ولاية الفقيه إلى أين ؟
لمقال المهم الذي كتبه الأخ الدكتور عبد الخالق حسين تحت عنوان "هل هي بداية لحكم ولاية الفقيه في العراق؟" ونشره على الموقع الإلكتروني إيلاف بتاريخ 3/10/2006, كما نشر في مواقع أخرى عديدة, تضمن ثلاث أفكار جوهرية, يفترض في الكتاب والصحفيين أو الإعلاميين الديمقراطيين عموماً أن يتناولوها بالمتابعة والبحث لعلاقتها الوثيقة بما يحصل حالياً في العراق وباتجاهات التطور المحتملة لهذا العراق وشعبه, وأعني بها:1. هل تقدم المؤسسة الدستورية الرئيسية في العراق نموذجاً يحتذى به للممارسة الديمقراطية, أم أنها تقدم نموذجا حياً لأسلوب مصادرة الحريات الديمقراطية؟
2. وهل القوى الديمقراطية العراقية من مختلف مكونات الشعب العراقي القومية تدرك الوجهة الشمولية التي يراد دفع العراق إليها من قبل قوى سياسية داخلية وخارجية كثيرة؟
3. وماذا سيحصل لهذا العراق الذي نريده جديداً وديمقراطياً في حالة اعتماد صيغة ولاية الفقيه في العراق؟
إنها, وكما ترون, أسئلة مهمة تؤشر الإشكاليات التي يواجهها العراق حالياً وتتسبب في موت الكثير من البشر يومياً وترمل الكثير من النسوة العراقيات وتيتم الكثير من أطفال العراق. سأحاول تناول هذه المسائل باختصار شديد.
1. وضع الدكتور عبد الخالق حسين إصبعه على الجرح النازف في العراق, على مرض الطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية التي جاءت برجل أمي غير متحضر إلى منصب رئيس المجلس, وكأن أهل السنة في العراق لا يملكون شخصاً متحضراً أكثر من هذا الرجل, أو أنهم, وكأنهم يريدون إهانة جميع أعضاء المجلس والمجتمع العراقي, بمن فيهم أهل السنة, بوضع رجل مثله في هذا الموقع الذي يفترض أن تحتله واحدة أو يحتله واحداً من خيرة نساء ورجال العراق من الذين يدركون العمق الحضاري للعراق والبعد الإنساني والسياسي لموقع رئيس مجلس نيابي. ولهذا فلا شك في أن إهانة أي عضو من أعضاء المجلس هي إهانة لجميع أعضاء المجلس, ولا بد أن يطالب أعضاء المجلس رئيس المجلس, المنصَّب بالمحاصصة, أن يعتذر للنائبين السيدين الدكتور فؤاد معصوم والأستاذ حميد مجيد موسى وللسيدتين النائبتين المهندسة ميسون الدملوجي وصفية السهيل, أو أن يرحل عن رئاسة المجلس, إذ ليس هذا الموقع لرجل بائس فكرياً وحضارياً ويستخدم كلمات سوقية في مواجهة زملاء له في المجلس وينسى دوره الحيادي كرئيس للمجلس. ولكن علينا أن نتذكر, ونحن نبحث في مسألة حضارية وخلقية متداخلة, الحكمة العراقية القديمة والقائلة "وكل إناء بالذي فيه ينضح".
لقد تحول المجلس النيابي منذ الأيام الأولى لتشكيلة إلى حسينية ومسجد في آن. فكل خطاب كان يلقيه السيد عبد العزيز الحكيم, كان يقابل بالصلاة على النبي وينتهى بمثلها وكأننا في جامع أو حسينية كربلائية وليس في مجلس نيابي مدني ديمقراطي يلتقي فيه النواب المسلمون وغير المسلمين. ولا شك في أن البعض كان وما يزال يريد تحويله إلى منبر آخر من منابر لولاية الفقه.
إن مجلس النواب العراقي لم يقدم حتى الآن الحد الأدنى مما هو مطلوب من مؤسسة تشريعية ديمقراطية لها دستور ديمقراطي وتستند إلى مجتمع يتمتع بالحرية والديمقراطية, ولا يساهم مثل هذا المجلس في تعليم وتثقيف المجتمع بمبادئ الديمقراطية. وهذا لا يعني خلو المجلس من عناصر ديمقراطية أو قوى ديمقراطية محترمة, بل أن تصرف رئيس والبعض الكثير من أعضاء المجلس لا يليق بمجلس نيابي, وهي الإشكالية, وهي التي يفترض تغييرها.
