Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

منصور أودا استاذ في الرياضيات والتراث الألقوشي

أعتبر المرحوم الأستاذ منصور اودا سورو شخصية القوشية متميزة ، نحن طلابه ندين له بإحاطتنا بالرياضيات . لقد كان له طريقة خاصة بتوصيل الرياضيات الى ذهن الطالب بأسلوب بسيط وسلس رغم ما تتميز به مادة الرياضيات من جمود وتعقيد .
كان يشرح الدرس باللغة الكلدانية ( السورث ) وكانت تحضره دائماً الأمثال والطرائف والتعليقات الألقوشية القديمة .
أيام الدراسة غنية بالمواقف والحوادث والمفارقات ، لا سيما في القوش حيث انت بين اهلك وأصدقائك وتتكلم بلغتك وكان الأستاذ منصور يراعي هذه الخاصية وهو الألقوشي الأصيل . ولا شك ان مصلحة المدينة ومصلحة الطلبة كانتا تستقطبان معظم اهتمامه .
إن الكتابة عن هذه المفارقات يأخذ مساحة كبيرة ، وفي مناسبة وفاة استاذنا الكبير منصور أودا نحاول تسجيل قبس من هذه الذكريات .
في أحد الأيام كان الصديق الطالب ( ك ) يحل سؤالاً في الجبر على السبورة وللسؤال طريقة يمكن حله بخطوات قليلة لا تعدو الى خمس او ست خطوات ، لكن زميلنا اراد ان يحله بطريقته الخاصة وأخذ يضرب ويقسم ويطرح .. وبعد امتلاء لوحة السبورة بالأرقام أخذ يمسح ويعيد الكتابة وهكذا ، كل هذا الوقت واستاذ منصور ينتظر النتيجة وهو ساكت ، لكن أخيراً بعد ان نفذ صبره ، أوقفه وخاطبه بالسورث قائلاً : أراد أحدهم ان يثبت لأصدقائه بأن ثمة طريقة لشجّ رأسه لا يعرفها أحد سواه ، فالطريقة الأعتيادية بسيطة هي ان يتناول حجراً ويضربه على رأسه . لكن الذي فعله انه ثبّت الحجر في حائط ورجع الى الوراء ويأتي بقوة ليضرب رأسه بالحجر المثبت وهكذا ، وأنت تقوم بنفس العملية يا شاطر . ثم قام الأستاذ بحل السؤال ببضع خطوات لا غيرها .
وفي يوم من الأيام استلمت إدارة المدرسة في القوش أمراً من تربية تربية الموصل بأن يكون يوم الأحد من ايام الدراسة كبقية أيام الأسبوع ، في حين كان لنا عطلة يومي الجمعة والأحد ، وهنا اجتمع عقلاء المدرسة من الطلبة وقرروا الأضراب عن الدراسة ، وتعزيزاً للأحتجاج خرجنا بمظاهرة حاشدة للطلبة في الأماكن القريبة من المدرسة وكان هتاف المظاهرة :
لا دوام يوم الأحد من الآن الى الأبد
لكن أخيراً اتفقت إدارة المدرسة مع التربية في الموصل على توزيع حصص يوم الأحد الى بقية أيام الأسبوع ، وهكذا انتهت المعضلة .
لكن الأستاذ منصور لم يسكت على هذا الخرق وجاء الى الصف يخاطبنا قائلاً :
إن إدارة المدرسة تسير وفق تعليمات وأنظمة ولا يمكنها الأخلال في هذا النظام ، لكن بوسعنا ان نخاطب التربية فيما نريد بالطرق الأصولية ، وبينما كان يخاطبنا دخل قائد المظاهرة المرحوم ( ب ) الى الصف متأخراً بعض الشئ ودلف الى الصف وينوي الجلوس في رحلته . فأوقفه الأستاذ منصور قائلاً : ألا يجدر بك ان تطرق الباب اولاً قبل الدخول ؟ لقد وصلت متأخراً فهل تعتقد ان المدرسة هي خان تأتي اليه وقتما تشاء ؟
ثم أردف الأستاذ سؤالاً : لماذا تغيبت يوم أمس عن الدراسة ؟
فأجابه الطالب : لأنه كان يوم الأحد .
فقال له الأستاذ : اسمع ! هنا لدينا مدرسة وليس لنا رحى لطحن الحبوب وكل يأتي بحمله متى يشاء ، للمدرسة قوانين وأنظمة ، أما إن أردت التمسك بالأعياد فعليك الجلوس في البيت وتستطيع ان تعيّد في كل الأعياد والمناسبات والتذكارات حتى يوم تذكار ( دوخرانا د قيبو ) ، وهي الدجاجة الحاضنة للبيض .
لقد كان المرحوم يحاول مسايرة وموازنة مطاليب السلطة وكان ذلك في عهد المرحوم عبد الكريم قاسم ، ومن جهة نحن الطلبة كنا نريد ان تكون الساحة مفرغة لنا ولأفكارنا اليسارية في تلك الفترة .
للتاريخ أقول : ان الأستاذ منصور كان حريصاً على مصلحة طلابه وبأفق الأنسان المجرب ، ولكن بثورينا واندفاعنا لا يمكن ان نعترف باعتدال مهما كان نوعه .
لقد كان الأستاذ يختلط مع الطلاب في الساحة ويدخل معهم في نقاشات وبلغة السورث وكانه صديق او أخ كبير لهم .
لقد كان الأستاذ منصور سورو يسعى الى الأتصال بأولياء أمور الطلبة لكي تتعاون الأدارة مع أسرة الطالب لتحسين وضعه الدراسي ، كان متأكداً أن معظمنا من عوائل فقيرة ، وهي تنتظر تخرج ابنها للحصول على وظيفة حكومية ، وكانت هذه الوظيفة تضمن دخلاً شهرياً ثابتاً وكما يقولون في القوش ( يوما خاثا وباري خاثي : Yoma Khatha w Pari Khathe ) ، ومع هذا كان الأستاذ يقول اننا سعداء لأننا ندرس في نفس مدينتنا القوش .
ويقول كنا ندرس في الموصل ، ونشتري رغيف خبز ونأتي بجوار مطعم للكباب ونشم ريحة اللحم ونأكل الخبز ، وكأننا نأكل الكباب مع الخبز ..نعم كانت الحياة المعاشية صعبة للأكثرية .
سنة 2003 وأثناء تواجدي في بغداد تعرفت على ابنه منهل في محلهم للألكترونيات في شارع فلسطين ، وطلبت منه رؤية الوالد وفعلاً جلست مع الأستاذ منصور في بيتهم المجاور للمحل ومع العائلة الكريمة وتحدثنا عن أيام الدراسة ، وكان يسعده ان يلتقي بطلابه ويفتخر حينما يرى ان هؤلاء الطلبة قد تقدموا في معارج الحياة إن كان وظيفياً او علمياً او اقتصادياً .
لقد كان الأستاذ منصور مثالاً للألقوشي العراقي الأصيل لقد تفوق في تدريسه وأدار ثانوية القوش بحكمة ودراية . وستبقى الذكريات الطيبة عن الأستاذ منصور قائمة في قلوبنا .
حبيب تومي / اوسلو
Opinions