أحباب في العالم الاخر ...

كان إبتعادهُ عنها يشل تفكيره ويجعله ُ عاجزا عن فعل شئ ، فقد كانت عزيمته ُ تتراجع تدريجياً كلما تذكّر ان هناك مهمة خطيرة في إنتظارهِ قد تغيّر مجرى حياتهُ بالكامل ، كان يدرك انها مغامرة لا يمكن التنبؤ بعواقبها لانهُ ببساطة لم يختبر أهلها في هذهِ النقطة ..
أعطت لهُ فكرة الهروب بحبيبتهِ ألأمل في البقاء والتفكير بالمستقبل فهو يدرك ان هناك صعاب ستواجههُ لكنهُ أعتبر ذلك ثمنا او تضحية في سبيل سعادة تنتظرهُ معها ، بدأ يتخلص تدريجياً من الهموم التي كانت تثقل كاهلهِ وراح يبحث في الطريقة الأفضل التي تجعلهُ يغادر البلدة معها دون ضجيج ...
بينما كانت هي تعيش حالة من الغرق في تفكيرها لا تتمكن من تحديد شئ ما يثيرها ويجعلها تشعر بالأمل لاسيما وانها لا تمتلك أفقاَ يثري حياتها في جوانب اخرى غير العاطفة ، من هذه الزاوية بالتحديد شعرت بأهمية حياتها وكذلك بوجودها كمخلوق ... كانت الفتاة لا تتجرأ على ابداء رأيها في موضوع ما وحقوقها مسلوبة منها دون ان تتمكن من فعل شئ فهي مقيدة بمجموعة متكاملة من العاداة والتقاليد التي تحدد حركتها في المجتمع وتجعلها اسيرة لها ..
جائتها جارتها بأخبار لقائها بجابر وراحت تسرد لها تفاصيل ذلك اللقاء ..
ــ جابر يحبك ِ لا تقلقي !!
ــ اعلم ذلك وانا متأكدة من حبهِ لكن كيف ستكون نهايتها لا أعلم ؟
ــ قال لي انه لن يتخلى عنكِ ، ربما يفكر بعمل شئ ما !!
ــ اتمنى ذلك وإن حدث شئ فستكون لي كالمعجزة ، ما الذي يجعل حياتي ذا طعم ان خسرتهُ ؟ تعرفي ... في كل مرة ابحث عن حل لمشكلتنا لا ارى اي امل انهي بهِ تمنياتي انها مأساة ولا اعلم لماذا بالغ أهلي بوصف علاقتي معهُ بهذا الشكل !!
ــ انتظري ولا يكمن امامك غير الانتظار علّهُ يتمكن من فعل شئ يجعلكما تعودان لبعضكما ثانية ً ..سألتقيه مرة اخرى وأرى بماذا يفكر انه هو الاخر حزين لما حدث واصبح تائها في طبيعة افكاره ..
ــ فوق كل ذلك يريدون لي الارتباط بأبن عمي ماهر لا تعلمي كم أحتقر تصرفاتهِ حتى في بعض الاحيان اشعر بأنه لا زال طفلا وبحاجة الى المزيد من التربية ولكن لا أتجرأ على قول ذلك لهم ، لقد تسبب بالكثير من المشاكل لأهلهِ بسبب سوء تصرفاته ِ ومعاكساتهِ المستمرة للفتيات ، قبل فترة هاجمهُ اثنين من الشبان وأشبعوه ضرباً بسبب سوء اخلاقه ِ حتى ان عمي وأبناءهُ أعطوا لهما الحق في ضربهِ بعد علمهم بما فعل !! لا يحاسبوه لأنهُ شاب اما نحن فلنذهب الى الجحيم المهم ان يعبر أبائنا عن رجولتهم على حسابنا !!
ــ أفكر في بعض الاحيان بجمعكِ مع جابر لكنني لا أعلم كيف يمكنني فعل ذلك وأين ...
ــ ياريت !! انهُ بمثابة حلم على الاقل كي ارى وجههُ ثانيةُ ..
ــ سأحاول لا تقلقي ربما سيخفف ذلك شيئاً من همومك ، وتستطيعون بعدها مناقشة وضعكم بشكل أفضل ..
لم تكن تلك الهموم التي سيطرت عليها او حتى على حبيبها تعني شيئا بالنسبةِ لأهلها لأنهم أنهوا الموضوع منذ تلك اللحظة التي أرسلوا فيها جوابهم لأهل جابر وكان والدها مصمماً على تزويجها بأبن عمها ، والشئ الذي أسهم في جعلها تعيش تفاصيل معاناتها بقسوة هو خضوع جميع أفراد أسرتها لوالدها وجدّها ، لم تجد أحداً يقف معها أو يواسيها حتى والدتها ففي مثل هذه الحالات يرغب الجميع في تلطيف صورهم وتصرفاتهم امام رب ألأسرة ...
