Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من ذاكرة أكيتو ...... وعندما حضر الله في السيطرة

لَعلَّ أبرز ما يُميزّ الشاعر عن سواه من الخلق, هو تزاحم الرؤى المؤولة الى تكثيف مشهدية الحياة من خلال التراكم المعرفي وتنشيط أنساق المعرفة الآبداعية والحياتية في وعيه، فالشاعر يرى في أبعاد المعرفة الأبستيمولوجية كل مظاهر الحياة والدين والسياسة والأجتماع والفن وبخاصة التشكيل و المسرح لتعانقهما مع الشعر، إنّ هذه المتون والأشارات الابداعية الجديدة هي التي تحفز الشاعر على التخييل من خلال تأمل الظواهر الحياتية والتاريخية وأيجاد تمثلات نصيّة بينها وبين الظواهر الحياتية الكبيرة والمتشظية .. قادتني هذه المقدمة أو التوطئة الى أن أدخل في علاقتي بالواقع والحياة من خلال وقائع سيرية شخصية، ترتبط بالذات والواقع المحيط، وكان ذلك في نهاية التسعينيات، كنت أسعى أن أكون خارج السّرب، بالطراز الذي يتجاوز سيرة الشخصي خارج المتن التاريخي والحياتي بشكل كامل وقاطع، لذا غادرت نمط التقليد في الحياة والكتابة الأبداعية، حرصتُ أن أكون بعيداً عن هيمنة المدوّنة التاريخية والوقائعية في نصوصي، كنت دائما أسعى أن تتحول عندي المتون الى بيانات للتمرد.. بيانات لا تصريحية بل خطية أبداعية وثائقية مجترحة على خط واحد. كنت أنقلها تحت طبقات أثوابي الى صحيفة ـ بهرا ـ أيام كانت تصدر في عنكاوا.. حرصت أن أكتب نصوصاً معقدة جداً، لا تومئ ولا توحي ولا تشير ولا تنطق ولا تتكلم الاّ عبر الأشارة اللفظية المدوّنة تاريخياً، من المهاد التاريخي، لكن لا على حساب الفوران الأبداعي كي لا يتعطل النص داخلياً في اشتغاله المختلف على نظام العلامة والأشارة واللمحة ، أو تعمل الأشارة اللفظية في مرجعيتها التاريخية الى تعطيل المتن المتمرد في تشكيلاته وتشكلّه وفعالية إشاراته الإبداعية الشخصية... كانت هذه المرتكزات، تستنهض الذات الأنا للولوج الى عوالم شديدة الحساسية بالقضية الحياتية الكونية بمقادير تمركزها كحيوات النص داخل مركزه، وهذا ما كان يشكله النص من عوالق شخصية وتغريدات الذات خارج سرب الكتابة السائدة والمألوفة وحتى الحياة اليومية وممارساتها وعبثيتها... كنت أحرص أن يتأسس النص بقدر غموضه الماسي من مرسلات وليس مدونات تاريخية قريبة من ذاكرة ماضوية فحسب ، متمردا غائرا في طبقات الحياة في غائيته على طول تاريخه النسيجي مثوّرا للبنى التشكيلية وأحياناً للبنى الجوانية،.... لم يكن اشتغالي استقلالياً أي بعيداً عن روح (( القضية، الأم)) وعذاباتها التاريخية، لقد أتاحت لي حياة شخصيات عديدة أن أستنفر الذاكرة كحاضنة تاريخية في الأقل.. لرموز أمثال (( أغابطرس وفريدون أثورايا واشوريوسب والعشرات.................... ))أتاحت لي هذه الرموز فرصة العودة الى الماضي الجسور الممتليء بالمعرفة الكونية واستطيقيا الجمال الحكائي والمروي الميتافيزيقي لكن ليس في حكائية الكلمة والنص، بل في روح المعنى التاريخي والذات التاريخانية في احترابهما على خط واحد، احتراب الأنا مع الذات الأبداعية ومع المنجز وبالعكس، احتراب الأنا والأنا الإبداعية مع المكان، المكان بوصفه تابو إجتماعي وسياسي وبراغماتي ولوجستي وبالتحديد هنا عسكرتاري، هذا المكان المتمثل في نقاط السيطرات، طبعاً في بلادنا، لو أحصيت سيطراتها لآكتشفت بأنّ أعدادها كانت ولا تزال تفوق أعداد النيازك والنجوم والكواكب المكتشفة واللامكتشفة، لا بالأعداد فقط، بل في التشيّؤ المكاني وسلطته التبئيرية، سيطرات ملوّنة لكن لا تشير ألوانها الى ألوان الطيف الشمسي أو لون كريات الدم البيضاء والحمراء، وأخيراً اكتشفت كريات دم بنفسجية (( شكرا لأكتيو على مساعدتي في هذا الأكتشاف))،سيطرات خرافية و هذا عكس ما شاهدته في استراليا، في أحدى رحلاتي من ملبورن الى سدني بالسيارة ، حيث لم نصادف أية سيطرة ولمسافة الطريق الذي استغرقنا في قطعه وقضمه على أنغام آشور بيت سركيس.. حوالي عشر ساعات .
