Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

إجتماعُ القذافي بالمعارضةِ العراقيةِ: كيفَ يَنْحَطُّ العربُ؟

أوردت وكالة "العرب أونلاين"(1) الخبر التالي من ليبيا: "التقى القائد الليبي معمر القذافي الأحد وفد فاعليات الشعب العراقي، الذي يضم شخصيات وطنية مرموقة سياسية وعسكرية وأكاديمية وقانونية وشيوخ عشائر وقبائل عراقية.
وقال القذافي لأعضاء الوفد العراقي إن اللقاء بهم مؤلم لأن العراق البلد الشقيق مكلوم ومحتل مؤكدا لهم أن قلوب الجميع في ليبيا تتمزق وتنزف كما يتمزق العراق وينزف."

وواصل تقرير الوكالة المذكورة نقل كلام العقيد الموجه للمجتمعين بالقول: " وهون القائد الليبي على العراقيين مرارة الواقع العراقي قائلا: "إنكم رغم الآلام، تعيشون أياما مجيدة لأنكم تقاومون الطغاة والاستكبار الدولي والاستعمار العالمي، وبكل شجاعة تواجهون أعتى قوة فوق الأرض، وتقدمون بسخاء قوافل من الشهداء في كل يوم."

واعتبر القائد الليبي أن منجزات المقاومة العراقية فخر للعراقيين بقدر ماهي فخر لليبيا."

كان حريّا بالعقيد القذافي أن يشجع المتمردين العراقيين على الانضمام، مباشرة ودون لفٍّ أو دوران، لجهود الحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطيا والتي أثبتت بوضوح انها كانت ومازالت جادة في إنجاز البناء الديمقراطي وإنهاء الإحتلال؛ ذلك الإحتلال الذي قَبِلَهُ العراقيون على مضض لأنهم تعرَّضوا لسياسة مبرمجة واعية هدفها التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية ومحو الهوية للديمقراطيين العراقيين وبالأخص للشيعة والأكراد(2)، وشواهدها هي المقابر الجماعية التي تجاوز عددها الثلاثمائة وما زالت تكتشف بين آونة وأخرى. ولم تقف الجماهير العراقية موقف اللامبالاة حيال سقوط النظام الطغموي(3) على يد أمريكا إلا لأن الجماهير الشعبية قد أدركت أن النظام البعثي الطغموي قد حصّن نفسه بالقمع العنيف (لحد إستخدام الأسلحة الكيميائية) وأموال النفط المسروقة من صاحبها الشرعي وهو الشعب العراقي فأصبح مُحَصَّنا وغيرَ قادرٍ على الإطاحة به إلا الله أو أمريكا . ومع كل المبررات التي قدََّمَها مَنْ يُسمُّونَ أنفسَهم بالمقاومة إلى الأمريكيين لإطالة أمد بقائهم في العراق، رغم ذلك أنهت الحكومة العراقية المنتخَبة الإحتلالَ وأَقْنعَتْ الامريكيين على توقيع اتفاقية الاطار الستراتيجي (4). فبعد كل هذا وذاك واذا بالعقيد القذافي يشجعهم على التمرد.... لماذا؟ هل لصالح العراق أو العرب حقا؟ أما يعرف أن الذي احبط المخطط الامريكي لمواصلة ضرب سوريا وايران هو تمنّع الحكومات العراقية المنتخبة التي اصرت على اتباع سياسة عدم التدخل في شئون الآخرين؟ فلماذا، إذاً، هذا التشجيع على إراقة الدم العراقي البريء ولم يتبقَ للأمريكيين سوى شهور للبدأ بعملية الإنسحاب من الأراضي العراقية ما يستدعي الإمتناع عن تقديم أية ذريعة لإطالة أمد بقاء القوات الأجنبية في العراق؟

بكل وضوح، لا يصب هذا التحريض على الدمار في صالح العراق أو الأمة العربية.

