ينبغي أن يكف حكام الكويت عن ابتزاز العراق وإيذائه!
8/6/2009على الرغم من الظروف الصعبة التي يجتازها العراق منذ الغزو الأمريكي الذي انتهى بإسقاط نظام صدام عام 2003، والدمار والخراب الذي حل بالبلاد جراء تلك الحرب، وجراء الصراع الدامي الذي عم البلاد، والحرب الأهلية الطائفية التي تلت الحرب، والتي حصدت أرواح مئات الألوف من المواطنين الأبرياء، والكوارث الاجتماعية والاقتصادية التي حلت بالبلاد فما يزال حكام الكويت يستقطعون من أفواه العراقيين مئات الملايين من الدولارات سنويا كتعويضات عن غزو النظام الصدامي للكويت عام 1990.
وعلى الرغم من الحملة التي قادتها الإدارة الأمريكية لإسقاط الديون العراقية التي تقدر بمئات المليارات، والتي استطاعت إقناع مختلف دول العالم التي لها ديون على نظام صدام المنهار بالتنازل عن تلك الديون بما لا يقل عن 80% من أصلها، وعلى الرغم من محاولات المندوب الأمريكي جيمس بيكر إقناع حكام الكويت بإلغاء ديونها على العراق فإنهم قد أصروا على رفض الطلب، وهم تارة يدعون أن الأمر يتعلق بالبرلمان الذي يرفض التنازل عن تلك الديون، وتارة يدعون أن هذه الديون تعود للشعب الكويتي الذي لا يقبل التنازل عنها.
و قد حاول رئيس الوزراء نوري المالكي أثناء زيارته الأخيرة للكويت ثني حكام الكويت عن موقفهم إزاء ديون نظام صدام المنهار، لكنه فشل هو الآخر في ذلك.
إن هذا الموقف المجافي لعلاقات الأخوة وحسن الجوار من جانب حكام الكويت تجاه العراق لا يعبر إلا عن سياسة قصر النظر التي لا يمكن أن تخدم الكويت على المدى البعيد، وهم اليوم يستغلون حالة الضعف التي يمر بها العراق في محاولة منهم لاستنزاف ثروته.
لقد بلغ الأمر بحكام الكويت أن يطلبوا من مجلس الأمن الدولي رفض طلب العراق بإخراجه من البند السابع ليبقى فاقداً لحريته واستقلاله، والتصرف بثرواته، وإعادة بناء البنية التحية المدمرة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والخدماتية، مطالبين الحكومة العراقية بتسديد الديون المستحقة على نظام صدام البائد، متعللين بأن هناك تراكم في خزينة الدولة العراقية من واردات النفط، وإن الكويت تطالب العراقي بدفع الفوائد على الديون كذلك.
إن حكام الكويت بحاجة إلى أن ينظروا بعيداً في سياستهم تجاه العراق، لا أن ينظروا بين أقدامهم!!، وأن يفكروا جيداً بمستقبل العلاقة بين البلدين الجارين، ولا أقول الشقيقين، فلم تعد كما يبدو، لعلاقات الأخوة مكاناً في قاموسهم، ولو رجعنا للتاريخ القريب، وأمعنا النظر في تفاصيل ما جرى بين البلدين قبل وبعد حرب الخليج الثانية [ حرب تحرير الكويت]لوجدنا أن حكام الكويت يتحملون جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة وحلفائها ونظام صدام حسين مسؤولية غزو الكويت، وحرب الخليج الثانية، بقيادة الولايات المتحدة و32 دولة أخرى، والتي انتهت بخراب ودمار العراق وتدمير قواته المسلحة، ومقتل أكثر من 300 ألف من جنوده وضباطه في تلك المجزرة الوحشية البشعة التي ارتكبتها الطائرات الأمريكية ضد القوات العراقية المنسحبة من الكويت على الطريق بين الكويت والبصرة، ووقوع الانتفاضة الشعبية في الأول من آذار 1991 كرد فعل على جرائم نظام صدام، والتي قمعها النظام الصدامي بصورة وحشية بالغة، حيث ذهب ضحيتها مئات الألوف من المواطنين، والقبور الجماعية المكتشفة خير دليل على عظم الجريمة والوحشية التي نفذت فيها.
إن الكويت كان بإمكانها أن تحل الخلافات بينها وبين النظام العراقي بما يجنب الشعبين العراقي والكويت ويلات الحرب ومآسيها، وما سببته من خراب ودمار، ولاشك أن أرواح مئات الألوف من المواطنين الذين قضوا في تلك الحرب هي أثمن من كنوز الدنيا.
لكن حكام الكويت آثروا السير بركاب الولايات المتحدة، والمشاركة في المؤامرة على العراق، تلك المؤامرة التي دبرتها الولايات المتحدة لتدمير أسلحة العراق، وإضعاف جيشه بعد أن خرج النظام الصدامي من تلك الحرب التي خاضها ضد إيران بالنيابة عن الولايات المتحدة نفسها وبأمر منها، فلم يكن للشعب العراقي ناقة ولا جمل في تلك الحرب الكارثية التي حصدت أرواح أكثر من نصف مليون من الشباب العراقي وتركت مليون معوق ومئات الألوف من الأرامل واليتامى، وبات العراق يمتلك جيشاً جراراً واقتصاد منهار، وكان حديث السفيرة الأمريكية كلاسبي مع الدكتاتور صدام بأن الولايات المتحدة لا تتدخل في الخلافات بينكم وبين الكويت، وتستطيعون حل خلافاتكم بالطريقة التي ترونها مناسبة ، وظن الدكتاتور أن كلام كلاسبي بمثابة الكارت الأخضر لغزو الكويت والتعويض عن خسائر العراق في تلك الحرب الكارثية، في حين تبين أن الولايات المتحدة قد نصبت الفخ لصدام لدخول الكويت لتدمير جيشه وبلاده وإعادة العراق للوراء مئات السنين، ومن أجل ذلك جرى التنسيق مع حكام الكويت للوقوف موقف الرافض لأي تنازل في مؤتمر جدة لكي يركب صدام رأسه ويرتكب الحماقة بغزو الكويت.
