نزار حيدر لصحيفة البينة الجديدة البغدادية/ تغيير قانون الانتخابات قبل القضاء على المحاصصة
10/11/2010شبكة أخبار نركال/NNN/
لقد تعامل الفقيد ستار جبار مع الاعلام كرسالة وليس كمهنة يرتزق منها.
قال نزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، ان آفة (الفيتو) التي انتجت آفة المحاصصة، ورثناها من قانون ادارة الدولة العراقية (المؤقت) وليس من الدستور.
واضاف نــــزار حيدر الذي كان يجيب على اسئلة الزميل نوري صبيح المحرر في جريدة (البينة الجديدة) البغدادية:
ان من اولى مهام مجلس النواب الجديد، بعد ان يتقرر البدء بجلساته الرسمية، هو العمل بالسرعة القصوى لتغيير قانون الانتخابات وتشريع قانون الاحزاب السياسية، والا فان آفة المحاصصة سيتوارثها العراقيون جيلا بعد جيل، وهذا ما يشكل خطرا كبيرا على العراق وتجربته الديمقراطية الفتية.
ادناه نص الحوار الذي اجري بتاريخ 30 تشرين الاول المنصرم:
السؤال الاول:
بعد تجربة السنوات السبع الماضية، الا تعتقد بانه كان من الضروري اقرار دستور انتقالي مدته اربع سنوات مثلا، للانتقال به من الحكم الشمولي الى الديمقراطية؟ لصعوبة اجراء اي تغيير دستوري اذا لم توافق عليه ثلثي ثلاث محافظات او اكثر، حسب الدستور الحالي؟.
الجواب:
ان آفة (الفيتو) هذه انتقلت من (قانون ادارة الدولة العراقية) الذي سمي وقتها بالمؤقت، الى الدستور الدائم، على الرغم من تحذيرات الكثير من العراقيين الحريصين على التجربة الديمقراطية، وانا احدهم، فلقد كتبت وقتها الكثير وتحدثت اكثر في وسائل الاعلام عن مخاطر هذه الافة على العملية السياسية الجديدة، كما تحدثت مرات عديدة وجها لوجه مع عدد من السياسيين آنئذ وحذرتهم من خطورة مثل هذا النص الذي ورد وقتها بالبند (جيم) في القانون المذكور، على اعتبار ان اية (فيتو) تلغي مبدا الاكثرية والاقلية، ما يلغي فلسفة النظام الديمقراطي من اساسه، لان (الفيتو) يمنح الواحد حق نقض ما يقرره الملايين، ولو عدنا الى نص (ثلثي ثلاث محافظات او اكثر) والذي ورد كذلك في الدستور الحالي، وحسبناه رياضيا، لراينا انه يعني ان (8%) فقط يمكنها ان تلغي ما يقرره (92%) من الشعب العراقي، اذا ما اراد اجراء اي تغيير دستوري مرتقب في اي استفتاء شعبي عام، ما يعني ان اي تغيير دستوري لا يمكن تصوره الا بالتوافق ليتم به الغاء الفيتو، وهذا امر صعب ومعقد ان لم يكن من المستحيل تحقيقه، فلو ان الاطراف يصعب عليها اليوم التوافق على تشكيل الحكومة فيستمر النقاش فيما بينها اكثر من (8) اشهر وكل عمر الحكومة (4) سنوات فقط، فكيف سيتوافقون على اي تغيير دستور، والذي لا يعلم الا الله مدى عمره؟.
صحيح ان هذا النص وسواه اراد منه المشرع طمأنة مختلف شرائح المجتمع العراقي على مستقبلها السياسي في البلاد، الا ان النص جاء على حساب الديمقراطية وعلى حساب الاغلبية، لانه تناسى المبادئ الحقيقية والاسس الجوهرية التي يقوم عليها اي نظام سياسي ديمقراطي في هذا العالم، وبذلك يكون المشرع قد ساهم في عرقلة نتائج صندوق الاقتراع، وتاليا تسبب في عرقلة مبدا الحاكمية للناخب وليس لارادات السياسيين، وهذا ما نراه اليوم جليا واضحا في ازمة تشكيل الحكومة الجديدة المرتقبة.
السؤال الثاني:
ما هي الطرق والاليات الديمقراطية التي يمكن ان نضمن بها اجراء الانتخابات البرلمانية بشكل افضل في ظل عدم وجود قوانين للاحزاب السياسية؟ وفي ظل هيمنة الكيانات السياسية المتنفذة والقابضة على السلطة؟.
