أزمة النزوح تثير ارتيابا وتوترات بين اللبنانيين
المصدر: كوردستان 24
على وقع القصف الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية، تدفّق عشرات الآلاف من سكان المنطقة إلى بيروت وضواحيها، ما يثير حساسيات وارتيابا وتوترات في بعض المناطق في بلد لطالما عانى من المشاحنات والانقسامات الطائفية والسياسية.
وتروي كريستينا أن عائلتها استقبلت أسرة نازحة في منزلها في بيروت، لكنها سرعان ما أُرغمت على مطالبة العائلة الشيعية القادمة من الضاحية الجنوبية، بالرحيل بعدما عبّر جيرانها عن ذعر وخشية من أنّ تضم الأسرة عناصر في حزب الله قد تستهدفهم اسرائيل.
وتقول الشابة (30 عاما) التي فضّلت عدم إعطاء اسمها كاملا بسبب حساسية المسألة، لوكالة فرانس برس، "اكتشف جيراننا أننا نستضيف أشخاصا من الضاحية وشعروا بالذعر وبدأوا طرح أسئلة".
وتضيف "هناك توتر وارتياب متزايد تجاه النازحين المنتمين إلى الطائفة التي ينتمي إليها عناصر حزب الله".
وفي حين يتمتع حزب الله، وهو التنظيم الوحيد الذي لم يسلّم سلاحه بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، بدعم كبير في صفوف الطائفة الشيعية، يحمّله عدد كبير من اللبنانيين مسؤولية إدخال البلاد في حرب مع اسرائيل لا يريدونها.
وبعد عام من فتحه ما اسماه "جبهة إسناد" لقطاع غزة من لبنان ضد اسرائيل دعما لحركة حماس التي تخوض حربا مع الدولة العبرية، تحوّلت المناوشات الحدودية إلى حرب مفتوحة منذ 23 أيلول/سبتمبر، مع تكثيف إسرائيل قصفها على مناطق تعتبر معاقل للحزب في جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية. لكنها أيضا تستهدف أماكن في مناطق غير محسوبة على الحزب مثل منطقة عاليه في الجبل والشمال والوسط.
وتقول إسرائيل إن كل استهدافاتها هي لمستودعات أسلحة أو قياديين أو بنى تحتية أو منشآت للحزب الشيعي.
وأدّى القصف منذ 23 تشرين الأول/أكتوبر إلى مقتل أكثر 1100 شخص، بحسب أرقام رسمية، ونزوح أكثر من مليون شخص.
- "رجال ملتحون" -
وافترش عدد كبير من النازحين الطرق في عدد من شوارع بيروت، أو تكدّسوا داخل مدارس تحوّلت إلى مراكز إيواء. أما الأكثر حظا، فتمكنوا من استئجار منازل أو الاحتماء عند أقارب لهم.
خلال الأسبوعين الماضيين، باتت بيروت أكثر اكتظاظا، وزحمة السير فيها خانقة أكثر من العادة، وكل ذلك يثير قلق كثيرين.
وتقول سهير (58 عاما)، وهي ربة منزل، إنّ الذعر انتاب جيرانها بعدما انتقلت الى مبنى سكنهم عائلة شيعية ترتدي نساؤها العباءة الشرعية السوداء.
وتروي لوكالة فرانس برس أنها تلقت اتصالا هاتفيا من جارة مذعورة نازحة بدورها قالت لها "لم نهرب من الجنوب لنموت هنا".
وتقول إنّ ليس للأسرة انتماء سياسي، "هم مجرد أناس متدينين".
وتضيف "أصبحنا نرى بشكل متزايد نساء يرتدين العباءة السوداء ورجالا ملتحين وشبابا يرتدون الأسود (اللباس المعتاد لعناصر حزب الله)"، وهذا "مشهد لم نعتد رؤيته" في وسط بيروت.
- "ريبة" -
وتتحدّث المرأة عن جوّ عام من الريبة بين السكان، مشيرة الى أنها باتت تشعر به هي أيضا. فعندما ذهبت لتناول القهوة في منزل صديقتها، اكتشفت أن هذه الأخيرة تستضيف نازحين، من بينهم رجال ملتحون. فقطعت زيارتها لأنها كانت قلقة من أنهم قد يكونون أعضاء في حزب الله.
وتتابع "ينظر الناس إلى بعضهم البعض بريبة في الشوارع (...). إنهم خائفون من بعضهم البعض".
ولا يقتصر هذا التوتر على بيروت، إذ امتد أيضا إلى مجتمعات خارج العاصمة في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الستة ملايين نسمة، بينهم حوالى مليون ونصف مليون لاجىء، ولم تندمل فيه جروح الحرب الأهلية تماما بعد.
ويقول عماد (68 عاما) الذي يعيش في قرية درزية في جبل لبنان "اعتاد الناس تأجير المنازل لأي شخص، لكنهم الآن يتوخّون الحذر الشديد".
في قرية مسيحية قريبة من بيروت، يقول إيلي (30 عاما) إن أحدا لم يؤجر شققا لنازحين في القرية.
ويضيف "الناس خائفون لأننا لا نعرف من منهم وإذا كانوا أعضاء في حزب الله".
ويتابع "يخشون أيضا أن يبقى النازحون عندهم بشكل دائم أو شبه دائم لأن العديد من منازلهم دمرت".
- استيلاء على المنازل -
في بيروت، اقتحم بعض النازحين مباني فارغة بحثا عن مكان للنوم، ما أعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب الأهلية التي قتل فيها أكثر من 150 ألف شخص، وانتشرت خلالها على نطاق واسع عادة "مصادرة المنازل" الفارغة من أصحابها.
وأعلنت قوى الأمن الداخلي في بيان الأسبوع الماضي أن "عددا صغيرا جدا" من النازحين "احتلوا ممتلكات خاصة"، مضيفة أنها "تعمل على إخراجهم" بعد "تأمين سكن بديل لهم".
ويقول رجل الأعمال رياض (60 عاما) الذي يعيش في الخارج، أن شقيقة زوجته انتقلت الى شقته منعا لدخول أي غريب.
ويقول "شهدنا هذا في السبعينات والثمانينات"، عندما كانت مجموعات مسلحة تستولي على الشقق وتعطيها لعائلة نازحة.
وقال "استغرق الأمر من بعض الناس عقدا من الزمن قبل استعادة منزلهم. (...) لهذا السبب يشعر الناس بالذعر". وتابع "حدث ذلك من قبل وسيحدث مرة أخرى".