن شهد الاضطهاد المذهبي العنصري في العراق، أعلى مستوياته، في ظل حكومات المرجعية الدينية، مع المجزرة التي ارتكبها ارهابيون باسم الدين الاسلامي، في نهاية اوكتوبر الماضي، بحق عشرات المصلين مع كهنتهم في كنيسة سيدة النجاة ببغداد، ارتفع المزيد من اصوات الاستنكار متعالية للادانة ونشدان الحلول. ويبقى هذا الوضع ومستقبله غامضا وفي مواجهة خيارات محدودة خصوصا في واقع الشعب السورايا المسيحي في بلاد بين النهرين بحدودها المترامية بين ايران وتركيا والشام الكبير.
ومن المعروف ان غالبية المسيحيين، على مر الاجيال المتعاقبة ، كانت تعودت على اللجوء الى الجبال، عند موجات الاضطهادات. ولكنهم كانوا يعودون، عند حلول نوع من الاستقرار، بسبب كونهم يعودون الى ارضهم السليبة، وبسبب حاجة الأنظمة الى استغلال خدماتهم ومواهبهم.
إلا أن امكانية اللجوء الى الجبال باتت مجرد خيار بين الخيارات، بعد أن لم تعد المنطقة الشمالية توفر الاستقرار الاقتصادي المنشود على المدى البعيد، وعلى مستوى الحاجات المعاصرة. فقد تحدد هذا اللجوء الى الشمال، أمام خيار لم الشمل وتوفر سبل الهجرة، والامكانات المادية للبعض واسرهم في الخارج.
المسيحيون ضحية المخططات الستراتيجية
بيد ان توفير الهجرة بحد ذاته بات يحمل في طياته، نيات عدم الاهتمام بإفراغ المنطقة من الأخلاق المسيحية وعبقريتها، لصالح ترك المنطقة تتلاطم بالمذابح الطائفية، حتى افراغها من قواها واقتصادها ونفطها بغية العودة بها الى بدائية البلدان النامية وحاجاتها الاصغر. فإن مواجهة الارهاب الديني، كعدو جديد بعد الاتحاد السوفيتي، بهذه الستراتيجية، يشكل وصمة في الجبين الانساني للقوى العظمى المخططة في هذا النحو من حيث اللامبالاة أمام تمزق العراق اجتثاث المسيحيين وسائر الخصوصيات المذهبية والاثنية من جذورهم. وأغلب الظن ان هذه الستراتيجية لا تأبه بضرورة إقرار مشاريع سياسية، خارج المرجعيات الدينية. لا بل يبدو من المرجح ان إقرار حكومات المرجعية الدينية، وجد كخير وسيلة لاضعاف البلاد، باشعال الحرب الاهلية الطائفية، وتشتيت الاقليات الاثنية غير المسلمة خارج البلاد. كما ان واقع الحال، يشير الى ان تشتت هذه الاقليات الدينية غير الاسلامية، تحقق بدرجة كبيرة، من خلال التشرذم الطائفي داخل كيان مسيحيي العراق، مما القى بظلاله التقسيمية على طابعهم الاثنني وخصوصيتهم المسيحية المتشابكة.
بحيث وجدت الزعامات المسيحية لكل طائفة، ضمن ظروف متباينة، تسحب البساط لصالحها بتكريس الخصوصية الاثنية والثقافية لكل جماعة بحسب كنيستها وطائفتها. فعلى سبيل المثال، أدى، مسيحيا، الاصرار الطائفي المذهبي المتعصب، بتقسيم اللغة الارامية الواحدة بلهجتها المحكية السورث للشعب السورايا، الى كل من:
اللغة الكلدانية
اللغة السريانية
اللغة الاشورية.
فانجرفت الزعامات المسيحية، كل منها بطريقتها وعلى وفق نظرياتها وأهدافها، إلى حالة أدت بشكل غير مقصود فيما بينها، أدت إلى تواطؤ غير منسق وغير متفق عليه، تسبب كتحصيل حاصل، في نحر الكيان المسيحي العراقي، وأدى بواقع هذا الحال، إلى التقسيم القومي والسياسي والحزبي، للشعب المسيحي (السورايا) الواحد ذي الخلفية الثقافية الارامية المشتركة الواحدة، إلى ثلاث قوميات:
القومية السريانية
القومية الآشوري
القومية الكلدانية
هذه الاشكالية كما سنرى في تصريحات وزير الهجرة الكندي، ومعطيات ورشة دائرة المهجرين الكندية، وضعت دوائر الهجرة في مأزق عالجته كل جهة بطريقتها، وعلى حساب وحدة ومصلحة الشعب المسيحي السورايا.
مع تصريحات وزير الهجرة الكندي
ضمن المساعي الرامية الى مواجهة نتائج ما حدث من جرائم ابادة جماعية بحق مسيحيي العراق، كان الدكتور جورج جرجس الاستاذ في جامعة كالغاري، قد أعد لتحقيق لقاء مع وزير الهجرة الكندي في مكتبه بكالغاري حضره الأب نويل فرمان. وقد وضح الوزير أن كندا والولايات المتحدة مهتمة بشكل رئيسي بملف المسيحيين العراقيين تحت الاضطهاد، الى جانب دول اوربية أخرى.