إذا كان العقيد ذلك المتحمسَ لمقارعة أمريكا فلماذا سلَّم، هو ، أسلحته النووية بأكملها للأمريكيين؟

في الحقيقة، ظَنَّ العقيد القذافي أنه قد دفع بالخطر عن نظام حكمه المكروه شعبيا ( رغم بعض إنجازاته الإيجابية) بعيدا، عندما سلَّم أسلحته النووية الى أمريكا؛ وأحال عليها، أمريكا، العقود النفطية بتحيّز وخارج الأصول التعاقدية عام 2004 وقد إعترف بذلك السيد شكري غانم أمين عام اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء) في حينه عندما إحتجت عليه بعض الشركات الأوربية التي تقدمت بعروض تنافسية لتلك المناقصات النفطية ووعدها بالتعامل بالعدل وفق الأصول في الجولة القادمة؛ وقد نقلت هذه التفاصيل في حينه محطة إذاعة ال (بي بي سي) العربية من طرابلس مباشرة.

غير أن العقيد قد فوجئ كما فوجئ غيره من الحكام العرب غير "الجماهيريين" كالسعوديين والسوريين والمصريين بمشكلة جديدة قد تكون الأهم بمعيار التأثير الجماهيري وهي ولادة ديمقراطية عراقية حقيقية شهد لها العالم كالأمم المتحدة والإتحاد الأوربي والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي واليابان وروسيا والصين وإيران. هنا بدأ هؤلاء الحكام يتحسسون خطرا يداهمُهم مصدرُه الهمسُ الشعبيُ داخلَ بلدانهم، والذي أصبح يتعالى متسائلا: لماذا لا تكون لنا ديمقراطية كالعراقيين؟ هل يجب أن ننتظر إحتلالا مقيتا يأتينا ليؤسس لنا الديمقراطية؟

آوى الحكام المجاورون للعراق الطغمويين والتكفيريين العراقيين وأرسلوا للداخل العراقي البهائمَ والأموالَ ليَنَضَمّوا إلى أمثالِهم هناك ويباشروا بقتل الأبرياء لعرقلة البناء الديمقراطي ولِتَنْفير شعوبهم من هذه العملية برمَّتِها. وكان هذا هو أسلوبهم لتحصين نظمهم الدكتاتورية ضد الديمقراطية الناشئة.

أما العقيد القذافي البعيد جغرافيا عن العراق فقد حاول تحصين نظامه عن طريق خداع الجماهير الليبية وتصوير الإرهاب المناوئ للديمقراطية في العراق، بكونه نضالا ضد إحتلال لا أكثر ولا أقل وليس هناك أمرا إسمه المشروع الديمقراطي. وقد أحضر القذافي هذا النفرَ العراقيَ ليوهم جماهيره بمصداقية أطروحته.

المؤسف أن ما يرفع رأس العرب في العالم هو نفْسُهُ موضعُ رعبٍ ورفضٍ لدى الحكام العرب أنفسهم. لقد حَيّتْ الأوساط السياسية العالمية الإنتخاباتِ العراقيةَ وقَدّمَها بعضُهم، من المتعاطفين مع العرب، كدليلٍ على النضج السياسي الذي بَلَغَتْهُ المجتمعات العربية التي تضم العرب والكرد والتركمان والكلدوآشوريين والأزيديين والشبك والمندائيين والأقباط والدارفوريين والنوبيين وشعب جنوب السودان والأمازيغيين والأرمن والشركس وجميع المكونات القومية والدينية الأخرى، داحضا بذلك ما تشيعه الدعاية الإمبريالية والصهيونية وحلفاؤُها التي تتهمها بالتخلف وعدم مقدرتها على إستيعاب تطورات العصر والحداثة على كافة الصعد التقنية والسياسية والثقافية والفنية والإجتماعية. ولكن هذه الحقيقة، أي حقيقة النجاح الديمقراطي في العراق وإحتفاء العالم به، ليست موضع ترحيب من لدن الحكام العرب لأن الديمقراطية تُسَهِّل عملية التداول السلمي للسلطة وبالتالي تُبَسِّط إمكانية إستبدال الحكام وهو ما لا يريدونه أن يحصل.

