أموال النازحين باب آخر للفساد وهدر المال العام في العراق
المصدر: صحيفة العرب
يفتح ملف النزوح في العراق وما يخصص له من موازنة ضخمة بابا آخر للفساد ونهب المال العام الذي تحوّل إلى ظاهرة شائعة تلاحق أموال الدولة حيثما وجدت. ويبدو الوصول إلى الأموال المخصصة للنازحين أسهل على سرّاق المال العام وناهبيه نظرا إلى تداخل الملف وضعف منظومة إدارته ومراقبة مخصصاته المالية وأوجه صرفها. واتهمت فيان دخيل عضو لجنة النزاهة النيابية وزارة الهجرة والمهجرين في الحكومة الاتحادية "بهدر الأموال المخصصة للنازحين بطرق غير مشروعة".
وملف النزوح الذي تعمل السلطات العراقية على إغلاقه، مترتّب على سنوات الاضطراب الأمني الكبير الذي شهده العراق خلال العشرية الماضية والحرب التي دارت ضدّ تنظيم داعش بعد غزوه مناطق شاسعة من غرب البلاد وشمالها، مطلقا موجة فرار جماعي للأهالي من مناطقهم تاركين ممتلكاتهم ومواطن رزقهم نحو مناطق أكثر أمنا اضطروا للإقامة فيها في ظل ظروف معيشية قاسية عملت الدولة العراقية على تخفيفها من خلال تخصيص أموال للمساعدات لكنها لم تنجح في صرفها على نحو ملائم وتوجيهها نحو مستحقيها بسبب الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة.
وقالت دخيل خلال افتتاحها مكتبا جديدا لتوزيع البطاقة الوطنية للنازحين في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق إنّ هدر الأموال المخصصة للنازحين “يزيد من معاناة العائلات التي تعيش في المخيمات”.
وكان إقليم كردستان بفعل حفاظه على استقراره خلال حرب داعش قد مثّل وجهة للآلاف من النازحين الذين تمكّن بعضهم من العودة إلى مناطقه الأصلية ولم يتمكّن البعض الآخر من ذلك بسبب عوائق أمنية وعثرات في إعادة إعمار المناطق المدمرة بالحرب وجعلها من جديد مناسبة لعيش السكّان. وتجد بعض القوى النافذة في الدولة العراقية من أحزاب وميليشيات مسلّحة مصلحة في إطالة أمد قضية النزوح لما تفتحه لها من باب إضافي لنهب المال العام وهدره.
وأرجأت السلطات العراقية في يوليو الماضي قرار إغلاق مخيمات النازحين الإيزيديين وذلك لتعذّر عودتهم إلى موطنهم الأصلي قضاء سنجار الواقع غربي مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بالشمال العراقي، والذي ما يزال يشهد العديد من الصراعات والمشاكل بسبب وجود مقاتلي حزب العمّال الكردستاني داخله وتمسّك ميليشيات شيعية كانت شاركت في استعادته من تنظيم داعش بعدم مغادرته، في وقت تطالب فيه سلطات كردستان العراق ببسط نفوذها عليه وتضغط تركيا لطرد الحزب المذكور منه.
وسيظل النازحون الإيزيديون بذلك مستثنين حتى إشعار آخر من عملية تفكيك مخيمات النازحين بشكل كامل وإعادة هؤلاء إلى مناطقهم الأصلية التي كانوا فروا منها بسبب غزو تنظيم داعش لها والحرب المدمرة التي دارت ضدّه بين سنتي 2014 و2017، وهي عملية بدأتها السلطات العراقية في نطاق جهودها لطي صفحة حقبة التنظيم بالكامل واستكمال بسط الاستقرار في البلاد.
وتقدمت عملية إعادة النازحين إلى ديارهم عدا عن بعض الاستثناءات من بينها بالإضافة إلى حالة النازحين الإيزيديين، حالة نازحي جرف الصخر بمحافظة بابل جنوبي العاصمة بغداد والذين استولت ميليشيات شيعية على ديارهم وأراضيهم بالكامل وبات متعذرا إخراجها منها وإعادة أصحابها الأصليين إليها.
