Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل الكلدان حقا في حاجة إلى مؤتمر نهضة؟

جامعة يونشوبنك – السويد
Leon.barkho@jibs.hj.se

مقدمة
على بركة الله قرر بعض إخوتنا الكلدان عقد مؤتمر سموه "مؤتمر النهضة الكلدانية" الذي سينعقد في أمريكا في أوخر الشهر الحالي. وقبل أن ادلو بدلوي وملاحظاتي ككلداني يهمه شأن هذا المكون الأساسي من شعبنا الكلداني الأشوري السرياني الواحد، أتمنى للمؤتمرين النجاح والموفقية، ولكنني في نفس الوقت أدعوهم إلى قراءة معمقة وعلمية وأكاديمية لوضعنا ككلدان وإن كان حقا بإمكاننا النهوض، الذي نتمناه كلنا، رغم تقاطع مواقفنا وأفكارنا.
أسئلة كثيرة
الكلدان أحوج إلى النهضة من أي مكون أخر من شعبنا الواحد. ولكن كيف ننهض وما هي معايير النهضة التي يجب علينا الإستناد عليها؟ وهل درسنا كيف نهضت الأمم قبلنا وهل نحن على إستعداد للإستفادة من تجاربها؟ هل حقا أن الذين يدعون إلى نهضة الكلدان اليوم، وأنا واحد منهم، مؤمنون بالنهضة؟ ولماذا تأخذ هذه النهضة، بالشكل الذي يدعو له منظمي هذا المؤتمر، مسارا يقصي الأخرين وإن كانوا كلدنا من اي دور؟ وكيف يجوز لأي مجموعة كلدانية أن تتحدث وكأنها تمثلنا جميعا دون الإكتراث لمواقفنا المختلفة؟ هل يجوز إقحام المؤوسسة الكنسية في أمور نهضوية كهذه؟ وأخيرا هل هناك من إيجابية للمؤتمر هذا نستطيع الإستدلال عليها من خلال الخطاب الذي قرأناه لمنظميه؟
تقييم ما قرأته حتى الأن عن المؤتمر
من حق أي مجموعة أن تجتمع ومن حق أي مجموعة أو شخص أن يكتب ويناقش او ينتقد. نحن نعيش عصرا يمنح المجموعات والأشخاص قدرا كبيرا من الحرية. نحن نعيش عصرا في إمكان أي فرد فتح موقع على الشبكة العنكبوتية وإصدار جريدته الإلكترونية التي تصبح في لحظة من الزمن في متناول الملايين من البشر. هذا أمر لا خلاف عليه.
ومن هذا المنطلق ومن خلال تتبعي لما يكتبه القائمون على هذا المؤتمر، فإنني – وليتسع صدر إخوتي الكلدن للنقد –لا أرى إيجابية تذكر لعقد هذا المؤتمر حتى الأن – اللهم إلا إذا حدثت أمور لم تكن في الحسبان أثناء إنعقاده. الإيجابية الوحيدة التي لا حظتها كانت الإعلان الذي نشره موقع كلدايا نت (رابط 1) عن المؤتمر، ليس فحواه، بل القرار الشجاع الذي إتخذه كتّاب البيان في إصداره أولا بلغتنا السريانية الجميلة ومن ثم باللغات الاخرى. هذه اول مرة تتخذ مجموعة كلدانية – مدنية او كنسية – قرارا شجاعا بتفضيل لغتنا السريانية، التي هي بمثابة المرآة الحقييقة والتي لولاها لا وجود لنا من حيث التاريخ والتراث والوجدان والأدب والشعر والثقافة والقومية والكنيسة والطقس والليتورجيا والفن والموسيقى، هي ميزتنا الأساسية ودونها لا نساوي شيئا بين الأمم.
تناقض وإزدواجية
وكوني أقرأ لغتنا السريانية وأحمل شهادة عليا في علم اللغة أود أن أسترعي إنتباه المؤتمرين أن نص البيان باللغة السريانية سيثير ذات المشاعر التي إنتابتني عند قرأتي له إن تمت قرأته من قبل أشوري أو سرياني يتقن هذه اللغة. كل من يقرأ ويكتب هذه اللغة ويستوعب تاريخها وثقافتها وشعرها لا يمكن إلا وأن يؤمن أننا شعب واحد وإن لم يفعل فإنه يعيش في تناقض وإزدواجية. ولهذا ترى أن الفئات الإنفصالية والإنقسامية بيننا – والحمد لله أنهم قلة وشأنهم في إندحار – تقفز على وفوق تراثنا ولغتنا وثقافتنا السريانية التي تمتد دون إنقطاع لأكثر من 2500 سنة. بيننا من يريد الإنتساب إلى أشور وشلمنصر وبيننا من يريد الإنتساب إلى كلدو ونبوخذنصر والإثنان على باطل لأن لا علاقة لغوية وتراثية وثقافية وأدبية ووجدانية لنا معهم.