من هذا فقد إستغلَّ العقيدُ القذافي ذلك النفرَ الإرهابيَّ من العراقيين التوّاقين لإستعادة نظامهم الطغموي المفقود، لصالحه الشخصي على حساب مصالح الأمة التي طالما تغنّى بالنضال في سبيل تقدمها ورفعتها، بينما هو، في واقع الحال، يتسبب بإنحطاطها وتصغير شأنها في أنظار المجتمع الدولي الذي يصبح جاهزا لتصديق ما يُكالُ للعرب من تهمٍ بالتخلف والرجعية، ومُتَقَبِلا لما يُغمطُ من حقوقهم . لقد أيَّدَتْ الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية والعُمّالية في أوربا الغربية قيام دولة إسرائيل عام 1948 من منطلق كونها "واحة للديمقراطية في مستنقع الدكتاتورية العربية". وقبل أيام فقط ألقى وزير خارجية بريطانيا السيد مليبان بيانا في مجلس العموم البريطاني موضحا سبب طرد دبلوماسيٍّ إسرائيليٍّ من بريطانيا على خلفية تزوير جوازات سفر بريطانية إستُخدِمتْ في قضية إغتيال القيادي الفلسطيني المبحوح، ولكن الوزير إستدرك فقال بأن "إسرائيل دولة حليفة لبريطانيا لأنها دولة ديمقراطية في منطقة تسودها المشاكل". لم يََدَعْ الوزير شكا في ما يقصده ب "المشاكل". كان يقصد "في منطقة تسودها الدكتاتوريات".

وقبل أن أختم لابد من الإشارة إلى أمرين لخصا حالة "المقاومة والمقاومين العراقيين" أفصح عنهما العقيد القذافي، من حيث لم يُدرك، في حديثه مع ذلك النفر إذ قال لهم ما يلي بالفحوى :

أولا: بدِّلوا من إسلوبكم "الكفاحي" ضد الأمريكيين وإجعلوه "نضالا" قانونيا عبر الأمم المتحدة.

أعتقد أنه أراد أن يقول: إفعلوا ذلك لأنكم تقتلون العراقيين بالأساس وقليلا جدا من الأمريكيين وقد نَقَمَ عليكم كلُ شريف،

ثانيا: لا أستطيع أن أضمن لكم تأييدا في القمة العربية التي ستعقد في مدينة سرت.

أعتقد أنه أراد أن يقول لهم: رغم أن بعض النظم العربية كالسعودية يَمُدّونكم بالمال والإرهابيين والسلاح إلا أنه ما من أحد يجرؤ على إعلان تأييده لكم في مؤتمر القمة العربي القادم في سرت لأنكم تمارسون الإرهاب.

بكلام آخر قال لهم: إنكم مفلسون.

ومع هذا فقد إهتم، هو، وإهتمت وسائل إعلامه بالإجتماع وبخطابه ، لأنه أراد أن يحصل من حضورهم على ما أراد وكفى، وقد حصلَ بالفعل على تمثيلية معدة بثمن لتضليل الشعب الليبي التوّاق للحرية والديمقراطية. ولكنه، كما أرى، لن ينجح في حرف أنظار الليبيين عن المطلب الديمقراطي.

أما أبناء الشعوب العربية بضمنهم أبناء الشعب الليبي فلا أعتقد أنهم سيُخفقون في إدراك ما يعني أن يطالب رئيس جمهورية بلد عربي ورئيس وزرائه ووزير داخليته ووزير دفاعه (العضو في إئتلاف دولة القانون) ومحافظين لعشر محافظات إضافة إلى وزراء وكيانات سياسية عديدة وكبيرة وتظاهرات شعبية – أن يطالبوا جميعا "المفوضيةَ العليا المستقلةَ للإنتخابات" بإعادة فرز الأصوات فرزا يدويا ولكن المفوضية لم تستجب لهذا الطلب، لحد الآن، لأنّها متمسكة بأسباب مقتنعة بها، (بغض النظر إن كانت مصيبة أو مخطئة بقناعاتها).

