نزار حيدر لوكالة (اسرار الشرق العراقية للانباء): بالديمقراطية نقمع نزعة الاستبداد
17/08/2010شبكة أخبار نركال/NNN/نزار حيدر/
اجرت الزميلة حنان سعد راضي المحررة في (وكالة الشرق العراقية للانباء) حوارا صحفيا شاملا مع نزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، جرى فيه الحديث عن قضايا عدة تهم الشان العراقي.
عن واقع العراق اليوم، اعتبر نزار حيدر ان العراق يمر حاليا بمنعطف خطير، وهو امام خيارين لا ثالث لهما، فاما ان يكون او لا يكون، اما ان تكون الديمقراطية او لا تكون فترجع عقارب الساعة الى الوراء وتعود الديكتاتورية وان كانت باسماء ومسميات وازياء جديدة منها (الديمقراطية) ذاتها.
عن التغيير المرجو، اكد نزار حيدر مرة اخرى على ان مثل هذا التغيير لا يبدا الا من الذات، والا فستبقى اية محاولة للتغيير هامشية وسطحية لا تصمد امام العواصف السياسية والثقافية التي يمر بها العراقيون، اما تغيير الذات، اذا ما حصل، فسيكون قوي الجذور من الصعب ان تقتلعه الرياح العاتية.
ادناه نص الحوار:
السؤال الاول:
كيف ترى الواقع في العراق اليوم؟.
الجواب:
لا يختلف اثنان على حقيقة التغيير الكبير والشامل الذي شهده العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 مقارنة بما كان عليه الحال في عهد الديكتاتورية، وفي ذات الوقت، لا اعتقد ان هناك اثنان يختلفان كذلك على حساسية المرحلة التي يمر بها العراق اليوم، فهو الان يمر بمنعطف خطير، وهو امام خيارين لا ثالث لهما، فاما ان يكون او لا يكون، اما ان تكون الديمقراطية او لا تكون فترجع عقارب الساعة الى الوراء وتعود الديكتاتورية، وان كانت باسماء ومسميات وازياء جديدة منها (الديمقراطية) ذاتها.
ولذلك فان على الشعب العراقي ان ينتبه الى ما يجري على الساحة فلا يتركها للسياسيين فقط، اذ ان الجميع يتحمل المسؤولية التاريخية للحفاظ على المنجز وعلى الفرصة، خاصة العلماء والفقهاء والكتاب والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني.
علينا جميعا ان نعض على الجراح فنقدم المصلحة العليا فوق كل المصالح الحزبية والفئوية والمذهبية والاثنية وغيرها من اجل الصالح العام.
صحيح ان العراقيين ادوا الذي عليهم من خلال اشتراكهم في الانتخابات النيابية الاخيرة، لاختيار ممثليهم تحت قبة البرلمان، ويكونوا بذلك قد قلدوا المسؤولية رقاب ممثليهم في مجلس النواب الجديد، الا ان ذلك لا يعفيهم من تحمل المسؤولية من خلال المراقبة والمحاسبة، لان النائب في البرلمان ليس اصيلا في موقع المسؤولية وانما هو وكيل عن مصالح الناس، فاذا شعر الناخب بان هذا الوكيل او ذاك ليس اهلا للمسؤولية وانه فشل في تحمل واجباته الدستورية ازاء الناخب، فلابد من البحث عن طريقة دستورية وسلمية لاقصائه عن موقعه واستبداله بآخر اكفا وافضل واامن واحرص على مصالح الناس.
لا يجوز لنا ان نترك حابل الامور على غاربه، لان اية انتكاسة قد تصيب المشهد السياسي، لا سامح الله، ستؤثر سلبا على كل العراقيين، وليس على فئة السياسيين فقط، ولقد راينا كيف ان سكوت العراقيين عندما نزت على السلطة في بغداد عام 1968 عصابة من القتلة والمجرمين، جر على الجميع الويلات التي لم تستثن احدا من نيرانها الا واحرقته، ولذلك يجب علينا جميعا ان نتحمل المسؤولية حتى لا تتكرر التجارب المرة مرة اخرى.
