ألعمامات السوداء واللّفات الحمراء وناسنا الأوفياء في الأيام الحمقاء
من ألأقوال المأثورة للإمام علي ,( لو كان الفقر رجلا لقتلته),و ألإمام رضوان الله عليه لم يقصد بكلمة الفقر الجوع بمعناه المحصور في خواء المعده , بل كل أصناف الحرمان ألتي يسببّها الظلم والقهر والجور ,لذلك من الجواز إحلال مرادفات أخرى محل كلمة الفقر مع إبقاء الدلالة في نفس المحور, كقولنا لو كان الظلم رجلا لقتلته , ولو كان الكذب رجلا لقتلته, ولو كانت الخيانة إمرأة لقتلتها ولو كان الحزن رجلا لقتلته.أمّا الخليفة عمر بن الخطاب الذي عرف عنه(رض) شدته وقساوته في إحقاق ما كان يراه واجبا ,فقصته معروفه مع الأم ألتي كانت تخدع أطفالها الجياع في الدق على الحصى لتوهمهم أنها تطبخ لهم شيئا يأكلوه ليسكتوا ويناموا,وحين مرّ الخليفة عمر ورأى ذلك المشهد, أسرع بنفسه وجلب السمن والطحين وطبخ لهم بيده ثم أطعمهم حتى شبعوا وناموا,ولا أعتقد بان الخليفة سأل عن دين أولئك الأطفال أو عن قوميتهم, بل رأى فيهم ما يتوجب عليه فعله من أجل إرضاء ربّه و رسالة دينه.
هذان مثالان أعرضهما أمام رجال ديننا , المسلمين منهم بشكل خاص ومن يمثلّهم في سدة الحكم ,لتذكيرهم بأنّ الله حين خلق الإنسان لم يخلقه ليكون مسلما, ولا ليسميّه مسيحيا أو زرادشتيا, بل خلقه مقدسا ً بجسد وروح على صورته ومنحه عقلا ينظمّ فيه حياته وليختار بقناعته الفكر والعقيدة ألتي تمكنّه الفوز برضى الله أولا ثم أنبيائه والناس , لأضيف وأقول بأنّ المسيح أصاب وهو السبّاق في إعلانه بأنّ إدخال الجمل في فتحة إبره أسهل من دخول الغني إلى الجنة, أيّ أنّ الفقراء المسالمين والمساكين هم أولى بالجنة وبساتينها ألتي تجري تحتها الأنهار ,ومن أراد من الأولياء الكبار دخول الجنة عليه التجرد عن ملاذ ذاته ألتي يغصبها على حساب الأخر أولا ثم فرض تقديم يد العون للمساكين والمظلومين دون التحقق عن إنتمائهم الديني أو ألعرقي .
المؤسف اليوم هو ان مرّد ما يدور بالعراق من مأسي هو خلط الأمور الحاصل من عكس الأيات وقلب مفاهيم وتعاليم السماء , وهي نتيجه حتميه لعملية تسييّس الدين بهدف الإستحواذ على سلطة أخرى تضاف إلى السلطة الدينيه , وما يترتب على ذلك هو بالضبط ما يشهده العراقيون الغير المسلمون على يد دعاة الإسلام الذين إستحوذوا على السلطةالمدنيه سياسيا ,حيث ليس لك يا أيها الغير المسلم سوى أن تختار واحد من الأربعه , إما أن تعلن إسلامك أو أن تدفع الجزية أو تقتل أو تهاجر , وما يثبت ذلك هو رد حضرة أمين مكتب مجلس الوزراء على رسالة النخبةالمسيحيه العراقية في ألمانيا وقوله أن لا داعي لتضخيم قضية معاناة المسيحيين في العراق أوترويجها عالميا كي لا يسمع بها الأجنبي ويستغلها, ويضيف بكل لا أباليه غير معهوده بأن دولة رئيس الوزراء يولي العناية الفائقه بالمسيحيين , هذه التصريحات تثبت لنا كم فطاحله هم سياسييّنا في ترتيب النكات , يقولها السيّد من دون أن يسأل نفسه أين أصبح مسيحييوا العراق(كلدواشوريين سريان وأرمن) وصابئه وشبك وأيزيديين في ظلّ دستور وشرع حكومتهم المسمّاة بحكومة الوحده الوطنيه ؟ كي تبقى هواية الرقص على جراح المساكين المحبين لوطنهم التاريخي هي الرغبة المتجدده بالوراثة ليجعلوننا جاليه في زمن يسمونه بزمن التحرير ؟
أو ماذا يترجّى أبن العراق المظلوم من معممّ بلباس مدني إتخذ من السياسة منبرا لتمرير مأربه وهو يتولى مسؤولية وزارة مثل وزارة التربية ؟ سوى إصدار قرارات غريبة عجيبة لم يحصل حدوثها حتى في زمن الديكتاتور صدام؟؟ كيف ومتى يعقل إجبار التلميذ الممتحن الغير المسلم على تأدية إمتحان في مادة التربية الدينيه الإسلاميه وجعلها مادة أساسية في تحصيل المعدل العام؟أليس المفروض بوزارة تربية في حكومة يقال عنها( زورا)بأنها (حكومة الوحده الوطنيه)حين تصدر تعليماتها عليها مراعاة مشاعر شرائح المجتمع وتعدديّة إنتماءاتها ومعتقداتها,أم أن تضيق الخناق عليها و تضعها ما بين سندانات تطرّفها ومطرقات قوانينها الباليه.
