ميلاد السلام
كل سنة يمرّ علينا العيد، وكل سنة نُمنّي أنفسنا بالاحتفال دينيا ودنيويا بأبهى صورة، ونشاهد ما يستعد به الآخرون وما تقوم به الكنائس ونبذل ما بوسعنا لكي يكون الميلاد لائقا بمن غنت الملائكة منشدة ليلة مولده"المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة"، ويمضي العيد ونعود بعد رفع كل مظاهره إلى حياتنا العامة الرتيبة أحيانا والمشحونة بأمور كثيرة أحيانا أخرى، دون أن نسأل أنفسنا ما الذي فعلناه؟ ولماذا وكيف لنا أن يبقى معنا ميلاد السلام يرافقنا ... يمدنا بالعون ... يرفدنا بالسلام والمحبة ويضع فيما بيننا المسرة ويجعل من أرضنا واحة للطمأنينة.كلامات أردنا أثارة تساؤلات كثيرة حولها ونحن ندخل رويدا رويدا نحو أجواء الميلاد السعيد في سنة دخل بعض من الطمأنينة والشعور بالأمل في صدور العراقيين عموما والمسيحيين بوجه خاص بأن الغد ربما سيكون أفضل من يومنا هذا وإن الكنائس ستعود تمتليء بمحبيها، وسوف لن نخاف من عبوة ناسفة مجددا أو سيارة تتربص بالمصلين، أو قس يُخطف ... لأن ولادة الطفل قد حانت بموعدها، وغصن الزيتون بدا وكأنه في أفوه جميع الحمامات التي تطير فرحة في أجواء العراق، وكأن في قدوم البرد مبكرا إلى الجو العام بشارة لنا بأن الميلاد يأتي إلينا والرعاة ساهرون على قطعانهم كما سيكون رعاتنا ساهرون على أبنائهم يحمونهم من شر الأشرار كما حما الرعاة أغنامهم من شر الذئاب في تلك الليلة.
فلابد للعيد أن يكون له معانٍ كثيرة ومصحوب بأماني مختلفة من شخص إلى آخر، من طفل إلى يافع، من شاب إلى بنت، من رجل إلى امرأة، فرب الأسرة يحلم بعيد يكون أولاده حوله مزهوين بأحلى الملابس، وزوجته منهمكة بتوفير كل السبل لنشر الفرح، ومصابيح شجرة الميلاد المتنوعة تضيء تارة وتنطفيء تارة أخرة والأيادي تتشابك والقلوب معها فكيف لا ورب السلام ذكراه اليوم والمذود حمل ملك الملوك وقوى الطبيعة احتضنت أعظم العظماء لكي توفر له الدفئ بدل المكيفات، وقش التبن بدل الحرير، والمغارة بدل القصر...!!!
فهل نفكر بكل هذا؟ وهل سيخف ازعاجنا من ألم بسيط يلم بنا أو وسادة قوية تحت رأسنا أو جور أو ظلم يلحق بنا ونعبر كل هذا باتجاه الفرح لأن الميلاد قد أصبح على الأبواب وعلينا أن نكون فيه .. نعيشه .. نحياه بكل تفاصيله، ربما نسينا أن الميلاد ليس فقط احتفالا دينيا أو بمولد يسوع له المجد، بل أن الميلاد هو ميلادنا، وهو فرصتنا التي بواسطتها نعيد حساباتنا ونصفي القلوب ونشعر بأن اليوم يجب أن يكون يوما مميزا نرى الطفل في المذود ونرعوي ونترك المقاعد الوثيرة، نراه محاطا بالحيوانات، ونفتهم أن علينا أن نكون محاطين بالمحتاجين والمهمشين والمشردين، لكي نسقي كأس ماء لهذا ونلبس ملبسا لائقا بذاك ... نراه عائشا في مغارة، فهل نفهم أن المجد ليس بالمساكن المرفهة والمملوءة بأحسن الأثاث وأرقى المقتنيات، هل نفكر أن المر واللبان شيئا مما قدمه المجوس له، مهمة إلى درجة لا يمكن أن يقابلها أي طبق للحلوى أو شيء من هدايا يومنا هذا، فالهدايا قد تكون رمزية وليس بطعمها اللذيذ أو مظهرها الذي يسرق الألباب.
إنه ميلاد السلام وعلينا ان نعيش هذا الميلاد بدءا من داخلنا فمن فقد السلام في قلبه لن يجده أمام عينه واقعا، فلنطلب من رب السلام أن يجعلنا أن نعيشه واقعا ويوميا وأن يهبنا القوة كي نستمر بترديد أنشودة الملائكة إلى أن ترددها الأرض كلها وإلى أن تصبح في الناس المسرة. مبروك الميلاد وميروك العيد ونتطلع إلى يوم تحقيق المعاني السامية لأبناء العراق خصوصا وكلية وليس للمسيحيين وحدهم.