" ورحَلَتْ شميران "
كلمة تأبينية لوفاة السيدة شميران شاهين حزيران ( أم فرات )الأخ صباح بچوري المحترم
الأعزّاء فرقد ، فرح ، وفوز حفظكم الله
الحضور الكرام المحترمون
نلتقي اليوم في تأبين عزيزة غالية علينا جميعاً ، إنها أم فرات ، تلك الإنسانة التي أمْضَتْ عمرها في غرس زهور المحبة أينما ذهبت ، وديعةٌ كفراشات الحدائق ، دؤوبةٌ دائمة الحركة كعاملات النحل ، تَنتج العسل في حَلّها وترحالها .
أم فرات لؤلؤءةٌ قذفها المد إلى الشاطئ وبعد رحلة سنين طويلة جرفها الجزر معه إلى الأعماق ، وهذا هو حال الدر والياقوت .
زنبقةٌ أنبثقت من حديقة هذه الحياة .
لقد تفاجأنا جميعاً برحيلها المُبَكِّر ، وكأني بها قد أرجأت سفرها لحين وصول العزيز فوز حاملاً صورة العذراء مريم ، تلك الصورة التي كانت تعتزُّ بها كثيراً ، ظناً منه أن تطيل في حياتها على هذه الأرض ، ولم يكن يدري بأن والدته قد أخرّت رحيلها لحين وصول الصورة ، لقد كان لأم فرات إيماناً عميقاً بمريم العذراء ، وما أن وصلت الصورة إليها وضمّتها بين ذراعيها حتى أمسكت بها مريم العذراء وتلقفتها وطارت بها إلى السماء ، وكأني بمريم العذراء كانت منتظرة ردة فعل أم فرات ليسافرا معاً إلى رحلة اللاعودة .
المسافر يحزم أمتعته ويُجهِّز لوازم السفر ، أما الصدّيقون والأبرار فيكون سفرهم غامضاً ورحيلهم مفاجئاً ، لم تحزم أم فرات حقيبةً ولا عدة ، فقد كانت كل لوازمها صورة مريم العذراء ، وما أن أصبحت بين يديها حتى سافرت فوراً دون أنتظار توديع أحد ، لأن التي كانت تنتظرها أسمى وأعلى من البشر ،
صورة مريم العذراء هذا ما أخذته معها في رحلتها الأخيرة ، فنِعْمَ المسافر ونِعْمَ المنتظر ،
لقد كانت على موعد مع مريم العذراء ، ولبَّت الدعوة بهدوء .
لقد آلَمَتْنا شميران برحيلها ، رحل ذلك الوجه البشوش ، رحلت شميران بكل هدوء ، كما هي عادتها أن تجلس بهدوء ، وتتكلم بهدوء ، وتناقش بهدوء ، وتتألم بهدوء ، هذا هو دَيدَنُها ، وهذه هي طبيعتها ، الهدوء مخيّم على حياتها وفي مماتها .
هكذا كانت ، وهكذا هي في نعيم وسعادة وهدوء مع مريم العذراء ، فقد أختارت الواحدة الأخرى ، فكان أن أم فرات أختارت مريم العذراء شفيعةً لها ، فكان أن مريم العذراء أختارت أم فرات رفيقة لها ، فَنِعْمَ المختار وأحسن الأختيار .
إخوتي الأحبة
لا نستطيع بهذه الكلمات القليلة أن نفي أم فرات حقّها .
وهل يمكن أن نحصر تلك الإنسانة الرائعة بعدة أسطر تأبينية ؟؟؟ ولكن الكلام يجب أن يُكْتَب والكلمة يجب أن تُقرأ .
عُذراً عن الإطالة فلستُ أنا المتكلم ، ولكن هي الشاعر تُجبر الفم على أن ينطق .
عزيزي أبا فرات : حقاً كانت إنسانة رائعة، رائعة بأخلاقها ، رائعةٌ بتنشئتها هذا الجيل فرات ، فرح ، فرقد ، وفوز الذي يُعَدُّ مفخرة لكم ولنا ، رائعة في سلوكها ، في تصرفاتها ، في عِلْمها وثقافتها ، في حُسْنِ إدارتها لبيتها ، حقاً إنها أكثر من رائعة .