السؤال الثاني:
هناك من يرى انه ليس في العراق اليوم واقع نقدي، بالرغم من وجود عدد من النقاد المميزين في المشهد العراقي، كيف ترى ذلك؟.
الجواب:
على العكس من ذلك، ففي العراق اليوم حركة نقدية متنامية، ليس بالمفهوم الكلاسيكي السائد وانما بالمفهوم الشامل الذي يغطي مختلف مناحي الحياة، وان كانت لحد الان، ربما، ليست بالمستوى المطلوب وبالقوة التي يمكنها من التاثير المباشر على مجريات الامور، الا انها تبقى متميزة بين كل مثيلاتها في العالم العربي وفي المحيط الاقليمي تحديدا.
انا اعتقد بان حركة النقد الحالية بحاجة الى الرعاية لتنمو بشكل افضل وتتسع وتقوى، فان ذلك من مصلحة التجربة السياسية الجديدة التي يشيدها العراقيون، لان اي واقع لا يمكن ان يتطور او يتحسن اذا غابت عنه الحركة النقدية، ولذلك نلاحظ ان الفترات التاريخية الهامة في حركة الثقافة والتغيير السياسي وما الى ذلك في حياة الامم هي تلك المرحلة التي تكون فيه الحركة النقدية قوية وبارزة للعيان ومؤثرة في الواقع، ولهذا السبب تحرص الشعوب المتحضرة والمتقدمة على تفعيل هذه الحركة ومداراتها وتهيئة كل الاجواء المطلوبة لها من اجل ان تقوى ويشتد عودها.
وان واحدة من اهم تلك الاجواء المطلوبة هو الحرية، وحرية التعبير تحديدا، فلا تتعرض الحركة النقدية الى الارهاب الفكري والتخوين والملاحقة والتكفير فان ذلك اما ان يقلل من شانها وتاثيرها او قد يلغيها نهائيا ما يؤثر على مصداقية واقع المشهد الثقافي والسياسي والفكري بشكل عام.
ان الحركة النقدية في العراق الجديد تواجه تحديان، الاول هو تحدي السلطة السياسية التي لم تتعود بعد على النقد والمراقبة والمحاسبة والمساءلة، والثاني هو تحدي الارهاب الذي مصدره القوى الظلامية والمتخلفة او المستفيدة من الواقع المتخلف، والتي تحدد الخطوط الحمراء كيف تشاء وانى تشاء وكانها الوصية على عقول الناس وطريقة تفكيرهم.
وهنا تبرز مسؤولية العلماء والفقهاء والمفكرين المتنورين، من الذين يقع عليهم واجب اظهار العلم وحقيقة الدين عندما تظهر البدع على يد مثل هذه الجماعات الظلامية التي تسعى لنشر الارهاب الفكري في المجتمع العراقي تحت لافتات وشعارات دينية مزيفة.
السؤال الثالث:
هل تؤيد بان هناك انعطافة حاصلة على مستوى العراق اليوم؟ واين تكمن هذه الانعطافة برايك؟.
الجواب:
بالتاكيد، هناك اكثر من انعطافة، فلا يمكن حصرها بمستوى او اثنين، فهناك انعطافة سياسية وهناك انعطافة ثقافية وهناك انعطافة اعلامية واخرى اجتماعية وغيرها الكثير.
اعود واقول، فان هذا لا يعني اننا اليوم وصلنا الى نهاية المطاف، ابدا، فلا زال المشوار امامنا طويل طويل، ولازالت التحديات كبيرة ومتشعبة، لا يمكن التصدي لها الا بالوعي والمثابرة، لان عمليات التغيير الاجتماعية الكبرى لا يمكن ان تتحقق في ليلة وضحاها، بل انها عملية تراكمية بحاجة الى صبر والى طول نفس، والى مثابرة من اجل الوصول الى الهدف النهائي.
