موقفنا من تقسيم العراق
تعالت الأصوات مرّة ثانية حول تقسيم العراق ، وفي هذه المرة يأتي الصوت من أمريكا ، تلك القوة العظيمة في العالم ، أمريكا التي شنت الهجوم على العراق ، وأمريكا التي تحتل العراق الآن ، لذلك سوف يكون التقسيم بأمر من أمريكا وأمريكا وحدها .وليس الشعب العراقي .سيتم تقسيم العراق على اساسين : طائفي وقومي ضيق الأفق ، وكما هو معلن الآن
فالطائفي سوف يقسم العراق إلى سنّة وشيعة ، وهما مذهبان إسلاميان وعربيان لكون الأثنين في جنوب العراق وليس لغير العرب المسلمين مصلحة أو تواجد هناك ، ويتشكل من هذين المذهبين غالبية الشعب العراقي ، ويحصلان على ثلثي الأراضي العراقية وبهذا يكون العرب قد خصصت لهم الحصة الكبيرة من الكعكة ، هذا في ما إذا وقع المحذور الذي نرفضه رفضاً قاطعاً .
أما التقسيم الثاني فهة تقسيم قومي ، أي يتقاسم العراق العرب والأكراد ، وبذلك يصبح العراق ثلاث دويلات مجزأة ضعيفة لا تقوى على حماية نفسها ، فبالتأكيد سوف تبحث لها عن من يحميها ، ومن المحتمل أن يلجأ الشيعة في الجنوب أو أن يكون تدخل إيران في ولاية الجنوب حتمياً بشتى الحجج منها حماية الشيعة ودولتهم من أعتداء الغير عليهم .
لقد أصرّت بعض وكالات الأنباء وبعض مروّجي الأخبار ، أن يسمّوا كل محافظة وكأنها دولة فمثلاً يقولون عن محافظة التأميم وعاصمتها كركوك ، أو نينوى وعاصمتها الموصل ، بدلا من القول مركز قضاء ، المهم أن أمريكا ترى في مصلحتها تقسيم العراق وغالبية الشعب العراقي وقِواه الوطنية ترفض ذلك ، وهكذا تبتدئ حرب من نوع جديد بين رافضٍ للتقسيم وبين مؤيدٍ له .
لماذا هذه القنبلة الآن ؟
لماذا أزفت ساعة التقسيم الآن ؟ ألم تكن أمريكا نفسها هي التي كانت ترفض تقسيم العراق ؟ ألا تريد أمريكا أن يكون العراق واحداً موحداً ؟ إذن لماذا أطلقت بالون الأختبار هذا ؟ ولماذا في هذا الظرف بالذات ؟ ألا تعتقدون بأن هناك شيئاً أكبر من مسألة التقسيم تريد أمريكا تمريره في غفلة من أبناء العراق ؟ أو تجعلهم ينشغلون بأمر التقسيم وهي تُعّبّر أو تمرر مخططها المخفي ؟
لماذا لا يكون البعض أكثر تعقلاً للبحث عن الأسباب التي دفعت أمريكا للمناداة بتقسيم العراق ؟
ألم تدفع أمريكا العراق إلى هذا الخانق ؟ ألم تلغي الجيش والشرطة وكل المؤسسات الأمنية وتركت باب العراق مفتوحاً على مصراعيه يدخله كل من شاء وكل من هب ودب من الإرهاب ومن عصابات الجريمة المنظمة ومن سُرّاق الحضارات ومزوري التاريخ ؟
أكيد سوف يكون هناك منافع ومضار .
الدول الكبرى سوف تكون هي المستفيد الأول من هذا التقسيم ، وإلا لماذا شنّت الحرب على العراق ، سوف تحصل كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا على حصتهم كاملة من دون نقص ، سواء كانت من النفط أم من الحضارة أم من التنقيبات الأثرية أم من الأستثمارات ونقل ما تبقى من حضارة العراق إلى متاحفها لكي نسافر إلى هناك وندفع مبلغا من المال لمشاهدة حضارتنا المنهوبة والمسروقة .
المستفيد الثاني هو دول الجوار ، وبالأخص تركيا وإيران لكون التقسيم سوف يضعف العراق ، وسوف تظهر دول ضعيفة لا تقوى على المحافظة على نفسها أمام تلك الحيتان ، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يكون تواجد إيران قوياً في المنطقة الجنوبية .
