أهالي سنجار يفكرون في مغادرتها مجدداً: غير مناسبة للسكن البشري… والحكومة تعرض 3000 دولار على من يرغب بالعودة
المصدر: صحيفة القدس العربي
على الرغم من أن الحياة في سنجار مقبولة في الوقت الحالي، إلا أن القلق بشأن الأمن لازال موجوداً، إذ بدأ نازحون إيزيديون بالتفكير جدّياً في العودة مجدداً إلى مخيمات النزوح في إقليم كردستان العراق.
وحسب تقرير لـ«أسوشيتد برس» فإن الجيش العراقي وقوات البيشمركة يقومون بدوريات في أجزاء مختلفة من المنطقة، إلى جانب الفصائل المسلحة التي جاءت لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» ولم تغادرها أبداً.
ومن أبرز تلك الجماعات وحدات «مقاومة سنجار» وهو فصيل إيزيدي يشكل جزءاً من قوات «الحشد الشعبي» في المقام الأول. وتشن تركيا بانتظام ضربات جوية ضد أعضائها لأنها متحالفة مع حزب «العمال الكردستاني».
وقد أدى وجود الجماعات المسلحة في بعض الأحيان إلى تعقيد عملية إعادة البناء في المدينة.
وفي عام 2022، تم إعادة تأهيل مدرسة مدمرة في سنجار من قبل منظمة يابانية غير حكومية، وبدلاً من ذلك، اشتكى المسؤولون اليابانيون من أن إحدى الفصائل استولت عليها.
في هذا الشهر، صوّت مجلس محافظة نينوى أخيراً على تعيين قائممقام لقضاء سنجار، لكن الخلافات أخرت تأكيده.
وقال رئيس البلدية المحتمل ومدير المدرسة والناشط المجتمعي سعيدو الأحمدي، إنه يأمل في استعادة الخدمات حتى يعود المزيد من النازحين.
لكن الكثير ممن عادوا يقولون إنهم يفكرون في المغادرة مرة أخرى.
وعندما عادت ريحان إسماعيل إلى منزل عائلتها في قلب مجتمعها الإيزيدي، كانت متأكدة من أنها ستعود إلى الأبد، حيث كانت تتوق إلى تلك اللحظة طوال سنوات الأسر الطويلة.
وكان مقاتلو التنظيم قد اختطفوا إسماعيل، الذي كان مراهقا آنذاك، أثناء اجتياحهم لمنطقة سنجار في العراق، مما أسفر عن مقتل واستعباد الآلاف من الأكراد الإيزيديين.
وعندما نقلوها من العراق إلى سوريا، تشبثت بما يعنيه الوطن بالنسبة لها: «طفولة مليئة بالضحك، ومجتمع متماسك للغاية كان منزل الجيران مثل منزلك» وبعد أن أخذها خاطفوها إلى تركيا، تمكنت أخيراً من الحصول على هاتف والاتصال بأسرتها والتخطيط لعملية الإنقاذ.
وتقول ريحان اسماعيل (24 عاماً) لوكالة «أسوشيتد برس»: «كيف يمكنني المغادرة مرة أخرى؟» بعد وقت قصير من عودتها إلى قريتها حردان.
المنزل الذي تعيش فيه مع عائلة شقيقها هو أحد المنازل القليلة التي لا تزال قائمة في القرية، وتأوي مدرسة قريبة عائلات نازحة، فيما لايزال والدها وشقيقتها الصغرى في عداد المفقودين.
وفي مقبرة محلية، تم دفن ثلاثة من إخوتها مع 13 رجلاً وصبياً آخرين قتلوا على يد تنظيم «الدولة» إذ تمر بها ريحان إسماعيل في كل مرة تقوم فيها بمهمة في بلدة مجاورة، وتقول: «تشعر وكأنك تموت ألف حالة وفاة بين هنا وهناك».
وبعد مرور عقد من الزمن على هجوم التنظيم، عاد أفراد المجتمع الإيزيدي إلى منازلهم في سنجار، لكن على الرغم من الأهمية العاطفية والدينية العميقة لوطنهم، فإن الكثيرين منهم لا يرون أي مستقبل هناك، ولا يوجد مال لإعادة بناء المنازل المدمرة، ولا تزال البنية التحتية مدمرة، كما تقوم مجموعات مسلحة متعددة بتقسيم المنطقة.