وتم مؤخّرا الإعلان عن استكمال إغلاق مخيمات النازحين في محافظة السليمانية بشمال العراق. وكانت المحافظات الثلاث المشكلة لإقليم كردستان العراق السليمانية وأربيل ودهوك وجهة للآلاف من النازحين من مناطقهم في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وبابل فرارا من الحرب التي فجّرها غزو تنظيم داعش لأنحاء من تلك المحافظات.
ويقدر عدد من نزحوا داخليا في العراق بسبب تلك الحرب بقرابة الثلاثة ملايين نازح أصبح معظمهم يشكلون حالات اجتماعية صعبة بسبب خسارتهم لموارد رزقهم ومواجهتهم الفقر والبطالة وسوء الخدمات وانعدامها في بعض الأحيان داخل مواطن نزوحهم. وتنظر السلطات العراقية إلى إقفال ملف النزوح باعتباره جزءا أساسيا من استكمال استقرار البلد والتخلّص من مخلّفات الحرب وآثارها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، والمرور إلى فترة الإعمار والتنمية التي تتطلب جلب استثمارات أجنبية تستدعي حتما تسويق صورة إيجابية عن البلد.
غير أنّ طي ملف النزوح بشكل نهائي يواجه مصاعب بينها ما يتعلّق بالإمكانيات المادية واستكمال الإعمار وإعادة الخدمات وتنشيط الاقتصاد المحلّي للمناطق لتوفير مواطن العمل وموارد الرزق للعائدين من النزوح، وبينها ما هو أمني وسياسي على غرار مشكلتي سنجار وجرف الصخر.
ورغم القرار السابق لوزارة الهجرة والمهجرين بإغلاق المخيمات في أمد لا يتجاوز تاريخ الثلاثين من شهر يوليو الماضي فإنّ المشاكل القائمة في سنجار مازالت تحول دون إغلاق مخيّمات دهوك. وتطرقت عضو لجنة النزاهة إلى ملف نازحي قضاء سنجار مشيرة إلى أنّ القضاء “مازال يعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والرعاية الصحية”، متسائلة عن "كيفية تشجيع النازحين على العودة إلى مناطقهم في ظل هذه الظروف الصعبة والافتقار إلى البنية التحتية الأساسية".
وأكّدت أن "عددا كبيرا من النازحين العائدين إلى مناطقهم الأصلية في سنجار لم يحصلوا حتى على منحة الأربعة ملايين دينار التي وُعِدوا بها، في حين تمّ تسليم شيكات لبعض العائدين دون أن تُصرف تلك الشيكات، مما أضاف طبقة أخرى من التعقيد والصعوبات للعائدين". واعتبرت أن "هذه العوامل تجعل العودة إلى سنجار أمراً محفوفاً بالتحديات،” مشيرة إلى ضرورة أن “تتحمل الحكومة الاتحادية مسؤوليتها تجاه تحسين الأوضاع الإنسانية للنازحين في المخيمات والعائدين منهم إلى مناطقهم الأصلية".
وأوضحت أن "الحكومة الاتحادية خصصت موازنة ضخمة لوزارة الهجرة، إلا أن الوزارة تقوم بصرف هذه الأموال على غير المستحقين، بينما يترك النازحون في المخيمات دون تلقي أيّ تعويضات تُذكر، ممّا يجعل مستقبلهم في تلك المخيمات معقدا ومجهولا".
وسبق للبرلمان العراقي أن فتح قضية الفساد في ملف النزوح وقرّر عدد من نوابه استجواب وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق على خلفية جملة من الاتهامات الموجهة لوزارتها تراوحت بين توزيع مواد منتهية الصلاحية على النازحين في المخيمات وإبرام صفقات على أساس المحاباة والمحسوبية مع جهات بعينها لاقتناء مستلزمات مساعدة النازحين وإيصالها إليهم.