أن الولايات المتحدة هي التي أوعزت لعميلها صدام بمهاجمة إيران، ومدته بمختلف الأسلحة والخبرات لبناء المصانع الحربية، وإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وسعت جهدها لإطالة أمد الحرب عن طريق مساعدة الطرفين المتحاربين العراق وإيران كي تستمر الحرب أطول مدة ممكنة ، وهذا ما اعترف به الدكتور [هنري كيسنجر] وزير الخارجية الأمريكية الأسبق في مذكراته حيث يقول عن تلك الحرب:{إنها أول حرب في التاريخ أردناها أن تستمر أطول مدة ممكنة، ولا يخرج منها أحد منتصرا}.
واستمرت الولايات المتحدة بدعم النظام الصدامي والنظام الإيراني 8 سنوات لكي تدمر القوة العسكرية للبلدين، وتدمر اقتصادهما وتخرب بنيتهما التحية، وكانت الكويت قد قدمت تلك الديون للعراق بأمر من الولايات المتحدة، كما هو الحال ببقية دول الخليج، لكي لا ينهار العراق في تلك الحرب، وهي في عامها الثاني عندما اندحرت القوات العراقية في معركة نهر الطاهري، فكان لا بد من دعم العراق لكي تستمر الحرب، وفي الوقت نفسه تحول دون تحقيق أي من الطرفين النصر.
ولم تطلب الولايات المتحدة من مجلس الأمن إصدار قرار بوقفها إلا بعد ثمان سنوات من حرب دامية مفجعة، ولم تسعَ الولايات المتحدة لوقف تلك الحرب المجنونة إلى أن تحولت إلى حرب الناقلات النفطية في الخليج، وأصبح شريان النفط الضروري للعجلة الاقتصادية الغربية معرضاً لأخطار كبيرة .
إن حكام الكويت كان بإمكانهم أن يتجنبوا الغزو كي لا يدفع الشعب الكويتي الثمن الذي دفعه جراء الاحتلال، وكي لا يدفع الشعب العراقي ذلك الثمن الكبير جراء الحرب، وخصوصاً بعد أن تم فرض الحصار الاقتصادي الجائر عليه دون حكامه، والذي أوصل الأحوال المعيشية للشعب إلى الحضيض، حيث عم الفقر والجوع أغلبية الشعب العراقي، وانهارت العملة العراقية حتى وصل سعر الدولار 3000 دينار بعد أن كانت قيمته أقل من ثلث الدينار، وهكذا تسببت الحرب، والحصار الاقتصادي الظالم إلى انهيار البنية التحية للمجتمع العراقي والتي ما يزال العراق يعاني منها أشد المعانات حتى يومنا هذا، والتي يتطلب أصلاحها جهود أجيال عديدة. إن الكويت تتحمل مسؤولية الكارثة التي حلت بالعراق بكل تأكيد جنبا إلى جنب مع صدام والرئيس بوش الأب، وبدلا من أن تسعى لإصلاح العلاقة مع الشعب العراقي فإنها ما تزال تصر على السير في نفس الطريق، طريق معاداة العراق، وانتزاع مناطق نفطية واسعة في جنوب البلاد وانتزاع نصف الميناء العراقي العميق الذي كان يدعى بميناء البكر دون وجه حق بل استقواء بالمحتل الأمريكي دون النظر بعيداً لما ستسببه هذه السياسة الخرقاء تجاه العراق، وتجاه العلاقة بين البلدين والشعبين الشقيقين!
إن على حكام الكويت أن يدركوا أن الوجود الأمريكي في المنطقة لا يمكن أن يبقى على الدوام، وأن العراق وشعبه باقيان إلى الأبد، والعراق إن كان اليوم ضعيفاً انهكته الحروب، والاحتلال الأمريكي البغيض، والأعمال الإرهابية المجرمة، فلا بد أن يتعافى، وينهض من جديد بلداً قوياً عظيماً بما يمتلكه من موارد كبيرة وثروات هائلة، وقدرات بشرية كبيرة وكفاءات عالية.
نعم سينهض العراق من كبوته، ويعيد الشعب بناء ما خربته الحروب، وسيعود قوياً عزيزاً يهابه الأعداء، وسوف لن ينسَ الشعب كل من قدم له المساعدة ووقف إلى جانبه، وفي الوقت نفسه سوف لن ينسَ من كان سببا في البلاء الرهيب الذي وقع عليه، وما يزال يصر على السير في نفس الطريق الخاطئ، فهل يعود حكام الكويت عن إصرارهم بإيذاء العراق، ويكفروا عن أخطاء سياستهم تجاه شعب العراق قبل فوات الأوان والوصول بالعلاقات بين البلدين إلى طريق اللا عودة؟