الجواب:
لا يمكن ان نتصور ديمقراطية حقيقية وراسخة الا على قاعدة (صوت واحد لمواطن واحد) الامر الذي الغاه قانون الانتخابات الحالي، سواء النص الاصلي او المعدل منه، لانه كرس مبدا (نقل الاصوات) سئ الصيت والذي يهب اصوات الناخبين لمرشحين لم يدلوا لهم باصواتهم، كما هو الحال مع نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، لانه يعتمد على قاعدة ما يسمونه بـ (القاسم الانتخابي) فلقد حجز مقعده تحت قبة البرلمان مرشح لم يحصل الا على بضعة مئات من اصوات الناخبين، فيما فقد مقعده مرشح آخر حصد ربما عشرات الالاف من الاصوات.
يجب ان يتغير قانون الانتخابات الحالي فور بدا مجلس النواب جلساته الدستورية الرسمية، فلا يرحل، بتشديد الحاء وفتحها، الى ربع الساعة الاخيرة التي تسبق الانتخابات النيابية القادمة في العام (2014).
اننا بحاجة الى قانون انتخابات يضمن نقطتين جوهريتين واساسيتين، الا وهما:
اولا: مبدا (صوت واحد لمواطن واحد) من خلال الاخذ بنظام عدد الاصوات التي يحصل عليها كل ناخب منفردا وليس باعتماد القاسم الانتخابي او ما اشبه، الامر الذي سيفسح المجال للمستقلين بالترشيح والمشاركة بعد ان يقضي على قاعدة (القوائم) واحتكار الاصوات ونقلها.
ثانيا: تقسيم العراق الى دوائر بعدد مقاعد مجلس النواب، فاذا بقي العدد (325) مقعدا فيجب ان يقسم العراق الى (325) دائرة انتخابية، طبعا تنقص منها كوتة الاقليات.
ان في كل دول العالم الحر التي تعتمد النظام الديمقراطي، انما تجري فيها الانتخابات النيابية على هذا الاساس، ليضمن الناخب تحديد خياراته بشكل سليم، ومن اجل ان لا يتم التلاعب بصوته من قبل اية جهة متنفذة كانت.
حتى في الدول التي تعتمد الانتخابات كادوات ومساحيق تجميلية، تعمل بهذا النظام، فكيف ولماذا لا يتم العمل به في العراق الجديد الذي يسعى فيه العراقيون الى بناء نظام ديمقراطي حقيقي يعتمد صندوق الاقتراع وارادة الناخب في تحديد مسارات العملية السياسية؟.
كذلك، ينبغي على مجلس النواب ان يصب كل اهتمامه على التغييرات الدستورية المنتظرة لنتخلص من العقد الشائكة التي عرقلت، ولا تزال، عمل مؤسسات الدولة العراقية الجديدة، ومن اجل ان نقفز على المشاكل التي تعلمنا مكامنها في بعض مواد الدستور، فكما هو واضح فان الدستور ليس قرآنا منزلا لا يمكن الاجتهاد فيه وتغييره، انما هي نصوص بشرية قابلة للتغيير والتبديل والتجديد، كما هو الحال في الكثير من دول العالم الحر، فلقد تعلمنا من السنوات الثمان الماضية اين هي مكامن الخلل في هذا الدستور، ولذلك فليس من الصحيح والمنطقي والعقلي ان نعرف ذلك ولا نبادر لتغييره.
السؤال الثالث:
جمهورية العراق، وفق الدستور، نظام نيابي فدرالي (اتحادي) ولكن ليس فيه الان سوى مجلس النواب؟ اين مجلس الاتحاد، الجزء الثاني من السلطة التشريعية حسب الدستور؟ كما هو الحال مثلا في الكونغرس الاميركي بمجلسيه (النواب والشيوخ)؟.
الجواب:
لقد نص الدستور العراقي على تشكيل مثل هذا المجلس في الباب الثالث المادة (48) منه والتي نصت على ما يلي (تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد) وكذلك في المادة رقم (65) والتي نصت على ما يلي (يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى بـ (مجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته وكل ما يتعلق به بقانون يسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب) فهو، اذن، بحاجة، قبل تشكيله، الى قانون ينظم عمله وعلاقته مع مجلس النواب، والا فانه قد يتحول الى معرقل جديد في طريق بناء الدولة العراقية الجديدة، فقد يفهم البعض قرار تشكيله على انه مجلس فوق مجلس النواب، وهذا فهم خاطئ، ففي الولايات المتحدة الاميركية مثلا، لا مجلس الشيوخ فوق مجلس النواب ولا الاخير فوق الاول، وانما يسير المجلسان بخطين متوازيين يعضد احدهما عمل الاخر في علاقة عملية دستورية متوازنة ودقيقة، لا اعتقد بان العراق قد وصل لها لحد الان، ولذلك فانا شخصيا اعتقد بان تشكيل مثل هذا المجلس في الوقت الحالي يدخل البلاد في ازمات جديدة نحن في غنى عنها.
