Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

من يقتل المسيحيين في العراق؟ قراءة متأنية في مذبحة كنيسة النجاة في بغداد

leon.barkho@ihh.hj
جامعة ينشوبنك – السويد

منذ يوم الأحد الماضي وأنا في صدمة كبيرة. وفي المنام أتخيل إخوتي وأخواتي في كنيسة النجاة والأشرار يفتكون بهم وهم يحملون كتب صلاتهم ومسابح ورديتهم بأيديهم والقسس يرفعون صليبهم بيد ويحملون الإنجيل، كتاب التسامح، والغفران، والإحسان والمحبة بيد أخرى.

حدث كل هذا في بيت الرب حيث نؤمن نحن المسيحيين – وأنا شماس أي خادم هذا البيت – أن الله ويسوع موجدان فيه. وحدث الذي حدث، حيث في الحقيقة لم ينجو أي من المصلين سالما، إما كانت الشهادة من نصيبه أو الإصابة او الترويع النفسي الذي هو أقس من الإصابة الجسدية.

وتريثت بالكتابة رغم أن بعض القراء إتصلوا بي قائلين: "أين أنت، وأين كتاباتك". كشماس، كان واجبي أن أعمل مع إخوتي الشمامسة وأفراد الجوق وأخوية الروح القدس للشباب كي نقيم الصلاة من أجلهم. وهذا ما سنفعله يوم السبت القادم في مدينتنا في الساعة الخامسة مساءا. وكل مكونات شعبنا بمذاهبه وأسمائه المختلفة مدعوة للمشاركة.

وماذا سأزيد إن كتبت؟ ملأنا صفحات الجرائد وشاشات الشبكة العنكبوتية بمقالات الإدانة والإستنكار وأنبرى الكثير منا مقدما اراء ومقترحات للخروج ليس من أزمة نعاني منها ولكن من إبادة أكيدة لم يبق لتكملة فصولها إلا القليل. ألم أقل في مقالة سابقة عند الرد على البعض من كتاب شعبنا وهم يتحدثون "عن ثقلنا الديموغرافي" بأن وجودنا كشعب على كف عفريت، فعن أي ثقل ديموغرافي أو قومية تتحدثون؟

وماذا سينفع لو إستخدمت كل كلمات الإدانة والرفض الموجودة في القاموس؟ وماذا سينفع لو قدمت كل المقترحات الممكنة؟ وماذا سينفع لو إجتمعنا وناقشنا وأستنكرنا ورفضنا؟

لأكن صريحا معكم كما عودتكم في كتاباتي، وقد يرى البعض في هذه الصراحة عبورا للخطوط التي غالبا ما نضعها أمامنا كي نقبل نحن وأرائنا إجتماعيا. وماذا بقي من أخلاق المجتمع – العراقي والإقليمي والدولي – بعد المجزرة الرهيبة في كنيسة سيدة النجاة؟

أقول لكل المنظرين من الذين يراهنون على الأمم المتحدة وعلى الكنيسة في روما او أي مكان أخر أو على الجامعة العربية او على الحكومة العراقية او على الويلايات المتحدة وحلفائها الغربيين او على الشيعة في العراق او على السنة في العراق او على العرب في العراق او على الأكراد في العراق، أنكم على وهم كبير.

لماذا؟ لأننا نحن المسيحيين لا مكان لنا في شجرة الإستراتيجية الغربية المدنية والكنسية. نحن لا نعد حتي بمثابة ورقة مهلهلة واحدة في هذه الشجرة. ورقتنا سقطت منذ زمن بعيد وكنستها الإستراتيجية ورمتها على قارعة الطريق.

البيت الأبيض الذي يدير العالم أصدر بيانا لشجب الجريمة. هل قرأتموه؟ لقد كان بيان عام لم يذكر فيه حتي إسم المسيحيين ولا إسم الكنيسة ولا الكهنة ولا هم يحزنون (رابط 1).

كنا سابقا نتهم بعضنا البعض بتقبل "نظرية المؤامرة". علينا اليوم أن نؤمن بهذه النظرية لأنها تطبق حرفيا في المشهد العراقي وضحيتها الأولى الضعفاء – ونحن المسيحيين أضعف مكونات المجتمع العراقي. لا العربي ولا الكردي ولا الأمريكي ولا الشيعي ولا السني على إستعداد لتقديم أي إمتياز لنا إن لم تكن له مصلحة أولى فيه. ومصلحة كل المقتدرين في المشهد العراقي تقتضي اليوم ذبحنا.

