نساء قرية الرافدين في مهب الريح
alyaa@brob.orgعلى الطريق المعبد المحفوف بالاشجار الجميلة ما بين الحلة وقضاء المحاويل، أنحرفت سيارتنا قليلا الى طريق آخر معبد أيضا ليوصلنا الى قرية قرأنا لافتة مدرستها التي تأسست في 2007 وعرفنا أسمها، أنها قرية (وادي الرافدين). تبادلنا الابتسامات... هل هي تشابه الاسماء، أم تشابه الاحلام!!
لم تكن بعيدة، لحظات ووصلنا، أستقبلتنا النسوة بابتسامتهن الطيبة ووجوههن الشاحبة، وشيء من الامل يطل من تلك العيون المتعبة... لعل القادم الغريب يغير شيئاً من حالهن!!
أزواج تلك النسوة، يعملن في معمل الطابوق التي تقع القرية على خيره!! يبدأ العمل من الساعة الواحدة ليلا لينتهي عند الواحدة ظهرا! في دوامة من نار وكدح ملتهب لا يكاد يسد رمق الاسرة والعيال.
القرية تفتقر الى الكهرباء، فهناك اسلاك للكهرباء قديمة متهرئة، عاجزة عن ايصال التيار بشكل كاف، إضافة الى سرعة سقوط تلك الاسلاك مع أول نسمة هواء عابرة! ولكن المشكلة العظمى التي تؤرق نساء القرية وتكاد تحيل حياتهن الى جحيم، هي عدم وجود ماء!!
نساء قرية وادي الرافدين في بلاد الرافدين، يحلمن – ليس كغيرهن من النساء – بأن يجدن ماء يتدفق من حنفية بيوتهن!! تلك البيوت القريبة جدا من الشارع الجديد المعبد ذو الاشجار الخضراء الجميلة في مدخل محافظة بابل العظمى.
سيدة في مقتبل شبابها، أم لثلاثة أطفال صغار، شاحبة الوجه، يطل من عينيها حزن بابلي منحته إياها عشتار ليكون عنوانا لها على مر العصور: (منذ عشر سنوات جئت الى هذه القرية عندما تزوجت... كنت في الرابع اعدادي، كان لدي طموح ان اكمل دراستي ولكن ظروفي العائلية لم تسمح بذلك، منذ ذلك الحين وأنا أعاني... يعود زوجي يوميا عند الواحدة ظهرا من عمله في المعمل، ينام منهك القوى ليستعيدها عند المساء ويذهب الى عمله، لا أفهم شيئا من حياتي... أنظري الى يدي المتخشبتين من أثر الماء المالح، أغسل الثياب – كبقية النساء – من ماء المياه الجوفية التي يتم سحبها بواسطة (البرينة)، حتى ثيابنا لا رونق لها!!).
سيدة اخرى أمتد بها الزمن فشاخ في لوحة وجهها تجاعيدا سمراء أضفت إليها جمالا سومريا، قالت: (أحلم بأن أفتح ذات يوم حنفية بيتي وأرى الماء منها يتدفق! تعبنا من كثرة نقل الماء، كما أن السيارة التي تأتينا بالماء الصالح للشرب كثيرا ما لا تنتظرنا، تأتي على عجل... يجب أن نضع عجلات لارجلنا حتى نلحق بها).
تؤيدها سيدة اخرى: (التي تعطيه منا مبلغا اضافيا ينتظرها، والتي لا تعطيه شيئا لا ينتظرها)!!
لله درك يا سيدتي العراقية! الجميع تكالب عليك، فأين هما رافدينك لينقذاك مما أنت فيه!!
أعتقد أنه من المحزن جدا حد النخاع والعظم، أن نتحدث في الالفية الثالثة، وفي ظل ثورة المعلومات، ونظام ديمقراطي جديد يعتمد الانتخابات حلا سحريا لاستلام السلطة وتوزيع المناصب، على أرض الخيرات والماء والنفط والنخيل، عن نساء قرية وادي الرافدين – واللواتي هن نموذجا لنساء كثيرات في قرى اخريات ممتدات على طول الوجع العراقي الرافديني -، من المؤلم أن أكتب عن نساء يحلمن بماء يتدفق في بيوتهن، والعالم الآن ينادي بحقوق المرأة في القضاء والمناصب القيادية والتنمية المستدامة وحق المرأة في تقرير مصيرها!!
هل أنشد خارج السرب؟!
أم أحلم خارج النوم؟!
كيف يمكن لبنت الرافدين أن تنصر نساء قرية الرافدين وهي لا تملك سوى الكلمة، هل ستكون كلمتي قادرة على ان تجعل بيوتات تلك القرية نضرة بمياه صالحة للحياة؟!
ألم يجعل الله تعالى، من الماء كل شيء حيّ؟ ألم يجعله سر الحياة وعنوان ديمومتها؟!
فيا ترى كيف تدوم الحياة هناك، في قرية وادي الرافدين؟!
متى تحلم نساء الرافدين – كبقية نساء العالم – بقضايا أخرى، غير الماء والخبز؟!!