نعم، هناك خطأ دستوري يصر السياسيون على ارتكابه عندما يستمرون في البحث في تشكيل مجالس جديدة، كالمجلس السياسي وما شابهه، متقاطعة بمهامها وعملها مع مهام وعمل مجلس النواب، وهو السلطة التشريعية الاولى في البلاد حسب نص الدستور، ويجب ان تكون كذلك، وربما تتقاطع حتى مع عمل ومهام الحكومة ذاتها، كما يجري اليوم العمل على تحقيق ذلك، بالرغم من اعتراض اغلب القوى السياسية على مثل هذا الامر.
فبدلا من ان يبحث السياسيون في تشكيل مثل هذه المجالس، وكلها غير دستورية وتكرس الفيتو والمحاصصة، وتاليا تزيد من تعقيدات المشهد السياسي، لماذا لا يفكرون في البحث عن طريقة لتشكيل المجلس الاتحادي، وهو مجلس دستوري نص عليه الدستور، على خلاف بقية الاسماء والمسميات التي لم ينص عليها الدستور لا من قريب ولا من بعيد؟ على الاقل يفتحون باب النقاش في قانونه المفترض، لحين انضاجه، فقد يكون العراق قد وصل آنذاك الى تلك المرحلة التي تتحمل تشكيل مثل هذا المجلس الدستوري.
ان من واجبات مجلس النواب الجديد، وحسب النص الدستوري اعلاه، التفكير في طريقة تشكيل المجلس الاتحادي، لتطوير الحالة الاتحادية (الفيدرالية) للنظام السياسي في العراق الجديد، بعيدا عن دهاليز المجالس المقترحة التي يراد منها ترضية هذا الطرف او ذاك، ما يعد خرقا واضحا للدستور.
السؤال الرابع:
كيف يمكن ضمان عدم اعادة انتاج الديكتاتوريات، واستمرار التمسك بمبدا التداول السلمي للسلطة عبر صندوق الاقتراع؟.
الجواب:
يمكن ذلك من خلال ما يلي:
اولا: ان يتمسك العراقيون، فردا فردا، بحقهم في مراقبة الحكومة ومحاسبتها ومتابعة اعمالها ومشاريعها، فلا يكتفون بالاشتراك في الانتخابات في كل مرة ثم العودة الى بيوتهم بانتظار الاستحقاق الانتخابي الدستوري الجديد.
ان استمرار العراقيين بالمراقبة والمتابعة يساعدهم على تحقيق مبدا (الثواب والعقاب) في كل انتخابات دستورية، فينزلوا اقسى العقوبات بالفاشلين من خلال حجب الثقة عنهم، ومكافأة الناجحين بالتجديد لهم.
ثانيا: الاعلام الحر الذي يجب ان يترفع عن الحزبيات والعصبيات بكل اشكالها، ليؤدي دوره الحقيقي في ملاحقة الفشل والتقصير وابراز النجاحات، ليس فقط لاداء الحكومة وانما حتى لاداء البرلمان وبقية مؤسسات الدولة العراقية الجديدة.
ان بلدا بلا اعلام حر لا يمكن ان نتصور فيه الديمقراطية ابدا، لان الديمقراطية التي تعني الحرية والمساواة والشراكة الحقيقية لا يمكن ان نتصورها من دون اعلام حر يتابع ويراقب ويحاسب ويعاقب، وقبل كل ذلك، يصل الى المعلومة الصحيحة لينقلها بكل امانة الى المتلقي، المواطن في هذه الحالة.
وبمناسبة الحديث عن الاعلام الحر، اود هنا ان احيي ذكرى الفقيد الراحل الزميل ستار جبار، صاحب الامتياز ورئيس التحرير في صحيفة (البينة الجديدة) الذي ترجل من على صهوة جواده ليغادر عرينه ويترك موقعه في ساحة الوغى مستعجلا، فلقد كان الفقيد مثالا لصاحب القلم الحر الذي تعامل مع الاعلام كرسالة وليست كمهنة يرتزق منها، ولذلك ظل يقدم مصلحة العراق على اية مصلحة اخرى، لم تثنه تهديدات الارهابيين ولم تسكت صوته الهادر تخرصات المرجفين في المدينة، ولم تثن من عزيمته واصراره ومثابرته، وهو ينظر الى جوقة المنتفعين باقلامهم المسمومة وضمائرهم (الصحفية) الميتة، ولذلك ابدع فترك اثرا في الساحة الاعلامية العراقية.
