أحزاب منشغلة في التسميات .... وأحزاب تزداد قوة في التوحّد
صديقي الذي يعيش معي وبصورة دائمية كان قبل سنوات هادئاً فرحاً مبتسماً للحياة قليل الثرثرة والإزعاج , لكنه وفجأة انقلبت أحاديثه وكأنها شكل من أشكال الدفاع عن أحد المذاهب الدينية التي تعرضت للتهميش وأصبح اهتمامه ينصب على التهديد والوعيد مقرونة بصور العنف ومآسي وأحزان الأبرياء لزيادة التأثير النفسي , صديقي هذا حتى شكله قاتم ومزعج ...فتارة يخبرني بانفجار سيارة مفخخة , وأخرى باقتحام المنازل , ثم يسمعني باكتشاف فساد مالي في وزارة , أو بسقوط قذيفة هاون على سوق , ويعيد الكرة بان الإرهابيون قاموا بذبح رهينة بريئة , ثم اغتيال احد الأساتذة ... والخبر الأكثر إزعاجا هو عن الانتخابات ليقول إنها كانت مزورة وان المفوضية للانتخابات غير مستقلة بل كانت مسيّسة وغير نزيهة ؟ ويستمر في إزعاجه فيقول ان وزارة الخارجية يحتلها الأكراد ووزارة الصحة تحتلها الجعفرية ومدينة الطب عادت الى عصر الجاهلية ومرضاها يعالجون بالتعاويذ والقراية , والتربية والتعليم العالي وخاصة جامعة البصرة يستعدون لتخريج مؤذنين وندابات .. الى ان يزيدني إزعاجاً ليختمها بحديث عن قضية الحلال والحرام حيث يحدثنا احد المتصوفين في الدين وباهتمام ملحوظ وهو يجيب على اسئلة عشرات المتصلين حول احدث الدراسات في علوم الحلال والحرام ؟ تصوروا كم هو مزعج هذا الصديق الثرثار في اهتماماته هذه ؟.. فهل للبعض الحق ان يقولوا لصديقي النائم في { دولة الفيحاء والفرات } ...الأجدر بك ان تبحث عن حل حلال لأزمات شعبك الذي يقتل ويذبح ويشرد ويمزق ويسرق كل يوم ؟... وعرب وين وطنبورة وين !
الى جانب حديث صديقي المزعج هذا , يأتيني صديق ثان عبر الهاتف وقد تحرر من عبائته ليتنفس الحرية تاركا طقوس السواد وحديث الأحزان جانبا ليحدثنا عن فرحته .. حيث زفة لنا بشرى كردية لا شيعية ولا سنية .. قائلا وأخيرا لقد { إتحد الأكراد } .. واضاف .... لقد جاءت البشرى حول الاتفاق بين المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لتوحيد ادارتيهما في ادارة واحدة لطي صفحة الماضي الاليم من تضارب المصالح واقتتال بين ابناء المجتمع الكردي الذي راح ضحيته ألاف الأكراد , والذي كلف العرب والتركمان والمسيحيين واليزيديين والشبك الكثير من المآسي وعلى حد سواء , نعم لقد صدق الثاني , وسيستمرالصديق الأول في احاديثه المزعجة .