تبلورت أفكار جابر جيداً بأتجاه الهروب معها الى سنجار او مكان آخر يتمكن من فرض ارادتهِ فيه حتى تخف العاصفة التي ستحدثها عملية الهروب هذهِ !
كان واقع الحياة ألاجتماعية يفرض عليهِ الحذر لأن ألأقدام على خطوة كهذه يحتاج الى إحتياطات عالية خوفا من طارئ يؤدي الى مواجهة مع أهلها ، لقد قدّمَ لهُ صديقه فكرة ساهمت في إنقاذهِ من تلك الحيرة التي سيطرت عليه طوال فترة ليست بالقليلة راحت أفكاراً شتّئ تتقاذفهُ تارةً تقوده الى السكينة وأخرى الى الحيرة الداخلية التي تجعلهُ عاجزاً حتى عن النوم ، لقد جعلته تلك الصدمة ينتقل من الغوص في الأحلام الى عالم الجدّ والتفكير اليقظ الخالي من العفوية وشعر ان ثمن حُبهِ لغزاله سيكون باهظا حتى يتمكن من ان يعيش معها تحت سقف واحد ...
كان يفكر في مفاتحة اسرتهِ بألأفكار التي تسيطر عليه وكذلك بفكرة خطف غزالة والذهاب بها بعيدا عن عيون اهلها واهالي البلدة لكنهُ مكث متردداً لبعض الوقت خوفاً من ان يتسرّب الخبر وتضيع عليهِ الفرصة الوحيدة لتحقيق أمله في ألأرتباط بها ، وصديقه نصحهُ بعدم التسرّع وأبقاء ألأمر مخفيّاً على الجميع إذا ما أراد انجاحهِ ...
وقف عند أحد أطراف البيدر لينتظر جميلة التي ستأتيه بأخبار حبيبتهِ وهو حائر في الطريقة التي تمكنهُ من الوصول اليها دون التعرض لمخاطر المجازفة او غيرها ، كانت هي ألأخرى تنتظر تلك ألأخبار القادمه منه ، وقف يتطلع الى مدخل ذلك البيدر ويشعر بخيبة الامل الى ان أطلت تلك الفتاة مع نساء البلدة فأخذ يختبئ او يحاول ألأنسحاب قدر ألأمكان كي لا يكون في موضعٍ يجلب له ألأنظار ...
تمكنت من التسلل الى تلك الزاوية التي يقف فيها وراحت تحدّثهُ ..
ــ كيف حالكَ؟؟
ــ بخير وانت ِ ؟
ــ لا بأس ..
ــ كيف حال غزالة ؟؟
ــ انها محبطة !! وحالتها يُرثى لها لقد إقترحتُ عليها أن أرتّب بينكما لقاءاً وقد ابدت سعادتها لذلك انها تريد لقائك ..
ــ لن أنسى لك هذا المعروف إن فعلتهِ معنا ، لا يمكن لك ان تتصوري كم انا مشتاق لرؤيتها ، لقد غيّرت لي حياتي واذا ما ضاعت مني فأن ذلك يعني ان حياتي لن يعود لها معنى ..
ــ لا تقلق سأبذل جهدي من اجلكما لقد تسببت بكل هذه المصيبة دون ان اعلنم !!
ــ ذلك اصبح من الماضي المهم الان ان التقي بها ساعتئذٍ سيكون لكل شئ حلاً في مُخيلتي .
ــ سأبذل جهدي كي يتحقق لكما ذلك ربما أخبرك في الغد لانني أود أن أعلم من أمي متى ستغادر لزيارة أهلها كي يكون الدار خاليا وتستطيع لقائها على سطح منزلنا ..
ــ إنها فكرة جيدة ..
ــ إذاً سأعمل على تنفيذها انكما بحاجة الى الحديث مع بعضكما كي تتمكنا من اتخاذ القرار الذي يناسبكما !!
ــ أكيد انها الحقيقة !!
ــ اسمع عليك الدخول من الطرف الاخر للمحلة تستطيع الدخول لدار جارنا تحت اية حجة بعدها تتسلق سطح منزلنا وتنتظر الى ان اتمكن من اعطائك الامان واخبار غزالة بالامر اسمع سأذهب ألآن كي لا يرانا احد ويذهب بعيداً في افكاره الى الغد ..
ــ حسنا اتمنى ان تتوفقي في كل شئ مع السلامة ...
كان يتوق لرؤيتها بأسرع وقت ليحسم امره لكنه يدرك في نفس الوقت ان الأمر ليس بالسهل وان عجلة الزمن تسير ببطئ شديد يكاد يقضي على إندفاعه وعواطفه الجياشة .