Skip to main content
هورامي يصفع العبادي بفضيحة جديدة Facebook Twitter YouTube Telegram

هورامي يصفع العبادي بفضيحة جديدة

رغم أن البارزاني وصف عادل عبد المهدي بأنه "صديق كبير لكردستان"، فأن كردستان تعامل عبد المهدي وحكومة العبادي عامة لا كما يعامل الصديق صديقه، بل كما يعامل السيد عبده. ودليلنا على ذلك كثرة الإحراجات والفضائح التي تسبب مسؤولوا كردستان فيها لأعضاء تلك الحكومة الذين يضطرون في كل مرة على ابتلاع فضح أكاذيبهم التي تكشفها كردستان بلا حساب لهم أمام الناس، ودون أن يبدر عنهم أي احتجاج. وهم في هذا لا يختلفون عن طريقة تعامل الأمريكان مع الحكومة التي أتوا بها ببهلوانياتهم وفرضوها كأمر واقع. ونحن نذكر كيف أحرجت السفارة العبادي نفسه بالتصريح بأنه قدم الحصانات اللازمة لقواتها التي ظل الرجل مدة طويلة يقسم الأيمان أنها ليست قوات أرضية وأنه لم يعطها أية حصانة. ويبدو أن العبادي قد تجرأ وعاتب السفارة على ذلك فحاولت الأخيرة أن تدعي أن الخبر الذي نقلته وكالات الأنباء عن أسوشيتد بريس قد نقل بشكل غير صحيح، وكأن الصحفي الذي ارسلته الأسوشيتد بريس كان متخلفاً عقلياً أو متآمراً على العبادي ليضيف موضوع الحصانة من عنده وبهذا الشكل! 

وعودة إلى كردستان، فقد قرأنا سابقاً لزيباري في نشرة "تقرير نفط العراق" وهو يفضح حقيقة الإتفاق على إعفاء كردستان من النفقات السيادية (تمييزاً لها عن بقية أجزاء العراق) واحتساب الـ 17% مباشرة من النفط، كما فضح موضوع دفع تكاليف البيشمركة من حساب وزارة الدفاع واخيراً فضح حقيقة أن وفد بغداد "لم يعترض على اية نقطة قدمتها كردستان"! وأمام دهشة محدثه، أكد زيباري: "..نعم .. حدث هذا بالفعل!".

ومن الطبيعي أن العبادي أو عبد المهدي كان يأمل أن يترك هذا الموضوع لأطول فترة ممكنة سرياً، خاصة بعد الإتفاق على عدم نشر الإتفاق ولفترة غير معلنة. ولا شك أن هؤلاء أملوا على الأقل أن يترك التصريح به لهم ليختارا العبارات المناسبة والوقت المناسب لتقليل خسائر الفضيحة، لكن ساسة كردستان كانوا كما يبدو متحمسين بشدة لكي يعرفوا الكرد بالإنتصارات التي حققوها على بغداد (رغم أن زيباري وزير لبغداد، كما يفترض!). ومن ناحية أخرى فأن كردستان تبدو مطمئنة أن حكومة العبادي سوف لن تحرك ساكناً مهما تلقت من الأذى فلم يهتموا بماء وجهها. وتثبت الأحداث صحة تقديرهم، فلم ينبس أحد منهم بهمسة اعتراض أو احتجاج. 

مؤتمر هورامي في لندن

لكن مصائب حكومة عميلة، عند شعبها فوائد. فقد صار هؤلاء الساسة الكرد مصادرنا لمعرفة الحقائق التي أخفاها ذيولهم من العراقيين، وهاهو أشتي هورامي اليوم يسابق زيباري في صفعه لحكومة العبادي ويكشف المزيد من الحقائق فاضحاً زيف ما ادعته. 

