Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ملاحظات مطلوبة على تعليقات حول مقالاتي بشأن تصريحات السيد طارق الهاشمي

حين استمعت إلى تصريح نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي يذاع من قناة الجزيرة عادت إلى ذاكرتي, كفلم مسلسل, صور الماضي غير البعيد, صور تمتد من أربعينات وخمسينات وستينات .. القرن الماضي إلى الوقت الحاضر وتجسدت أمامي تلك الخلافات والصراعات والنزاعات التي أعقبت ثورة تموز 1958 والعوامل الكامنة وراء كل ذلك وتوقفت عند بداية الخلاف ونشوء الصراع وطرح شعار الوحدة العربية الفورية من جهة, ومحاولة الالتفاف على ما ورد في دستور العراق من أن العربَ والكُرد شركاء في الوطن العراقي, حين طرح البعثيون والقوميون ومعهم عبد السلام عارف شعار العراق جزء من الأمة العربية والوطن العربي الذي أثار الكُرد بحق وبدأ العد التنازلي للعلاقات في ما بين القوى والأحزاب الوطنية التي تحالفت قبل ذاك في جبهة الاتحاد الوطني ثم الصراعات والانقلابات والاغتيالات التي عمَّت العراق, وخاصة بالموصل في حينها.

لقد اغتيلت الثورة العراقية بمؤامرات عراقية – مصرية – سورية – أمريكية تم الكشف عن مختلف جوانبها في كتابات واعترافات الكثير من البعثيين والقوميين العرب, وخاصة القادة المصريين في مقابلات حول الفترة المنصرمة, إضافة إلى اعترافات السفير الأمريكي كريستوفر هيل الأخيرة الذي أكد بأن الولايات المتحدة كانت تفضل وتعمل من أجل أن يكون البعثيون في السلطة بدلاً من سيطرة الشيوعيين عليها, ولم يكن الشيوعيون في السلطة في حينها بل عبد الكريم قاسم ولم يتأمر الشيوعيون ضد سلطة قاسم, لقد كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وشركات النفط الاحتكارية ضد حكومة وشخص عبد الكريم قاسم.

هذه اللوحة بتفاصيلها لا تزال في ذاكرتي وذاكرة الكثير من العراقيات والعراقيين ووجدت من الضروري تنبيه المجتمع العراقي بما يراد له الآن حين ينطلق السيد الهاشمي بتصريح مماثل لذلك الذي انطلق به عبد السلام عارف في حينها. إنه ليس هجوماً على الهاشمي بقدر ما هو كشف عن النوايا التي تكمن وراء مثل هذا التصريح والعواقب التي يمكن أن تترتب على ذلك. إنه ليس دفاعاً عن رئيس الجمهورية الحالي أو تأييداً لانتخابه دورة أخرى بأي حال, بل هو الانطلاق من مبدأ أساسي لا يقبل الخطأ هو "أن كل العراقيات والعراقيين , وبتعبير أدق كل المواطنات والمواطنين في العراق لهم الحق في اعتلاء هذا المنصب بغض النظر عن قوميتهم ودينهم ومذهبهم أو رأيهم السياسي حين يكونون في إطار القوى غير العنصرية وغير التي تميز بين أتباع الديانات والمذاهب الدينية, أي غير الطائفية. أي من حق كل عراقية وعراقي, سواء أكان عربياً أم كردياً أم تركمانياً أم كلدانياً آشوريأ, أم مسلماً أم مسيحياً أم صابئياً مندائياً أم كاكائياً أم شبكياً أم إيزيدياً, أن يكون رئيساً لجمهورية العراق حين يكون مؤهلاً لذلك وحين يقرر الشعب ذلك عبر ممثليه أو بالانتخاب المباشر. هذا هو المبدأ الذي يفترض أن نحتفظ به وندافع عنه وليس أن نشترط في أن يكون رئيس الجمهورية العراقية عربياً لأن العراق دولة عربية. هنا هو بيت القصيد وهنا هو المقتل الفعلي للوحدة العراقية ووحدة النسيج الوطني العراقي الذي يفترض تجاوزه في إعلامنا ودعايتنا. وهو الذي لم يتجنبه طارق الهاشمي بل أصَّر عليه وبلغة واضحة وبأسلوب متشدد لا يقبل التأويل.

لقد شارك عبد السلام عارف في قيادة ثورة تموز ونفذ أصعب المهمات وكان مقداماً في تلك العملية وحصد تأييد الشعب تماماً كما حصده عبد الكريم قاسم. ولكن الرجل لم يكن حصيفاً وحكيماً بل كان, وهذا ما تبلور بعد فترة وجيزة من الثورة, نزقاً ومتهوراً جداً وغير مثقف, وكان بعيداً عن الرؤية الواقعية والموضوعية للعراق وبنيته القومية والاجتماعية, وبرزت عليه خصائص القومي المتعصب والمسلم السلفي والطائفي المتزمت في آن واحد. والطائفية مرض مقيت حين يصاب به الإنسان. ومن المؤسف القول بأن كل الأحزاب السياسية التي تبنى على أساس ديني تقوم على مذاهب معينة وتتمسك بسياسات طائفية تميز بين أتباع الأديان والمذاهب. وكان عبد السلام من هذا النوع رغم أنه لم يكن عضواً في حزب إسلامي.