معضلتنا اليوم في بناء الوطن الجديد ليتها إنحصرت فقط في وجدان مرجعيات الملالي ووكلائهم المدنيين ,بل تتعدى إلى ما بعد نفحة زوال المد العروبي الذي ألغى كل شيئ , لتتجدد اليوم على أيدي فخامة أدعياء العلمانييه من الساسه الأكراد القوميين هذه المره , ومخاطر هذا المد تزداد يوما بعد يوم كلما إنكشفت نواياه المبيّته, وإلا ما سبب تغاضي القيادات الكرديه عن تصريحات الملا بختيار الذي إعتبرنا مقيمين على أرضه!!!ألا يعني ذلك أنه في كلامه كان ينقل إلينا رسالة مصدرها القياده الكردية بحزبيها ؟
لقد سبق و نوهنّا والكثيرون معنا في مقالات عديده أوضحنا فيها عجز الشرائح العراقيه ألتي لا تمتلك ميليشيات في الدفاع عن أنفسها و طلبنا منهم بأسم ديمقراطيتهم بالرفق بأهل العراق الأصلاء , وها نحن مرة أخرى نؤكد للعراقيين وللعالم بأنّ هذه الشرائح باتت اليوم فعلا تواجه علنا ظلمها (الديني والقومي) المزدوج من شرائح كانت بالأمس ضحية وإنقلبت اليوم ألى جلاد ذي خبره يمارس بإسم الديمقراطيه كل ما تستحرمه مفاهيم الديمقراطيه , خاصة في غياب سلطة القانون وعبثية مضامين دستورنا الجديد وصولات ابطاله .
فيما يخص الجانب الديني ذكرنا فقط مشهدا واحدا من الكثير الذي يتعلق بديمقراطية الحكومة وتركنا كل ما يتعلق بالمجاميع المتطرّفه.
أمّا حول الجانب القومي فحدث ولا حرج,لكننا سنكتفي هنا أيضا بذكر مثالا واحدا نظرا لحداثته وتعلّقه المباشر بمعاناة أهلنا المحرومون في قراهم ,ليست فقط من كهرباء المولدات التي أرسلتها السلطة الكرديه في شمال العراق على أساس( مساعده) وقتيه للأهالي من قبل جيرانهم الأكراد عن طريق ألسيد سركيس اغا جان , و التي إنكشفت حقيقتها المؤلمه للجميع حين تمّ تعطيل هذه المولدات أو حددّت ساعات تشغيلها كعقوبة لأهالي القرى ألتي لم يرضخ أهلها للمشروع القومي الكردي وسياسته في تكريد قرى سهل نينوى , وحجة تعطيلها أسهل ما يكون وهي شحة الوقود , على مدى الأسبوع الماضي إتصل بي أكثر من صديق من قرانا في سهل نينوى ومناطق إيزديه أخرى, وحين السؤال عن أحوالهم, أقسموا لي بأن الكهرباء مقطوعه لأكثر من خمس وثلاثين ساعة ,علاوة شحة الماء و النفط والغاز مضيفا بأن أكوام من الأكاذيب المفبركه تغرق أهلنا كلّ يوم بالمواعيد وكلها لا تتعدى سوى حبر على الورق و شعارات للإستهلاك المحلّي ولتمرير السياسات لا أكثر !!
طيب, لو تساءلنا ما الذي إستجدّ إذن؟ قبل شهرين وأكثر كانت الأمور الخدميه في ألقوش على سبيل المثال يضرب فيها المثل مقارنة بأماكن أخرى في الموصل والمحافظات الأخرى, واليوم أصبح الوقود هو السبب في تعطيل هذه المولدات, إنه أمر عجيب ,نعم حقيقة الأمر تبعث الشكوك في نفس المواطنين وتؤكد حقائق لا تقبل الشك , في زمن صدام كان ممنوع على غير البعثي أن يحصل على دار سكنية من دور الإداره المحليه ذات الإيجار الزهيد, وممنوع عليه أيضا إستحصال إجازة وكالة بيع لغير البعثي, أما الوظيفه اليوم فيستحيل الحصول عليها إلا بعد إرفاق الطلب بتزكيه حزبيه !! ما الذي تبدلّ إذن؟ الحالة نفسها هي هي لم تتغير سوى التغيير في أسم الحزب القائد وألوان العلم القومي الجديد , أمّا التفاصيل الأخرى فهي نفسها تتطابق مع ما كان يحصل في عهد الديكتاتوريه إن لم تكن أسوأ في مناحي كثيرة منها.
في الختام نقول لهؤلاء الديمقراطيين من أصحاب العمامات واللفات بأن القول )) ربّ دهر ٍ بكيت ُ منه, فلمّا صرت في غيره بكيت عليه)) ينطبق مع الأسف على أهلنا المساكين في هذه الأيام الحمقاء .