ففي تقرير نشر على مجلة "تقرير نفط العراق" أول أمس (18 كانون الأول 2014) عن مؤتمر في لندن أقامه مؤخراً أشتي هورامي وزير الثروات الطبيعية في كردستان، قال أشتي هورامي بوضوح بأن حكومة كردستان سوف تقوم بالتصدير بشكل مستقل عن بغداد، واكد من جديد عزم كردستان على السيطرة على حقلين للنفط قامت باحتلالهما في تموز وكانا قبل ذلك جزءاً من ممتلكات بغداد، (والكلام لـ "تقرير النفط العراقي") وقال "تصديرنا هو حقنا. إذا كان ذلك سبب للخلاف، فسوف يستمر الخلاف" وأضاف: "هذا هو خطنا الأحمر. لا تتوقعوا منا أن نفاوض عليه".(1)

ويعلق الكاتب في "تقرير النفط العراقي" بالقول: "الآن، وعلى الأقل بالنسبة لبعض النقاط  ذات الحساسية الشديدة، فأن حكومة كردستان تبدو وكأنها لم تترك أي مجال للتنازلات المتبادلة. ويأخذ تصريح هورامي قوته من حقيقة أن حكومة كردستان قد مارست بالفعل عملية التعاقد والتصدير التان تدعي بغداد عائديتهما إلى الحكومة المركزية".  وقال هورامي "إن كردستان ترسل حاليا بين 380  و 400 الف برميل في اليوم إلى ميناء جيهان التركي. وحسب الإتفاق الذي عقد في تشرين الثاني فأن 150 الف برميل منها يحتسب لـ "سومو" (الحكومة المركزية) والباقي يحمل بناقلات لحساب حكومة كردستان، وقد بلغت أكثر من ثلاثين ناقلة منذ مايس، وبعائد يزيد عن 3 مليار دولار". وقال هورامي "إن كردستان سوف تستمر في التصدير المستقل عام 2015، بمعزل عن النفط الذي سوف تسلمه إلى "سومو". ومن مجموع ما سوف يصدره العراق من ميناء جهان والذي يستهدف الوصول إلى 800 الف برميل في اليوم، فأن 550 الف منها ستسوق لحساب "سومو"، وأي شيء فوق ذلك سوف نقوم بتسويقه لحسابنا." ..وقال: "كل ما نسعى إليه هو حق التصدير، حق استلام النقود مباشرة، حتى لا يكون لجهة أخرى أن تقطع عنا الميزانية" .. "لقد وضعنا لأنفسنا اهدافاً واضحة للإكتفاء الذاتي داخل كردستان، لكي لا نواجه ابداً تهديداً وقطع إمدادات لإقليمنا". 

ويذكر التقرير: "إن جزءاً كبيراً من الإنتاج الحالي الموجه إلى "الإكتفاء الذاتي" يأتي من باي حسن وآفانا في كركوك، وكان قد تم الإستيلاء عليهما مؤخراً وسلبا من "شركة نفط الشمال" الحكومية (NOC)، حيث استولت قوات البيشمركة عليها في تموز بعد تراجع الجيش العراقي أمام ما يسمى "بالدولة الإسلامية" (داعش) ووضعتهما وزارة الثروات الطبيعية الكردستانية تحت إشراف مجموعة "كار" لتشغيلهما وربطهما بأنبوب تصدير مستقل. وكان القادة في بغداد يتوقعون إعادتهما إلى شركة نفط الشمال من خلال التفاوض، لكن هورامي كرر ادعاء عائدية باي حسن وآفانا لكردستان. وقال: "لم نأخذ شيئاً من أحد". فهو يعتبر أن الحقلين جزء من منطقة "مخمور" التي تعتبر تابعة لأربيل، وبالتالي يعتبرونها تابعة لكردستان. 

ويعتبر هورامي أن القضية منتهية فيما يتعلق بـ "باي حسن" و "آفانا". فقد سالت ملايين البراميل من هذين الحقلين في انبوب كردستان نحو تركيا، ورغم ذلك يقول هورامي: "نحن لم نصدر أو ننقل أو نحمل أي نفط تابع للحكومة المركزية إلى جيهان بعد".  ويبدو أن هورامي يتجاوز بذلك المادة 112 من الدستور العراقي التي تنص على أن الحكومة المركزية والحكومات المحلية يجب أن تتشارك المسؤولية لإدارة الحقول (مثل باي حسن وآفانا)، واللتين قامت الحكومة بتطويرهما قبل عام 2005، والكلام مازال لـ "تقرير نفط العراق".

