أعذرني إذا لم أتواصل معك بالعربية
بالرغم من أنني أعتز باللغة العربية كثيرا لأنها تتيح لي التعبير عن نفسي أكثر من أية لغة أخرى أعرفها ، وبأعتباري من المؤيدين للحكمة القائلة .. تحدث بلغتهم تتقي شرهم .. أينما ذهبت فلا يصعب علي كثيرا تعلم لهجات من أسكن معهم حتى لو كان الأمر مجرد ملاطفة ببضعة كلمات ليس ألا . ولكنني لو علمت بأن من أتحدث معه بالعربية يمتلك بعض أساسيات لغتي الأم .. السريانية .. عندها أتراجع وأنا كلي أسف فلن أتواصل معه لأنني علمت بأنه ملم بشيء من اللغة وحتى لو لم يفهم كل ما أقـوله ، عليه أن يتعب قليلا ويسترجع ممارسته لأنني بالفعل أجد صعوبة في التكلم بالعربية أو حتى مستقبلا بأية لغة أخرى كانت مع أنسان ساورني أدنى شك أو تيقنت بأنه يعرف على الأقل عشرة بالمئة من بديهيات السريانية .وليس هذا فقط . ففي الوسط الذي تربيت فيه كان الناس ينظرون إلى كل زائر قادم من بغداد أو غيرها من المحافظات يتجاهل السريانية ويختار العربية للتواصل مع أبناء جلدته ، بعين من الأزدراء ويعتبرونه مجرد مرائي فارغ ليس ألا وكذلك أنا (( أسف )) ولحد الأن لا أهضم مشهد أرى فيه أثنين سواء زوج وزوجة أو تحت أي مسمى أخر يتبادلان الحديث بالعربية رغم كون الأثنين ملمان بكامل تفاصيل السريانية وأعتبر ذلك جريمة بحق هذه اللغة وبداية مناسبة لأسقاطها من حسابات الأجيال القادمة . فقد يقلدهما في ذلك الأطفال ويصبح الموضوع كما كان في السابق بالنسبة لأهل المدن نوع من الموضة السائدة والنتيجة كانت أختفاء هذه الأبجدية بشكل شبه كامل كلغة ثقافة اليوم وأنقراضها حتى كلغة محكية في أبرز وأقدم معاقلها في سوريا ولبنان والعراق . لذا فمن المهم أن نتواصل مع بعضنا البعض بلغتنا الأم وإذا صعب على كلينا أي شيء ، أشرح لي أو سأشرح لك بأية لغة أخرى ولكن المهم أن لا نسترسل في ذلك ونعود لأصل الحديث ولغته الحوارية . أتفقنا ..؟
ما دفعني إلى هذا التمسك وعزز من مكانة اللغة في قلبي وضميري هو رؤيتي للكثير من السريان الذين لا زال حديثهم يحتوي على كلمات منسوبة لهذه اللغة وفي أي حديث أمامهم في الشارع أو داخل وسائط النقل . كانوا يبادرون للسؤال قائلين . أية لغة تلك التي تنطق بها مع صديقك أو في الهاتف . فكانت الأجابة تأتيهم مسرعة .. هي اللغة السريانية .. ويعودون مجددا لطرح السؤال قائلين .. صحيح ..؟ ويقولون نحن أيضا سريان ولكننا لا نتحدث بهذه اللغة معللين السبب في ذلك جهل أحد الوالدين بأساسياتها وأنسياق الأخر إلى تبني العربية لتصبح لغة العائلة . ولكي لا ياتي يوم نصل نحن أيضا فيه إلى ما وصل أليه الأخرون ، ولكي لا نفقد هذا الأثر المهم في تاريخ العالم وأنشاء الله في مستقبله . تحدث مع أطفالك بالسريانية حتى لو حاولت تعليمهم عدة لغات وإذا كان شريكك في الحياة لا ينطق بها أسترسل معه بشكل تدريجي وطعم كلماتك يوميا بكلمة جديدة وعمرا مديدا أتمناه لكما فتخيل كم ستكون السريانية سهلة عبر سنوات طويلة حتى لو تحدثتها بلكنتي الريكانية الصعبة جدا على باقي الأشوريين ، ربما لأننا نلفض حرف الراء كما يلفضه الأمريكان أو لأن لهجتنا مليئة بالمفردات الكردية التي لا يحبذها (( خونواثن خيني )) أخوتنا الأخرين ولكن لا ضير في ذلك لأن الكردية كلغة لا ترتقي لمستوى أن تحل بشكل كامل محل السريانية أو تسد الفراغات التي قد تعانيها لغتنا الأم . وبصراحة أكثر فنحن ميالون جدا للأكراد حتى لو عكر مزاج هذه العلاقة بعض أثار الوخز بالأبر الكردية . فنحن كنا نطلق عليهم برا (( أخي )) وهم كانوا يقولون لنا مام (( عم )) أو بصمام (( أبن العم )) ولكي لا تصاب بالشقيقة لن أتكلم معك بتلك اللكنة وسأحاول أستعمال السريانية أو الأرامية الدارجة ولكن أرجو أن لا تنسى التحدث بهذه اللغة دائما لأنها كنز ثمين لا يملكه ألا القليلون فقط وانت منهم .
عصام سليمان – تلكيف .
Assyrian_publisher@yahoo.com