Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل يواصل حارث الضاري نشر الكراهية والحقد الطائفي في العراق؟

عرضت قناة الجزيرة الفضائية مساء يوم الثلاثاء المصادف 17/6/2010 تسجيلاً مصوراً لمحاضرة سياسية قدمها الدكتور حارث الضاري, رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق, في جمع صغير من أعضاء ومؤيدي هيئته ونهجه الطائفي المتطرف من العراقيين والعرب على قاعة الزبارة - الميلينيوم في الدوحة, عاصمة إمارة قطر, تحت عنوان: العراق بعد سبع سنوات.. الاحتلال .. إلى أين؟ استعرض فيها أوضاع وأحداث العراق خلال الفترة 2003-2010 على وفق طريقته الانتقائية ورؤيته الخاصة لما جرى ويجري في العراق. وحين أصغيت بانتباه لحديثه المتشدد نشأت لدي مجموعة من الأسئلة منها مثلاً: ماذا يريد أن يوصله المحاضر إلى العراقيين والعرب؟ وهل أنصف المحاضر في استعراضه لأوضاع العراق أم شوه عن قصد مسبق حقائق الوضع والقوى التي تقف وراء كل ذلك؟ وما الهدف من وراء هذه المحاضرة في هذه الفترة بالذات والتي نقلتها الفضائية المعروفة بمواقفها السلبية الشديدة من العراق وشعب العراق والتي تنطلق من موقعين فكريين, قومي شوفيني ومذهبي متطرف؟

لقد حاول الضاري تقديم جرد للأوضاع الجارية في العراق بعين واحدة, إذ كانت الأخرى ضريرة, محاولاً إبراز كل ما هو سلبي في الوضع وتجنب كل ما هو إيجابي وعدم ذكر العوامل التي تسببت في نشوب الحرب ووقوع الاحتلال, كما تجنب كلية انتقاد النظام السابق في سياساته الاستبدادية والظالمة التي نزلت بغالبية الشعب والتي كانت ضمن الأسباب التي قادت إلى تلك الحرب.

لقد طرح مجموعة من الأفكار التي تستوجب المناقشة نشير إلى أبرزها فيما يلي:

** فشل سياسة الاحتلال التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق.

** الأكراد كانوا دوماً متمردين ضد العراق, رغم أنهم كانوا يعيشون بشكل طبيعي في البلاد, يزورون بغداد ونزور مدن شمال دون مشاكل.

** تركيا إيجابية في مواقفها في حين أن دولتي إيران وإسرائيل تتدخلان بفظاظة في الشأن العراقي.

** التخلف والبؤس والفاقة والبطالة ونقص الخدمات في العراق.

** المقاومة موجود وستبقى حتى بعد خروج القوات الأمريكية.

** ولم يتطرق إلى دور هيئته في ما حصل من موت ودمار وخراب في العراق.

ثم انتهى إلى القول بأن العراق يعاني اليوم من ضعف اقتصادي شديد إضافة إلى ضعف سياسي في الداخل, ويواجه تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ متعددة, وإلى غياب عن الساحة السياسية العربية والعالمية, كما يعاني من ضعف في قدرته على التعبير والفعل. ثم أكد على وجود أزمة سياسية وعسكرية واقتصادية في العراق.

يبدو لمن استمع إلى هذه المحاضرة, أدرك بوضوح إن هدفها المباشر يتلخص في تأجيج الصراعات والنزاعات الطائفية في البلاد والدعوة إلى استمرار نزيف الدماء والدموع, وإلى مزيد من الموت والخراب والحرمان للناس البسطاء, وإلى إشاعة عدم الاستقرار وحرمان الناس من الشعور بالأمان.

لم يكن المحاضر حيادياً أو منصفاً إزاء تقييم الوضع, بل كان موتوراً وحيد الجانب, إذ حاول في محاضرته أن ينشر المزيد من الكراهية والحقد في الأجواء العراقية ليزيد من التوتر الراهن ويشدد من الخلافات القائمة, ويصب الزيت على نار لم تخمد ويسعى الشعب إلى إخمادها بكل السبل المتوفرة.