وكتب التقرير: "مازال للعراق ورقة الشكوى ضد تركيا لدى غرفة التجارة الدولية وشركتها "بوتس" لمخالفتها اتفاقية إدارة الخط العراقي التركي عندما بدأت باستعماله لتصدير النفط من كردستان بدون موافقة الحكومة العراقية. ومن جهة أخرى قامت وزارة النفط (المركزية) بربط ناقلة نفط تحمل مليون برميل قامت كردستان بتصديرها، في معركة قضائية مازالت قائمة في تكساس. وقال هورامي أنه طلب من وزير النفط الجديد عادل عبد المهدي أن ينهي تلك الشكوى في ضوء الإتفاقيتين الجديدتين في تشرين الأول وتشرين الثاني، والتين تقران ضمناً بحق التصدير لكردستان. 

وفي المستقبل، يأمل هورامي أن بغداد سوف لن تكتفي بالموافقة على شرعية عقود كردستان، وإنما أن "ترخي" ادعاءاتها بحقوق التصدير إلى الدرجة التي تمكن شركات النفط من بيع النفط العراقي بشكل مباشر. وقال: "نأمل أن يتحقق ذلك خلال سنة واحدة.. وأن يتاح للشركات أن تقوم ببيع النفط بنفسها ونحن نجمع حصتنا من الوارد من كل عقد". 

وقال وزير المالية الكردستاني "رباز هالمان": "حالياً، ووفق الإتفاقية الأولى فأن بغداد دفعت 500 مليون دولار لأربيل في تشرين الأول ودفعة ثانية بـ 500 مليون اخرى ستكون مستحقة في نهاية الأسبوع". واضاف هورامي: "الكميات محددة.. ستكون 150 الف حتى نهاية العام، ثم تصبح 250 الف بعد ذلك، وسوف نستمر بذلك بسعادة وسرور، إلا إذا اتفقنا على شيء آخر."... أنتهى الإقتباس من نص "تقرير نفط العراق".

ويمكننا هنا أن نؤشر عدة ملاحظات، أو بالأحرى عدة "فضائح" كبيرة لحكومة بغداد وأكاذيبها هي ومن دافع عن الإتفاق. وهذه الفضائح تؤكد تماماً كل توقعاتنا التي وردت في مقالاتنا السابقة والتي استنتجناها قبل إعلانها ومن طبيعة الإتفاق المشبوه وغير الواضح وحقيقة عدم نشر تفاصيله وإكماله بسرعة خارقة رغم كل ادعاءات "الصعوبات" التي ادعاها الطرفان ليوهما الشعب العراقي أن له طرف "يفاوض" عنه في تلك المؤامرة ويدافع عن حقه "بقوة" وهو ما ناقضه وزير المالية الذي فرض على العراق لهذا الغرض بالذات، هوشيار زيباري حين قال: ان الجانب العراقي لم يعترض على أية نقطة طرحتها كردستان وأن الموافقة كانت جماعية، كما أشرنا أعلاه. وعدا هذه الفضائح والمصائب القادمة المتوقعة فهناك ملامح مصائب أخرى لم تتبلور بعد ولم نحزرها، وتتمثل في الطموح الكردستاني لجعل النفط العراقي بيد الشركات لتقوم ببيعه بنفسها، والذي يؤمل هورامي أنه سيتحقق خلال سنة. وعندما يتحدث هورامي أو أي من اللصوص الكبار ذوي الحظوة في "إقليم الله المختار"، فيجب أن لا نضحك!

لكن دعونا الآن نركز على كوارث الحاضر. هورامي يقول أن بغداد قد وافقت ضمناً على حق كردستان في التصدير المستقل، وأن كل ما يزيد عما اتفق عليه، هو من حق كردستان لتصديره. ويمكننا تصور الكارثة عندما تطالب البصرة بالمعاملة بالمثل وأن يسمح لها أن تعطي بغداد مثل هذه الكمية وتصدر الباقي لحسابها! إضافة إلى ذلك فان عملية الإستيلاء على كركوك ونفطها أصبحت رسمية كما يبدو، وأن حقولها ألحقت باربيل ذاتها أيضاً، بل أن صراعاً قد حدث بين الأحزاب الكردستانية ذاتها بسبب هذا "النقل" للحقول كما أشرنا في مقالة سابقة حيث يسيطر الإتحاد الوطني الكردستاني على كركوك ولا يعجبه أن يتحول نفطها لحساب أربيل حيث الغلبة لمسعود البرزاني! ومن الواضح أن سياسية حكومة كردستان بقيادة البرزاني لا تحظى بالثقة حتى داخل كردستان، وأن هناك خشية أن يستفرد هؤلاء بالنفط، فكيف تطالب بغداد بالثقة بهم؟