هذا السرد بالمنولوج الداخلي محوره الذات، أو هو ما أطلقت عليه بالمنولوج الداخلي الشخصي جدا.. فكان هنا أن وقعت على الآستعانة بهذا الربط بين الماضي والحاضر، الماضي المتمثل بالحواضن التاريخية والرموز والأسماء والوقائع والحوادث الكبيرة، وحتى الحروب، كان هذا مقابل الكشف عن تباين بين المعاصر والتاريخي واستجلاء طبيعة الصراع بين دائرة البقاء والفناء، إنّ منتج النص ـ دائماً ـ يرى كل ما حواليه وما خلفه وما أمامه من أنساق بشرية وكائنات وعلوم ومعارف وعوالم محتدمة وتتضاعف عنده الرؤية والرؤيا ومجسّات التخييل والحاضنة الذاكراتية كلما عاش الأزمنة المحتدمة والأمكنة المخيفة.. ومن الذاكرة أودّ أن أنقل لكم حادثة من بين عشرات الحوادث الكبيرة التي مررت بها . كنت أسعى فيها "أن أكون" انطلاقا من الكوجيتو الديكارتي "أنا افكر أذن أنا موجود " ،،،، كان ذلك في نهاية التسعينات ،،، وأنا في سيارة تاكسي تويوتا موديل 1979 ـ كان السائق بين الفنية والأخرى يكرر ويعيد ،،، ونحن في طريقنا من كراج الشمال بالموصل الى دهوك، كان يقول موجّهاً كلامه لي : (( حجّي عندك شيء تكَوله ) كان السائق يبدو متعلماً ورصيناً يحمل ثقافة أجتماعية على قدر ما.. ، قلت له (( أنا ...؟؟ وترددت أن أقول أو أفصح له عمّا أحمله بين طيات ملابسي من أوراق دونت فيها " نصوصاً نثرية معقدة " كي اعطيها له لأخفائها في مكان ما في سيارته...لكني توجّست كثيرا أذ ربما مثل هؤلاء تجنّدهم اجهزة الأمن الحكومية القاسية.. وجّه سؤاله لي ملحّا ،، حيث رآني ـ ربّما ـ غريباً أو أشيباً محتدما ً، متردداً في إجابتي،،، (( قلت له لا )) قال لي (( من أين أنت ؟ قلت له: لماذا تسألني هذه الأسئلة؟ قال : مجرد أريد أن أعرف : ، أردت أن أعرف من أي منطقة أنت؟ قلت له : أنا من قره قوش، قال : (( أووو أحنا ولد عم ، طلعنا كرايب ))، وأنا من قرية "....."، أعمل سائق تاكسي منذ أكثر من خمس سنين على طريق موصل دهوك، هدأ بالي قليلاً، لكني مازلت منشغلا بأوراقي التي قد يضبطها الأنضباط المنتصب في السيطرة الأخيرة التي تفتح الباب للدخول الى عالم مدينة دهوك، أوراقي لن يفهمها هذا الانضباط لا هو ولا حتى جدّه التاسع بعد الألف، ومن بين الأوراق ـ نص شعري ـ سرياني ،، كان السائق يكاد يطير بنا ونحن مثل دجاج الحقل "مخنوسين " لم يعترض أيّ منّا على سرعته الجنونية ..