- إلى أنظار البطريرك الماروني الجديد
من المؤسف أن لبنان من بين دول المنطقة يشهد معاناة خاصة للمهاجرين المسيحيين العراقيين
وقد ذكر الوزير جيسي كيني، أنه على ضوء القانون الدولي للهجرة، يضطلع نشاط دوائر الهجرة أساسا بواقع الاشخاص والجماعات الهاربة من البلد الاصلي. وأبرز جيسون كيني الاهمية المعطاة لهذا المشروع، بالنظر الى الحجم المتزايد للمسيحيين في بلدان الانتظار. ومن بين بلدان الانتظار الى جانب سوريا، تركيا والاردن، أشار الوزير الكندي الى لبنان، معبرا عن دهشته بأن هذا البلد المعروف بمسيحيته، يشهد فيه المسيحيون المهاجرون اكثر المعاناة، وأعلى نسبة من المعتقلين.
ملاحظة الوزير الكندي تستحق ان ترفع الى غبطة البطريرك الماروني الجديد، مار بشارة الراعي، مع الاشارة إلى أن المرجعيات المسيحية للكنائس العراقية في لبنان، وخصوصا مطرانية الكلدان، لم تنفك تبذل الجهد في التخفيف عن المعاناة سواء في الجوانب العملية للمساعدات الانسانية، او الجوانب الاعلامية لايصال الصوت الى اعلى المراجع المدنية.
جيسون كيني: عند تناول موضوع المسيحيين العراقيين، بتنا نسميهم مسيحيين فحسب
بدون ضرورة الاشارة لخصوصيتهم الاثنية، نظرا لتعدد مسمياتهم، ولاستهدافهم كمسيحيين أساسا
من المعروف ايضا أن الانقسامات التي أشرنا إليها والتي أدت بالزعامات الدينية الى تقسيم الشعب المسيحي، لم تأت بالضرر إلا الى الشعب المسيحي وحده، فالارهابيون في جرائمهم لم يفرقوا بين مسيحي ومسيحي. أما الجهات الدولية، فمن جانبها، فقد تجاوزت الخصوصية الاثنية للشعب الغالبة لدى مسيحيي العراق، مما أفقدهم امتيازهم أمام المحفل الدولي. فقد التفتت الى هذا الواقع، الجهات العالمية للهجرة، فكانت أمام مأزق الالتزام بأعراف التعامل مع المواطن بحسب اثنيته وليس بحسب دينه. وهكذا ولوقت طويل دفع المسيحيون العراقيون الثمن، إذ طالما كانت السفارات ترفض معاملاتهم عندما كانوا يتحدثون عن معاناتهم كمسيحيين، خصوصا لدى المقابلة مع موظفي السفارات من غير المسيحيين. ولكن مع التراكم الزمني ووضوح صورة المعاناة، تحررت، على ما يبدو، الدوائر المعنية، عن محرمات (تابو) عدم تناول التسمية الدينية لمسيحيي العراق، باستخدامها كبديل للتسمية الاثنية المتعددة بشكل خرافي. فخلال مقابلة الوزير الكندي للهجرة، تم ملاحظة انهم توصلوا لى تحرير مفردة مسيحيين من خانة المحرمات هذه في الاشارة إليهم خلال التعامل مع الملف، كمسيحيين وحسب، وليس فقط الاشارة الى كونهم جماعة اثنية مظطهدة ومهددة بالزوال.
إلى أنظار زعاماتنا المسيحية الموقرة
ورشة كالغاري حول المهاجرين العراقيين:
تسميات متعددة إشكالية لدى مسيحيي العراق many denominations
الجانب الآخر الذي أدى بالشعب السورايا المتجزء إثنيا، أن يكون هو الخاسر، هو الاحصاءات بشأن حالات الهجرة من العراق. فضمن المحور عينه قدمت من اونتاريو إلى كالغري غربي كندا، في أواخر آذار مارس الماضي، السيدة ايكاترينا باك المختصة الجديدة في البرنامج التدريبي لمعاملات المهاجرين في تورنتو. وبالتعاون مع انطوانيت غودبوت، المنسقة في المكتب الكاثوليكي للهجرة في كالغاري، قدمت عددا من الورشات في مجال التحسيس بشأن واقع المهاجرين العراقيين، وضوابط دوائر الهجرة بشأنهم، تحت موضوعة العدالة الاجتماعية. وكانت كنيسة سانت فامي الفرنسية (يرعاها الاب نويل فرمان إضافة الى خدمة الرعية الكلدانية) واحدة من الكنائس الثلاثة في كالغاري التي احتضنت الورشة، إلى جانب كنيسة سانت لوك، وكنيسة سانت بونافاتور. في هذه الورشة، عرضت إيكاترينا باك، احصاءات قسمت فيها هجرة العراقيين إلى خانتين:
الخانة الأولى- الخانة الاثنية وتتضمن:
الاكراد، الشبك التركمان، الفيليون (ولم تذكر في هذه الخانة الخصوصية الاثنية للشعب المسيحي العراقي: الاشوري الكلداني السرياني، مع نسبة من المسيحيين العرب، الأكراد والأرمن)
الخانة الثانية- الخانة الدينية وتضمنت فيما تضمنت:
أولا المسيحيين
ثانيا المندائيين
ثالثا اليزيديين
رابعا الجماعات المسلمة
أمام هذا التقسيم، اعترض (كاتب السطور) قائلا أنه في حين ان الاكراد والشبك والتركمان والفيليين، يتناوبون التسمية الاثنية ويشتركون في الخصوصيات الطائفية الاسلامية، ويتم الاشارة اليهم بنحو مزدوج
فإن الشعب المسيحي العراقي، يباد لكونه مسيحي ولكنه ايضا وضمن التراث البشري، يباد كخصوصية تراثية ثقافية موغلة جذورها في حضارة وادي الرافدين.