والمفرح في الأمرهو مدى التأثير الايجابي الذي سيحدثه هذا النضوج الفكري للقادة الكرد بالنسبة لقادة { الأحزاب المسيحية }* حيث تعاني هذه الأحزاب من أزمة وإنقسامات في الرؤى للمصالح القومية مما يزيد في عرقلة الجهود التي من شأنها تحقيق طموحات شعبهم في التحرر والتقدم , ولذلك بات ضروريا الأنتقال الى مرحلة النضج السياسي لتحقيق التوحد كالذي انجزه القادة الأكراد حيث استفادوا من الدعم والمساعدة الغربية فتمكنوا من رص صفوفهم وتقوية قواتهم بعد ان كانت قد فقدتها في العهود السابقة , كما لا يخفى على احد ان ما حصل عليه الكرد من دعم ومساندة امريكية ودولية قبل وبعد سقوط نظام البعث قد تحقق للمسيحيين ايضا , حيث حرية التعبير والمطالبة بالحقوق اصبحت أمراً وحقاً طبيعياً وبامكان الأحزاب المسيحية الأستفادة هي الأخرى في المطالبة بحريتها واستقلاليتها ضمن الوطن , ان استقرار الوضع العراقي اليوم بحاجة الى نضج سياسي وحوار ديمقراطي يضع حقوق الأنسان القومية والدينية فوق اي اعتبار لأنه الحل الامثل والطريق الصحيح في بناء العراق الجديد بعد ان تحرر من حكم الحزب الواحد , ولذلك فقد حان الوقت لأن تتحد { الأحزاب المسيحية } ويكون لها موقف واحد بادارة واحدة ولتاخذ من تجربة وحدة الأكراد المثل الأعلى لترسيخ وجودها وقطع الطريق امام شرذمة العابثين الذين يزرعون العراقيل امام توحدها , ان المباشرة بتوحيد القوى الحزبية المسيحية ستدلل على قوة وجودها وسلامة توجهاتها وحسن نيتها اتجاه شعبها واتجاه وطنها العراق وهي بالتالي ستشكل قوة لا يستهان بها امام كل القادة العراقيين , ان توحيد الادارتين الكردية حدث ومؤشر جيد ورائع للتقدم نحو السلام ليس في العراق فحسب انما في المنطقة برمتها وعلى قادة احزابنا المسيحية اغتنام الفرصة والأقدام على طرح مشروع يدعو كافة الأحزاب المسيحية لتوحيد اداراتهم الحزبية السياسية والسعي مستقبلا لتوحيد اداراتهم الدينية ايضا وقد لا اكون مخطئا ان قلت انها الفرصة الأخيرة للظهور كقوة مؤثرة على الأرض خاصة وان القوة الأمريكية مازالت مهيمنة في العراق .
وكعادتي في الكتابة حيث لا اتطرق لخصوصيات عمل احزابنا المسيحية وذلك لأستقلاليتي في طروحاتي , الا اني ارى من الضروري ان اشير وبكل تقدير الى قائمة الرافدين والتي يترأسها الأستاذ يوناذم كنة باعتبارها استطاعت ان تحصل على تأييد الغالبية من ابناء شعبنا لبرنامجها الأنتخابي لذلك ندعوها ان تتقدم كأم حاضنة لهذا الشعب ان تكون السباقة لتحقيق التوحد بين الأحزاب والمباشرة لطرح مبادرتها عبر وسائل الأعلام المختلفة بالدعوة لكل رؤوساء الحركات والأحزاب والجمعيات المسيحية للقاء وتدارس اسباب التشتت الذي يعصف بشعبنا للخروج بنتائج توحد العمل , كما لا استثني من ذلك وبكل تقدير واحترام الأخوة رؤوساء الأحزاب المسيحية الأخرى للسعي ودعم المبادرة وبنفس الأتجاه .
وبهذه المناسبة ولأن هذا الحدث يدل على منهجية التخطيط الكردي السليم ويعبرعن نضج سياسي عالي توصلت اليه القيادة الكردية في هذه المرحلة وهو دليل ايضا على حسن نية القادة الكرد اتجاه قضية شعبهم لذلك ...نتقدم بتهانينا للقياده الكرديه والتي اثبتت مقدرتها على تجاوز العقبات وتفضيل المصلحة العليا لقضيتها على مصالحها الشخصية والحزبية الضيقة , وهي المؤهلة لتحقيق الرفاهية للجميع .
إن توحيد إدارة الحزبين الكرديين هي بلا شك ستساعد على التوجه لبناء واعمار منطقة حكمهم كردستان والتي ستكون نموذجا مزدهرا لكل الساكنين , كما تعتبر حافزا للأحزاب المسيحية التي يشكل ابناءها ثقلا في المنطقة للبدء بتوحيد صفوفها لتعلن عن وجودها موحدة وقوية الى جانب القوى الكردية لتحقيق استقلاليتها وازدهارها هي الأخرى , وكما قلت انها الفرصة الأخيرة للظهور بشكل اكثر فاعلية وتماسك في المنطقة الى جانب انها ستكون خطوة لكشف نوايا الأخرين , الف تحية للعراق دار التوحد والسلام والف تحية للتوحيد الكردي , والف تحية للتوحيد الحزبي المسيحي القادم .
· *{ الأحزاب المسيحية } ...نقصد بها ............
· القوى والأحزاب ... الأشورية . والكلدانية . والسريانية .
عن موقع القوش