ان ما يجري في العراق اليوم هو انقلاب من نوع آخر لم نتعود عليه، فلقد تعودنا نحن العراقيون على الانقلابات العسكرية التي تهلك ملوكا وتستخلف آخرين بقوة الدبابة وبالزي العسكري، اما اليوم فنحن امام انقلاب تاريخي يعتمد العقل والفكر والثقافة وطريقة التفكير ووسائل التعامل بين العراقيين، انقلاب يعتمد الحوار والنقاش والجدال بالتي هي احسن بالرغم من انه يشهد احيانا بعض الفصول العنفية التي لا تليق به، او انه يتضرج احيانا بلون الدم الذي يراق من نحور الابرياء على يد جماعات العنف والارهاب، الا ان المحصلة هو ان ما يجري في العراق اليوم، هو انقلاب تاريخي بدات آثاره واضحة للعيان على كل مناحي الحياة.
السؤال الرابع:
كيف تنظرون للبيوت الثقافية والسياسية المنتشرة حاليا؟ وما هو دورها في تنشيط الحركة الثقافية والسياسية؟ خاصة في الوسط الشبابي؟.
الجواب:
دعيني اقول لك شيئا مهما، وهو ان الدولة، مهما كانت رصينة وقوية ومقتدرة ومتماسكة، لا تستطيع ان تؤدي كل الادوار والمهام والمسؤوليات المطلوبة، ولذلك تجدين بان الدول المتقدمة والحرة في العالم لجات الى المجتمع ليقاسمها المهام والمسؤوليات والواجبات، لدرجة ان المجتمع في مثل هذه الدول شريك حقيقي للدولة بكل مؤسساتها، من خلال ما يطلقون عليه تسمية (منظمات المجتمع المدني) ولذلك فان المواطن الذي يريد ان يمارس دورا ما في المجتمع، أكان هذا الدور سياسيا او ثقافية او اعلاميا او فنيا او اي دور آخر، لا تتسمر عيونه باتجاه مؤسسات الدولة فقط، فهناك متسع لمثل هذا الدور من خلال منظمات المجتمع المدني، كذلك، فالمواطن في مثل هذه المجتمعات لا يقضي عمره من اجل الوصول الى السلطة كلما فكر بدور ما، ابدا، لان السلطة هنا ليست كل شئ، اما في بلداننا، فالمواطن اما ان يكون في السلطة او في المعتقل او مطارد او في القبر، لماذا؟ لان السلطة عندنا هي كل شئ، ففيها الامتيازات وفيها الحماية وفيها الدور، وبمعنى آخر فان المواطن لا يمكن ان يرى نفسه الا في السلطة، وهو لا يشعر بوجوده وبآدميته الا وهو في السلطة، فالدولة ترى في المجتمع وفي منظماته المدنية ضرة لجوج يجب القضاء عليها لتعيش الدولة بأمان.
تاسيسا على ذلك، فانا اعتقد جازما باننا بحاجة الى ما يلي:
اولا: الايمان بان المجتمع، بمؤسساته المدنية، شريك حقيقي للدولة، بمؤسساتها، وان ما لا تقدر على انجازه الدولة، يقدر على انجازه المجتمع من خلال هذه المنظمات.
ثانيا: الايمان بمبدا ان المرء بادائه وليس بموقعه، وبانجازاته وليس بموقعه.
ثالثا: الايمان بان تشجيع دور منظمات المجتمع المدني، هو قطب الرحى في عملية التغيير المرجوة.
رابعا: وهو الاهم، الايمان بان المستقبل يصنعه الشباب، وهذا الجيل الجديد الذي يتعلم اليوم الكثير من الجيل الذي سبقه، شريطة ان يستفيد من وسائل العلم الحديث وادوات التكنلوجيا ليختزل التجربة والزمن في آن، فلا يلهو او يلعب او يفرط بالزمن والفرصة الذهبية التي وهبها الله تعالى له.