كان يضع على الدشبول نظارته الشمسية والتي" يكشخ" بها في قريته امام "البنوات الحلوات"، ومن الجهة اليسرى" للدشبول" من الأسفل كان قد ألصق صورة الفنانة سهير رمزي، وقد كشفت عن مطار صدرها الرحب عن ثديين بضيّن ممتلئين، قلت في سّري لا أدري لماذا يلصقون مثل هذه الصور في سياراتهم..؟ لكني كنت بين الفينة والأخرى أسرق نظرة عميقة وطويلة من على هذه الصورة التي أعادتني الى أيام المراهقة وأفعالها ورغباتها وشهواتها الحارة ... وصلنا الى السيطرة، قال مسؤولها : (( الكل ينزل، ويخُرج كل ما عنده في جيوبه )) وينزع حذاءه وجواربه ..".كان الله في عون الجميع " لم يقل انزعوا ملابسكم كلها.. لم أكن استغرب حتى لو قال هكذا لأنّ هؤلاء لا يفكرون أكثر من تنفيذ أمر مسؤولهم الأكبر .. قلت في سري لو أمرنا ان ننزع ملابسنا الداخلية كيف كنا نبدو في ذلك العراء .كنت أفكر بالمرأة الوحيدة التي كانت معنا وهي مغطاة بعباءتها وكأنها خيمة سفرية ..سترنا وستركم الله من أوامر الانضباطية ".وستر أجسادنا بملابسنا - طبعا- وحتى الداخلية منها .."الكل أخرج ما في جيوبه من اشياء ..كانت معظمها علب سيكائر وقداحات وهويات.. أما أنا.. فتأخرت قليلا.. تظاهرت بشيء ينغصّ داخلي، مرّت لحظات، تمالكت نفسي، بعد أن فتشّ الآنضباط الرّكاب الأربعة،، كنت أنا الخامس، أمر الأربعة بالذهاب الى السيارة والركوب، كنت أفترشت أوراقي على سطح "البوند" غطاء السقف الأمامي للسيارة" وقعت أنظار الأنضباط على الخط السرياني للنص الشعري الذي كان ـ حينها، قد خطّه لي الصديق الشاعر سمير زوري، : قال لي الأنضباط ما هذه الكتابة "حجّي"؟ قلت له : أنها أناشيد كنسية أحملها من القس الفلاني الى كنيسة إيثالاها، ((وفعلاً حضر الله هنا)) لم أكن قد خططت لهكذا إجابة أبداً،، قال الأنضباط : "ها يعني أنت من جماعة الكنيسة متدين"؟ بدا لي هندامه وشكله وقسمات وجهه ـ إنه متعلم ويعرف بعض الأمور الحياتية : قلت له : نعم ... قال متمتماً : أحمل أوراقك وإذهب الى السيارة، ظننتُ أنه يردد مع نفسه: (( الحجّي لا يشكل خطراً على الحكومة ). . تأخرت قليلاً على السائق والرّكاب الأخرين،، قلت لهم عذراً، قال السائق لا ضير " هم زين عبرت" لأنهم هذه الأيام ـ يشددّون على الناس، وخاصة على الذين ليسوا من سكنة دهوك..وبعد مسافة من اللغو والحديث عن الحصار والظلم في كل مكان من الأرض .وصلنا دهوك ,كانت المسيرة البنفسجية قد أنطلقت بذلك البهاء النيساني والزهو الروحي والكبرياء الآشوري التاريخي الكبير ..........



Opinions