كذلك فقد صار واضحاً من تصريحات هورامي عن دفعات المال المتفق عليها، أن بغداد قد اشترت بضعة مئات الآلاف من البراميل بمليار دولار "من اجل إشارة ثقة"!! حيث دفع المبلغ مقابل 30 يوماً من التصدير (إن لم يكن أقل)، وكنت قد حسبت في مقالة سابقة أنه سيكون على كردستان تسليم ذلك الكم من النفط لمدة سنتين وشهرين لكي تكون الصفقة عادلة، فتبين أنها لشهر واحد فقط، فاحسبوا أنتم مدى الظلم فيها!  

وهنا، وعلى ضوء هذه الفضيحة الجديدة، يجب أن نعود إلى المدافعين الكذابين عن الإتفاق وما حاولوا إيصاله لنا من صورة مزيفة، مثل الناطق الرسمي باسم المجلس الأعلى بليغ مثقال أبو كلل، الذي قال أن كردستان سوف لن تحصل من خلال الإتفاق على أكثر من 7 الى 10 % من الموازنة الاتحادية, وأن الخزينة الاتحادية ستحصل على الايرادات كاملةً نتيجة تصدير نفطه، وأن الإتفاق سينقذ العراق من " فرض سياسة الأمر الواقع, ويصبح نفط كركوك كردستانياً" وأن "هذا الاتفاق كسر تلك المعادلة واعاد الأمور الى نصابها الصحيح"! وليس هناك ما هو أبعد من "الصحيح" من كلام هذا الأفاق الناطق عن المجلس الأعلى.(2)

خطاب أربيل وخطاب بغداد - مقارنة

مثير للإهتمام ايضاً ويكشف لنا الكثير، ولما هو أبعد من النفط والإقتصاد، أن نقارن بين أربيل وبغداد في نوعية الخطاب ونوعية الكلمات المستعملة. أنظروا إلى عبارتي هورامي: "تصديرنا هو حقنا. إذا كان ذلك سبب للخلاف، فسوف يستمر الخلاف".. و.. "هذا هو خطنا الأحمر. لا تتوقعوا منا أن نفاوض عليه". السؤال هو:هل سمعتم يوماً من حكومة بغداد مثل هذا الكلام الحازم والحاسم والمحدد؟ هل سمعتموها تقول، حتى في أشد ايام عنادها "الشوفيني" أنها ستصر على رأيها حتى لو استمر الخلاف؟ هل تحدثت يوماً عن "خط أحمر" أو "ازرق"؟ أبداً! لماذا؟ لأنها تعلم، من أيام المالكي، وازداد الأمر عند العبادي، أنها مشروع استسلام وتراجع وأنها يجب أن تبقي خطوط التراجع مفتوحة فلا تضع لنفسها أية خطوط تتعهد بأنها لن تعود خلفها، فالتراجع ممكن ومفتوح للتنازل إلى أبعد "خطوط" عن حقوق العراقيين مادام ذلك يديم الحكم لرئيس الحكومة.. حكوماتنا المأبونة، هي ما يريده الأمريكان وذيولهم في كردستان، لأن مثل تلك الحكومة هي الضمان في استمرار الإبتزاز وتصاعده، وتدفق مال النهب وتزايده في كل أزمة.

