نحـن الكـلـدان أصـيلة مشاعـرنا في الماضي والآن وفي القادم من الأزمان
أتـذكــّر إجـتماعاً للهـيئة التـدريسية في ثانوية القادسيّـتين / بغـداد عام 1979 بحـثـنا خـلاله قـضية طالب من الإتحاد الوطـني البعـثي كان يستحـق الفـصل من المدرسة وفـقاً لقانون المدارس الثانوية بسبـب تجاوزه عـلى مـدرّس داخـل الصف ، وكـنا نعـلم أنّ الطالب سـوف لن يُـفـصَل لأنه قـويّ الظهر مُسـلـّح الموقع . إبتـدأ المدير في شرح تفاصيل الحادث ثم قال : نحـن تربَـويّـون وعـلينا إحـتـضان الطالب كي لا يتسـكـّع في الشوارع ! فـما رأيكـم إخـواني المدرسين ؟ فـعَـمَّ السـكـوت بـينـنا . فـقال المـدير بقـهـقـهة مصـطـنعة : إنّ سـكـوتـكـم دليل عـلى رضاكـم أليس كـذلك ؟ فـكان السكوت أيضاً ، وهـنا أعـقـبْـتُ عـلى كـلامه وقـلتُ له : ليس السكـوت دليلاً عـلى الرضى دائماً وإنما قـد يكـون مؤشـراً عـلى التـذمّـر أيضاً ، فـقال : ماذا تقـصـد ؟ قـلتُ : أقـصد الذي قـلـتــُه ، وفي الخـتام لم يُـفـصل الطالب .لقـد كان أكـثر العـراقـيّـين منـتـمين بالقـسائم إلى الحـكـومة السابقة الغاشمة ، لماذا ؟ لأنّ حـياتـَهم كانـت أسـيرة بـيـد الذئب الوحـشيٌّ حاكـمها ، فـما الذي كانوا سـيقـطـفـونه وهُـم عُـزّل لو صارعـوا نموراً في الغابة لا رحـمة في أنيابها ؟ أو إذا نطحـوا صخـوراً حادة حـوافــَّها ؟ .
– كان من بـين المرتبطين بـدوائر العـراق السابق عـدداً من المستقـلين قـليلين طيلة خـمس وثـلاثـين سنة ـــ ولكـن الذي جـعـل غالبـية شعـبنا لابل جـميعـهم يكـتبون بخـط أيـديهم العـبارة الكاذبة ( سائـر في خـط الحـزب والثـورة ) ! حـينما كان يُـطـلـَب مِنهم مراراً الإفـصاح عـن موقـفِهم ، هـو خـوفـهم عـلى حـياتهم ممّن يُحارب رغـيف خـبزهم ويُـهـدَّد مصير أسَـرهم بقـطع شـريان الدم عـن أكـبادهم ، فـيضـطر الجـسـد الضعـيف (ﭼـفـيان شـر) إلى الرضوخ دون قـيـد أو شرط والقـبول بما يُـملى ويُـفـرض عـليهم ، إسعافاً لحـياة أبنائـهم وأحـفادهم . وهـكـذا كانـت نـتائج خـزعـبلات الإنـتخابات والإستـفـتاءات في كـل مرة تـتـجاوز الـ 100% لصالح القائـد الضرورة والضرورات . وعـليه فإن تلك النـتائج لم تـكن هي ولا أمثالـُها اللاحـقات مؤشـِّـراً عـلى صدق الميول وحـرية الإخـتيارات وإنما تـدلّ عـلى كـوابـيس خـلف الكـواليس ورفـض مكـْـتوم في دواخـل النفـوس . نعـم ، نعـلم أنْ ليس بالخـبز وحـده يحيا الإنسان ، ولكـن الخـبزَ هـو أحـدُ مقـوّمات إستمرار الحـياة ، تلك كانـت بعـضاً مِن أسباب نـتائج كـثير من الإنـتخابات .
