Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أنا إنسان إذن أنا حر

في القرن الحادي عشر قبل الميلاد كان لفظ "حر" يطلق على الأنسان الذي يعيش بين شعبه وعلى أرضه (العصر الهيروميسي)، وفي العصر التالي أصبحت كلمة"المدينة" مرادفة لكلمة "الحرية"، أي من يعيش في المدينة فهو "حر"، لماذا؟ لوجود قانون يوفق بين القوة والحق، وهنا يكون المقابل للحر هو الغريب والأجنبي وليس العبد،أي من ليس يونانياً، لأن الآلهة "آنذاك" قررت موضوعاً للعبادة وهي "الحرية"، هنا الحر لا يقصد به الفوضى أو القانون الذاتي!، بعدها تطورت الفكرة بعد طرح السفسطائيين المعنى الجديد لها عندما أصبح الحر هو من يسلك وفقاً للطبيعة، وغير الحر من يخضع للقانون، وجاء العظيم "سقراط" وعدل المعنى وعرّف الحرية بأنها "فعل الأفضل"، أي وفقاً لمعيار الخيرمنها : ضبط النفس، الفحص المنهجي، باتجاه الاكتفاء الذاتي، اما الكلبييون جعلوا المثل الأعلى للسلوك هو القناعة والاستقلال الذاتي، وجاء أفلاطون وأعطى معنى للحرية بأنها وجود الخير، والخير هو الفضيلة، وجاء أرسطو وربط الحرية بالأختيار كونه إجتماع العقل مع الارادة معاً، ثم المفكرين المسيحيين رأوا أن حرية الاختيار يمكن أن تستعمل للخير والشر، عليه لا يكفي أن يعرف الانسان ما هو الخير، بل الأهم هو أن يقدر على جعل إرادته تتجه وتميل نحو الخير، ويؤكد القديس اوغسطين ان العلم الالهي لا يحيل الأفعال من حرة الى مجبور عليها، وفي الاسلام (يؤكد بدوي عبد الرحمن - موسوعة الفلسفة ج1 ص459) ان مشكلة حرية الإرادة والجبر أثيرت مبكراً في عهد الامويين، ثم أصبحت من المشاكل الرئيسية جداً في علم الكلام، يلخص ابن حزم آراء الفرق الاسلامية: ذهبت طائفة الى"ان الانسان مجبر على أفعاله وانه لا استطاعة له أصلاً" وهو قول جهم بن صفوان وطائفة الأزارقة، وذهبت طائفة أخرى الى "ان الانسان ليس مجبراً"، واثبتوا له قوة واستطاعة بها يفعل ما اختار فعله، ثم افترقت هذه الطائفة الى فرقتين: فقالت احداها "أهل الكلام ومن وافقهم من الخوارج والمرجئة،،،" : الاستطاعة التي يكون بها الفعل لا تكون إلا مع الفعل، ولا تتقدمه البتة، والاخرى "المعتزلة وطوائف من المرجئة وجماعة من الخوارج والشيعة" قالت: ان الاستطاعة التي يكون بها الفعل هي مثل الفعل موجودة في الانسان" ثم إفترق هؤلاء على فرق! فقالت طائفة "ان الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل أيضاً" (مجموعة من المعتزلة)، وقول مجموعة أخرى: لا تكون الاستطاعة مع الفعل البتة، ولا تكون الا قبله، ولا بد وتفنى مع أول وجود الفعل،،ونستمرمع الحرية

في العصر الحديث دار معنى الحرية حول علاقة محددة فطرية أو مكتسبة، وتتعلق بالعلاقة الخارجية للكائن الحي، وحرية الاختيار،وجاء القرنين 16 و17 نرى اهتمام بمشكلة حرية الارادة، فرأى:
"كالفان" (أن فقدان حرية الإرادة وسيطرة مبدأ السعادة هما ناموسا كل انسان لم يتلق لطف الله)،
تبعه "مولينا" وقال بحرية الاستواء- أن الحر هو من يقرر حين تعطى كل الشروط الواجب توافرها للفعل"،
وانبرى "هوبز" وقرر: "أن الحرية هي إنعدام القسر"،
وبعده اسبينوزا "ان مفهوم الحرية هو"الخلو من القسر"،
جاء "ليبنتس" وقال: الحرية تكون أوفركلما كان الفعل صادراً عن العقل، وتكون أقل كلما كان الفعل صادراً عن الانفعال"،
وعند "لوك" الحرية هي "أن نفعل أو لا نفعل بحسب ما نختار أو نريد
ثم يأتي "كانط" أو "كانت" يقول : الحرية هي الصفة التي تتصف بها الارادة العاقلة في قدرتها على الفعل دون تأثير من الاسباب الاجنبية"، "والحرية هي تشريع الإرادة لنفسها بنفسها" ، "كل موجود لا يستطيع ان يفعل الا تحت فكرة الحرية"
لكن جاء "شوبنهور" وقرر انه "لا توجد حرية عمل، بل فقط حرية وجود"
وعند "هيجل" "هيكل" ان التصور المجرد للحرية هو "قيام الذات بنفسها، وعدم الاعتماد على الغير، ونسبة الذات الى ذاتها"
و"فيورباغ" ينكر حرية الارادة ويقول: انها تكرار خاوِ للشيئ في ذاته"
اما في الوجودية عند "هيدجر" ان الحرية هي "القدرة التي بها ينفتح الموجود على الاشياء وهو يكشف الوجود"، والحرية هي من ماهية الانسان الجوهرية"
ونجد "سارتر" يؤكد ان "الشرط الاول للعقل هو الحرية" ويقول: بدوي عبد الرحمن في هذا الصدد :ان الانسان محكوم عليه أن يكون حرا