دور وموقف الكتل السياسية والمنظمات في تفاقم المشكلة

ولا بد أن نشير إلى ظاهرة أخرى في الخطاب السياسي للكتل العراقية، لابد أنكم لاحظتموها، وهي: تكرار مواقف الجهات العراقية المختلفة من يسارها الشيوعي وتيارها المدني إلى يمينها في المجلس الإسلامي والصدريين إلى منظماتها الشعبية المختلفة.. ظاهرة غريبة هي أنها في بياناتها جميعاً كانت دائماً تطالب الحكومة بـ "حل مشاكلها مع كردستان" ، وفي أحسن الأحوال كانت البيانات تطلب من الطرفين "حل مشاكلهما"، ولم يطلب أي منها من كردستان أن "تحل مشاكلها مع الحكومة" (*).. و "حل مشاكلها" هي العبارة الملطفة للضغط الحقيقي الذي يوجه على بغداد فقط لـ "التنازل" عن موقفها والرضوخ لشروط أربيل دائماً. وحتى عندما يطالب الخطاب الطرفين بحل "مشاكلهما" فإن الضغط يبدو مسلطاً على الحكومة وحدها وتبدو كردستان منيعة تماماً من أي نوع من الضغط، وتتصرف على هذا الأساس. ولم تكن اي من هذه الكتل او الجهات تشرح سبب توجهها للضغط على بغداد ولا هي تبرهن أو تبين أنها قد درست موضوع الخلاف واستنتجت منه أن من يجب أن يتنازل هو الحكومة الإتحادية، وإنما تبدو وكأنها قد "ألهمت" موقفها من رب العالمين! وفي رأيي أن السبب في تجنب دراسة ذلك الخلاف ليس الكسل دائماً، بل لأن الدراسة قد تبين ضرورة دعوة الطرف "غير المناسب" (كردستان) للتنازل، وذلك كفر لا يرتكبه أحد في العراق! وهكذا أسهمت هذه الكتل والجهات في تثبيت الخطأ وتشجيع كردستان على زيادة ابتزازها للحكومة، والتي كانت في كل مرة تقدم التنازلات تلو التنازلات، عن حقوق الشعب العراقي طبعاً وليس من جيبها، والجميع يضغط من أجل المزيد والمزيد من التنازل حتى وصلنا هذه الحالة المزرية التي تتيح لهذه العصابة التي استلمت الحكم أخيراً أن تتنازل عن كل شيء وبهذه الصلافة دون أن تخشى ردة فعل تطيح بها وبمن جاء بها!

الدور الوسخ للإعلام العراقي

مثل كل مرة، يشعر العراقي اليوم بأنه ضائع تتوالى عليه الصفعات من حيث لا يدري، ويفاجأ كل مرة بأنه في كارثة تكاملت وهو في غفلة عنها حتى "وقع الفأس في الرأس" كما يقولون، وهاهو اليوم يمر بواحدة من أكبر تلك الكوارث. ويمكننا أن نفهم حدوث الكوارث لشعب وقع تحت رحمة دولة كارثية عظمى، تخضع بذاتها لدولة أشد منها كارثية، تعتبر كل عربي أو مسلم عدواً لها يجب القضاء عليه او استعباده. أما السبب في الضياع وعدم رؤية المصائب قادمة فهو أمر آخر، تتحمل الكتل أعلاه بمواقفها اللامبدئية الخاطئة جزءاً مهماً منه حين تشير إلى الجهة الخطأ وتطالبها بالتنازل، لكن المسؤول الأول عن الضياع هو: الإعلام المعادي داخل البلد! 

ولكي تعرفون أي اعداء ترك لنا الأمريكان على مقاود وسائل إعلامنا، وأية مهمة منحطة كلفوا بها ، تتمثل بتشويش رؤيتنا للحقائق، لاحظوا أولاً شحة التغطية الإعلامية  لخبر المؤتمر المذكور لهورامي، رغم أهميته المصيرية لفهم ما يجري في أكبر أزمة حالية في العراق. فمن ناحية أولى لم أجد سوى خبراً يتيماً عنه بعنوان " كردستان: لم نصل الى حل مع بغداد بشأن تصدير نفط الاقليم" (3). ومن ناحية أخرى لاحظوا كمية التحيز والتضليل التي يمارسها من كتب ذلك الخبر على المواطن العراقي. فقد نشر الخبر لا ليوضح شيئاً ينير الناس، بل لكي يخفي الحقائق الأكثر أهمية وقسوة. 

ويبدأ الخبر عملية تضليل المواطن إبتداءاً من عنوانه، فهو مراوغة لفظية كبيرة توجه القارئ في الإتجاه المعكوس بعيداً عن الحقيقة. فـ "هورامي" لم يقل في مؤتمره: "لم نصل إلى حل مع بغداد بشأن تصدير النفط" كما يقول العنوان، وإنما بالعكس قال أنه يفهم من الإتفاق ضمناً أن بغداد موافقة على تصدير كردستان للنفط خارج الكمية المطلوبة منها! ما قاله هورامي يفهم منه استسلام حكومة العبادي، وما يفهم من العنوان أن هناك من يقاوم هذا  الإستسلام في تلك الحكومة. وقال "هورامي" أن "تصديرنا هو حقنا. إذا كان ذلك سبب للخلاف، فسوف يستمر الخلاف"، وهذا التعبير المتحدي يختلف تماماً عن ما نقله الخبر!