ومع التحـفــّظ عـلى الفـقـرة التالية : } قـرأتُ كـتابة عـلى واجهة مجـلة الصياد اللبنانية في أحـد أعـدادها في سـنة من سبعـينات من القـرن الماضي العـبارة : إذا كانـت البطن جائعة فـهي لا تعـرف معـنى الوطنية ، كـما سمعـتُ خـطاباً لأنور السادات وهـو يقـول : حـينما يـُحاصَر الإنسان فـقـد يضـطـرُّ – ليس فـقـط إلى تغـيـير خـطـطه وإنما – إلى تغـيـير مبادئه أيضاً { ، أقـول : إنّ لضرورات الحـياة أحـكام .
لـقـد كـتبَ أدباؤنا الكـلـدان قـبل أيام وأيام من الزمان ، مقالات بليغة ومحاضرات قـيّمة إستـنـهـضَتْ الأحاسيس والوجـدان ، وألهـبَتْ مشاعـر الأهـل وأُفـحَـمتْ الخـلان بالمنطـق بالكـيل بالميزان ، لا مِن أجـل التباكي عـلى أصوات مغـلوبيّ الأمـر أو إنـتـقاد الجـيران ، بل لكي تـضع نصبَ العَـينـَين أموراً كـثيرة في الحـسبان ، فالـدهـْـر يوم ويومان .
فـنحـن في الألفـيّة الثالثة الغـزيرة بالمستجَـدات ( التكـنولوجـية والفـلسفات ) نعـرف أنّ نــُظــُماً وأفـكاراً وقِـيَماً ومفاهـيمَ وممارسات ، طرأتْ وصارت واقـعاً ملموساً في حـياتـنا اليومية بالذات ، وستـشـهـد الساحة العالمية تغـيُّـرات ومتغـيِّرات ونحـن العـنصر البشريّ الواعي والمتـفـهّـم نـدرك أنّ عـلينا مُـواكـبة العـصر بروح متـفـَـتــّحة ، نقــُرّ بما لـَـنا وما عـلينا والشراكة في الحـياة هاجـسـنا عـلامة للتآخي والسلام في داخـلنا ، وديمومة للأواصر الإنسانية التي تربطـنا . وهـذا لا يمنعـنا مِن بناء دار تــُقـيم فـيه أسرتـنا مجاورة ليس فـقـط لأخـينا بل لهـذا إبن عـّـمّنا وذاك جارنا ، وتلك خالتـنا وكل معارفـنا ، أليست الأرضُ أرضَ الله واسعة لجـميعـنا ؟
فـنحـن الكـلـدان شريحة عـريقة في الجـسم البشريّ جـسمنا ، نمتـدّ في أعـماق الدهـور وإلى الحاضر مِن أيامنا ، شـعـورنا كيانـنا ، واقـعـنا إسمنا ، تأريخـنا تراثـنا ، أرضنا آباؤنا ، واليوم ريشـتـنا تكـتب أحاسيسَـنا ، وترسم أفـكارنا صُـوَراً تــُـنشـَر أمام الملأ حـولـنا ، وتـبعـث بإشعاعاتـنا نوراً يضيء غـياهـب الظـلمة عـنـد مَن لا يعـرفـنا ولكـن ( وكما ذكـرتُ في مناسبة سابقة ) ليس بناءَ برج بابل ثانية في ذهـنـنا ، ولا التخـطيط لسبْي بابليّ آخـر هـدفـنا ، وإنما الإعـتـزاز بـوجـودنا غايتـنا ، والحـفاظ عـلى (مَن نحـن) وردة ، زنبقة أو أقـحـواناً يـضيف عـطراً إلى أجـوائـنا وزينة في حـديقة الأقـوام البشرية بـينـنا .