مَنْ الخاسر في هذه اللعبة ؟
نعم حصل الأكراد على الحكم الذاتي والفدرالية ، والتي لا زالت بعض القوى العراقية ترفض ذلك لكون في مفهوم هذه القِوى أن الفدرالية هي تقسيم وليس توحيد ، المهم سوف يكون هناك خاسر أيضاً ، ومن الفرق الخاسرة أو ذات المصير المجهول هي : جميع الأقليات في العراق وكل القوميات الصغيرة في تعداد نفوسها ، فمثلاً ما هو مصير الكلدان القومية الثالثة بعد العرب والأكراد ؟
ما هو مصير التركمان ؟ وهل سيعلن التركمان أقليمهم ؟ وهل ستساعدهم تركيا في ذلك ؟ وهل تمكن المخططون من أن يجروّا التركمان إلى لغة التقسيم ؟ويعلنوا المطالبة بحصتهم من الكعكة العراقية ؟
ما هو موقف الصابئة ؟ وإلى أي فئة ينتمون ؟ ما هو موقف الإيزيدية والسريان والآشوريين وغيرهم ؟
هل تتجمع القوميات المسيحية وتنزلق في هذا المطب لتبحث لها عن ما يسمى بالمنطقة الآمنة أو أقليم بابل أو الحكم الذاتي ؟وهل يمكن لشعب متكون من عدة قوميات مختلفة في الأهداف والمبادئ أن تحصل على حكم ذاتي ؟
لقد ألقى أحد النواب الأمريكين قنبلة في وقت سابق وذلك بمطالبته للمسيحيين بمنطق آمنة ، وأنا أقول بأنه ليس من مصلحة المسيحيين حصرهم في منطقة آمنة بقدر ما يجب أن يؤمنوا بأن العراق كله من شماله إلى جنوبه هو منطقتهم الآمنة ، وأن يرفضوا أي تقسيم للعراق ، وأن يحافظوا على العراق الواحد الموحد ، ومن ثم يطالبوا بحقوقهم كعراقيين ضمن العراق ..
لقد طبّل وزمّر البعض على هذا القرع الخفيف الذي قرعه النائب الأمريكي وطبّل له بعض الذين يؤمنون بالمثل القائل " على حس الطبل خفّن يا رجلَيَّ "
وقد سكت الرجل ولم يسكت المطبلّون ، فراح البعض يعلن عن تشكيل مجالس جديدة وتنظيمات مستحدثة وتسمية مشتركة تدمج الأسماء مرة وتضفي طابعا دينيا على اسماء أخرى ، وكأن وحدة شعبنا سوف تتم بوحدة التسمية ، وقد فات على هذا الفريق بأن شعبنا يحتوي على قوميات متعددة كما هو مكون من مجتمعات متعددة مختلفة في ما بينها لا يجمعها جامع ، فالكلداني هو كلداني ويرفض ان يتنازل عن تسميته القومية لا بل يستميت للدفاع من أجلها وكذلك السرياني وغيرهم .
فبدأ هذا البعض بصرف الأموال الطائلة التي خصصت أصلاً لهذا الغرض ، وعلى ما أعتقد فإن المسألة أكبر من أن تخصص منطقة آمنة للمسيحيين ، فيجب أن لا يغيب عن بالنا ما حدث في الأعوام الماضية حينما تعهدت أنكلترا للأثوريين بإنشاء وطن قومي لهم ، وكيف غدرت بهم وتركتهم فريسة ليحصدها سيف الحكومة آنذاك ولتجعلهم ورقة تلعب بهم وقتما تشاء ، فهل أن الزمن يعيد نفسه ؟ أم ماذا ؟
وماذا سيكون موقف الراكضين في هذا المضمار إذا ما تخلى عنهم أسيادهم ؟ هل سوف يتجرعون كأس السم ويمدون أعناقهم وأعناق من يتبعهم لسيف الجلاد ؟ويبدأون بالتباكي ليبرروا فعلتهم بالقول أن الأمريكان أو الأنكليز تخلوا عنا أو تركونا ؟
ألا تعتقدون بأن هذا فخ قد نُصِبَ لنا نحن المسيحيين لكي يدخلونا في لعبة تقسيم العراق ؟ أو على الأقل يلقون علينا وزر هذا التقسيم في ما لوحدث لا قدّر الله ؟
لا بل راح البعض بالدعوة لعقد المؤتمرات وحشد أكبر كمية من ابناء المسيحيين لكي يناقش أي نظام يريدون لأقليمهم المزعوم ؟ وكيف يريدون شكل النظام ويناقشون مسألة تنظيم الشرطة وتأسيس الجيش ،،،، يا للمهزلة ؟؟؟ هل أنتهى كل شئ لكي تناقشوا هذه الأمور ؟
هل توحدتم مع إخوتكم ؟ هل توحدتم مع بني بيتكم ؟ لماذا تقفزون من السطح إلى الأرض ؟ لماذا لا تنزلون درجة درجة .... يا عجبي !!