 ويتجاوز الخبر الذي نسب إلى "وكالات"، عمداً الأجزاء المهمة من أحداث المؤتمر وتصريحاته أو يغير ترتيبها ويقتطع أجزاءها. فيورد مثلا أن هورامي قال "إن خط الأنابيب الكردي الذي ينقل الخام إلى تركيا قد يتمكن من نقل 800 ألف برميل يوميا في العام المقبل منها 550 ألفا تسوقها بغداد بموجب اتفاق توصلت إليه حكومة الإقليم مع بغداد في وقت سابق من ديسمبر كانون الأول"، دون أن يكمل الجزء الأهم والأخطر، وهو قول أشتي بأن - كل ما فوق هذه الكمية ستكون من حق كردستان للتصدير- ، كما نشره "تقرير النفط العراقي" أعلاه، وهو بالذات ما يهم المواطن العراقي معرفته! 

وقد وضعت الأقوال والتعليقات بشكل منتقى لكي يبدو موقف كردستان مقبولاً ويمثل دفاعاً طبيعياً عن النفس. فكتب من صاغ الخبر في ختامه يقول: “وكانت الحكومة العراقية قررت حرمان كردستان من مخصصاته في الميزانية ردا على قرار الإقليم تصدير النفط بشكل مستقل.” بينما الحقيقة هي أن ذلك “الحرمان” الذي حدث لبضعة أشهر من عام 2014 فقط، لم يكن بسبب التصدير بل بسبب رفض كردستان تقديم حصته من النفط إلى الميزانية وأن ذلك "الحرمان" كان ضمن قانون الميزانية الذي وقعت عليه كردستان نفسها! وعندما يترك هذا التوضيح ويراوغ، فان القارئ يحصل على صورة معكوسة عما يحدث.

فحسب هذا الإعلام "العراقي"، عندما تقطع كردستان النفط المتفق عليه فليس ذلك "حرمان" للميزانية، لكن حينما تنفذ بغداد قانون الميزانية بعد أكثر من سنة من مخالفته لصالح كردستان واستمرار دفع حصتها لها، فأن الإعلام "العراقي" يتذكر "الحرمان"، وقد سكت عنه تماماً وبشكل مخيف لأكثر من سنة كاملة، وقبلها سكت تماماً سنة اخرى (2012) حين لم يكن هناك نص قانوني بعقوبة على كردستان في حالة "حرمانها" الميزانية من النفط المتفق عليه. وطبعاً فأن كردستان لم تقدم جزء قليل من النفط المتفق عليه عام 2012 ولم تقدم برميلا واحداً طيلة عام 2013 وحتى إسقاط المالكي أواخر 2014 ، ولم تقل الصحافة المعادية لمصالح العراق كلمة واحدة عن كل تلك الجريمة الممتدة سنيناً ولم يعلم العراقي عنها أي شيء لأن الإعلام كله مملوك لأسياد لصوص كردستان، فكان يقوم بالتغطية ودفن تلك الحقائق، إسهاماً منه في تحطيم هذا البلد وبيعه! فليعلم العراقي إذن سبب ضياعه وعدم فهمه لما يجري في بلاده وأي نوع من الوحوش يقبعون في وسائل إعلامه ولأجل أي شيء يستلمون رواتبهم، وليعلم اي عدو هو من يقف وراءهم!

