Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مفاجأة شماسٍ لِشماس في كـنيسة مار توما الرسول / سـدني

( 1 )
منذ نهاية الخـمسينات حـين تـناولتُ القـربان المقـدس وحـتى هـذا اليوم وأنا في الكـنيسة ، شاركـتُ الشمامسة في كـنائس كـركـوك وألقـوش وبغـداد في مناطق عـديدة ، واليونان وأستـراليا ، وعُـرضَـتْ عـليّ الرسامة ثلاث مرّات ( الأب فـيليـب هـيلاي 1968 كـنيسة العائلة المقـدسة ، وسيادة المطران إبراهيم إبراهيم والأب فـيليـب نجم 1997 آخـرنون - اليونان ، وسألني سيادة المطران جـبرائيل كـسّاب عـنها 2006 سـدني ) ورفـضتُ قائلاً أنا لا أسـتحـقها ، وطيلة هـذه المدة من العـمر لم يفاجـئـني موقـف فـيها إلاّ مرتين ، الأولى مع كاهن الكـنيسة في أستـراليا عام 2005 والأخـرى مع شماس في الكـنيسة نـفـسها صباح يوم الأحـد 15 آيار 2011 ، وأودّ أن أضيف أن هـذا المقال ليس تبشيراً بالعـقـيدة المسيحـية ولا مناداة بالمبادىء القـومية ، وإنما هـو تـثبـيت للقـيم المنطـقـية والأخـلاق الشخـصية . عـند شروق فـجـر المسيحـية في ديارنا المشرقـية آمنَ الكـلدانيّـون بالمسيح ونعـمَ الإيمان ، وظهرتْ من بـينهم كـفاءات سجّـلتْ إسمها في التأريخ من لاهـوتيّـين وفلاسفة وشعـراء ورواة وأدباء ومؤلفـين ، وأيضاً مرنمين ومنشدين وموسيقـيّـين وملحّـنين أبدعـوا بنـتاجاتهم ، وكل ذلك باللغة الكـلدانية الفـصحى ( ﮔـوشـْـما ) التي بقـيَـتْ حـية خالدة إلى يومنا هـذا بفـضل الكـنائس والأديرة لأن آباءَنا الكـنسيّـين القـدامى لم يـدوّنـوا الطـقـوس والصلوات باللغة السوادية ( المتداولة في البـيت ) ولم يكـتبوا رسائلهم وإرشاداتهم بهذه اللغة المحـكـية في المجـتمع ، بل باللغة الكـلدانية الفـصحى ، و لولاهم لإنـدثـرتْ لغـتـنا العـريقة ، ولـتـَـرتــَّـبَ عـلينا اليوم أن نستـقـدم خـبراء اللغة الأجانب لـحل رموزها وفـك طلاسمها كما نـفـعـل الآن مع اللغة المسمارية . إن القـوى الإستعـمارية الأجـنبـية والغـزوات المحـلية التأريخـية لـ بـيث نهرين المشرقـية ، طـمسَتْ الكـثير من آثارنا ومآثـرنا المدوّنة ولم يـبقَ منها إلاّ ما سلم من أيديهم في الغـرف الداكـنة أو المخابىء المخـفـية ، كما أن سياساتها العـدوانية تجاه إيمانـنا ، فـرضتْ عـلينا اللغة الدخـيلة الأجـنبـية لأكـثر من غاية فإضـطـررنا إلى تعَـلـّـمها وأضحـتْ لغة ثـقافـتـنا كـما تـرَون ، وإنكـمشتْ لغـتـنا الكـلدانية الفـصحى حـتى إنـحـصرتْ بـين جـدران الكـنيسة والأديرة والتي حافـظ عـلى ديمومتها الرهـبان ورجال الدين كما ذكـرنا . ولهذه الأسباب تـقـلـصتْ فـرص تعَـلمها إلاّ لِـمَن كان له وقـت كافي يساعـده عـلى إرتياد الكـنيسة بإنـتـظام وإستمرار ، مع الذين إتـخـذوا من الدير مسكـناً ومصيراً لهم ، وبقي إستـخـدامها محـصوراً في داخلها أيضاً . وقـد نـُـقِـلَ إليَّ عـن الـﭙاطريرك الأسبق المؤمن الشهم مار ﭙـولص الثاني شـيخـو من أن الغـرب طلب منه الإقـتداء بالطقـس اللاتيني فـرفـض بشِـدة أصالته قائلاً : أنا لا أتـرك تـراث آبائي وأجـدادي ، إذن ، لغـتـنا الفـصحى هي حـية داخـل الكـنيسة فـقـط . وبعـد تـغـيّـر النظام الملكي في العـراق وبالأخـص بعـد عام 1968 صار بعـض الكـهـنة الكـلدان في بغـداد يترجـمون نصوصاً قـدّاسية في كـنائسهم إلى اللغة العـربـية بحـجة أن هـناك مِن بـين روّاد الكـنيسة مَن لا يفهم لغـتـنا الكـلدانية الفـصحى ، ولكـنهم في الحـقـيقة كان ذلك لغاية أخـرى أيضاً . وقـد أوردتُ الفـقـرة التالية في ذكـرياتي الكـنسية غـير المنشورة : (( في عام 1979 طـلبـتُ من أخـي الصغـير أن ينقـل إلى الكاهـن في بغـداد رغـبتي في الإلتحاق بالأخـوية - وكلاهـما إنـتـقلا إلى الديار الأبدية - ولما أخـبره بذلك ردّ الأب الفاضل عـليه قائلاً : يُمنع الموظفـون من الإنخـراط في صفـوف الأخـويات ! يا لها من فـتوى يصلح الناطق بها أن يسمى مفـتي ديارنا ! . إن سبب منعه إنضمامي إلى الأخـوية - في إعـتقادي - هـو عـدم كـشف مستوى شخـصيته أمامي في وقـت يتطـلب منه التباهى أمام المراهـقـين أو الشباب الصغار ، وهـو الذي قال لي يوماً : أنا أريد أن أطـوّر معـلوماتي اللاهـوتية في روما ولكـن الـﭘاطريرك لا يوافـق عـلى ذلك ، وقد عـلق أحـدهم عـلى هـذا الكلام قائلاً : هـل أنهى دراسة كـتب بغـداد كي يطـلب الدراسة في روما ؟ وفي مناسبة أخـرى زارنا غـبطة الـﭘاطريرك الراحل مار ﭘـولص الثاني شـيخـو في دارنا يوم 6/11/1981 برفـقة معاونه آنذاك - سيادة المطران عـمانوئيل دلـّي وحالياً كاردينال - والأب المرحـوم باسل مروﮔـي راعي كـنيسة الحـبيبية ، وبعـد الصلاة دار حـديث قـصير بـينـنا ، ثم سألتُ غـبطـته لغاية في نفـسي : سيّدنا ، لماذا لا تـترجـمون نصوص قـدّاسـنا إلى اللهـجة المَحْـكـية في البيت كي يفـهـمها الناس ؟ ردّ عـلي وقال : إبـني ، إن لسان آبائنا سوف يضيع فالصلوات مفهـومة لمَن يريد فـهـمها . وبعـد أسابيع إلتقى الكاهـن المُرافـق الموقـر بعَـمي المرحـوم جـرجـيس خـندي وقال له : إنّ إبن أخـيك إشـتكى عـليّ عـند الـﭘطرك ! )) .


Opinions