من أمر ببناء جدار فصل الأعظمية
اكاديمي مستقلبداية لنتفق بان العراقيين اليوم لا يهمهم شكل ومعتقد من يحكم العراق , لأن ما اصابهم من تدمير لا يمكن تخيله .. قتل وسلب وتهجير ورعب وجوع وكل انواع الجريمة والفوضى , جريمة لا يمكن تخيلها , بات العراقيون لا يهمهم غير من ينقذهم واطفالهم وممتلكاتهم من الموت المحقق , لا اكثر.
هل يصدق احد ان بغداد السلام والطمأنينة تصبح ساحة قتال بين الشعلة والكاظمية وبين الأعظمية والدورة , هل يصدق احد ان في بغداد تقسيم وبناء جدار يفصل بين الأحبة والأصدقاء , وهل يعقل ان يذبح ويقتل ويهجر الالاف وتدمر دورهم ومنشئاتهم الدينية والمدنية وتسلب الملايين من اموال دولتهم ..امام انظار حكومة لطالما طبلت وتبجحت وادعت بانها منتخبة من قبل الشعب , هل يقبل الشرفاء تقسيم بغداد الى مناطق طائفية بحجة حمايتهم من عصابات القتل وفرق الموت , متى ستعلن الحكومة حزنها على العراق وشعب العراق ؟
ثم متى تستقيل الحكومات , الا تخجل الحكومة التي لا تقدر على حماية شعبها البقاء في الحكم ويردد اعضاءها كل يوم ..نحن منتخبون نحن ابناء الشعب .....الم يكن من الأجدر ان تعلن الحكومة استقالتها والإعتراف بعدم قدرتها على ادارة الدولة العراقية الجديدة ام انها تثيب لنا كل يوم انها غرفة في البيت الأبيض , اليس زيارة السيد روبرت دليل على ادارته لهذه الغرفة واشرافه على موظفيها , الا يعني ذلك كشف واضح عن تزوير في الحبر الأزرق والأوراق التي سيقت تأييدا لإنتخابهم , اليس من حق العراقيين حجب الثقة عنهم والى الأبد .
وبهذه المناسبة فانا لست بصدد وصف الحاكمين الجدد واسلوب ادارتهم للدولة بعد سقوط نظام صدام حسين , فقد شاهدهم الملايين وعلى شاشات وسائل الإعلام المختلفة واطلعوا على كل صغيرة وكبيرة , بدءا من ملئ صناديق الإنتخابات وظروف كتابة الدستور وتشكيل الحكومة ومجلس النواب وما رافق كل ذلك من تقاسمات ومحاصصات وتوزيع للغنائم والمناصب , الى مشاهد محاكمة واعدام صدام حسين , ولا حاجة ان نقول ان لأميركا وايران دور فاعل في كل ما يجري في العراق .
ان ما يشاهده ويسمعه الملايين من ما يصرحون به المسؤولون العراقيون نساءا ورجال من على شاشات الفضائيات , بينهم الوزراء واعضاء في مجلس النواب وغيرهم مما يسمونهم محللين ومفكرين وباحثين ستراتيجيين , وهم يطلون علينا في احسن حال وفي وضع اقتصادي منتعش ..فالكل يسترزق من مال العراق والكل ينعم في مسكن وسيع كان بالأمس يسمى قصرا رئاسيا والغالبية في جيبهم جنسيتين وجواز سفر دبلوماسي .. وطز بالعراق ! نشاهدهم وامام الكاميرات واثقين بما يدلون به من تصريحات وتحليلات حول الوضع القائم في العراق جميعهم متفقون على انه وضع آمن وان العلاقة مع القوات الأمريكية المحتلة جيدة وان الخطة الأمنية والخطة الإقتصادية سائرة بنجاح تام , ويعلقون آمالا كبيرة على خطط الحكومة بايجاد الحلول للخلاص من الإرهاب القادم من خارج الحدود ومن البعثيين وازلام صدام ومن جرائم القتل والتهجير التي تقودها عصابات وميليشيات غير معروفة كما يقولون وطبعا هذه الجمل شبع العراقيون منها حد التخمة !
لكن الواقع غير ذلك , فان اقل ما يمكن وصف تصريحاتهم حول الوضع العراقي بانها غير واقعية ولا منطقية , لقد تبين ان غالبيتهم مرتبطون بمشروع طائفي وبرنامج عمل ليس له صلة بمصالح العراق او سلامة شعبه , بل واكثر من ذلك فان تصرفاتهم تدل على انهم بعيدون عن المبادئ السامية للدين الإسلامي الحنيف التي تحرم عليهم الرزق الحرام والكذب والدجل والحيلة والضحك على عقول الأخرين , وكأن المصداقية لا حضور لها في أدبياتهم , وكمثال على ذلك ما نراه من نتائج الخطة الأمنية القائمة والتي يتبجحون بها ومعهم القادة الأمريكان على انها ناجحة وان الإرهابيين والتكفيريين ومعهم ازلام صدام هم اساس القتل الطائفي والتهجير القسري .. وهو كما يقولون آخذ بالتلاشي , اما المئات من جثث المغدورين الملقات في الطرق والمزابل والاف العوائل المذبوحة على الهوية والمهجرة والفساد الاداري والبطالة وتحويل دوائر الدولة الى منابر خطابية ليس لها علاقة بأمن المواطن .. كل هذا المآسي والتجاوزات لا حديث عنها اطلاقا .