2. إن المشكلة التي يواجهها المجتمع العراقي في المرحلة الراهنة هي الارتداد الاجتماعي والسقوط في هوة الغيبيات وهيمنة المؤسسة الدينية وأحزابها السياسية اليمينية والطائفية السياسية على مواقع السلطة السياسية والتشريعية وعلى الشارع العراقي وعلى السلاح الذي تمارسه عبر ميليشياتها لإسكات أي صوت شريف, وهي تساهم بذلك باستكمال ما تمارسه القوى الإرهابية من أتباع القاعدة أو النظام الصدامي أو قوى الجريمة المنظمة. هذا هو الوجه الأول للمشكلة. أما الوجه الثاني لها فهو ضعف القوى الديمقراطية العراقية وضعف التعاون في ما بين فصائلها الصغيرة والكبيرة وتعثر وصول القوى الديمقراطية من مختلف مكونات الشعب العراقي القومية, وخاصة العربية والكردية, إلى برنامج مشترك ومواقف مشتركة وعمل مشترك خلال الفترة المنصرمة, وربما ستبقى هذه الحالة خلال الفترة القادمة أيضاً, وستكون لكل ذلك عواقب وخيمة على العراق كله وليس على إقليم دون آخر.
إن الضعف والتباعد وعدم التفاهم بين فصائل الحركة الديمقراطية والعلمانية واللبرالية العراقية من مختلف مكونات العراق القومية, هي التي ستسمح بتصاعد أصوات القوى الطائفية السياسية, حيث تمارس القتل والتدمير في العراق يومياً ودون أدنى رحمة بالضحايا البريئة من الناس العراقيين. ومن هنا تنشأ الصرخة التي تنطلق من مقال الدكتور عبد الخالق حسين والتي تقول: لم يكن في مقدور هذه القوى الإسلامية السياسية الطائفية, التي تريد فرض الشريعة الإسلامية على العراق رغم التباين في شرائعها المذهبية, لولا ضعف وتمزق وعدم تعاون القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية العربية والكردية والتركمانية والكلدانية الآشورية. إنها المحنة التي سيتحمل الشعب الكثير من الويلات بسببها.
3. من الناحية التاريخية نعرف أن مسؤول حزب الدعوة في العام 1970 تبنى قاعدة ولاية الفقيه. ثم تم تبنيها من جانب حزب الدعوة, رغم وجود اختلاف في صفوفه إزاء الموقف من موضوع ولاية الفقيه. وفي العام 1984 أقر حزب الدعوة وتبنى موضوعة ولاية الفقيه وشكل أول مجلس فقهي له تكون في حينها من ثلاث شخصيات دينية هم: السيد كاظم الحائري (فقيه المجلس) وعضوية الشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري.
وحزب الدعوة بكل تفرعاته الراهنة (حزب الدعوة, المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, وتيار مقتدى الصدر ...الخ) تأخذ بقاعدة "ولاية الفقيه, رغم وجود اختلافات جزئية في الموقف من القضايا التي يُعتمد فيها شرعاً على ولاية الفقيه. وهذه القضية مرتبطة بقوى الإسلام السياسي الشيعية, ولا دخل لأهل السنة أو الأحزاب الإسلامية السياسية السنية بمثل هذه المرجعية, إذ أن لها مرجعيتها التي تختلف في كيفية ممارسة الشريعة, كما في حالة الأخوان المسلمين أو في حالة حزب التحرير الإسلامي أو في حالة أتباع المذهب الوهابي المعتدل أو المتطرف ....الخ.
وطرح موضوع ولاية الفقيه في المجلس النيابي العراقي لإصدار تشريع يقضي بتشكيل مجلس فقهاء, يعني عرض وإخضاع كافة قرارات المجلس النيابي كمشروعات على مجلس الفقهاء لمنحها الصيغة النهائية كقرارات, وإلا ستعاد إلى المجلس النيابي لتغييرها وفق ما يراه مجلس الفقهاء. وهذه الوجهة لا تعني سوى دق آخر إسفين في نعش الديمقراطية والحرية الفردية والمحكمة الدستورية في العراق, ومن التحول إلى نظام "إسلامي سياسي شمولي مستبد" لا يعترف بالآخر والرأي الآخر ويسعى إلى الخلاص منه وإقصائه بأي ثمن. إنه الطوفان! وهو تعطيل للعقل العراقي وربطه بمجلس فقهاء لا يختلف كثيراً عن ولاية الفقيه الفردية, إذ أن مجلس الفقهاء سيخضع لولاية فقيه واحد يعود له أمر اتخاذ القرار النهائي لا غير في ما عرض على مجلس الفقهاء.