لقد تناسى الشيخ ضاري سعي كل القوى السياسية التي كانت في المعارضة السياسية في فترة حكم الدكتاتور صدام حسين إلى إقناع الدكتاتور صدام حسين بالكف عن سياساته القمعية والتخلي عن استبداده وعدوانيته, حتى أن بعضها دخل في حوار معه من أجل ذلك. ولكن كل تلك المحاولات ذهب أدراج الرياح بسبب إصرار الدكتاتور على ممارسة سياسة القتل والتهجير والإبادة. عندها سعت القوى الوطنية إلى بذل كل الجهود لإسقاطه عبر جميع أشكال الكفاح, بما فيها الكفاح المسلح في إقليم كُردستان العراق وبعض مناطق الجنوب, فلم تفلح أيضاً لأن النظام قد مارس أساليب القتل الجماعي, كما حصل في الأنفال وحلبچة أو التهجير القسري, كما حصل في الوسط والجنوب وكركوك, والقتل الواسع النطاق كما حصل في انتفاضة الربيع في العام 1991 بعد حرب الخليج الثانية المدمرة وبعد طرد قواته الغازية من الكويت. ولم يتخل عن سياسة تجويع الشعب ومواصلة التسلح والمخاتلة مع مجلس الأمن الدولي وتحدي الأمم المتحدة والرأي العام العالمي, والاستمرار في استفزاز مشاعر الناس الجائعة ببناء قصوره الرئاسية التي بلغت حوالي المائة قصر في سائر أرجاء العراق, مما أدى إلى نشوب حرب الخليج الثالثة التي لم يكن يتمناها أحد لو أن النظام قد استمع إلى نصيحة الطيب الذكر رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل مهيان الذي طلب منه ترك الحكم واللجوء إلى الإمارات. وحين سقط النظام لم يكن أي عراقي سليم العقل يقبل بفرض الاحتلال على العراق, بل رفضته كل القوى السياسية العراقية. ولكن تصاعد وتيرة الإرهاب الدموي في العراق جعل ذلك ممكناً عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. واليوم وبعد أن عُقدت اتفاقية انسحاب القوات الأجنبية من العراق في العام 2011 تحاول قوى الإرهاب الدموي, ومعها قوى هيئة علماء المسلمين, إشاعة عدم الاستقرار والفوضى في البلاد عبر ممارسة الإرهاب في بعض مدن العراق, ومنها بغداد بشكل خاص, لكي يتعطل تطبيق هذه الاتفاقية وتبقى القوى الأجنبية في العراق وتتذرع بوجودها قوى الإرهاب لتواصل عملياتها الدموية ضد الشعب العراقي. إن فرض قرار الاحتلال لم يكن سليماً من جانب مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا, بل كان مسيئاً للجميع. والآن وقد انتهى مفعول هذا القرار بعقد اتفاقية انسحاب القوات الأجنبية من العراق مع حلول العام 2011, وستنفذ بنودها بالرغم من قوى الإرهاب. ومما يؤكد أن مشكلة الضاري ليست في الاحتلال, بل في موقفه الطائفي السياسي المقيت الذي يتلبسه كلية, ما جاء في محاضرته حيث قال: إن "دور المقاومة مشرف وسوف يبقى مشرفا كما هو في بداية الاحتلال وسيبقى مشرفا في نهاية الاحتلال وبعده". لاحظوا هنا كلمه "وبعده" التي تفسر الكثير في هذا الصدد. السؤال العادل هنا هو: من هم المقاومون في العراق؟ كل الدلائل التي لدينا تشير إلى إن "المقاومين" الأوباش الذين حملوا السلاح في العراق لم يحملوه دفاعاً عن استقلال البلاد وسيادتها ولا في سبيل مصالح الشعب, بل حملوا السلاح من أجل عودة البعث ألصدَّامي إلى الحكم أو تسليم السلطة إلى قوى الإسلام السياسية المتطرفة والإرهابية من أمثال تنظيم القاعدة الذي تحالف حارث الضاري معه والذي وفّر له ولأتباعه أرضية العمل والحماية في العراق والتي سيطرت لفترة غير قصيرة على مناطق غرب بغداد وعاثت فساداً في أنحاء البلاد وقتلت الكثير من البشر. لقد حمل هؤلاء السلاح لأغراض طائفية مقيتة وفي إطار صراع طائفي ساهم بقتل الكثير من الناس على أساس الهوية الدينية والمذهبية. وهذه الجماعات لا تشكل "مقاومة شريفة" حين وجهت ولا تزال توجه نيرانها وتفجيراتها الجبانة إلى صدور وظهور بنات وأبناء الشعب العراقي. إن حارث الضاري يؤكد مجدداً بأن قوى "مقاومته" الجبانة سوف تواصل "المقاومة" غير الشريفة حتى بعد خروج قوات الاحتلال. وهو تأكيد إصابة هذه القوى بداء الطائفية العمياء والتطرف والإرهاب الدمويين.