صحيح ان الظروف قاسية جدا، وان التحديات كبيرة للغاية، ولكن ما توفر اليوم لهذا الجيل الجديد من الشباب لم يتوفر للاجيال التي سبقته، خاصة تلك التي ولدت او ترعرعت في ظل نظام الطاغية الذليل، والتي ظل يسوقها من حرب الى اخرى ومن محرقة الى اخرى ومن موت الى آخر.
يتذكر الباحث، مثلا، في ما مضى من السنين، كيف انه كان يقضي الساعات والايام وربما الاشهر من اجل ان يحصل على معلومة ينتزعها من بطون الكتب، اما اليوم فلقد وفرت التكنلوجيا الكثير من الوقت على الباحثين، اذ اصبح بامكانهم ان يحصلوا على ملايين المعلومات بشان مفردة صغيرة من المفردات، وذلك بضغطة زر بسيطة على جهاز الحاسوب لا تستغرق لحظة من الزمن.
وهكذا بالنسبة الى سائر الامور والقضايا، افلا يجب على الجيل الجديد ان يستفيد من كل هذه الظروف والخدمات لبناء الذات خدمة لبلده، ومن اجل صناعة مستقبل افضل، لهم ولابنائهم؟.
وانا شخصيا اراهن على جيل الشباب، الذي اشعر بتطلعاته وباحلامه الكبيرة التي يبذل الكثير من الجهد من اجل تحقيقها، من خلال الكم الهائل من الرسائل الاليكترونية التي اتلقاها يوميا منه سواء من داخل العراق او من خارجه، والتي اقرا فيها وعيا جديدا ونضجا ملحوظا وتصميما واصرارا على التغيير ملموسا.
السؤال الخامس:
في ظل الوضع الراهن في العراق، انت تطالب بتغيير الذات قبل تغيير الواقع، فهل تتوقع التغيير؟ والحال من سئ الى اسوأ؟ وما الذي اخذك للاعتقاد بهذا التوجه؟.
الجواب:
لان الحال من سئ الى اسوأ، لذلك فانا اتمسك بنظريتي في عملية التغيير، لان تدهور الوضع يعني ان العراقيين لا زالوا لم يبدأوا التغيير الحقيقي الذي يبدا من الذات اولا.
أاكد هنا مرة اخرى على ان مثل هذا التغيير لا يبدا الا من الذات، والا فستبقى اية محاولة للتغيير هامشية وسطحية لا تصمد امام العواصف السياسية والثقافية التي يمر بها العراقيون، اما تغيير الذات، اذا ما حصل، فسيكون قوي الجذور من الصعب ان تقتلعه الرياح العاتية.
لقد قرات الكثير عن تجارب الامم والشعوب القديمة والحديثة، على صعيد عمليات التغيير الاجتماعية الكبرى، فتيقنت بحقيقة ان التغيير الاجتماعي الحقيقي لا يمكن ان تتحقق الا بتغيير الذات، اتعرفين لماذا؟ لان هذه هي سنة الله تعالى في عباده، ولقد قال تعالى {سنة من قد ارسلنا من قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا} وفي قوله {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} والسنة هنا هي الطريقة، هذه السنة التي تقوم على اساس تغيير الذات اولا قبل تغيير الواقع، فلقد قال عز وجل في محكم كتابه الكيرم {ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم} وفي قوله تعالى {ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بانفسهم وان الله سميع عليم} ولذلك فان المجتمع الذي لا ياخذ بسنن الله تعالى في عملية التغيير المرجو انما يظلم نفسه، اولم يقل رب العزة في محكم كتابه الكريم {فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون} ثم وصف الله تعالى عملية الضياع والتضليل التي يصاب بها مثل هذا المجتمع بقوله عز وجل {انظر كيف كذبوا على انفسهم} و {الذين خسروا انفسهم} و {ولا انفسهم ينصرون} والملاحظ في آيات التغيير انها لا تتحدث في خطابها القراني الى المؤمنين او المسلمين او الى اصحاب الديانات السماوية، ابدا، وانما توجه خطابها الى الانسان كمخلوق، ولذلك نرى ان المجتمع، اي مجتمع، الذي ياخذ باسباب التغيير يتغير واقعه، وان كان مجتمعا كافرا غير مؤمن بالله تعالى، لان المهم ان ياخذ باسباب التغيير الحقيقية والجذرية وليست الشكلية، كما ان المجتمع الذي لا ياخذ بهذه الاسباب فانه لن يتغير مهما فعل، بغض النظر عما اذا كان يصلي ابناءه صلاة الليل ويؤدون الفرائض ويحجون الى بيت الله الحرام، لان التغيير لا يتحقق بالمظاهر والشعائر الفارغة من المحتوى، اولم يرد في الحيث الشريف {كم من مصل ليس من صىلاته الا القيام والقعود، وكم من صائم ليس من صيامه الا الجوع والعطش، وكم من قارئ للقرآن والقران يلعنه}؟.
