Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

واقع الأقليات الدينيـة والقوميـــة في أقليم كردســتان

مقدمة
أقليم كردستان اليوم جزء حيوي من الوطن العراقي ، ويتميز بخصائص طبيعية وجغرافية يغلب عليها التضاريس الجبلية وهي جزء من من القوس الجبلي المتكون من جبلي طوروس وزاكروس ، ان هذه الطبيعة الجبلية سوف تلعب دوراً سياسياً مؤثراً في خريطة العراق السياسية والأقتصادية والديمغرافية ، فهذه الطبيعة كانت سخية بنسيمها العليل وجمالها الخلاب وخصوبة اراضيها وكثرة انهارها وجداولها ووفرة ينابيعها وغاباتها الطبيعية ، وكانت فوق ذلك ملاذاً آمناً لابنائها ولمن يلجأ اليها من ابناء العراق ، فكانت حصناً منيعاً عاصياً على الأعداء لاجتيازه أيام المظالم والمحن .
الثورة الكردية
الحقيقة التي ينبغي ان نذكرها هي : ان تاريخ الشعب الكردي حافل بالثورات ، ولكننا في هذا المقال نشير الى الثورة الكردية التي قادها المرحوم الملا مصطفى البرزاني في 11 ايلول 1961 حيث كانت بداياتها متواضعة وكانت بحوالي 5000 متطوع مسلحين بالبنادق البسيطة . في الوقت الذي كان الجيش العراقي مجهز بأسلحة ثقيلة وطيران عسكري وصواريخ ودبابات .
ومن باب ، ان المحن تشحذ الهمم ، فإن الأنتصارات العسكرية للقوات الحكومية في وقتها ، قد حفزت الهمم ومهدت السبيل لانخراط اعدادة كبيرة من المسلحين الأكراد في صفوف الثورة ، فبعد فترة قصيرة بلغ عدد المقاتلين في صفوف الثورة الكردية حوالي 30000 مقاتل .
استمر البعث الذي استلم السلطة في 8 شباط 1963 في نفس النهج ، حيث استأنف القتال مع الأكراد في 10 حزيران عام 1963 ، وواصل الأستمرار في المنهج نفسه حكومة عبد السلام عارف بعد ان اطاحت حكومة البعث . وأخيراً في سنة 1968 حينما تسنم البعث ثانية مقاليد الحكم ، تصرف بأسلوب آخر حول القضية الكردية ، فأصدر بيان 11 آذار ، لكن منهج القضاء على الثورة الكردية بقي قائماً ، ولعل محاولة اغتيال الملا مصطفى البرازاني في حاج عمران ، كان استمرار على منهجية القضاء على الثورة الكردية بأي ثمن .
من ناحيتنا نحن المسيحيين من كلدان وسريان وآشور ، قدمنا تعضيداً مادياً ومعنوياً للثورة ، لقد قدمنا الرجال ليقاتلوا في صفوف الثورة الكردية ، وسقط منهم كوكبة من الشهداء في المعارك ، وقدمنا المواد الغذائية والأدوية وأطبائنا ضمدوا جروح المقاتلين الأكراد ، وبسبب انخراطنا في صفوف الثورة الكردية كان نصيب عوائلنا الأضطهاد والقمع والأهانة والتشريد ، إذ ان هذه العوائل كانت تحت سيطرة السلطات الحكومية ، بعكس عوائل المقاتلين الأكراد والتي كانت محصنة في المناطق المحررة من كردستان .
وفي هذا الصدد استطيع ان اضيف نقطة مهمة وهي ان مدننا وقرانا الكلدانية في سهل نينوى وفي مقدمتها القوش ، بقينا الى جانب الثورة ، ولم نلجأ يوماً الى تجنيد شبابنا في صفوف الفرسان ( الجتا ) ، في الوقت الذي كانت قطاعات كبيرة من الأكراد قد انخرطت في صفوف هذه التنظيمات . من هنا فإن : حقل الواجبات الذي كان علينا قد اديناه برجولة وشرف ، والتاريخ يشهد على ذلك .
الأقليات الدينية والعرقية في اقليم كردستان
خلال القرنين المنصرمين تشكلت ملامح وأفكار وحركات هوياتية وأفرزت طموحات في الأستقلال وتحقيق الذات القومية .
ومسألة الأقليات في كردستان باعتقادي المتواضع ان حكومة اقليم كردستان لا يوجد ما تخشاه في تعاملها الأنساني مع هذه الأقليات .