وإلا كيف يعقل أن تقوم الويلايات المتحدة بزيادة مساهمتها في المحكمة الدولية التي شكلت بعد مقتل المغفور له رئس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري إلى 30 مليون دولار ودمنا ودموعنا على شهدائنا لم تجف بعد؟ هل هناك بينكم من يعتقد أن الغرب بقيادة الويلايات المتحدة أو أي مؤسسة أخرى غربية كنسية أو مدنية ستحاول إنقاذنا وإنصافنا بتشكيل محكمة خاصة؟ محكمة الحريري لها بعد إستراتيجي. في رأيهم نحن لا نستحق دعما ولا محكمة دولية حتى لو جرى حرقنا جميعا في كنائسنا في العراق.

الإدانة والشجب والرفض صارت من الأمور المألوفة للمأساي والظلم الذي يقع في العراق. نحن المسيحيين دفعنا دما طاهرا زكيا وعددا هائلا من الأرواح البريئة – نسبة إلى عددنا القليل في العراق. أيسر أمر في هذا الدنيا اليوم هو إتهام العدو بكل شيء وهو اليوم لا يتجاوز القاعدة وتبرئة مسببي المأسي إن كان بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

المشهد العراقي – وأنا على دراية كبيرة به – مشهد متشابك معقد من الصعب تصديق ما يصدر من أحكام من محتليه الغزاة وحكامه الحاليين. المحتلون الغزاة أشرار لأن وجودهم في العراق قائم على صناعة الكذب والنفاق. والحكام الحاليين دهاة في صناعة الشر ورميه على أكتاف الأخرين. ونجح الإثنان نجاحا باهرا في تبرئة نفسيهما ورمي مسؤولية الجريمة الكبرى التي يقترفانها ومنها جريمة يوم الأحد الماضي على الأخرين.
وهكذا وببساطة أدخلوا في عقولنا أنهم أبرياء وأن سبب كل ما يحدث هو تيار إسلامي سلفي متطرف يتبنى القتل وتكفير الأخرين من الذين لا يتفقون مع فكره الديني الرجعي.

أنسينا كيف جعلونا نصدق أن النظام العراقي السابق كان يملك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل وأنه على علاقة مباشرة بتنظيم القاعدة؟ ألم تكشف الأيام كذبهم ونفاقهم؟ فهل يعقل أن نصدق بيانهم عن الجريمة في كنيسة بغداد؟

ويا حسرتاه علينا نحن المتلقين لأننا أصبحنا نتقبل الكذب والنفاق على علاته لا بل نشتريه وندفع أثمانه صاغرين دون ان ندري أننا أصبحنا بمثابة عبيد نتلقى الأوامر وننفذ. حتى حق المناقشة سلبوه منا. وإلا كيف بإستطاعتنا تصديق ما يصدر عن هؤلاء المنافقين والكذابين؟

ألم نرى بأم أعيننا شرائط فيديو توثق جرائمهم النكراء؟ ألم نقرأ ما كانو يكتبونه بخط أيديهم عن الجرائم التي إقترفوها ويقترفونها؟ ألم يأت هؤلاء المنافقون بجيشهم الجرار لغزو العراق وتدميره دون سبب؟ ألم يستقدم هؤلاء المنافقون جيشا جرارا أخر من المرتزقة – جلهم مجرمون وقتلة من شتى أنحاء العالم – وأطلقوا لهم العنان للفتك والبطش والقتل والتدمير دون محاسبة؟ وهكذا صار العراق مرتعا للإرهاب المنظم. وبدأت التصفيات كان ضحيتها الأولى علماء الذرة والفيزياء العراقيين. من له مصلحة في قتلهم؟ ومن له مصلحة في قتل المسيحيين المسالمين؟

لم يبق لنا إلا الله وبعد الله علينا نحن المسيحيين أن نلملم شملنا – أي ما بقي لنا من شمل. علينا وضع خلافتنا مهما كان نوعها أو صنفها جانبا. بعد "أم المذابح" هذه في كنيسة سيدة النجاة في بغداد يجب ان لا يكون هناك من يدعو إلى التفرقة إثنية كانت او مذهبية. الذين يفرقون بين أبناء شعبنا بعد "أم المذابح" هذه ستحل عليهم لعنة التاريح. وبوحدتنا بعد إتكالنا على الله قد نستطيع مقاومة التيار الجارف الذي سيأتي على القليل المتبقي لنا إن بقينا متفرقين.


رابط 1
http://www.nationalreview.com/corner/251901/white-houses-generic-response-act-anti-christian-terrorism-nina-shea

Opinions