اولم يرد في الحديث الشريف ان {الدين المعاملة} وان {الدين النصيحة}؟ او لم يرد في القران الكريم قوله عز وجل {ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}؟ فهل نسميها صلاة تلك التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ اي تلك الصلاة التي لا تؤدي مفعولها في نفس وجوارح وسلوك الانسان؟.
كيف ننتظر ان نغير واقعنا المر والمجتمع يظلم بعضه بعضا؟ كيف نريد ان نغير واقعنا والفرد العراقي لا زال لم يغير ذاته، فيعتدي ويتجاوز ويغش ويظلم ويسرق ويقتل ويفجر؟ كيف نريد ان يتغير الواقع والمسؤول عندنا حول العراق الى ضيعة لاسرته ولاقاربه ولمحازبيه؟ فيسرق المال العام الذي تحت يديه، ويسرق لقمة العيش من افواه الايتام والارامل والفقراء والمعوزين؟ ويفسد في موقعه ويرتشي ويقدم المفضول على الافضل، وفي احيان كثيرة يقدم الطالح على الصالح؟.
هل نعتقد بان الله تعالى قص علينا كل هذه القصص الكثيرة والمتكررة لاقوام وامم وقرون خلت انما من اجل التسلية وقضاء الوقت؟ ام من اجل ان يملأ بها بطون القران الكريم؟ بالتاكيد كلا، فالقصص القراني للعبرة، اولم يقل عز وجل في محكم كتابه الكريم {لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} لان التجربة الانسانية واحدة تتكرر على مر الدهور والعصور، فاذا كان بالامكان ان يتغير الجانب المادي من هذه التجربة فان الجانب المعنوي لا يمكن ان يتغير ابدا، لانه مرتبط بسنن الله تعالى في الكون وفي عباده، فالتكنلوجيا تغير الحياة المادية للانسان، الا انها لا يمكن ان تغير اخلاقه، فتحول الصدق، مثلا ، الى صفة سيئة والكذب الى صفة حسنة، او ان تحول الجشع الى صفة مطلوبة في المجتمع والايثار الى صفة مذمومة، ابدا ابدا، واذا حصل ان تغيرت القيم وانقلبت المفاهيم فتاكدي بان مثل هذا المجتمع الى زوال والى هوان وتقهقر.
السؤال السادس:
هل يرى الاستاذ نزار حيدر، ان الوضع السياسي سيمر بسلام من مازق احتمال رجوع العنف بشدة؟.
الجواب:
بالتاكيد، فان الارهاب والعنف يقف حاليا عند عتبة الباب، يراقب ويترصد ليهجم من جديد في اول فرصة تسنح له بذلك.