إن على الشعب العراقي بمكوناته المختلفة أن يقاوم هذا الاتجاه ويناضل بإصرار ضد فرضه على العراق, إذ أنه يستبدل الهيمنة الصدامية البعثية المدمرة بهيمنة استبدادية أصولية سلفية أكثر تدميراً وأكثر تحطيماً للشخصية العراقية وللوحدة الوطنية العراقية.
وأتمنى على المثقفات والمثقفين في العراق وفي الخارج أن يلعبوا دورهم في تعرية هذه الوجهة الجديدة التي تدعو لها وتسير خلفها بعض قوى الإسلام السياسي الأكثر يمينية وتخلفاً والأكثر إصراراً على دفع العراق إلى ظلمات مماثلة لظلمات القرون الوسطى الأوروبية حين كانت تحت رحمة الكنيسة الكاثوليكية المتخلفة والمتطرفة حينذاك.
أتمنى على القوى الديمقراطية العراقية, سواء العربية أم الكردية أم غيرهما, من العمل من أجل مواجهة هذا الخطر الداهم الذي سيدفع بالعراق إلى أتون حرب مدمرة, لأن العراق سيتحول إلى ساحة حرب طائفية سياسية عربية وإقليمية ودولية.
وأتمنى على المسلمات المتفتحات والمسلمين المتفتحين من أي مذهب كان أن ينهضوا ويساهموا بأعباء عملية التنوير ا لاجتماعي الديني, وعملية فضح الخلفية الفكرية الرجعية التي يستند إليها مبدأ ولاية الفقيه وعواقبه الوخيمة على المجتمع والحياة الديمقراطية في العراق وعلى وحدة العراق.
5/10/2006 كاظم حبيب
المقال المهم الذي كتبه الأخ الدكتور عبد الخالق حسين تحت عنوان "هل هي بداية لحكم ولاية الفقيه في العراق؟" ونشره على الموقع الإلكتروني إيلاف بتاريخ 3/10/2006, كما نشر في مواقع أخرى عديدة, تضمن ثلاث أفكار جوهرية, يفترض في الكتاب والصحفيين أو الإعلاميين الديمقراطيين عموماً أن يتناولوها بالمتابعة والبحث لعلاقتها الوثيقة بما يحصل حالياً في العراق وباتجاهات التطور المحتملة لهذا العراق وشعبه, وأعني بها:
1. هل تقدم المؤسسة الدستورية الرئيسية في العراق نموذجاً يحتذى به للممارسة الديمقراطية, أم أنها تقدم نموذجا حياً لأسلوب مصادرة الحريات الديمقراطية؟
2. وهل القوى الديمقراطية العراقية من مختلف مكونات الشعب العراقي القومية تدرك الوجهة الشمولية التي يراد دفع العراق إليها من قبل قوى سياسية داخلية وخارجية كثيرة؟
3. وماذا سيحصل لهذا العراق الذي نريده جديداً وديمقراطياً في حالة اعتماد صيغة ولاية الفقيه في العراق؟
إنها, وكما ترون, أسئلة مهمة تؤشر الإشكاليات التي يواجهها العراق حالياً وتتسبب في موت الكثير من البشر يومياً وترمل الكثير من النسوة العراقيات وتيتم الكثير من أطفال العراق. سأحاول تناول هذه المسائل باختصار شديد.