أيها الخـلان : مَن نحـن ومَن أنـتم ؟ إنـكم تسكـنون في داخـل قـلوبنا وليس جـمْعُ الأعـداد وطرحُها أسـلوبَـنا ، فـهل لـديكـم عـنـد حافة ضميركم مكان لنا ، كي نصبح مُستــَوحِـدين وَحـدَويّـين موَحِّـدين فـتقـبلونـنا ؟ إنـنا في هـذا كـلامِنا ، لسنا نستجـدي أحـداً بل إنه رجاؤنا ، ولن نطأطئ رأسَـنا بل إنه شموخـُـنا ، ولا نشعـر بالهَـوان أو التعالي بل كـلنا قـوة لجـميعـنا ، ولنـتــّعِـظ مِن أقـوال مسيحِـنا : مَن ينكـر إسمي أمام هـؤلاء مِن أبنائـنا ، سأنكـر وجـوده أمام الآب في سمائـنا ، وهـكـذا نحـن لنا مبـدؤنا كما قاله ربّـنا ، في السماء كـنا أم عـلى سطوح أرضـنا ، فإن كان هـذا خــَيار مَن نحـبّـهم ، سنـترك لهـم خـَيارَهـم ونملك الحـرية في التعـبـير عـن آرائـنا ، ويـبقى الكـلـدان راية خـفاقة تـَرفـعُ إسـمَـنا ، في العـراق ، عَـبر البحار والأجـواء أو أينما حَـلّ جـسُمنا وروحُـنا .
البعـض لم يَـطــّـلع عـلى البليغ من العـبارات وَهُـمْ يحـتـلون المقاعـد الأمامية في القـيادات ، ولم يُـتيحـوا لأنفـسهم فـرصة التعـرف عـلى معاني كـثير من المصطلحات ، ولشـدّة مشاعـرهم القـومية الذائبة بالولاء لأصحاب السيادات ، باتوا لا يميّـزون بـين المـذاهـب والقـوميات ، والأنـكى مِن ذلك ينغـلقـون عـلى أنفـسهم ولا ينـوَوْنَ تـَعـَـلـُّم بضعة كـلمات . فـقـد كـتبتُ يوماً إلى رفـيق يـطـفو بجـسمه عـلى سطح البحـيرات بنجّادة القـناني الفارغات ، وإسمه ( جـميل ) بلـُغـتِـنا وقـلتُ له بالعـربـية العامّية والفـصحى هـذه الفـقـرات :
1 ـ إرجَـعْ شْـوَيّـا لِـوَرا ، و شوف بكـتاب الـ حُـضـْرا ، اللي يقــْرو بكـلّ الكنائس المشرقـية وكـنيستـكْ الموقـرة ، صفـحة 364 النشيـد التاسعْ مالْ يوم الجـمعة لـْـعَـصرْ ، اللي مْألــّـفـيه بالقـرن الرابع الميلادي يَعـْـني سنة 300 + شْوَيّا ، وْ أقـرأ - قالا دْ تـشْـعا دْ رَمْشا د عـْـروتا ـ البـيتْ الأوّل يـﮔـولْ : هالينْ كُـلـْهـينْ ﮔــْـدَشْـلــَنْ وْلا طــْعـيلــَنْ ...... وْ البـيتْ التاسع يـﮔول : إيرَمرْمَخْ مارْ مَـلـْكا.... تــْهَـرْ كـَـلــْـذاييه كـَـذ قــَـيْمينْ .... ( إنــْبَهَـرَ الكـلـدانيّون حـين قاموا.... ) . وصاحـبنا لم يسأل أسياده مَن هم هـؤلاء الـكـلـدانيّـون ؟ ولم يسأل نفـسَه لماذا ذ ُكِـر إسم الكـلـدان ولم يُـذكـَر غـيره ؟ هـذا في القـرن الرابع الميلادي حـيث لا سولاقا ولا كاثوليك ولا البابا أوجـين أو غـيره ، بل كـنيسة المشرق ومؤمنيها الـذين إنبـهـروا مِن قـسوة منـظر شـُهـَداء المسيح يومذاك !.