اذ لا زال كثيرون يرون في العنف اداة مهمة من ادوات السياسة، وللاسف الشديد، ولذلك نراهم يهددون ويلوحون به كلما اشتدت الازمة السياسية بين الفرقاء، فضلا عن ان جماعات العنف والارهاب لا زال لم يتم القضاء عليها بشكل نهائي، كما ان الجهات الدولية والاقليمية، السياسية منها والاستخباراتية، لا زالت لم تنفض عن يديها هذه المجموعات، التي ترى فيها الادوات الممكنة التي بالامكان تحريكها وقت تشاء لتحقيق اجندات سياسية خاصة في العراق الجديد تعرقل العملية السياسية وتحطم الجهود الرامية الى تشييد الديمقراطية.
وانا شخصيا، لا اخاف من كل هؤلاء، وانما اخاف من بعض (الزعماء) العراقيين الذين يقدمون مصالح الاخر على مصالح بلدهم، واجندات ومشاريع الخارج على الاجندات والمشاريع الوطنية، وانا على يقين وثقة من ان العراقيين اذا ما تمسكوا بالمشروع الوطني فليس هناك اية قوة في العالم بامكانها ان تعرقل او تخرب او تؤثر على سير العملية السياسية الجارية في البلاد باي شكل من الاشكال، ولقد شكت مرة بعض اشجار الغابة، في قصة تروى للعبرة، من وجود فاس بالقرب منها، فخافت ان يقتلعها الفاس من جذورها، فاجابتها شجرة واعية، بالقول: اذا لم تدخل احداكن في است الفاس فلا خوف علينا، لان الفاسة لوحدها ومن دون ذراع هي مجرد حديدة لا تقدر على فعل شئ ابدا، انما الخوف منها يشخص عندما تدخل احدى الاشجار في استها فتتحول الى فاسة بذراع تقتل وتقلع وتدمر، وهكذا هي اليوم محاولات الاخرين التدخل في الشان العراقي، فلو لم تجد من العراقيين ما يعينها على ذلك لما امكنها ان تمس شعرة من العملية السياسية.
السؤال السابع:
بدا الموقف الشيعي رافضا لفكرة عودة السيادة للسنة، مع ان البعض يرى فيها صمام امان للوقوف بوجه نزعة الاستبداد عند البعض، فما هي حقيقة الموقف الشيعي من هذه المسالة برايك؟.
الجواب:
وهل ان لنبرة الاستبداد هوية دينية مثلا او مذهبية؟ لنقف بوجهها بمثل هذه الطريقة من التفكير؟ اولم يكن الطاغية الذليل ينتمي الى المذهب السني، بالهوية على الاقل؟ فهل كان قد وقف بوجه نبرة الاستبداد؟ ام انه هو الذي احتضنها ورعاها لتتحول الى قنبلة نووية عندما تفجرت دمرت العراق وشعبه، بل والمنطقة برمتها؟.
ان الاستبداد نزعة لا علاقة لها بالدين او المذهب او الاثنية او ما الى ذلك، وانما لها علاقة مباشرة بالثقافة والقانون والقوة من جانب، وبالمجتمع وطريقة تعامله مع الحاكم من جانب آخر، ولذلك فان التصدي لنبرة الاستبداد التي بدات تظهر عند بعض السياسيين في العراق الجديد، يبدا من المجتمع اولا وقبل اي شئ آخر، لان من طبيعة الانسان انه يطغى ويتجبر بمجرد ان لا يرى امامه من لا يردعه او يرضى ويسترسل بطغيانه.
ان المجتمع الذي يؤله الزعيم ولا يجرؤ على نقده او على الاقل مراقبته، هو الذي يصنع نزعة الاستبداد وهو الذي ينميها فتكبر فتطغى وتتجبر.
