نتائج إنكار الواقع
الخطاب الاعلامي العربي مازال - وفي الغالب - يتبع نهج خداع الذات والضحك على النفس لارضاء الشارع وكسب وده، وفي أفضل الاحوال يتصرف باسلوب الجمهور عايز كده وهذا ما يظهر جليا في حرب اسرائيل وحزب الله اللبناني،بعد ان كان الخطاب نفسه عند تحرير العراق، حيث كان المفترض وفق ذلك الخطاب، القضاء على الجنود الأميركان عند اسوار بغداد، بينما الحقيقة الساطعة هي ان فرقة اميركية واحدة هي الفرقة الثالثة دخلت بغداد خلال خمسة ايام، وعندما القي القبض على رئيس النظام صدام حسين ومعه رشاش ومسدس في تلك الحفرة الشهيرة، قال الخطاب نفسه انه تم القبض عليه بعد تخديره وإلا لكان انتحر، فيما هو معروف عن كل طاغية انه جبان.
ويستمر ذلك الخطاب ان اسرائيل وبعد اكثر من ثلاثة اسابيع لم تحقق هدفها في لبنان ولم تقض على حزب الله، فيما الواقع ان اسرائيل دمرت لبنان وقضت على بنيته التحتية وقتلت المئات من اللبنانيين المدنيين معظمهم من النساء والاطفال وكبار السن، ناهيكم عن مئات من عناصر حزب الله، وبالطبع لن تتوقف حتى تحقق كامل اهدافها، لانه ليس هناك ما يمنعها من تحقيق ذلك، حتى بعد مجزرة قانا توقعنا تدخلا دوليا ضاغطا لوقف اطلاق النار وادانة اسرائيل على اعمالها الاجرامية، الا ان ذلك لم يحدث، بل اتخذ مجلس الامن الدولي قرارا ضد ايران يمنحها مهلة شهر واحد لوقف تخصيب اليورانيوم، فيما تراجع خطاب حزب الله عن التهديد والوعيد و ما بعد حيفا إلى: سنموت وهاماتنا مرفوعة.. ونفضل الشهادة على الركوع .
نحن في هذا لسنا ضد حزب الله ومعاذ الله ان نكون مع اسرائيل، كما سوف يفسره كل الغوغاء، ونعرف الطبيعة الاجرامية والعدوانية لقادة اسرائيل، ولكننا، كما اوضحنا منذ البداية، اننا ضد المغامرات الفردية التي دمرت لبنان، ولأن حزب الله لا يمكنه الانتصار على اسرائيل وتحرير فلسطين، وان الدول العربية مجتمعة غير قادرة على هزيمة اسرائيل بوضعها الراهن وعدم جاهزيتها واستعدادها للحرب، فكيف لحزب ان يحقق ما تعجز عنه كل الدول العربية؟ غير المزيد من الخسائر وتدمير لبنان ومئات القتلى ومئات الآلاف من المهجرين؟
الخطاب الاعلامي العربي الذي يبيع الجمهور ثقافة الوهم وخداع الذات، مازال سائدا ومستمرا، وهو الذي ينتشي له الشارع العربي المغيب عن الحقيقة.. والمأساة ان ينجر المثقفون والمفكرون العرب وراء هذا الخطاب ويستمروا في انجرارهم وسيستمرون، لانهم يعيشون بعقول سياسية مهزومة، وقد اوضحنا، في اكثر من مناسبة، ان العقل السياسي العربي المهزوم منقسم الى تحد للواقع وتراجع امام القوي، فهو يتحدى الواقع بإنكار وجوده اصلا، لانه يعتبر الاعتراف بالواقع تقبلا للهزيمة، وهكذا نرى ان التعامل مع الواقع السياسي القائم يتقمص البراغماتية ويتشكل من تراجع بعد الآخر في تقبل منطق الانسحاب امام القوي، الأمر الذي من شأنه تعزيز غطرسة القوي، وهذا ما تم طوال اكثر من 60 عاما من التعامل مع اسرائيل، فكل هزيمة نتهرب منها ونبررها بأنها مرحلة، او معركة كسبتها اسرائيل وسنكسب المعركة التالية، او نسميها نكبة مرة ونكسة مرة اخرى، ولا ولم ولن نكسب اي معركة بمثل هذا المنطق والسلوك ما لم نعترف بالواقع كما هو، ونحاول تغيير هذا الواقع من خلال التعامل معه وليس انكاره.