دعونا نواصل الاستماع إلى افتراءات الشيخ الضاري على الكُرد في العراق, فهو يقول: كان الأكراد دوماً متمردين وأنهم كانوا يتمتعون بوضع طبيعي في العراق يأتون إلى زيارة بغداد ونذهب لزيارة مدن الشمال! كان الفاشيون الألمان يرددون دوماً "افتروا ثم افتروا ثم افتروا .. لعل بعض افتراءاتكم تعلق بأذهان الناس", وللرجل نفس تصور هؤلاء الفاشيين ويعتقد ان الشعب العراقي جاهل لا يعي ما يكتبه من افتراءات.

يتناسى هذا الشيخ حقيقة النضال الذي خاضه الشعب الكردي على امتداد عقود طويلة من أجل تنفيذ ما اتفق عليه الملك فيصل الأول والحكومة العراقية مع مجلس عصبة الأمم في أن تحقق الحكومة العراقية للكُرد جملة من الحقوق القومية العادلة للشعب الكردي في إطار الدولة العراقية. وقد نكثت الحكومات العراقية المتعاقبة بكل تلك الوعود. فأجبر الكُرد على خوض النضال السلمي والمطالبة بحقوقهم المشروعة. وبدلاً من الاستجابة لها, وجهت تلك الحكومات الرجعية الطيران العسكري والقوات المسلحة لضرب المناطق الكُردية المتهمة بالنضال من أجل حقوق الشعب الكردي, ومنها بشكل خاص منطقة بارزان. وهكذا تواصل الأمر طيلة الحكم الملكي, إضافة إلى تهميش الشعب وإقليم كُردستان وسلب كامل حقوقه المشروعة والعادلة. وإذ أُنصف الكُرد لفترة قصيرة في عهد عبد الكريم قاسم حين أكد على الشراكة في الوطن العراقي, إلا إنه لم يستجب للحقوق المشروعة والعادلة لهذا الشعب بل وجه حين طالبه بها, تحت ضغط القوى القومية العربية الشوفينية والدول العربية الرجعية, ضربات عسكرية ضد مواقع القوى الكُردستانية والتي انتهت بإعلان ثورة أيلول 1961.

ثم تواصل رفض الاستجابة للحقوق القومية المشروعة للكُرد في فترة حكم البعث الأول وحكم القوميين العرب ثم حكم البعثيين الثاني والذي تجلى بشن الحروب العدوانية, ثم تتوج بمجازر الأنفال وجريمة الكيماوي في حلبچة وغيرها من المناطق الكردستانية التي تعتبر ضمن جرائم الإبادة والقتل الجماعي, إضافة إلى التهجير القسري الواسع والتعريب القسري في كركوك وفي مدن أخرى كردستانية. لم يكن المتمردون هم الكُرد, بل كانت الحكومات العراقية الرجعية والقومية الشوفينية المتعاقبة هي المتمردة حقاً والرافضة لمنح الحقوق القومية المشروعة. ولكن هل بمقدور الجماعات الشوفينية والعنصرية التعلم من دروس الماضي القريب أو البعيد؟ كل الدلائل تؤكد عكس ذلك, ويتجلى ذلك في محاضرة الضاري.