كيف تكون النهضة
كلنا قرأنا عن عصر النهضة في أوروبا وقرأنا عن نهضة العرب بعد الحرب العالمية الثانية وكلنا تعايشنا مع نهضة الكرد بعد سقوط نظام صدام حسين. النهضة الأوروبية قادها كتاب وفلاسفة وأسماء لامعة في اللغة والفنون الجميلة. أول أمر قامت به شعوب أوروبا كان التخلص من نير المؤوسسة الكنسية وطغيان الألتنة – من اللاتينية. الفرنسي تشبث بلغته وما تمثله من تاريخ وحضارة وتراث وشعر وفن وموسيقى وأدب وبدأ الكل يرمي الكتب اللاتينية في سلة المهملات ويقرأ لشعرائه وكتابه وتاريخه من خلال لغته. هكذا فعل الإيطالي والألماني وغيرهم من الشعوب عندما قرروا النهوض.
وماذا فعل العرب؟ أول عمل قام به العرب أن رفعوا عن كاهلهم نير التتريك لغويا ودينيا حيث كان السلاطين الأتراك يحكمون بإسم الإسلام. أزاحوا اللغة التركية واحلوا مكانها العربية ونبشوا تراث وثقافة وأدب هذه اللغة وأحيوه وصار لشعراء واعلام العربية قبل الإسلام وبعده مكانة ترقى إلى مصاف القديسسين. والقائمون على هذه النهضة كتاب وشعراء وأعلام لا زال العرب إلى اليوم يقراؤنهم في المدارس وما زال التلاميذ يحفظون قصائدهم وشعرهم وبينهم الكثير من السريان المسيحيين الذين، كما قلت سابقا، تنكروا للغتهم القومية وأصبحوا عربا أقحاح، ومنهم جبران خليل جبران وإيليا ابو ماضي ومي زيادة وفيروز والرحابنة، وسعيد عقل، وإبراهيم اليازجي وبطرس البستاني وأخرون كثيرون لا يتسع المجال لذكرهم.
وماذا فعل الكرد؟ بعد سقوط نظام صدام حسين نهض الأكراد وأول عمل قاموا به كان إزالة نير التعريب وبدأ كتابهم وشعراؤهم وأعلامهم إحياء اللغة الكردية وتراثها وشعرائها وموسيقاها وصارت اللغة وجدان الكرد. فلا يسمح الكردي لرجل دين، مهما علا شأنه او مقامه، إلقاء خطبته بالعربية ولا يسمح الكرد الكتابة او الحديث بغير لغتهم اولا. اللغة وما تحويه من ثقافة وتراث كانت البوتقة التي إنصهر فيها الأكراد رغم إختلافاتهم وتقاطعاتهم السياسية. الكرد اليوم يدرسون بلغتهم الوطنية في كافة المراحل الدراسية وصارت لغتهم النبراس الذي يلتفون حوله وليس رجال دينهم او مجموعة محددة من الناس تريد تقسيمهم على أساس أن كاتبا معينا او مجموعة من الكتاب تود القفز فوق وعلى تاريخهم الشفوي والكتابي وترميهم مثلا في حضارة أرية قديمة كالفارسية او التركية كما نفعل نحن برمينا أنفسنا في أحضان شعوب سامية قديمة – أشورية او كلدانية – لأننا أساسا تركنا وغادرنا لغتنا وثقافتنا السريانية ولا نفقه لغة الشعوب التي نرمي أنفسنا في أحضانها، صرنا تقريبا بلا لغة ولا ثقافة ولا شعر ولا تراث ولا موسيقى ولا فن. ولهذا لا أظن أن أي من إخوتي الكلدان من الذين سيحضرون المؤتمر سينجح في الإستبيان الأكاديمي الذي كنت قد وضعته للدلالة إن كان قوم أو شعب او حتى فرد بوده النهوض أم لا (رابط 2).