1. وضع الدكتور عبد الخالق حسين إصبعه على الجرح النازف في العراق, على مرض الطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية التي جاءت برجل أمي غير متحضر إلى منصب رئيس المجلس, وكأن أهل السنة في العراق لا يملكون شخصاً متحضراً أكثر من هذا الرجل, أو أنهم, وكأنهم يريدون إهانة جميع أعضاء المجلس والمجتمع العراقي, بمن فيهم أهل السنة, بوضع رجل مثله في هذا الموقع الذي يفترض أن تحتله واحدة أو يحتله واحداً من خيرة نساء ورجال العراق من الذين يدركون العمق الحضاري للعراق والبعد الإنساني والسياسي لموقع رئيس مجلس نيابي. ولهذا فلا شك في أن إهانة أي عضو من أعضاء المجلس هي إهانة لجميع أعضاء المجلس, ولا بد أن يطالب أعضاء المجلس رئيس المجلس, المنصَّب بالمحاصصة, أن يعتذر للنائبين السيدين الدكتور فؤاد معصوم والأستاذ حميد مجيد موسى وللسيدتين النائبتين المهندسة ميسون الدملوجي وصفية السهيل, أو أن يرحل عن رئاسة المجلس, إذ ليس هذا الموقع لرجل بائس فكرياً وحضارياً ويستخدم كلمات سوقية في مواجهة زملاء له في المجلس وينسى دوره الحيادي كرئيس للمجلس. ولكن علينا أن نتذكر, ونحن نبحث في مسألة حضارية وخلقية متداخلة, الحكمة العراقية القديمة والقائلة "وكل إناء بالذي فيه ينضح".
لقد تحول المجلس النيابي منذ الأيام الأولى لتشكيلة إلى حسينية ومسجد في آن. فكل خطاب كان يلقيه السيد عبد العزيز الحكيم, كان يقابل بالصلاة على النبي وينتهى بمثلها وكأننا في جامع أو حسينية كربلائية وليس في مجلس نيابي مدني ديمقراطي يلتقي فيه النواب المسلمون وغير المسلمين. ولا شك في أن البعض كان وما يزال يريد تحويله إلى منبر آخر من منابر لولاية الفقه.
إن مجلس النواب العراقي لم يقدم حتى الآن الحد الأدنى مما هو مطلوب من مؤسسة تشريعية ديمقراطية لها دستور ديمقراطي وتستند إلى مجتمع يتمتع بالحرية والديمقراطية, ولا يساهم مثل هذا المجلس في تعليم وتثقيف المجتمع بمبادئ الديمقراطية. وهذا لا يعني خلو المجلس من عناصر ديمقراطية أو قوى ديمقراطية محترمة, بل أن تصرف رئيس والبعض الكثير من أعضاء المجلس لا يليق بمجلس نيابي, وهي الإشكالية, وهي التي يفترض تغييرها.
2. إن المشكلة التي يواجهها المجتمع العراقي في المرحلة الراهنة هي الارتداد الاجتماعي والسقوط في هوة الغيبيات وهيمنة المؤسسة الدينية وأحزابها السياسية اليمينية والطائفية السياسية على مواقع السلطة السياسية والتشريعية وعلى الشارع العراقي وعلى السلاح الذي تمارسه عبر ميليشياتها لإسكات أي صوت شريف, وهي تساهم بذلك باستكمال ما تمارسه القوى الإرهابية من أتباع القاعدة أو النظام الصدامي أو قوى الجريمة المنظمة. هذا هو الوجه الأول للمشكلة. أما الوجه الثاني لها فهو ضعف القوى الديمقراطية العراقية وضعف التعاون في ما بين فصائلها الصغيرة والكبيرة وتعثر وصول القوى الديمقراطية من مختلف مكونات الشعب العراقي القومية, وخاصة العربية والكردية, إلى برنامج مشترك ومواقف مشتركة وعمل مشترك خلال الفترة المنصرمة, وربما ستبقى هذه الحالة خلال الفترة القادمة أيضاً, وستكون لكل ذلك عواقب وخيمة على العراق كله وليس على إقليم دون آخر.
إن الضعف والتباعد وعدم التفاهم بين فصائل الحركة الديمقراطية والعلمانية واللبرالية العراقية من مختلف مكونات العراق القومية, هي التي ستسمح بتصاعد أصوات القوى الطائفية السياسية, حيث تمارس القتل والتدمير في العراق يومياً ودون أدنى رحمة بالضحايا البريئة من الناس العراقيين. ومن هنا تنشأ الصرخة التي تنطلق من مقال الدكتور عبد الخالق حسين والتي تقول: لم يكن في مقدور هذه القوى الإسلامية السياسية الطائفية, التي تريد فرض الشريعة الإسلامية على العراق رغم التباين في شرائعها المذهبية, لولا ضعف وتمزق وعدم تعاون القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية العربية والكردية والتركمانية والكلدانية الآشورية. إنها المحنة التي سيتحمل الشعب الكثير من الويلات بسببها.
