يا قادة اكراد العراق، لا تضحوا بهذه الفرصة التاريخية النادرة!
تشرين الاول 2009www.salim.mesopot.com
هاهو الوضع السياسي والانتخابي لبلادنا يشهد تعطيلا بسبب اصرار القيادات القومية الكردية على استغلال ورقة كركوك الى اقصى الحدود. علما بان هذه القيادات تدرك جيدا ان فصل كركوك عن العراق من سابع سابع المستحيلات، فلا سكانها العرب والتركمان يقبلون، ولا باقي العراقيين يقبلون، ولا الامريكان يقبلون، ولا الدول المجاورة تقبل. مع ذلك فأن هذه القيادات لا تكف عن الكذب على الناس واستغلال هذه الورقة، فقط من اجل ابقاء الاوضاع السياسية متوترة في العراق وفرض الشروط على الحكومة المركزية لجعلها تحت رحمتهم.
أن القادة القوميين، ونعني خصوصا السيدين الطلباني والبرزاني، في طريقهم لتضييع اكبر فرصة في التاريخ الحديث لتحقيق السلام والاستقرار والمستقبل الواعد للأكراد وعموم العراقيين. وهذه الفرصة قد وجدت مع التغيير التاريخي الذي يعيشه العراق منذ 2003. حيث توفرت للاكراد الظروف النادرة التالية:
ـ ان جميع القوى العراقية المؤثرة كانت متحالفة ومتعاطفة مع الاكراد.
ـ ان الغالبية الساحقة من العراقيين كانت متعاطفة مع الاكراد ومع حقوقهم.
ـ ان القيادات الكردية امتلكت ادوارا حاسمة ورئيسية في التغيير وفي قيادة الدولة التي اعقبته.
ـ ان الادارة الكردية في الشمال كانت اقوى من الدولة العراقية، فهي منذ اعوام التسعينات تبني نفسها وتركز مؤسساتها، بينما الدولة المركزية قد تم تحطيمها من قبل المحتلين.
كل هذه الشروط والظروف كانت لصالح الاكراد وقضيتهم وكانت فرصة نادرة سوف لن تتكرر في التاريخ لا في العراق ولا في أي بلد آخر يعيش فيه الاكراد. لهذا فأن أية قيادة عقلانية ورصينة وحريصة فعلا على مصالح شعبها، كانت تستثمر هذه الفرصة النادرة في المنحى الايجابي العقلاني التالي:
ـ كسب العراقيين جميعهم والعمل على قيادتهم من اجل تحقيق الاستقرار والديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية. نعم ان هذه السياسة الوطنية الايجابية من قبل القيادات الكردية كان بالامكان ان تضع الاكراد وقضيتهم بصورة مؤكدة وثابته في قمة الهرم الوطني العراقي. وكان بالامكان ان تخلق اسسا صلبة وثابتة للحضور الكردي في الدولة وفي المجتمع العراقي.
لو كانت القيادات الكردية تمتلك الحد المعقول من الذكاء وبعد النظر، لبادرت الى فتح ابواب احزابها القومية الى جميع العراقيين وتحويل هذه الاحزاب القومية المغلقة على الاكراد وحدهم، الى احزاب وطنية عراقية ترفع شعارات وطنية توحيدية بدلا من القومية العنصرية التفريقية. يقينا لو انها قامت بهذه الخطوة الذكية والجريئة والرابحة، لأصبحت اكبر الاحزاب العراقية، ولتمكنت، ليس من قيادة اقليم كردستان وحده، بل العراق كله.
لكنها ويا للخيبة ويا للحسرة، لم تكن بمستوى هذه الفرصة التاريخية الكبرى، بل بقيت سجينة عقليتها الجبلية الانعزالية والمغلقة. فهي بدلا من الاستثمار الايجابي الضميري والوطني والانساني لهذه الفرصة النادرة، فأنها على العكس تماما، ركبها شيطان المصالح الانانية والتعنت القومي العنصري، مثلما ركب صدام وبعثه من قبل، وشرعت بممارسة سلوكيات عنجهية وطائشة ادت وتؤدي بالتدريج الى فقدانها كل الامتيازات التي توفرت لها خلال تلك السنوات. تراها بكل رعونية وغرور تزداد تطرفا بسياستها السلبية واللا عقلانية واللا أخلاقية واللا وطنية التي لا تجلب للأكراد غير الاحقاد والمستقبل المظلم. والأخطر من كل هذا، ان هذه السياسة السلبية العنصرية أفقدت الاكراد اكبر حليف تاريخي لهم: الشعب العراقي ونخبه!
