ينبغي الحذر من دفع البلاد نحو الحرب الأهلية وعدم اختزال الطائفة السنية بشخص الهاشمي والمطلك
في ظل الظروف الخطيرة والبالغة التعقيد التي يمر بها الوطن العراقي، والصراع المكشوف والمتصاعد بين المالكي وعلاوي على السلطة، والتهديدات المتبادلة بين الطرفين، وعملية الشحن التي تمارس على مستوى الجماهير الشعبية بتوريطها في الصراع الذي لن يجن منه الشعب العراقي غير الدماء والخراب والدمار.لقد عانت الأغلبية السنية الوطنية حالة من التغييب القسري عن مجرى التطورات التي جرت وتجري في المشهد السياسي الحالي، فتارة يمنع أبناء الطائفة بقوة السلاح من قبل القوى الإرهابية من ممارسة حقهم في الانتخابات كما جرى في انتخاب الجمعية الوطنية، وتارة أخرى تختزل الطائفة بشخوص طارق الهاشمي أو صالح المطلك، أو بعض المقربين إليهم، لكي يمثلوا الطائفة السنية في لجنة إعداد الدستور الدائم. وعلى هذا الأساس يحق لنا أن نتساءل :
كيف تم اختيار طارق الهاشمي , صالح المطلك ممثلين للسنة ؟ وعلى أي أساس جرى هذا الاختيار ؟ ومن هي الجهة التي كانت وراء هذا الاختيار، وهل يمثل الهاشمي والمطلك حقاً الطائفة السنية؟ وما هي الانعكاسات السلبية على الطائفة السنية بهذا الاختيار؟
أسئلة لا بد من الإجابة عليها كي نضع النقاط على الحروف، ونكشف زيف هذا الاختيار، والذي كان وراءه؟ والأهداف التي يرمي إليها من وراء هذا الاختيار.
ففي واقع الحال أن صالح المطلك لا يمثل إلا العناصر البعثية التي أُسقطت من السلطة في التاسع من نيسان 2003 ، وهو لا يخفى مواقفه التي يعبر عنها علناً في مختلف وسائل الإعلام مدافعاً عن رفاقه البعثيين، ورافعاً راية إلغاء الفقرة الواردة في مسودة الدستور والمتعلقة باجتثاث أعوان صدام من الحياة السياسية، واعتبار الفكر البعثي فكر شوفيني فاشي أذاق الشعب العراق من ويلاته وجرائمه ما يعجز القلم عن وصف بشاعتها، تماماً كما فعل النازيون وفكرهم الفاشي أيام حكم هتلر طاغية ألمانيا.
ويبدو أن اختيار المطلك ومجموعته قد جرى من قبل الولايات المتحدة وسفارتها في بغداد في محاولة لخلق نوع من التوازن بين قوى الإسلام السياسي الشيعي المهيمن على الحكم والعناصر البعثية التي تدعي العلمانية!، حيث لا تطمئن الولايات المتحدة لتوجهات قوى الإسلام السياسي الشيعي في إقامة دولة دينية وطائفية في العراق.
هل عجزت الولايات المتحدة عن إيجاد عناصر وطنية ديمقراطية سنية نظيفة لتمثل هذه الطائفة المغيبة عن المسرح السياسي؟
أم أن الولايات المتحدة لم ترمِ حقاً وصدقاً إقامة نظام حكم ديمقراطي حقيقي في البلاد، بل هي سعت لخلق سلطة ذات مظهر ديمقراطي بائس تدين لها بالولاء المطلق، وتنفذ أجندتها المرسومة سلفاً لمنطقة الشرق الأوسط الكبير.
ولقد حذرنا بمقالات عديدة آنذاك من هذا التوجه الأمريكي بأنه ينطوي على مخاطر جسيمة على مستقبل العراق، ومستقبل الديمقراطية المنشودة، فالقوى البعثية بكل أصنافها ومستوياتها من جهة، ليست فقط لا تؤمن بالديمقراطية، بل لقد مارست اشد أساليب القمع لأبسط الحقوق الديمقراطية للشعب طيلة سنوات حكمها البشع، وأن أية محاولة لتبييض صفحة رموز نظام صدام ومحاولة إشراكهم في إدارة شؤون البلاد من جديد مرفوضة تماماً من قبل الشعب العراقي بكل طوائفه، وبشكل خاص من الطائفة السنية التي ترفض رفضاً مطلقاً أن يمثلها صالح المطلك ورفاقه.