لقد شارك عبد السلام عارف بإسقاط نظام البعث في تشرين الثاني 1963, ولكنه كان المساهم الأكبر في انقلاب شباط 1963 وكان المشارك الأكبر في القتل دون محاكمات بمن فيهم قتل عبد الكريم قاسم وصحبه الشهداء دون محاكمات وبعيداً عن الشهامة والضمير. خفف حكم عبد السلام عارف من القمع والاضطهاد نسبيا, وإلا لما استطاع مواصلة الحكم, ولكن النظام العارفي لم يتوقف قطعاً عن الاضطهاد والقمع والاعتقال والسجن والتعذيب, وفي هذا أدلة كثيرة وشواهد لا يمكن تجاوزها أو إنكارها. وكان عبد السلام عارف طائفياً بالمطلق تماماً كما هو حال الكثير من الطائفيين السابقين والحاليين المتعصبين من الشيعة والسنة, والطائفية شيء مقيت بخلاف المذاهب التي يحق لكل إنسان الإيمان بها, إذ أن الطائفية إن سادت تقود البلاد إلى ما لا تحمد عقباه. وكان عبد السلام يختلف في عمق وعنف طائفيته عن أخيه عبد الرحمن الذي تميز بهدوء أكبر واقل تزمتً من حيث الدين او القومية أو المذهب.

لو عاد البعض الذي يقول بأن عبد السلام عارف غير طائفي أن يعود إلى تركته الثقيلة في العراق ليرى كيف تعامل الرجل مع هذه المسألة. من المؤسف أن البعض ينسى ذلك والذاكرة عند البعض قصيرة جداً أو لا يعود إلى ما كتب بهذا الصدد ويعتقد بأن من يكتب عن ذلك هو طائفي معاكس.

لقد كتبت رسالة منذ سنتين إلى السيد طارق الهاشمي, نائب رئيس الجمهورية, بشأن الكُرد الفيلية, حين طلب مني أن أكون على رأس وفد لمعالجة هذا الموضوع مع المسؤولين العراقيين, ولم يتسن لي المساهمة بالوفد, وضرورة معالجة قضية الجنسية وعودتهم إلى العراق, إذ أن معاناتهم كبيرة وهم مواطنون عراقيون بحق ولا يجوز استمرار معاناتهم ومصادرة حقوقهم المشروعة التي صادرها نظام البعث السابق. فكان جوابه برسالة يؤكد فيها بأن هذه المشكلة ليست سهلة وفيها الكثير من الإشكاليات ولا يمكن حلها بهذا الشكل! ألا يذكرنا هذا الموقف بموقف أولئك الذين اتخذوا قرار إبعاد الكُرد الفيلية وعرب الوسط والجنوب بتهمة التبعية لإيران قبيل الحرب العراقية الإيرانية وأثناء الحرب أيضاً وقتل الكثير من شباب هؤلاء في السجون والمعتقلات؟

وحين جئت إلى بغداد بزيارة خاصة طلبت اللقاء بالسيد طارق الهاشمي برسالة وباتصال هاتفي وعرفتهم بشخصي. وبعد الاتصال به من جانب مكتبه أُعطيت موعداً للقاء به. بعدها وقبل يوم من الموعد اتصل بي سكرتيره الخاص وطلب تأجيل الموعد ليوم آخر وتحدد الموعد أيضاً. فوافقت. ثم اتصل بي سكرتيره الخاص ثانية وأخبرني بإلغاء الموعد دون تبيان السبب. شكرته ولم أعلق على الموقف, إذ من حقه أن يوافق أو يرفض, رغم إن الرفض لم يعبر عن لياقة مناسبة في التعامل معي.

تبين لي حقاً بأن الرجل يعاني من عقدة قومية كما كان يعاني الكثير من القوميين العرب العراقيين وليس كل القوميين, ولهذا لا بد من التمييز بين القوميين العرب. فمجموعة الأستاذ عبد الإله النصراوي والدكتور قيس العزاوي (الحركة الاشتراكية العربية) هم من القوميين الديمقراطيين المتفتحين على القوميات الأخرى في العراق وبشكل عام بخلاف مجموعات أخرى ترى وتتصرف بغير ذلك.

ليس لدي أي تحامل على السيد طارق الهاشمي, بل لدي ملاحظات جدية على اتجاهاته الفكرية وسياساته ومواقفه أثناء وجوده كنائب لرئيس الجمهورية وطريقة تعامله مع الأحداث, وهو من حقي كسياسي عراقي ومطلع بشكل مناسب على الأفكار والسياسات والمواقف التي تحرك مثل هذه الشخصيات العراقية.

في الوقت الذي أرجو له الصحة وطول العمر, أتمنى عليه أن يفكر كثيراً بالعراق ومستقبله, بعراق متضامن وقائم على اسس المواطنة المتساوية والواحدة. فليس هناك من يمكن أن يغير الخارطة الجغرافية العراقية, العرب بجوار الكُرد, أوالكرد بجوار العرب في دولة واحدة, وكذا الحال مع بقية القوميات, وعلينا أن نتعايش بود وسلام ووئام وبعيداً عن التعصب, بل بروح المواطنة المتساوية ولا فرق بين أتباع القوميات إلا بما يقدمونه من خدمات للعراق وتعزيزاً للوحدة الوطنية وتقدم وازدهار العراق وأمنه وسلامة مواطناته ومواطنيه. إن من واجبنا أن ندافع عن المواطنة. هذا هو المهم في وطن مثل العراق.

10/3/2010 كاظم حبيب

Opinions