سؤال اجابته المنسقة إيكاترينا الاجابة التي تحزرها زعاماتنا المسيحية، إذ قالت اعتقد ان السبب هو لان هذا الشعب يحمل
تسميات متعددة.Many denominations
توقعات سائق تاكسي في دمشق حول: الثلث مقابل الثلثين
وبينت طروحات ايكاترينا، أن الشعب العراقي عانى من انواع الاضطهادات واختراق حقوق الانسان، منذ عدة عقود، مما اضطر العراقيين الى الهروب في حقب متلاحقة. كما بينت ان سقوط نظام صدام حسين في نيسان ابريل 2003، وما نجم عن ذلك من حرب أهلية واضطرابات متلاحقة، اجبر الملايين على ترك مساكنهم. وبموجب الاحصاءات فإن عدد الذين تركوا بلادهم بعد 2003 يربو على 4 ملايين ونصف المليون، استقروا اساسا في سوريا والاردن ولبنان ودول اخرى شرق اوسطية.
ويقترب هذا الرقم، متناسبا مع نسبة سكان العراق، الى توقعات اودعها لي سائق سيارة اجرى في دمشق، في بحر عام 2007، عندما تطرق الحديث الى الحالة العراقية، فكانت معلومات السائق المستقاة من متابعاته الشخصية، ان المخطط من قبل الدول المشغوفة في معالجة الشأن العراقي على طريقتها ومطامحها، هو ما سماه: الثلث مقابل الثلثين، ولما استفسرت منه عن معنى هذه النسبة، قال:
تهجير ثلث العراقيين، تقتيل الثلث الثاني، والاكتفاء بالثلث الاخير.
وبعد، في ظل اشتعال ثورات الشارع العربي،
هل هناك تصور لانقاذ ما يمكن انقاذه، من الواقع العراقي المرير؟
لا بد من القول، ان عافية المسيحيين في العراق، تكمن في عافية المواطنين العراقيين عموما، والعكس بالعكس. إذ كما تبين جداول جهات الهجرة، فإن الاقليات الدينية عموما هي عرضة للاضطهاد. فالحكومات الكارتونية، عندما تستند على مرجعية طائفة ما، لا بد ان تهمش الطائفة المنافسة، ومن ثم دوامة الاقتتال وتهميش الاقليات واختفاؤها.
من جهة أخرى، فإن ما يحدث من ثورات شبابية، يستند بشكل كبير، على التظاهر السلمي، والمطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد المنظم، ووضع حد للانتهاكات ضد الديمقراطية في البلدان العربية الاسلامية، واشاعة الدكتاتورية والحكم الفردي. ومن سخريات الملاحظة ان الدكتاتوريات المتهاوية تلجأ الى رجال الدين لدعمها على وفق فتاوى مساندة ولي أمر البلاد.
لا ريب أن الكيانات الدينية، قد تمارس في حقبة أولية معنية، دور أن تكون حامية لحقوق رعاياها، خصوصا في مراحل التحرر والنزوع الى الاستقلال وكفاحها ضد الاضطهاد، كما حدث في نضال الشعب الارمني لتحقيق دولته، ثم ركنت الرئاسة الدينية إلى مكانتها الكريمة في "حاضرة" اجميادزين. أي إن دور الزعامة الدينية له ان يحتجب، امام قيام مجتمع مدني، يحكم القانون والحقوق والواجبات.
هكذا، فإن ما يحدث من مخاض حتى بعد سقوط الديمقراطيات، سوف يؤدي على الارجح، إلى تشخيص عبثية التدخل السافر والسام، للزعامات الدينية في الشأن السياسي، وضحالة قيام أحزاب دينية تتطلب تجنبها لدى اقرار قانون الاحزاب. وعندما يوغل رجال الدين في تجاوز دورهم وخصوصيتهم، عندئذ فإن الثورات الشبابية عينها، لا بد وأنها ستفكر بأنواع ثورات معاصرة، تناسب كل جماعة دينية، لتفصل على مقاسها ما يناسبها من ثورة أقل ما يقال فيها، أن تكون ضروبا من ثورات الباستيل الفرنسية.