إن بروز هذه الزمرة على المسرح السياسي الحالي كممثلين للسنة قد شكل إهانة كبرى وتجاهلاً خطيراً للطائفة السنية وممثليها الحقيقيين حاملي لواء الفكر المتنور، والملتزمين بالديمقراطية كمبدأ وهدف، والمؤمنين بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، والطامحين ببناء عراق ديمقراطي متحرر يتساوى فيه أبناء الشعب بكل قومياتهم وأديانهم وطوائفهم في الحقوق والواجبات دون تمييز، والاهتمام بشكل خاص بالمرأة العراقية وستقبلها الاجتماعي والسياسي لكي تأخذ دورها الرائد والضروري في المجتمع، وعلى قدم المساواة مع الرجل في كل مجالات الحياة المختلفة.
إن اختيار صالح المطلك ورفاقه ممثلين للطائفة السنية قد أدى إلى انعكاسات سلبية خطيرة على الطائفة وصلت إلى حد اعتبارها من قبل أحزاب الإسلام السياسي الشيعية مناصرة لقوى الإرهاب والفاشية والقوى الظلامية، وهي التي اكتوت بجرائم الإرهابيين والبعثيين الفاشيين والسلفيين الظلاميين القادمين من وراء الحدود لتنفيذ جرائمهم البشعة بحق الشعب العراقي. في حين أن ميليشيات أحزاب الإسلام السياسي الشيعية مارست هي الأخرى أبشع أساليب القتل والإرهاب، وتهجير المواطنين عندما أشعلت الحرب الأهلية الطائفية عامي 2006و2007، حيث قتل عشرات الألوف من المواطنين الأبرياء على الأسم والهوية، وحيث جرى تشريد ما يزيد على المليونين من ديارهم هرباً من بطش تلك المليشيات الإرهابية.
أن الصحافة، وصحافة الانترنيت التي فسحت المجال لبعض أنصاف المثقفين لكي توجه الاتهامات الباطلة، والتي ليس لها أساس من الصحة للطائفة السنية، قد أثارت ردود فعل خطيرة على الجانبين الشيعي والسني، وهي بالمحصلة تتجه نحو إثارة العداء الطائفي، والدفع باتجاه تصعيد المواقف نحو الصراع الطائفي والحرب الأهلية من جديد، والتي لا تخدم أي من الطائفتين، وتدفع بشعبنا نحو الهاوية.
لم يكن بودي أن أتحدث عن الموضوع الطائفي، ولم أكون يوماً قد فكرت بهذا الأسلوب، وسوف لن أكن أبداً داعية لطائفة ما على حساب طائفة أخرى، وسأبقى في خدمة مجموع شعبنا بكل طوائفهم وأديانهم وقومياتهم، والمعيار عندي يبقى دائماً هو الوطنية الصادقة، وحب الشعب، والذود عن الوطن، والعيش المشترك، والاحترام المتبادل لكل مكونات شعبنا.
ينبغي أن نكون حريصين في كل أحاديثنا وكتاباتنا، ولا نُطلق التسميات والاتهامات جزافاً على أي من مكونات شعبنا فتعبير المثلث السني على سبيل المثال يثير ردود فعل خطيرة لدى الجانبين على حد سواء، ولا يخدم بالتالي الوحدة الوطنية، بل على العكس من ذلك يشيع الكراهية والعداء غير المبرر بين مكونات شعبنا.
إن دمائنا قد امتزجت بين مختلف طوائفنا، ويندر أن لا نجد هذا الامتزاج بين أبناء الطائفتين السنية والشيعية وبين العرب والأكراد وسائر مكونات شعبنا، وأن على كل غيور على مصالح الشعب والوطن أن يبذل أقصى ما يستطيع من جهد لإفشال المخطط الخطير بإشعال الحرب الأهلية والطائفية، وينبغي أن نحرص كل الحرص، وبكل الوسائل والسبل على تمتين عرى الأخوة والمحبة بين جميع مكونات شعبنا، وهذا الأمر هو واجب مقدس يقع على عاتق الجميع من أجل الخروج بالعراق من هذه الأزمة الخطيرة التي يمر بها اليوم، والوصول بشعبنا إلى شاطئ السلام، وتحقيق الحياة الحرة الكريمة لبني وطني، ولا شك أن هذا الأمر يعتبر مسؤولية الجميع.
http://akhbaar.org/home/2012/01/122564.html