السؤال الذي يطرح نفسه هو :
- هل للمسيحيين العراقيين اليوم كامل حريتهم ليس في العراق ككل بل فقط في قراهم ؟
- ألا تسيطر على هذه القرى التنظيمات والميليشيات المسلحة التابعة لهذا الحزب أو ذاك ؟
- ماذا تفعل الميليشيات الإسلامية – إن صح التعبير – في القرى المسيحية ؟
- ماذا تفعل مقرات الأحزاب الإسلامية في القرى المسيحية ؟
- لماذا يوضع حجر أساس بناء حسينية في قرية مسيحية ؟
يا عجبي هل المسيحيين بحاجة إلى لطمية ؟
إن كان المسيحيون فيما بينهم بين رافضٍ لفكرة التقسيم وبين مؤيدٍ لها كيف سيتم مناقشة هذه الفكرة ؟ أو كيف سيتم مناقشة مسألة المنطقة الآمنة أو الحكم الذاتي أو الأقليم البابلي
مَنْ سيمثّل المسيحيين ككل ؟ هل سيمثلهم الكلدان ؟ أم السريان ؟ أم غيرهم ؟وإن كان الكلداني لا يعترف بالسرياني والسرياني يرفض وصاية الأرمني وكذلك الكلداني كيف سيتفقون ؟
هل سيمثل المسيحيون قادتهم الدينيين ؟ وهل سنقبل بهذه القيادة على غرار ولاية الفقيه ؟ حيث يصبح البطريرك هو رئيساً للأقليم ؟ أم نتخذ من إيران نظاماً لنا بحيث يكون البطريرك هو الذي يسيّر رئيس الأقليم والمسؤولين ؟
من هو الذي سوف يجلس على طاولة المفاوضات ؟ ومع من سوف يجلس ؟ مع الأمريكان ؟ مع الحكومة المركزية في بغداد ؟ أم مع حكومة أقليم كردستان ؟
من هي السلطة التي بيدها الأمر لكي تمنح المسيحيين حكماً ذاتياً ؟ ولو حصل المسيحيون على مبتغاهم ، ما هو مصير بقية المسيحيين في مناطق العراق المختلفة ؟ ألا يتعرضون للمضايقة ؟ ألا يرحَّلون قسراً من مناطقهم ؟
أنا أريد عراقاً واحداً موحداً قوياً مؤمناً بحقوقي وحريتي كمواطن عراقي ، لا فرق بيني وبين عراقي آخر سواء من الناحية الدينية أو المذهب أو القومية أو المعتقد السياسي .
أريد عراقاً موحداً ديمقراطياً ، كما أرفض تقسيم العراق على أي أساسٍ كان ،
أريد عراقاً حراً تكون فيه ألأنتخابات حرة ديمقراطية ، ويمتلك صحفاً حرة وفيه نظامٌ قضائيٌ حر ، وحرية فردية شخصية تكفلها القوانين والأنظمة ، أريد عراقاً يُطَبق فيه نظام حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل .
أريد عراقا حرا أعرف فيه ما عليَّ من واجبات وما لي من حقوق ، وبذلك أصون القانون وأحترمه .
أرفض أن يصبح العراق مهد الحضارات كعكةً تتناهشه الأنياب الحادّة، ويتقاسمه ذوو العضلات القوية وبمباركة أوروبية أو أمريكية .
أرفض كل ما يتعلق بالمنطقة الآمنة أو غيرها ليضموني إلى رقعة جغرافية مشبوهة أكون فيها بين المطرقة والسندان ، وعند ذاك تكون نهايتي ونهاية كل الوجود المسيحي على أرض العراق .
عاش العراق الموحد
عاش العراق مهد الحضارات
عاش العراق ... عاش العراق ... عاش العراق
نزار ملاخا / ناشط قومي كلداني
13/10/2007