نعم هناك تدخل إيراني فظ في الشؤون الداخلية للعراق, وهي اليوم تقوم بتوجيه ضربات عسكرية شديدة وعدوانية ضد الأراضي العراقية في إقليم كُردستان. والحكومة العراقية وكذلك حكومة إقليم كردستان تطالبان بوقف هذا العدوان العسكري وحل المشكلات بطرق التفاوض. ولكن تركيا هي الأخرى ورغم محاولات تنقية الأجواء وعقد الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية معها تتدخل بالشأن العراقي ولها مواقع في الأراضي العراقية وتضرب مناطق غير قليلة من إقليم كردستان. ويتم شجب هذه الأعمال العسكرية أيضاً من جانب الطرف العراقي والكردستاني والمطالبة بحل المشكلات عبر التفاوض والتفاهم. إلا أن استمرار هذا التدخل ناشئ عن غياب الوحدة الوطنية في العراق والفراغ السياسي الراهن بسبب الصراعات حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة واستمرار العمليات الإرهابية التي تمارسها قوى التطرف المتحالفة مع هيئة علماء المسلمين وقوى البعث الصدّامية بشكل خاص.

يتحدث حارث الضاري عن واقع التخلف والفقر والبطالة في العراق. وقد كتبنا عن ذلك أيضاً. لكن الضاري يتجنب ذكر الأسباب الكامنة وراء هذا التخلف والفقر والبطالة, سواء أكان في فترة صدام حسين في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وقبل سقوطه في العام 2003 أم بعد سقوطه, والذي ارتبط بتلك السياسات التي مارسها الدكتاتور, ومن ثم بواقع التناحر الطائفي الذي هو وهيئته طرف فيه, إضافة إلى النشاط الإرهابي للقوى الأخرى التي تمنع عمليات إعادة البناء والتنمية. إن السياسات الاقتصادية الراهنة تستوجب التصحيح والتغيير وضمان العدالة الاجتماعية في توزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي بطبيعة الحال, وتستوجب وجود إستراتيجية اقتصادية واجتماعية واضحة, كما إن التنفيذ يستوجب الابتعاد عن السياسات الطائفية القاتلة التي يحاول الضاري مع قوى طائفية أخرى تأصيلها في العراق بدلاً من التخلص منها.

لم يشعر الضاري بالحرج, وهو الذي كان جزءاً من نظام صدام حسين, والذي أسس هيئته بعد سقوط النظام في العام 2003 ولأهداف طائفية بحتة, كما فعلت بعض الجماعات الشيعية التي أسست لها تنظيمات وميليشيات مسلحة بعد سقوط النظام في بغداد, وخاضت المعارك الطائفية المقيتة. وكان أبناء وبنات الشعب من الشيعة والسنة ومن أديان واتجاهات فكرية وسياسية أخرى ضحايا ذلك الصراع الطائفي الدموي المقيت.

بالرغم من السياسات التي تمارسها القوى الطائفية السياسية, فأن الشعب العراقي يعمل من أجل إقامة دولة مدنية وطنية وديمقراطية اتحادية حديثة, يرفض العنف في معالجة القضايا الداخلية والخارجية, ويسعى إلى حل الخلافات بالطرق السلمية والتداول السلمي والديمقراطي الانتخابي للسلطة, ويعمل ضد الإرهاب, ويسعى إلى تحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية وتعزيزهما ويرفض التدخل في الشؤون الداخلية من أي طرف إقليمي أو دولي. ولكن الهج الذي يمارسه الضاري هو بالضد من إرادة ومصالح الشعب العراقي. وسيتمكن الشعب العراقي بكل مكوناته من دحر سياسات العنف والقمع والإرهاب.



كاظم حبيب

في 23/6/2010


نشر المقال في مجلة گولان في أربيل باللغة الكردية فقط.
Opinions