ان حل الاخطاء التي قد تحصل في العراق الجديد لا يمكن معالجتها باخطاء اخرى، ابدا، فمتى كان الحل الامثل لنبرة الاستبداد يكمن في تسليم السلطة للاقلية في البلاد؟ اية بلاد؟ ومتى كان حل معضلة الاستبداد التي بدات تظهر في البلاد يكمن في اعادة عقارب الساعة الى الوراء، من خلال تسليم السلطة الى الاقلية (الاجتماعية)؟ او لم تحكم هذه الاقلية العراق على مدى نيف وثمانين عاما قبل سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003؟ فما الذي جناه العراق سوى الاستبداد والقمع والتهميش للاخرين؟.
ان مثل هذه الطريقة من التفكير يروج لها ايتام النظام البائد الذين يحنون الى الماضي الاسود ليعودوا يحكمون البلاد بالحديد والنار في اطار سياسة الاقصاء والتهميش والتعامل مع العراقيين بدرجات متفاوتة، بتمييز طائفي وعنصري مقيت، يسندهم، بالترويج لمثل هذه الفكرة، النظام السياسي العربي (الطائفي والعنصري) الذي يرى في التجربة الديمقراطية الجديدة في العراق خطرا شاخصا يهدد كيانه ان عاجلا ام آجلا، فاذا كان العراق اليوم ضعيفا مستضعفا بسبب عوامل عديدة، فانه سوف لن يظل على هذه الحال الى ما لا نهاية، وهذا ما يسبب لهم صداعا مزمنا.
انهم يوحون للراي العام وكان الاغلبية في العراق فشلت في السلطة، وان الديمقراطية ليست حلا للعراق، ولذلك لابد من تسليم السلطة للاقلية ليعود الاستقرار والهدوء والامن للعراق الذي لا تنفع مع شعبه الا العصا الغليظة والنظام المستبد.
ان شيعة العراق اليوم لا يتعاملون مع هذه القضية الحساسة من منظور مذهبي او حتى ديني، ابدا، وانما ينظرون اليها من منظور الديمقراطية ونقيضتها الديكتاتورية، فهم، كبقية شرائح المجتمع العراقي، يعتقدون جازمين بان حل مشكلة السلطة في العراق هو الديمقراطية لنقضي بها على الديكتاتورية والاستبداد بشكل جذري، وليس بعد ذلك من الذي سيحكم من العراقيين، المهم ان تقوم الديمقراطية على مبادئ الحرية والمساواة والشراكة الحقيقية وتداول السلطة بشكل سلمي من خلال الاحتكام الى صندوق الاقتراع في عملية انتخابية حرة ونزيهة.
هذا ما يعتقدون به وهذا ما يعملون من اجل تحقيقه، ولذلك فهم تنازلوا عن الكثير من حقوقهم السياسية لحد الان فقط من اجل التاسيس لمثل هذه الرؤية الانسانية والحضارية والوطنية.
وان هذه الرؤية ليست بجديدة عندهم، فلقد تبنوها منذ المراحل الاولى لتاسيس الدولة العراقية الحديثة مطلع القرن الماضي، فلقد كان مشروعهم يعتمد الاستقلال والديمقراطية، وبعودة سريعة الى مصادر التاريخ، وبمختلف توجهاتها، سنقرا ملامح مثل هذا المشروع بشكل واضح.
وكلنا يتذكر الدور الريادي والمفصلي الذي لعبته المرجعية الدينية، خاصة المرجع السيستاني، في التاسيس لهذه الرؤية، وذلك بعد سقوط الصنم، عندما اصرت على اجراء الانتخابات لتاسيس المجلس الوطني لكتابة الدستور، والتي كانت تاسيسية وضعت حجر الزاوية للعملية الديمقراطية الحالية الجارية في البلاد، على الرغم من كثرة المعوقات التي كادت ان تفشل جهودها، الا ان وضوح الرؤية والاصرار والعناد الكبيرين هما اللذان تغلبا في نهاية المطاف.
لا يمكن ان تكون الديكتاتورية وحكم الاقلية، ايا كانت هويتها، صمام امان للوقوف بوجه نزعة الاستبداد ابدا، بل ان الديمقراطية هي صمام الامان الحقيقي الذي به نقمع نزعة الاستبداد.