لكن الحقيقة والواقع هو عكس ما يصرحون فنسبة جرائم القتل على الهوية وعمليات الخطف والتهجير الذي لم يقتصر على المسلمين فقط انما تعدى ذلك وبشكل ملفت الى المسيحيين ايضا حيث تم تهجير وقتل المئات منهم وتم تدمير مساكنهم وكنائسهم هي في تصاعد مستمر , كل ذلك يأتي ضمن مخطط مدروس لإفراغ العراق من العلماء واساتذة الجامعة والفنانين والرياضين والأدباء والشعراء والضباط سواء كان ذلك بالقتل او التهجير او التهديد , فلماذا هذا الأصرار على تبني التصريحات والأحاديث الغير واقعية , اليس الأجدر وبحسن نية صادقة , تبني موقف يدين هذه الممارسات لكسب ثقة الشعب للعمل سوية لإعادة الأمن الى ربوع الوطن .
ان شعب العراق وعلى الأقل منذ مئة عام قد تثقف وتربى تلقائيا على احترام كل الأطياف والمعتقدات , كما ترسخت في ذهنه المواطنة وحسن الأداء والعشرة والإنسجام مع من حوله سواء في المدرسة او في الوظيفة المدنية او العسكرية ....فهل يعقل وبرمشة عين تغيير هذه المفاهيم من خلال قيام مجموعة معينة تنتمي لحزب او طائفة او كتلة معينة لها اهداف ذات طابع مذهبي او قومي عنصري سنحت لها فرصة السيطرة على الحكم ان تقلب الموازين في الثقافة العراقية وتقسم مناطق السكن الى كتل طائفية وتوزع العمل والوظائف في المدارس والوزارات ومؤسساتها على اساس الإنتماء الطائفي او الأثني او الحزبي ....هل بهذا النمط من السياسة سيتقدم شعب العراق .
لكني ومع الكثيرين نتسائل لماذا اختارت اميركا هذا الشكل من التدمير وهذا النمط من التغيير السياسي , فبالرغم من معرفتي ان اميركا تنفق المليارات من الدولارات لمساعدة الشعوب وتعمل على احلال السلام في العالم وهي بذلك تعتبر في مقدمة الدول الديمقراطية , فاين اميركا من كل ذلك في العراق , وما المانع ان تكون مصالح اميركا تتوافق مع مصالحنا !
لقد كنا موعودين بان من سيخلف صدام ونظام حكمه سيكون نظاما ديمقراطيا حضاريا له رؤيا مستقبلية شفافة تحمي العراقيين وتحافظ على اموالهم ومستقبلهم , نظاما يرعى كل الطوائف ولديه رؤيا علمانية تعمل من اجل كل المكونات , نظام بمجلس نواب منتخب يؤمن بالوطنية على انها فوق الميول والمذاهب والمصالح الشخصية ..كنا موعودون بقادة يمدون الجسور مع بقية حكومات الشعوب المتحضرة والمتقدمة لتطوير العراق من الناحية الصحية والإقتصادية والثقافية , كنا ننتظر نظاما عراقيا اصيلا يهدف الى حماية كل العقائد والإنتماءات ويحافظ على صيانة حقوق الإنسان كاملة ليكون بحق قدوة لبقية انظمة المنطقة , هذا ما وعدوا به العراقيين .. لكنهم خلفوا .
علينا ان نعي ان العراقيين بحاجة الى حياة مدنية آمنة وعلى حكومتهم التخلص من تعصبهم القبلي وانتماءاتهم المذهبية من اجل سلامة العراقيين وعليهم التوحد باسم الوطنية , فالوطن لابد ان يتقّدم على كل الانتماءات والعقائد ...
هذه المرة انيطت المهمة الى السيد وزير الدفاع الأمريكي , فبعد تصريحاته مؤخرا دعا فيها الحكومة الحالية الى اعادة النظر بالدستور وبكل ما يتعلق بادارة الحكومة الحالية كما اكد على ضرورة الإسراع بترتيب اوضاعها قبل فوات الأوان , انها فرصة بالرغم من ان العراقيين يعرفون اللعبة بالرغم من ألمهم وهم ينظرون الى عراقهم الذي اصبح مختبرا للتجارب الأمريكية في العراق , فعسى ولعل ان يتوصلوا هذه المرة الى اختيار الرجال القادرين على ضبط الأمن وايقاف القتل الطائفي والتهجير القسري ونهب اموال الدولة واعادة كل مؤسسات الدولة السابقة الى الخدمة بكامل موظفيها , لكن المفاجئة هي ان اليوم الذي وطأت فيه قدما السيد روبرت وزير الدفاع الأمريكي ارض العراق ولقاءه مع المسؤولين العراقيين يعلن عن بناء جدار يحيط منطقة الأعظمية ليفصلها عن باقي المناطق بحجة الحفاظ على اهلها من هجمات جيرانها وبنفس الوقت الحفاظ على اهل جيارنها من هجماتها ... هل تصدقون ان ذلك كان من طبائع العراقيين في مناطقهم .... لا والله انهم لكاذبون !!