السياسة العنصرية الهوجاء
نعم، ان القيادات القومية الكردية، لأسباب مصلحية وطموحات شخصية ضيقة، قررت تضييع هذه الفرصة النادرة، من خلال السلوكيات التخريبية والسلبية التالية:
1ـ رغم ان هذه القيادات تشارك بصورة فعالة في قيادة الدولة العراقية، الا انها لا تكف في وسائل الاعلام والتربية والتنظيم، عن تبني البرامج والتثقيف ضد هذه الدولة واعتبارها (تستعمر كردستان!!) والعمل على تقسيم هذه الدولة. لهذا فأنها لا تكف عن تخريبها من الداخل وتعطيل القوانين والمشاريع الايجابية. والاكثر من هذا انها تمنع بصورة مطلقة أي حضور للدولة المركزية في الاقليم الكردي. وتتعامل مع الدولة وكأنها اجنبية بل خطرة عليها! والنتيجة ان جميع العراقيين ومعهم حتى المسؤولين في الدولة راحوا يرددون هذه العبارة المفعمة بالسخرية المرّة: ((كردستان لهم وحدهم، وباقي العراق يتقاسمونه معنا))!
2 ـ رغم ان هذه القيادات تشارك بصورة فعالة في قيادة الشعب العراقي كله، الا انها لا تكف عن شحن الاكراد وحتى الاطفال منهم، ليل نهار، بالعنصرية ضد العراقيين وعموم العرب وجميع شعوب الشرق الاوسط، واستغلال جرائم حلبجة والانفال بصورة متطرفة وعدائية تشبه الى حد بعيد استغلال اسرائيل للهولكست. وتشيع الوهم بأن هذه القيادات في طريقها لتحقيق حلم (كردستان الكبرى)، بأنفصال شمال العراق وباقي الاجزاء الكردية في ايران وتركيا وسوريا. وكما يشخص بعض المثقفين الاكراد، ان سلوك هذه القيادات يشبه الى حد بعيد سلوك البعثيين ايام القائد الضرورة، الذين ما كفوا خلال اعوام طويلة عن الضحك على العراقيين وخداعهم بشعارات تحرير فلسطين والوحدة العربية من الخليج الثائر الى المحيط الهادر، وشحنهم ليل نهار بالعداء الساذج والبدائي ضد (الفرس المجوس) وضد الكويتيين والسعوديين والسوريين والاتراك والامريكان وغيرهم.
3 ـ هذه القيادات لا تكف ليل نهار عن صرف الاموال الطائلة من اجل شراء ذمم السياسيين والمثقفين والاعلاميين العراقيين والعرب، ومعهم الكثير من المؤسسات الاعلامية والحزبية، فقط من اجل تبرير سياستهم العنصرية الانفصالية والبكاء على هولوكوستهم! لكن تبقى مشكلتهم انهم مهما صرفوا من الرشاوي لا يمكنهم الحفاظ على تعاون أولئك الاذلاء المساكين، لان صوت الضمير الوطني لا يمكنه السكوت عن تلك السياسة التخريبية ضد وطننا، ولا عن تلك الطروحات العنصرية ضد باقي الفئات العراقية.
4 ـ ان هذه القيادات القومية لا تكف عن التملق والتباكي الى الامريكان والتعاون السري مع اسرائيل من اجل اقناعهم بتدمير العراق واضعاف الدولة العراقية! بل هنالك شواهد تدل على انهم قد تعاونوا مع الارهابيين والطائفيين من اجل استمرار تخريب العراق وشق العراقيين، على امل ان تبقى ادراتهم اقوى من الدولة المركزية!