المناظر الطبيعية مسكونة بذكريات مروعة، حيث اقتحم المسلحون في آب/ أغسطس 2014 منطقة سنجار، عازمين على محو الجماعة الدينية الصغيرة المنعزلة التي اعتبروها زنادقة.
مرت سبع سنوات منذ هزيمة التنظيم في العراق، لكن حتى نيسان/ أبريل 2024، عاد 43% فقط من أكثر من 300 ألف شخص نزحوا من سنجار، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية.
وأول أمس، أكدت وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية، إيفان فائق جابرو، عودة 463 نازحاً من مخيم «شاريا» في محافظة دهوك بشكل طوعي إلى مناطق سكناهم الأصلية في قضاء سنجار بمحافظة نينوى.
وقالت الوزارة في بيان إن «الوزيرة وجهت بشمول الأسر العائدة بصكوك منحة العودة والمساعدات الإغاثية والسلع المعمرة، حسب توجيهات رئيس مجلس الوزراء لإنهاء ملف النزوح وغلق المخيمات».
وأضافت أن «عملية نقل الأسر مع أثاثهم تمت بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية والتنسيق مع القوات الأمنية والإدارات المحلية في محافظتي دهوك ونينوى».
ويخشى البعض أنه إذا لم يعد الأيزيديون، فقد يفقد المجتمع هويته.
وقال هادي بابا شيخ، شقيق ومدير مكتب الزعيم الروحي الإيزيدي الراحل الذي شغل هذا المنصب خلال فترة سيطرة التنظيم: «دون سنجار، ستكون الإيزيدية مثل مريض السرطان الذي يحتضر».
وسنجار ذات الموقع الاستراتيجي في شمال غرب العراق بالقرب من الحدود السورية كانت موطن الإيزيديين لعدة قرون، وتنتشر القرى في سهل شبه جاف.
وترتفع من الأراضي المسطحة جبال سنجار، وهي سلسلة طويلة وضيقة تعتبر مقدسة لدى الايزيديين، حيث تقول الأسطورة أن سفينة نوح استقرت على الجبل بعد الطوفان.
وفر الإيزيديون إلى المرتفعات هرباً من تنظيم «الدولة» كما فعلوا في نوبات الاضطهاد السابقة.
وفي سنجار مركز القضاء، يجلس الجنود أمام المحلات التجارية الصغيرة في الشارع الرئيسي، كما أن سوق الماشية يجلب المشترين والبائعين من القرى المجاورة وخارجها، وتعمل بعض فرق إعادة الإعمار بين أكوام من كتل الرماد.
لكن في المناطق النائية، لا تزال علامات الدمار – المنازل المنهارة، ومحطات الوقود المهجورة – موجودة في كل مكان، ولم يتم إعادة بناء شبكات المياه والمرافق الصحية والمدارس، وحتى المزارات الدينية، ولا يزال معظم الحي السني الرئيسي في بلدة سنجار تحت الأنقاض.
وفي وقت سابق من هذا العام، أمرت بغداد بإغلاق المخيمات بحلول 30 تموز/ يوليو وعرضت دفع مبلغ 4 ملايين دينار (نحو 3آلاف دولار) لشاغليها الذين يغادرون.
وقال نائب وزير الهجرة كريم النوري إنه هذا الشهر تم التغلب على الصعوبات في العودة إلى سنجار، لكن سلطات اقليم كردستان تقول إنها لن تطرد سكان المخيم.
وبين خيري بوزاني، مستشار رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، إن سنجار «غير مناسبة للسكن البشري».
وأكد أن «من المفترض أن تنقل الحكومة الناس من مكان سيئ إلى مكان جيد وليس العكس».
خديدة مراد إسماعيل، يرفض مغادرة المخيم في دهوك، حيث يدير متجراً مؤقتاً، ويقول أن المغادرة ستعني «فقدان مصدر رزقه» ولن يغطي المبلغ إعادة بناء منزله.
ويحذّر من أنه بحال أُغلقت المخيمات، فإنه سيبقى في المنطقة ويبحث عن عمل آخر.
لكن البعض يعودون، ففي 24 حزيران/ يونيو، غادرت عائلة بركات خليل المكونة من تسعة أفراد محافظة دهوك التي كانت منزلهم منذ ما يقرب من عقد من الزمن، ويعيشون الآن في منزل صغير مستأجر في بلدة سنجار، وقاموا بإصلاح أبوابه ونوافذه المكسورة ويقومون بتأثيثه تدريجياً.