السؤال الثامن:
بعد كل سنوات الجهاد والغربة، وانتم تشعرون بكل معاناة الشعب العراقي، ماذا تقول وانت لا تزال بعيدا عن الوطن الام؟ وهل انتم مرتاحون في بلاد الغربة؟.
الجواب:
لقد قربت التكنلوجيا المسافات بين الناس، حتى تحول العالم الى قرية صغيرة، بل والى زقاق صغير على حد تعبير البعض، ولذلك لم اعد شخصيا اشعر بالغربة كما كنا نشعر بها ايام النظام البائد الذي حول العراق وشعبه الى صندوق مغلق لا تخرج منه الاخبار ولا تدخل اليه المعلومات.
تصوري مثلا، فانا شخصيا علمت بوفاة والدي عام 1986 بعد سبعة اشهر على وفاته، اما اليوم فانا، ربما، لا اتمكن من متابعة الاخبار لكثرتها ولسرعة وصولها الينا في اي مكان كنا.
وانا شخصيا اشعر دائما بانني اعيش في كل محافظة في العراق وفي كل مدينة وفي كل شارع وزقاق، لكثرة تواصلي مع الداخل ولاتساع شبكة علاقاتي في الداخل مع مختلف شرائح المجتمع العراقي، فلك ان تتصوري مثلا انني استلم عشرات الرسائل البريدية يوميا من العراق، بالاضافة الى عراقيين يعيشون ويقيمون في مختلف بلاد العالم، ما يساعدني على رسم صورة شاملة وواضحة لما يجري في العراق وبشكل يومي، الامر الذي يساعدني على ان اكتب بواقعية شديدة بعيدا عن التنظير، وفي المقابل فانا اجيب على الكثير من هذه الرسائل يوميا، في تواصل مستمر احيانا دقيقة بدقيقة، واذا علمتي بان هذه الرسائل تحمل في طياتها معلومات وتحليلات وآراء ومواقف وحوارات، هذا يعني بانني، وبهذه الطريقة من التواصل، اعيش الواقع العراقي لحظة بلحظة، ولذلك يعتقد كثيرون، في الوهلة الاولى من تعرفهم علي، بانني اعيش في العراق وليس في الخارج، لما يلمسون في مقالاتي وحواراتي واقعية قل ما يجدونها ويلمسونها حتى عند الكثير ممن يكتب من داخل العراق.
مع كل هذا، يبقى القلب متعلق بالوطن وبالتربة التي ولدت فيها وبالماء الذي شربت منه، وبالمحلة والمدينة التي كبرت فيها ولعبت بها، فهي الاصل وهي المنبت.
اسال الله تعالى ان يجنب العراقيين المزيد من المعاناة، خاصة معاناة الغربة، الروحية والمعنوية تحديدا، وان يمن على العراق بتغيير الحال نحو الافضل والاحسن ليتسنى لكل غريب العودة الى بلده والى شعبه، فليس هناك من بين العراقيين من لا يرغب بالعودة الى وطنه، لولا الظروف القاهرة التي تحول بينهم وبين تحقيق مثل هذه الامنية، فوجودنا في خارج العراق يحكمه المثل القائل (مكره اخاك لا بطل} فنحن لم نختار الغربة وانما فرضتها علينا الظروف السياسية والامنية القاهرة زمن النظام الشمولي البائد.
ختاما:
اود ان اشكر وكالة (اسرار الشرق العراقية للانباء) و بشكل خاص المحررة في الوكالة السيدة حنان سعد راضي، لاتاحتها لي هذه الفرصة الثمينة لاطل بها على القراء الكرام.
اسال الله تعالى ان ينزل شآبيب رحمته على العراقيين في هذا الشهر الفضيل، وان يعيده عليهم وهم بحال افضل واحسن، وكل عام والجميع بالف خير.
16 آب 2010