6 ـ ان هذه القيادات لا تكف عن توتير الاوضاع وخلق المشاحنات من اجل الاستمرار بسياسة التوسع العنصري في كركوك ونينوى وديالى، وتأجيج الجماعات العراقية ضد بعضها البعض.
ملخص القول ان هذه القيادات القومية العنصرية، قد جهدت بكل تهور وطيش الى تضييع هذه الفرصة التاريخية النادرة لتحقيق السلام والاستقرار للاكراد ولعموم العراقيين، ونجحت بدلا من ذلك في خلق العداوات ضد الاكراد وجعل دربهم المستقبلي مليئا بالمهاوي والمخاطر والاحقاد والحروب، وخسارتهم لأكبر نصير لهم ألا وهو الشعب العراقي ونخبه.
الانفصال المستحيل
نعم ان القيادات العنصرية الكردية ضحت وتضحي بهذه الفرصة التاريخية النادرة بتحقيق السلام والاستقرار للأكراد ولعموم العراقيين، بحجة تحقيق شعار: الانفصال عن العراق، ثم عن باقي بلدان الشرق الاوسط(تركيا وايران وسوريا) وتحقيق امبراطورية(كردستان الكبرى) من الخليج الثائر حتى البحر الهادر!
لكن هذه القيادات القومية الكردية تمتلك ما يكفي من الذكاء والمعلومات لكي تعرف جيدا انه ضمن المستقبل المنظور، يستحيل تماما تماما تحقيق ولو عشر هذا الشعار الامبراطوري الخيالي. ان الانفصال عن العراق يعتبر حاليا وحتى اشعار آخر، من المستحيلات. فلا امريكا موافقة، ولا الدول المجاورة تسمح بذلك. بالاضافة الى ذلك، ان الانفصال عن العراق سوف لن يكون ابدا حلا لمشاكل الاكراد ولا لمشاكل العراق، بل على العكس تماما، سيكون بداية لمشاكل جديدة اعظم واكبر واكثر مأساوية ودمارا. لان الانفصال سوف يجر الى حروب لا تنتهي بسبب ما يطلقون عليه بـ(المناطق المتنازع عليها) وتشريد الملايين بسبب اندلاع الحروب الاهلية والعشائرية والعسكرية. بالاضافة الى حروب خطيرة ومدمرة مع الجيران الذين سوف لن يقبلوا ابدا بمنطقة كردية منفصلة تؤجج ضدهم اكرادهم.
نعم انهم بتهورهم وانانيتهم يضيعون هذه الفرصة التاريخية لتحقيق السلام والاخوة بين الاكراد وباقي العراقيين. كل هذا يدل على انهم لا يمثلون ابدا مصالح الاكراد، بل يمثلون مصالحهم الشخصية. لأنهم مثل كل القيادات المتجبرة العنجهية، من امثال صدام وهتلر، يعتبرون تجارة الاحقاد والحروب من اكثر المجالات ربحا.
لكن رغم كل هذا، نقول لهم ولكل اخوتنا ابناء النخب الكردية: ان الأوان لم يفت، وان من اعظم ميزات العراقيين قدرتهم الكبيرة والسريعة على تناسي الاحقاد وفتح صفحة جديدة من الاخوة والمحبة من اجل بناء وطننا المشترك... اعرفوا جيدا وتذكروا كلامنا هذا والتاريخ سوف يكون شاهدا: لا تعتمدوا على وعود اسرائيل لكم، فهي ستبيعكم كما باعكم شاه ايران من قبل. ان فقدانكم لتعاطف العراقيين والعرب وتضامنهم معكم، سوف يكون بداية النهاية لقضيتكم. ولا يغرنكم نفاق تلك الحفنة من السياسيين والاعلاميين العراقيين الذين باعوا ضمائرهم وراحوا يطبلون لكم. ان ضمير الشعب العراقي ونخبه لا يمكن تعويضه ابدا. فيا اخوتنا تحلوا بالواقعية والعقلانية ولا تفوتوا هذه الفرصة التاريخية.. على الاقل حبا بأطفال الاكراد وباقي العراقيين، الذين يستحقون مستقبلا مفعما بالسلام والاستقرار والمحبة...