Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من أجل تفعيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

في العاشر من كانون الأول من هذا العام 2008، يكون قد مرَّ ستون عاماً على صدور {الإعلان العالمي لحقوق الإنسان } هذه الوثيقة التي تعتبر من أهم الوثائق التي أصدرتها الأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1945 وحتى يومنا هذا، والتي تتعلق بحياة البشرية، وحق كل إنسان يعيش على كوكبنا في الحياة الحرة الكريمة، وفي جو من الحرية التامة والعدل والسلام، وعلى قدم المساواة بين بني البشر، بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو القومية أو العقيدة، وأن يتمتع الإنسان بحرية الفكر والعقيدة، متحررا من الخوف والفزع.
وعلى الرغم من أن معظم دول العالم قد وقعت على هذا الإعلان وتعهدت بالالتزام به إلا أن الواقع يؤكد لنا أن هذا الالتزام في معظم البلدان الموقعة عليه بقي حبراً على ورق ليس إلا، واستمرت هذه الدول تمارس ضد مواطنيها أشنع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وكذلك القتل دون محاكمة أو تصدر وتنفذ أحكام الإعدام من قبل محاكم صورية، لا تتوفر فيها ابسط متطلبات العدالة، حيث يحرم المواطن من حرية اختيار محامٍ له، وحتى حريته في الدفاع عن نفسه، كما تقوم العديد من الحكومات بمجازر جماعية ضد شعوبها مستخدمة كل الأساليب الفاشية، وليس بعيداً عن أذهاننا وبصائرنا تلك المجازر التي ارتكبها الحكام الطغاة ضد شعوبهم، ففي العراق قتل عشرات الألوف من العراقيين، من ضحايا الفكر والضمير، ومن السياسيين الوطنيين على أيدي انقلابي شباط 1963، أما ضحايا الحكم الصدامي منذ عام 1968 فلا يمكن إحصائها، ولايمكن وصف بشاعتها.

ولا يمكن أن ننسى جريمة النظام الصدامي بطرد مئات الألوف من الأكراد الفيليين الى أيران بحجة التبعية لإيران وسلب أملاكهم وأموالهم، واحتجاز ما يزيد على تسعة آلاف من أبنائهم، وجرى تصفيتهم دون وازع من أخلاق أو ضمير، ودون ذنب ارتكبوه.

ومثلما لطخ النظام العراقي أياديه بدماء الشعب الكردي ، فقد شن حملة إبادة ضد الشيعة من سكان جنوب ووسط العراق أبان قمعه للانتفاضة الشعبية عام 1991 ذهب ضحيتها عشرات الألوف من المواطنين، دعك عن تصفيته كل القوى السياسية المعارضة لحكمه، ودعك عن حروبه الإجرامية ضد إيران وضد الشعب الكويتي الشقيق، وحربه التي خاضها ضد سوريا في لبنان أبان الحرب الأهلية، إن جرائم النظام العراقي يندى لها جبين الإنسانية
وفي إندونيسيا قتل ما يقرب من مليوني مواطن خلال وبعد انقلاب الدكتاتور سوهارتو حسبما ذكرته وثائق المخابرات المركزية الأمريكية، والتي سبق وبثتها قناة MBC الفضائية في وقت سابق.

وفي شيلي قُتل عشرات الألوف من الشيليين على أيدي الانقلابيين بزعامة الدكتاتور بينوشيت،عام 1973. وكذا الحال ما جرى في إيران عندما قام الجنرال زاهدي بانقلابه في إيران ضد حكومة الدكتور مصدق عام 1954 ويطول الحديث عن مثل تلك المجازر في الانقلابات العسكرية التي وقعت في أمريكا اللاتينية وما اقترفته من جرائم بحق شعوبها، والتي لا يمكن حصرها، وكل تلك الانقلابات جرت بتدبير وتخطيط المخابرات المركزية الأمريكية.
ومارست ولا تزال تمارس إسرائيل أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، وتعتدي على جيرانها العرب، وتحتل أراضيهم في الجولان ولبنان، والضفة الغربية من فلسطين، ولا تعترف بكل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتتحدث بمنطق القوة متحدية الرأي العام العربي والعالمي، وتستخدم شتى انواع الأسلحة الفتاكة لقمع الشعب الفلسطيني المكافح من أجل حريته واستقلال وطنه.

إننا لو تابعنا انتهاكات حقوق الإنسان في سائر بلدان العالم لهال لنا الأمر لأن معظم الأنظمة تمارس باستمرار الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان من أجل الحفاظ على سلطانها. كما أن الولايات المتحدة، أقوى دولة في العالم، قد مارست وما تزال تمارس تمارس كل أنواع الانتهاكات ضد شعوب العالم المستضعفة.

أليس الحصار الجائر الذي تم فرضه على شعب العراق منذ عام 1990 وحتى سقوط نظام صدام على أيدي قواتها العسكرية يمثل أبشع انتهاك لحقوق الإنسان؟
أليست هي حرب إبادة مارستها الولايات المتحدة وأصرت على استمرارها 13 عاماً بحجة معاقبة النظام العراقي؟
لقد ذهب ضحية تلك الجريمة التيجرى تنفيذها باسم الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن أكثر من مليون ونصف المليون عراقي جراء ذلك الحصار الغاشم الذي لم يعرف له العالم من قبل.
إن [ الشرعية الدولية ] عاقبت الشعب العراقي وحده مدة ثلاثة عشر عاماً دون أن يمس النظام الدكتاتوري الحاكم أي ضرر، حيث لم يعانِ من الجوع و الفقر والمرض رجال النظام وعوائلهم ومريديهم ، فقد كانوا يملكون كل شيء .
إن عالمنا اليوم بحاجة ماسة لأن يرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة قبل ستين عاماً قانوناً دولياً تلتزم كل دول العالم بتطبيقه دون استثناء، وأن يكون شرطاً أساسياً لعضوية الدول في الأمم المتحدة والانخراط في المجتمع الدولي، والعمل على تفعيل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ومنحها الصلاحيات اللازمة لكي تتابع تطبيق تلك الحقوق التي اقرها الإعلان وحصر الانتهاكات مهما كانت، ومحاسبة الحكومات عليها، وتفعيل وتوسيع نشاط المحكمة الدولية لجرائم الحرب لكي تلاحق كل من تسول له نفسه من الحكام وأجهزتهم القمعية الذين يمارسون ابشع أنواع التعذيب والقتل ضد أبناء شعوبهم كما يجري اليوم في دارفور بالسودان، وإنزال العقاب الصارم بهم، ولاشك أن التزام الدول الكبرى، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة التي اصبحت القطب الأوحد في عالمنا اليوم والتي تلعب دوراً رئيسيا في إدارة شؤون العالم، بتطبيق حقوق الإنسان بشكل دقيق سوف يجعل من العسير على حكومات الدول الأخرى أن تمارس الانتهاكات دون أن تخشى العقاب.

Opinions