أحداث زاخو وذكريات مؤلمة
لم تكن الأحداث التي جرت في أقليم كردستان في مناطق زاخو وسمّيل وشيّوز وغيرها من المناطق التي يسكنها المسيحيون بكافة قومياتهم سواء كانوا من الكلدان أو الأرمن وغيرهم ، هذه الأحداث عادت بذاكرتنا إلى الوراء قليلاً، لنرى أن المسيحيين على مرِّ الزَّمان كانوا يدفعون ضريبة إيمانهم، ويدفعونها بأصعب العملات وأغلى الأثمان، يدفعون الضريبة على شكل دَمٍ زكيٍّ بريء، كل هذا لا لذنبٍ أرتكبوه، أو لجرمٍ أقترفوه، ولكن نتيجة إيمانهم وطيبتهم وإخلاصهم، فبالرغم من أن المسيحيين قومٌ مُسالمون، لا يحبّون القتال، ويكرهون الإنتقام ويرفضون سفك الدماء، ولأنهم محبون للمساعدة مخلصون أوفياء، لطفاء، محبّين للخير، فإن كل هذه الصفات لم تشفع لهم أمام السيف القادم من الجزيرة العربية، قبل عام 622 ميلادية وبعده بعدة أعوام، كان المسيحيون في العراق ينعمون بالأمن والأمان والراحة والإطمئنان، وكان العراق كله مسيحياً، وكانت الكنائس والأديرة منتشرة في كل أرجاء العراق، ولا نستثني من ذلك قرية أو مدينة أو منطقة أو محافظة، بما فيها النجف وكربلاء، لا بل أن هاتين المدينتين اللتين اصبحتا بعد الفتح الإسلامي مدن إسلامية بحتة بحيث تم القضاء على كل أثر مسيحي فيها اليوم، نجدها في السابق مليئة بالأديرة والكنائس والصوامع للرهبان المسيحيين، ولكن بعد دخول الإسلام إلى هذه الديار، عمل السيف عمله في رقاب الآمنين، وذلك بحجة نشر الدين الجديد، وقد فرضوا عليهم جزية ثقيلة جداً لا يقدرون على دفعها، وقد هُتكت الأعراض وسُلبت الأموال بحجة الغزوات، وتطبيق شريعة الله على الأرض، فلم يشفع للمسيحيين مبادئهم السمحاء، ووفاءهم ووداعتهم، لا بل حز السيف رقاب الذين لم يدخلوا في الدين الجديد، ورُفعت شعارات مثل " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " و " أسلم تسلم " و" ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " و " الدين عند الله هو الإسلام " و " كفر اليهود والنصارى " و " كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" و " كفر من قال إن الله له ولد، فالله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفو أحد " وغيرها ، واستند القادمون الجدد إلى نصوص تقول " قاتلوهم " و" كُتب عليكم القتال " و " أعدوا لهم ما أستطعتم من ...... ترهبون به عدو الله وعدوكم ..." و " أقتلوهم أينما وجدتموهم " والمقولات التي تقول " لولا السيف لما وصل القرآن إلى الصين " وغيرها . إلى أن تم لهم ما أرادوا، وكان السيف هو الحَكَم، وأصبح الغازي هو صاحب الدار، وصاحب الدار ضيفٌ في بلده ، يخضع لشريعة الغازي أو ينال منه السيف بإسم الله ،وها هو اليوم، حيث يعيد التاريخ نفسه في زاخو وسميل وشيوز وغيرها من المناطق، ولربما بعد هذا الهدوء هناك عاصفة تعصف بما تبقى من مسيحيي العراق،
لقد جرت حملات مماثلة لما جرى في زاخو والمناطق المحيطة، حيث هُجّر المسيحيين من بغداد وقتلوهم في البصرة، وفجّروا دورهم وكنائسهم في الموصل ، وخطفوهم في كركوك، وطالبوهم بالجزية أو إشهار إسلامهم أو القتل في مناطق الدورة وغيرها، واليوم تشهد زاخو والمناطق المحيطة بها ما جرى للمسيحيين في بقية مناطق العراق، وبدأ نزيف الهجرة ينشط من جديد، وهذا جل مايريده المنتقمون، خاصة بعد أن تواردت انباء عن تصريحات الأستاذ مسعود البرزاني رئيس الإقليم عن أن الملا الذي أجج نار الفتنة لم يكن مخطئاً ولا مقصّراً ، إذن هي الحملة على المسيحيين لتهجير ما تبقى منهم في أرض الأجداد .