ملاحـظة : أطـلب بشُكـر وإمتـنان مِمَّـن له تـفـسير لهـذا الـنـَص ويلغي إسم الشعـب الكـلـداني كـأمّة في التأريخ وكـمؤمنين في كـنيسة المشرق العـظيمة أنْ يأتـنا به ولا يـبـخـل عـلينا .
2 ـ الخـتم الشخـصي لـ مار شـمعـون النـسطوري (( مْـحـيلا شمعـون ﭘـَـطــْرَك دْ كـَـلـْـدايـيه )) ! تــُرى هـل كان الـﭘـَـطــْرَك مار شمعـون مزدوج المـذهـب يجـمع بـين المذهـب الكـلـدانيّ - حـسب تـفـسير البعـض - مع مذهـبه النسطوري الحـقـيقي في آن واحـد ؟ وليسأل كل قارئ نفـسه : لأية جـماعة من المؤمنين كان شـمعـون بطريركاً ؟ ولا تـنسوا أنّ الخـتم يتـضـمّن كـلمة ( كـَـلـْـدايـيه ) وهي إشارة إلى جـمع لشـَعـب ، وليس ( كـلـدايا ) للمفـرد المادّي أو المعـنوي ، وهـل نحـتاج إلى جـهـد ذهـني لفـهـمها وتحـليلها ؟ إنها كـلمات بسيطة سَـلِسة يسهـل إدراكـها . فـلـَو كانـت معادلة كـيمياوية كـنا نوازن طرفــّيها ، أم معادلة جـبريّة من الدرجة الثانية نوجـد جـذرَيها .
3 ـ نــُشِر مقال في مَجَـلـة / SYDNEY Assyrian Academic Society- 1992 كـتـبَه البروفـيسور عـبـيـد أسـتاذ الشرقـيات بجامعة سدني ، يَـذكـُرُ فـيه قائـمة بأسماء مطارنة ، أحـدهم إسمه ﮔـورﮔـيس كان قـد أ ُرسِل سنة 1490 م إلى النساطرة الكـلـدان ! أليست تلك السنة قـبل سولاقا ؟ فـمَن كان أولـئـك الكـلـدان ؟ لا ، و ﭼـْماله نساطـرة ! .
4 ـ مِن هـذا الرابـط : http://www.st-adday.com/HTML/Chaldean Church/Relationship with The Holy See.htm
أقـتـطـعُ مقـطعاً للإطــّلاع : (( في سنة 1445 عـندما إقـتـنع المطران المشرقي في قـبرص بإنحراف التعاليم النسطورية أرسل صورة إيمانه إلى البابا مطلقا عـلى نفـسه لقـب مطران الكـلدان . وقـد أجابه البابا بكـتاب يمنع فـيه إطلاق لقـب نساطرة عـلى كلدان قـبرص... فـكانت تلك هي المرة الأولى التي يطلق فـيها لقـب الكـلدان عـلى مسيحـيي كـنيسة المشرق المتحـدين بالكـرسي الرسولي )) . إذاً فـنساطـرة قـبرص و مسيحـيي كـنيسة المشرق كان إسمهـم كـلـداناً قـبل الإرتباط بالفاتيكان .
5 ـ ثم ما رأيكـم بـمبـدأ : الأسـبقـية لِـمَن كان في الساحة منـذ عام 625 ق . م . وبقي في الصورة إلى سـنة 539 ق . م . حـين تـنحّى عـن الساحة ولكـن إسمه بقي متلألئاً متميّـزاً ؟
لكـن الرفـيق الموقـر جـميل لم يُـجــِبْ عـلى تساؤلاتي ، ربما تـرفــّعاً منه فلا يليق به النـزول إلى مستوى بساطة أسـئـلتي ، أو تهَـرّباً فـتجـنــّب المنازلة بالكلام المنطـقيّ في ساحـتي ، دام هـو وللجـميع تحـيّـتي ، ونحـن الكـلـدانيّـون معـكم يا إخـوتي .