الموضوع : - يقول صفدي مطاع في "الحرية والوجود"ص10 (الرجل الحكيم هو الأنسان الذي يستطيع أن يتحرر من سلطة ميوله وأهوائه)، إذن الحرية هي الأنسان، والإنسان بدون حرية لا يتمكن أن يضبط سلوكه، وبالتالي لا يقدر أن يختار موضوعه، وان حدث هذا: يعني ان حياته تبقى بدون معنى، فكل ما طرحناه من آراء متباينة ومختلفة ومتوافقة تصب كلها لصالح هذه الحرية التي لا يهبها أحد، ولا يمنحها الرئيس "حفظه الله ورعاه"، وانما ت ثنتزع إنتزاعاً، يكون ذلك بـــــــ : أن أحترم ذاتي ووجودي كانسان، ومن لا يعرف قيمة الأنسانية التي يحملها، لا وجود له، فعندما أصغي الى نفسي، أو ذاتي كما أنا، وأقر بالآخر وأعترف بمساواة كرامته معي ومع الآخرين، ومهما إختلف عني في الدين والمذهب والطائفة والفكر، أكون قد إعترفتُ بوجوده وبالتالي بحريته، لا يوجد جنس أعلى وأدنى، ولا يوجد نوع أعلى وأدنى، ولا يوجد إنسان أعلى وأدنى،،،،، انها المساواة، بين مسلم ومسيحي ويهودي وصابئي ويزيدي وبوذي ومع الذين ليس لهم دين، مع كل إنسان، بين أسود وأبيض، بين رجل وإمرأة ونذهب مع "ماثيو هنري" (لم تخلق حواء من رأس آدم لتسود عليه، ولا من قدمه لكي يدوسها برجليه، بل من جنبه لتكون مساوية له ومن تحت ذراعيه ليحميها ومن قرب قلبه ليحبها)، أليس هذا كافياً لنكون أحراراً؟

ونتيجتها تكون الحرية والوجود مرتبطة بزواج مسيحي (كما يقال)، لذا نكون أحراراً بقدر ما يعيش الآخر فينا، ونقبله بسلبياته وإيجابياته، "من منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر" هذا هو الحب الحقيقي - أن أقبل وأعترف وأقر بالآخر كما هو، وليس كما أريد أن يكون، لذا يكون الحب والمحبة من صميم قلب الحرية والوجود، هذا التزاوج الثلاثي (إن صح التعبير) بين "الحرية والوجود والمحبة" هو الأساس للبحث عن أناس يحبون الحرية، أي يحترمون الكائن البشري، وبالتالي يحبون النصر والفوز، وعلى الأقل لا يكرهون الهزيمة، فقالوا : أنا أفكر إذن أنا موجود - وأنا موجود إذن أنا أفكر - وهكذا،،،، "وأنا حر إذن أنا إنسان" - والآن نقول : أنا إنسان إذن أنا حر، فهل نرى تطبيق ثقافة الحرية المرتبطة بالوجود والكيان والحب في أفكار وطروحات رجال الدين أولاً، ورجال الدين ثانياً، ورجال الدين ثالثاً، ومن ثم الأحزاب والمنظمات والجمعيات والتيارات الفكرية،،،،،،،،،،،

اما النتيجة الثانية : نحتاج اليوم الى فلسفة واقعية أكثر من أي وقت مضى، أنظر الى التشابك والطلاق بين المفكرين والعلماء عبر التاريخ، كل طرف يدعي الحقيقة! ولكن الواقع يقول عكس ذلك : هناك صراع الأضداد، ونقيض النقيض، وهناك العام والخاص، والذات والموضوع، ونرى في القرن العاشر(ق . م) يقول : أن الحرية لا يقصد بها الفوضى أو القانون الذاتي! هذه الكلمات قيلت في العهد الهيروميسي، أي قبل أكثر من 3000 سنة! وكل هذه النظريات والأفكار التي أتت بعد ذلك ولحد يومنا هذا، ألم نفكركيف يمكن أن نستفاد من الماضي وأخطاءه؟ ماذا نرى في العراق اليوم؟ من منكم يختار أي فكر منطبق الآن بخصوص الحرية من كل الأفكار المطروحة وغيرها الكثير، لا أعتقد أحداً يغامر بجواب محدد، وهذا هو الواقع، ولكن هناك الكثيرين يرون جزء من الحقيقة ولكن عن بعد، لماذا ليس عن قرب؟ لوجود حائط سميك يحجب الرؤية، أو بالأحرى يجبرنا هذا الجدارأن نرى جهة واحدة من الصورة، أو نلمس الإطار فقط، وهذا الحائط هوالآيات "أسم الدين وأسم الله"، نعم ان العلم الالهي لا يحيل الأفكار الحرة الى مجبور عليها "القديس اوغسطين"، عليه نرى الآن إجبار العلم الالهي الى سلب حرية الانسان، عن طريق الغيبيات والشعوذة والوعود باسم الله، لذا نكون قد وصلنا اليوم الى القرن 15 ق . م، أي تأخرنا 3500 عام! لنبكي على الأجيال القادمة، كوننا السبب في كل هذا نحن أصحاب الايات والشريعة والمقدسات، ولا نقول قد رجعنا الى الوراء بل بقينا نراوح في مكاننا، لأنه ان قلنا قد رجعنا، هذا يعني قد مررنا بجميع هؤلاء العظام من مفكرين وفلاسفة ولاهوتيين، فلا بد ان نأخذ من كل واحد كلمة إيجابية، لكان هذا كاف لعدم نحر الأطفال كالبهائم.
ك2 / 2008
ملاحظة : نقدم هذه الدراسة هدية للطالبة في جامعة القاهرة - قسم الفلسفة (ج - ك) Opinions