أين يقف مؤتمر النهضة القادم مما ذكرناه
إن نظرنا إلى ما وردنا حتى الأن عن المؤتمر وذلك من خلال تحليل الخطاب الذي قرأناه، فإننا سنرى ان المؤتمرين في واد والنهضة كما نعرفها في واد أخر. الخطاب الذي نشر عن المؤتمر يظهر ان المؤتمرين لا شأن لهم بالنهضة كالتي حدثت في اوربا او الشرق الأوسط او لدى الكرد. الخطاب الذي قرأناه فيه منحى خطير وفي كثير من الأحيان يجعل القارىء يشمئز من وجود أفكار ومواقف كهذه بيننا نحن الكلدان ونحن نعيش في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
الخطاب أكثره هجومي يرى أنه ضحية عدو قد خلقه لنفسه وهو غير موجود. هذا الخطاب يوجه الإتهامات صوب اليمين وصوب اليسار وفي كل الجهات ويجعل حتى من الكلدان الذين يتقاطعون معه أعداء. لا حاجة للإقتباس لأنني أخشى أن بعض المواقع الرصينة لن تقبل نشر ما يرد في خطاب بعض الأخوة الذي أعدوا لهذا المؤتمر.
الخطاب يجعل منا نحن الكلدان مكون مهمش. والتهميش حسب هذا الخطاب ليس لأننا نرفض النهضة على الأسس التي ذكرتها بل لأن هناك كعكة وهمية حصلت عليها باقي مكونات شعبنا، وهكذا ترى أن هدف المؤتمر، من خلا تحليل خطابه، ليس النهوض بالمعاني الحضارية والثقافية واللغوية والفنية، بل الحصول على الكعكة من خلا تنصيب كلداني، او ربما واحد من المؤتمرين، في منصب نائب لرئس او نائب رئس وزراء أو وزير في العراق، وهم ونحن نعيش في ترف في الغرب وأمريكا. لا هكذا تكون النهضة يا إخوتي الأعزاء. أنتم تجتمعون في ساندييكو وعينكم على الكعكة في بلد فاشل تحكمه الميليشيات وتعبث به فرق الموت وثلاثة أرباع شعبكم مهاجر لا قرار ولا مصير له ومستقبل وجود الربع الأخر في العراق، أرض الأجداد، على كف عفريت.
إستنساخ تجربة!
وهكذا يبدو أن المؤتمر سيكون نسخة مستنسخة للمؤتمرات التي تعقدها بعض الفرق الأشورية التي أعمى التعصب بصرها وبصيرتها حيث أنها ترى في الأخرين – لا سيما نحن الكلدان - أعداء لها وجعلت من أشور والأشورية بمثابة ألهة قد تسجد لها مقدمة البخور والطاعة. إنني أرى، ومن خلال خطابكم – وأسمحوا لي القول – أنكم تسيرون على نفس النهج.
وهذا النهج أخطر ما نواجهه اليوم كشعب ومؤسسات، مدنية ودينية، وإلا كيف نفسر خطبة لرجل دين عالي الشأن والمقام يرد فيها إسم أشور أكثر من أسم المسيح وكيف نفسر رجل دين يتباهى في خطبته بأحجار وتماثيل ومنحوتات والخطوط المسارية للأشوريين في المتحف البريطاني بدلا من أن يتباهى برسالته السماوية. وكل هذا وهو لا يفقه شيئا عن هذه المنحوتات ولا يستطيع فك طلسم واحد من خطوطها المسمارية؟
وأنتقل الأمر إلينا نحن الكلدان من خلال خطاب إخوة لنا من الذين ينظمون هذا المؤتمر. واليوم نسمع ونقرأ عن رجال دين كلدان تطلق عليهم تسميات مثل أسد بابل وخليفة نبوخذنصر. وقرأنا أن رجال الدين من الذين يؤمنون بهذا النهج المستنسخ عن التعصب الأشوري سيحضرون المؤتمر.

رابط 1
http://kaldaya.net/2011/News/01/Jan12_A6_chalden%20convention.html

رابط 2
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=401532.0

Opinions