نبهنا إلى باقي النفط وحذرنا من تأثيره على العراق والآن حزب الدعوة

لقد نبهنا في مقالاتنا السابقة مثل مقالة "إقليم الله المختار"(4) إلى ما يجري وراء الكواليس وقلنا : "السؤال الكبير الذي يقض مضاجع العراقيين الآن هو: ماذا سيحدث للعراق إن تم تنفيذ ذلك الإتفاق؟ فالدستور لا يذكر الإقاليم إلا وذكر معها عبارة "...والمحافظات التي لا تنتظم في أقاليم" أي أن من حق كل المحافظات أن تفعل ما يتاح لكردستان أن تفعله. ولا أتصور أن هناك محافظة يرضى فيها الناس أن يعتبروا أنفسهم في منزلة بشرية أدنى من الكرد. وهناك في كل محافظة واوية تنتظر اللحظة المناسبة لإعلان الإقليم تهيئة للإنفصال وبدعم علني من كردستان ذاتها، فماذا سيفعل رئيس وزراء العراق عندما تطالب بقية المحافظات بمعاملة بالمثل؟ وطبعاً من الواضح أن البصرة مستعدة أن تعطي الحكومة وبدون مقابل، ليس فقط 150 الف برميل بل مليون برميل، مقابل أن  أن يسمحوا لها أن تصدر بقية نفطها بنفسها وتأخذ فلوسه كما تفعل كردستان! وعندها تكون نهاية العراق!

وبالفعل فإننا نرى العلامات تتوالى على مسيرة تفتيت العراق بتسارع كبير بعد سيطرة العبادي على السلطة، ولم يعد المشبوهان أثيل النجيفي و محمد الطائي وعملاء أميركا من السنة في الأنبار وحدهم يقودون مشاريع الأقاليم والإنفصال، حيث اجتمع مؤخراً حزب الدعوة، وأعلن القيادي علي العلاق “قرار قيادة الحزب بضرورة اعداد دراسة مستفيضة وفق رؤية استراتيجية لمستقبل العراق السياسي ومصالحه العليا لتشكيل اقليما واحدا لمحافظات وسط وجنوب العراق” (5) وهو تطور خطير لصالح قوى تقسيم العراق التي تقودها كردستان وشلة من العملاء من الساسة السنة، بتنظيم وإشراف أمريكي إسرائيلي بلا شك. 

ها قد كشفت الأكاذيب التي تم التستر عليها وادعاء الحرص على مصلحة العراق وثروة العراق وحق العراق في التصدير، وفضحت "الكلاوات" التي بقيت تصر على ان ما تم الإتفاق عليه ليس سوى البداية وأنه ليس سوى "خطوة في الإتجاه الصحيح" بينما كان واضحاً وصار صريحاً أنه مؤامرة في الإتجاه المرعب للإبتزاز المستمر والمتزايد في التعامل بين حكومة بغداد وكردستان، وصولاً إلى إثارة بقية المحافظات ودفع مؤامرة تفتيت العراق إلى الأمام. لذلك فإن من يقف مع هذا الإتفاق يقف بالضرورة مع تمزيق العراق، ومن يقف ضده، فقد اخذ على عاتقه الدفاع عن وجود هذا البلد أمام ضباع مصممة على نهشه.

(*) عدا استثناء واحد حسب علمي لهذه القاعدة حيث طالبت كتلة التغير الكردستانية، حكومة كردستان بحل مشاكلها مع بغداد، وكانت كتلة التغيير في صراع مع حكومة كردستان، لكن "التغيير" لا تذهب إلى حد الإعتراف بابتزاز كردستان لبغداد

(1) Hawrami draws ‘red line’ for Baghdad oil talks

http://www.iraqoilreport.com/news/hawrami-draws-red-line-baghdad-oil-talks-13794/

(2) ملفات من الهاتف المحمول - بليغ مثقال أبو كلل

https://www.facebook.com/baleeghabogelel/photos/a.233740700149612.1073741829.230222927168056/297859473737734/

(3) كردستان: لم نصل الى حل مع بغداد بشأن تصدير نفط الاقليم

http://www.nasiriyah.org/ara/post/55393

(4) صائب خليل - إقليم الله المختار

http://saieb.blogspot.nl/2014/11/blog-post_21.html

(5) حزب الدعوة الاسلامية بصدد تبني مشروع اقليم الوسط والجنوب 

http://www.qanon302.net/news/2014/12/19/40328

روابط أخرى

اتفاقية النفط مع كردستان لا تجد غير الكذب مدافعاَ

http://saieb.blogspot.nl/2014/11/blog-post_89.html

بدر: الاتفاق النفطي الأخير بمثابة تسليم كركوك لكردستان

http://www.iraqicp.com/index.php/sections/news/22105-2014-11-24-09-07-36 

بالفيديو .. اشتباكات بين العرب والاكراد في جامعة كركوك .‎ - YouTube

https://www.youtube.com/watch?v=OoIug1sVnA4&feature=youtu.be

20 كانون الأول 2014 

Opinions