ثالثا: ولا ننسى هنا دور منظمات المجتمع المدني التي يجب ان تحرص على تطوير اداءها بما يضمن للعراقيين دورا متميزا في الرقابة والترشيد والتصحيح، وانا هنا احيي الدور الريادي الذي اضطلعت به مؤخرا عدد من هذه المنظمات التي نجحت في انتزاع قرار صحيح من المحكمة الاتحادية العليا بشان الجلسة المفتوحة لمجلس النواب الحالي.
ان منظمات المجتمع المدني يمكنها ان تلعب الدور الاكبر في حماية العراق الجديد من العودة الى الديكتاتورية، شريطة:
الف: ان لا ترتمي في احضان السلطة، فتحافظ على اسمها وجوهرها، وتتمسك بالمسافة بينها وبين السلطة دائما فلا تلغيها في كل الاحوال.
باء: ان لا تتحزب الا للعراق والعراق فقط، لان ميولها لصالح هذا الحزب او ذاك الشخص يفقدها القدرة على اداء دورها المناط بها بعد ان تفقد حياديتها وهو الشرط الاهم في مثل هذه المنظمات والهيئات التي يجب ان تكون قريبة من المجتمع من دون ان يعني ذلك بالضرورة مقاطعتها واستعداءها للسلطة، ولكن عليها حتما ان تميل لصالح المجتمع اذا ما تقاطعت مصالحه مع مصالح السلطة واحزابها، والا لما سميت بـ (منظمات المجتمع المدني).
جيم: ان تشن حملات جماعية ومنظمة ازاء كل قضية تريد ان تؤثر فيها او تعمل على تغييرها وتصحيح مسارها، فالعمل الفردي لا يؤثر كثيرا، كما ان الاستفراد بالمواقف او التقاطع فيها لا يجدي نفعا ولا يحقق الغاية المامولة.
رابعا: السلطة القضائية المستقلة، فهي شرط مهم من شروط حماية العراق من العودة الى الديكتاتورية.
وانا هنا احذر الجميع من مغبة تسييس هذه السلطة التي تتحمل مسؤولية احقاق الحق واقامة العدل وحماية الدستور، فكيف لها ان تحقق مثل هذه الاهداف الخطيرة اذا تسيست وتحزبت؟.
ان من مصلحة الجميع مساعدة هذه السلطة لتحافظ على استقلالها وحياديتها، لتظل قادرة على انتزاع حقوق المظلومين سواء كانوا في السلطة ومن احزابها او خارج السلطة وليس من احزابها، وسواء كان هذا المظلوم مواطنا عاديا او مسؤولا في الدولة.
ان تحمل هذه السلطة واجباتها بالكامل وعلى احسن وجه، يساهم في ابعاد العراق عن الهرج والمرج الذي يصيب العملية السياسية عند كل خلاف سياسي، او عند كل خلاف بين الاطراف والمركز، ولذلك فان استقلاليتها امر ضروري وواجب نص عليه الدستور بشكل واضح لا لبس فيه.
كما ان تكريس مبدا الفصل بين السلطات في العراق الجديد، كما ورد في الدستور، يوفر المساواة بين الناس ويمكن القضاء بالحكم بالعدل، الامر الذي يعتبر الغاية القصوى لاي نظام سياسي ديمقراطي.
ختاما:
اتقدم بجزيل الشكر ووافر الامتنان لصحيفة (البينة الجديدة) واخص بالذكر الزميل نوري صبيح، لاتاحتها لي هذه الفرصة الثمينة لاطل من خلالها على القراء الكرام، متمنيا للجميع دوام التوفيق والمزيد من النجاحات والانجازات من اجل خدمة العراق وشعبه الابي المضحي والصابر.
ولا يفوتني هنا ان اعزي اسرة تحرير الصحيفة برحيل الفقيد ستار جبار، سائلا العلي القدير ان يسكنه فسيح جنانه وان يلهم اهله وذويه الصبر والسلوان، وانا لله وانا اليه راجعون.
7 تشرين الثاني 2010