لقد عَصَفَتْ بك هَوَجُ الرياح ,,,,,,,,,, وأصْبَحْتَ نِسراً مكسورَ الجناح
وقد صارَ لمأساتك كلُ صديقٍ ,,,,,,,, كسير القلب مُدمى الجِراح
عزيزي أبا فرات : أنا أُقدِّرُ موقفكم عالياً وحزنكم الشديد على فراق شريكة العمر ، ويتساءلون :::
لِمَ بَكَتْ عَيناكَ ، قُلْتَ لَهُ ,,,,, الحُرُّ يبكي إذا ما غالَهُ القَدَرُ
يبكي ليُطفئ ما في القلبِ من حَرَقٍ ,,,,, واللهُ يعلمُ كيف النار تستعِرُ
أما أنا فأقول لك : تَعَزَّ يا صاحب القلب الكئيبِ وكفِ عن البُكا ، فوراء الغيوم ما تزال شمسٌ مشرقه .
نعم يا أبا فرات ، لقد قُلْتَها " إلى اللقاء " كئيبةٌ حزينه ، وأنت تدري أنه بعد اليوم لا لقاء ، وقبل يومين ,,,,, كان وجْهُ شميران أمام عينيك ،،،، لوحة حبيبه ,,,, حَدَّقْتَ في روائها ,,,, وذُبْتَ في صفائها ,,,, ولكن خيَّم الصَّمْتُ فجأةً ,,,, لا ضوء لا ندى ,,, لا شئ غير الحزن يُغَلِّفُ المكان ، ولسان حالِكَ يقول : ــ
هدأ الليلُ فهدأت أضْلُعي ,,,,,, وتَذَكَّرْتُها فسالت لذكراها أدمعي
إخوتي الأعزاء
يقول الكاتب جبران خليل جبران " إن لفظة الأم تختبئ في قلوبنا مثلما تختبئ النواة في قلب الأرض ، وتنبثق من بين شفاهنا في ساعات الحزن والفرح ، كما يتصاعد العطر من قلب الوردة في الفضاء الصافي الممطر "
أعزائي فرح وفرقد وفوز
" إخوتي الأعزاء : لا تعاتبوني إذا ما أنطلقت من عيني دمعة حيرى ، فقد فقدتُ أمي ولم أتمكن من تأبينها واليوم أنطلقت قريحتي فتحملوني ، وتحملوا ما يجيش بصدري تجاه كل أم ، أطال الله بعمر الأمهات "
نعم ، مَنْ يفقد أمَّه، فإنه يفقد صدراً يسند إليه رأسه ، ويفقد يداً تباركه وعيناً تحرسه وترعاه ، ولكن ليكن إيمانكم بالله أقوى فوالدتكم لم تمت بل أنتقلت من هذه الحياة الفانية إلى الحياة الخالدة .
أحبتي لا أدري ماذا أقول وكيف أصف مشاعركم ، وكأني بلسان حال كل واحد منكم يقول : ــ
عندما أنطرحُ على فراشي ، أذكرُ يا أُمي يديك اللطيفتين الناعمتين ، وفي الليل أشعر بقدميك تنقران الأرض حول سريري ، وفي الصباح أفتح عيني لأراكِ ، فلا أرى غير جدران غرفتي ، وفي النهار أمشي متلفتاً بين النساء مفتشاً وسائلاً أيتها النساء هل رأيتُنَّ أمي ؟؟؟
يا أُمي شوقي إلى رؤياكِ عظيمُ ,,,,,,,,, وجسمي من ألم الفراق سقيمُ .
مِنْ فَمُكِ يا أمي سمعتُ أحلى الأغاني ، ومن قلبك الرحوم يا أمي عرفتُ طعم الحنانِ .
أما أ،ت أيها الغالي فرات ، فكأني بك ولسان حالك يقول : ــ
أُمي هل فارَقَتْ عيناكِ شاباً ,,,,,,,,, تَحنُّ لقربهِ بعد الغيابِ
أُمي هل كُنتِ تعلمين بالخوالي ,,,,,,, من الأيام قبل الذهابِ
أمي هل تحلمين بي ومشتاقةٌ .,,,,,,, إلى رؤيايَ من تحت الترابِ
أُمي إني أراكِ على سريري ,,,,,,,,, وفي منامي تناغينني من بين السرابِ
أمي إني أحنُّ إليكِ حتى ,,,,,,,,,,, ليطرق صوتكِ الغالي لبابي
وفي الختام أقول :
نخاف عليها من التراب اللي غطاّها
وخوفنا عليها من الصخر لا يكون قد آذاها
يا حسرتي وياندمي في البيت باقي فراشها وغطاها
هذي شميران رْحْلَتْ وهذي السما ونجومها تنعاها
هذي الأنسانه المَلاك جلَّ من سوّاها
تعازينا القلبية الحارة للأخ أبو فرات وللأعزاء فرات وفرح وفرقد وفوز ،
الرحمة للفقيدة الغالية شميران ، اسكنها الله فسيح جناته مع الملائكة والصدّيقين والأبرار ، وألهمكم جميعا الصبر والسلوان
صلوا لأجلها .
نزار ملاخا