3. من الناحية التاريخية نعرف أن مسؤول حزب الدعوة في العام 1970 تبنى قاعدة ولاية الفقيه. ثم تم تبنيها من جانب حزب الدعوة, رغم وجود اختلاف في صفوفه إزاء الموقف من موضوع ولاية الفقيه. وفي العام 1984 أقر حزب الدعوة وتبنى موضوعة ولاية الفقيه وشكل أول مجلس فقهي له تكون في حينها من ثلاث شخصيات دينية هم: السيد كاظم الحائري (فقيه المجلس) وعضوية الشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري.
وحزب الدعوة بكل تفرعاته الراهنة (حزب الدعوة, المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, وتيار مقتدى الصدر ...الخ) تأخذ بقاعدة "ولاية الفقيه, رغم وجود اختلافات جزئية في الموقف من القضايا التي يُعتمد فيها شرعاً على ولاية الفقيه. وهذه القضية مرتبطة بقوى الإسلام السياسي الشيعية, ولا دخل لأهل السنة أو الأحزاب الإسلامية السياسية السنية بمثل هذه المرجعية, إذ أن لها مرجعيتها التي تختلف في كيفية ممارسة الشريعة, كما في حالة الأخوان المسلمين أو في حالة حزب التحرير الإسلامي أو في حالة أتباع المذهب الوهابي المعتدل أو المتطرف ....الخ.
وطرح موضوع ولاية الفقيه في المجلس النيابي العراقي لإصدار تشريع يقضي بتشكيل مجلس فقهاء, يعني عرض وإخضاع كافة قرارات المجلس النيابي كمشروعات على مجلس الفقهاء لمنحها الصيغة النهائية كقرارات, وإلا ستعاد إلى المجلس النيابي لتغييرها وفق ما يراه مجلس الفقهاء. وهذه الوجهة لا تعني سوى دق آخر إسفين في نعش الديمقراطية والحرية الفردية والمحكمة الدستورية في العراق, ومن التحول إلى نظام "إسلامي سياسي شمولي مستبد" لا يعترف بالآخر والرأي الآخر ويسعى إلى الخلاص منه وإقصائه بأي ثمن. إنه الطوفان! وهو تعطيل للعقل العراقي وربطه بمجلس فقهاء لا يختلف كثيراً عن ولاية الفقيه الفردية, إذ أن مجلس الفقهاء سيخضع لولاية فقيه واحد يعود له أمر اتخاذ القرار النهائي لا غير في ما عرض على مجلس الفقهاء.
إن على الشعب العراقي بمكوناته المختلفة أن يقاوم هذا الاتجاه ويناضل بإصرار ضد فرضه على العراق, إذ أنه يستبدل الهيمنة الصدامية البعثية المدمرة بهيمنة استبدادية أصولية سلفية أكثر تدميراً وأكثر تحطيماً للشخصية العراقية وللوحدة الوطنية العراقية.
وأتمنى على المثقفات والمثقفين في العراق وفي الخارج أن يلعبوا دورهم في تعرية هذه الوجهة الجديدة التي تدعو لها وتسير خلفها بعض قوى الإسلام السياسي الأكثر يمينية وتخلفاً والأكثر إصراراً على دفع العراق إلى ظلمات مماثلة لظلمات القرون الوسطى الأوروبية حين كانت تحت رحمة الكنيسة الكاثوليكية المتخلفة والمتطرفة حينذاك.
أتمنى على القوى الديمقراطية العراقية, سواء العربية أم الكردية أم غيرهما, من العمل من أجل مواجهة هذا الخطر الداهم الذي سيدفع بالعراق إلى أتون حرب مدمرة, لأن العراق سيتحول إلى ساحة حرب طائفية سياسية عربية وإقليمية ودولية.
وأتمنى على المسلمات المتفتحات والمسلمين المتفتحين من أي مذهب كان أن ينهضوا ويساهموا بأعباء عملية التنوير ا لاجتماعي الديني, وعملية فضح الخلفية الفكرية الرجعية التي يستند إليها مبدأ ولاية الفقيه وعواقبه الوخيمة على المجتمع والحياة الديمقراطية في العراق وعلى وحدة العراق.
5/10/2006 كاظم حبيب
عن موقع جيران