هناك من يعطي نسبة 8,6% عدد نفوس الأقليات القومية في كردستان ، ومن الأقليات الدينية والقومية المعروفة في المنطقة : العرب والتركمان ومن المسيحيين بينهم الآشوريين والسريان والأرمن والكلــدان . ونلاحظ ان الدين الأسلامي يجمع بين الأكراد والعرب والتركمان ، وهنالك الأقلية اليزيدية المنتشرون في قضار الشيخان وناحية القوش وسنجار . ويغلب تواجد الأقلية العربية في المدن الرئيسية ويندر استيطانهم في القرى الكردية البعيدة ، بينما تتمركز الأقلية التركمانية في المنطقة الممتدة من كفري الى اربيل والموصل مروراً بكركوك ، اما الكلـدان والآشوريون والسريان ، وهم من السكان الأصليين في المنطقة ، وينتشرون في القرى والأرياف شرقي دجلة وفي المناطق الكردية المعروفة بمنطقة بهدينان . لقد كان هناك اقلية يهودية تستوطن القرى المنتشرة بين مدن كركوك واربيل وزاخوا ، ولكن هذه الأقلية اندثرت بعد تأسيس الدولة العبرية ، لقد هاجروا او هجّروا بعد ان كان العراق وطنهم لعشرات القرون من السنين .
اقليم كردستان والمجتمع الدولي
اقليم كرستان العراق .. نستطيع ان نقول ان له كيان اقرب ما يكون الى دولة مستقلة . في الوضع الراهن يتميز أقليم كردستان بأنه منطقة مستقرة آمنة خلاف المناطق العراقية المضطربة ، ويسود الأقليم منطق تطبيق النظام والقانون على الجميع ، وتزدهر التجارة الحرة ، وتقطع خطوات مهمة في مجال الخدمات المدنية والعمران والتنمية ، بعد ان كان التسلط والأهمال والحروب رابضة في كل قرية ومدينة كردية .
اليوم يتخبط المشهد العراقي في منزلقات وتحشدات طائفية ودينية ويغرق في برك من الدماء الثأرية ، وتتجه الأنظار نحو كردستان ، ونلاحظ التفاني والأخلاص للعراق من قبل رئيس الجمهورية العراقية الكردي جلال الطالباني ، ورئيس اقليم كردستان الأستاذ مسعود البرزاني ، وغيرهم من الشخصيات الكردية العاملة في الساحة السياسية العراقية ، حيث يعمل هؤلاء جميعاً من اجل وقف نزيف الدم في الوطن العراقي .
من جهة اخرى نقول بصراحة ان اقليم كردستان بات ملاذاً آمناً للأقليات التي تتعرض للأنتقام والتصفية لاسيما العوائل المسيحية التي ليس لها عمق عشائري كالذي تملكه العوائل العربية ، فتضطر هذه العوائل الى الهجرة .
في هذا الباب نقول بثقة ان موقف الأكراد مشهود له وأنساني ولا مجال لنكرانه وفاقد البصر والبصيرة فقط يتنكر لهذا الموقف المشرف .
المواقف الرسمية من الأقليات
تحاول تركيا جاهدة الأنخراط في الأتحاد الأوروبي ، ويبقى العائق الرئيسي في وجه تركيا هو موقفها السابق من الأقليات الدينية والعرقية وفي مقدمتها ما تعرض له الأرمن والسريان والأقليات الأخرى من التنكيل والأبادة . كما ان اشكالية تعامل الدولة التركية مع القضية الكردية حالياً تبقى حجر عثرة دائمة امام انضمام تركيا الى الأتحاد الأوروبي ، وعليها معالجتها بمنطق حقوق الأنسان والتعامل الأنساني مع الأقليات قبل السماح لتركيا الولوج في هذا المحفل الدولي الذي يحترم من جانبه حقوق الأنسان ومنها حقوق الأقليات ، سواء كانت هذه الأقليات دينية او اثنية او لغوية او مذهبية ...
تتملكني قناعة مفادها ان حكومة اقليم كردستان حكومة ديمقراطية ليبرالية علمانية ، ويتمتع اهل الأقليم بالحريات السياسية والدينية والفكرية ، ومن هذا المنطلق لا يوجد أمر تخشاه حكومة كردستان للأعتراف الصريح بالأقليات العراقية في هذا الأقليم من العرب والكلدان والآشوريين والتركمان والسريان والأرمن ، ومن الناحية الدينية فثمة المسيحيون واليزيدية .
إن اعتراف اقليم كردستان بهذا التنوع الجميل ، يضفي على هذا الأقليم معاني انسانية ، وتجعل منه كيان ديمقراطي يحترم التنوع الأثني والديني واللغوي والمذهبي ، وهذا ما يعزز اسم ومكانة كردستان واسم الشعب الكردي في المحافل الدولية والأقليمية .
ان أقليم كردستان يزرع الأمل والطمأنينة في نفوس الأقليات التي تطمح الى العيش بأمان واستقرار ومحبة مع التنوع الجميل في وطننا العراقي .
حبيب تومي / اوســلو Opinions