بعض المسلمين كانوا في الجامع للصلاة، السؤال هو ، هل حرّضهم كاهن ؟ أم رجل دين مسلم ؟ هل تهجم عليهم أحد من المسيحيين ورشقهم بالحجارة وهم يصلّون ؟ هل وقفوا لهم بباب الجامع بسيوفٍ وعصي ؟ هل أقتحموا الجامع بإسم يسوع المسيح وهم مدججين بالبنادق والرشاشات والرمانات اليدوية وقتلوا إمام الجامع والأطفال والنساء والشيوخ ؟ إذن لماذا هذه الغوغاء على المسيحيين ؟ وكيف يمكن لمن هيّج الشعب الأمي على الهجوم أن يكون بريئاً ؟ نعم الشعب الأمي، لأنه لو لم يكن أمياً متخلفاً لما نسي وتناسى عشرة عشرات السنين مع إخوانهم المسيحيين ويهجموا عليهم ويحرقوا دورهم ومحلاتهم ويعتدوا إعتداءا آثما على ممتلكاتهم، وفي النهاية يكونوا ابرياء ؟ عجيب أمور غريب قضية !!! أيها الشعب الجاهل ، يا من أطلقوا عليكم لقب الغوغاء لتغطية المخططات البعيدة التنفيذ، ألم تكونوا بالأمس ولربما قبل الصلاة بدقائق تتسامرون مع إخوانكم المسيحيين ؟ كيف نبرر تصرفات الهجوم ؟ من اين جاءت الغوغاء ؟ ومن الذي قام بالتحريض ؟ من هو المسبب ؟ هل يمكن تقييد الدعوة ضد مجهول ؟
ألف وأربعمائة عام والمسيحي يدفع الثمن في كل البدان العربية، ثمناً غالياً يدفع، دمه الزكي، طيبته، أخلاقه، إيمانه، إخلاصه لجاره، صونه شرف جاره وعرضه وماله وممتلكاته، إعتنائه بجاره،
كيف السبيل إلى التعايش السلمي ؟ وهل هناك ثقة بعد ذلك ؟ وكيف يمكن إعادة هذه الثقة ؟أيها الملالي لماذا تحرّضون المسلمين المصلين على أن يقتلوا بإسم الإسلام وينتهكوا الأعراض بإسم الإسلام ويعتدوا على الجار ينهبون مقتنياته وأمواله وينتهكون الشرف الطاهر بإسم الإسلام، كفاكم غدراً وإعتداءاً ؟ أين المسلمون الحقيقيون ؟ ولماذا أنتم ساكتون ؟ خوفاً ؟ عدم مقدرة ؟ أم حفاظاً على كرامتكم من أن تُهان في هذا الزمن الشرير الفاسد الذي تُرتكب فيه الموبقات بإسم الله والدين ؟ تحضرني نكتة شعبية يتندر بها البعض اسمحوا لي أن ارويها لكم على بساطتها : ــ يقال أن هناك شخصاً أتفق مع الشيطان وقال له : ــ
شنو رايك نلعب لعبة اضربك راشدي( يعني يسطره على خدّه ) وتضربني راشدي( بالعامية العراقية) الشيطان وافق، فقال الشخص، أنا أبتدئ أولاً، وسطر الشيطان سطرة أفقدته صوابه،
جاء دور الشيطان وعندما أقترب من الشخص قرأ الشخص التعويذة ،اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هرب الشيطان ... ...
جاء دور الشخص مرة ثانية، ضرب الشيطان راشدي عماه عَمي ( اي لم يعد يرى طريقه )
وجاء دور الشيطان الشخص تعوذ من ابليس، هرب الشيطان ....
المرة الثالثة الشخص ايضاً لطش الشيطان راشدي نوّمه بالكاع
جاء دور الشيطان، الشخص تعوذ من ابليس لكن الشيطان لم يهرب ,
استغرب الشخص وقال له مستفسراً ومستغرباً : ــ ليش ما أنهزمت ؟
فقال له الشيطان : ــ صرت مسلم . اليوم ابو ابوك احرگه .
نعم أيها المسلمين الشرفاء ، نحن نقدّر موقفكم ومواقفكم الشريفة على مر الزمان، نعم نحن نقّدر وقفاتكم الشريفة والمشرفة بحق المسيحيين، نعم لم ولن ننسى كلماتكم وردود افعالكم تجاه هذا الوضع الردئ الذي اصبح شائعاً، أيها المسلمون الحقيقيون، لماذا أنتم ساكتون ؟ هل أرهبكم الإسلام السياسي المتطرف ؟
يحضرني قول للمفكر ليوي تولستوي " الجميع يفكر بتغيير العالم، ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه " .
نعم في قلبي غضّة، وفي عيني دمعة، وفي أحشائي ألمٌ وحسرة ,,, يا ليتني أعرف الجواب لماذ .........لماذا .......... لماذا .........