سيتسائل الناس في البلدان العربية: "أليس هذا تغيّرا نوعيٌّا، كنا نتمناه في الأحلام، وحَصَلَ على أرض الواقع في إحدى الدول العربية؟"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): نشرَ التقرير في صحيفة "صوت العراق" الإلكترونية بتأريخ 22/3/2010.

(2): الشيعة والأكراد يشكلون 80% من الشعب العراقي تقريبا.

(3): الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية والقومية والبعثية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.

(4): قال السيد حسين الشامي المستشار في مكتب رئيس الوزراء (في فضائية "الحرة") بأن الأمريكيين قد حصلوا على 5% في هذه الإتفاقية مما طلبوه أصلا في المسودة التي قدموها للجانب العراقي قبيل إنتهاء صلاحية تفويض مجلس الأمن المرقم 1546. للعلم فإن المطالب الأمريكية قد نشرتها صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في حينه. أعتقد أن الأمريكيين لم يكونوا راضين عن الإتفاقية (ولكن ما في اليد حيلة والجماهير المليونية تتدرب على العصيان المدني في السنة الواحدة عدة مرات بزحفها إلى كربلاء والنجف لإحياء الشعائر "الخرافية"، على حد وصف بعض المتحذلقين)، وأملوا في إمكانية نجاح جهودهم (المتواصلة منذ إنتقال الملف العراقي من يد البنتاغون إلى يد وزارة الخارجية ووكالة الإستخبارات المركزية، المناوئتين للمعارضة العراقية الجذرية قبل سقوط النظام البعثي الطغموي، ومن ثم تعيين السيد أياد علاوي رئيسا للوزراء) في فك تحالف الإئتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني ومن ثم تشتيت كليهما بدءً بالإئتلاف لتأتي حكومة ربما برئاسة السيد أياد علاوي تقوم بإعادة النظر بالإتفاقية (علينا أن ندرك بأن آراء وطموحات الرئيس الأمريكي أوباما، بل أي رئيس، قد لا تتطابق بالضرورة مع رأي المؤسسات الحاكمة في أمريكا) . ولما فشلوا في هذا الجهد، رغم النجاح الجزئي، عمدوا إلى دفع "إئتلاف العراقية" بزعامة السادة أياد علاوي وصالح المطلك وطارق الهاشمي إلى تزييف الإنتخابات التي جرت يوم 7/3/2010 حسب إتهام خصومهم. الأخطر من هذا هو ما أُشيع، ويبدو له أساس من الصحة، من وجود إتفاق أمريكي – إيراني – سعودي – سوري على تنصيب أياد علاوي رئيسا للوزراء ، كلٌ لغايةٍ وتخطيطٍ خاصين به، والخاسرُ الأكبرُ سيكون العراق، أما السيد علاوي ورهطه فسيكونون مطيَّةَ الآخرين لتشويه الديمقراطية العراقية وعودة الطغمويين للمفاصل الرئيسية في الدولة وجعل العراق ساحةً للأجانب؛ على عكس سياسة حزب الدعوة بزعامة السيد نوري المالكي الذي سعى ويسعى، بتقديري، إلى جعل العراق صديقا للجميع ومستقلا عن الجميع بلا إستثناء، وهو الذي يحظى، بتقديري أيضا، بدعم المرجعية في النجف وهي اللاعب الستراتيجي الأكبر على الساحة العراقية، كما يحظى ببغض جميع الأطراف الخارجية المذكورة سلفا، لأنه صاحبُ مشروعٍ عراقيٍّ ديمقراطيٍّ خالصٍ.

(من هذا فإني أدعو إلى إنتخاب الطالباني أو برهم صالح (في حالة إعتذار الطالباني) لرئاسة الجمهورية وأياد السامرائي لرئاسة مجلس النواب وإلى تشكيل حكومة تحالف، وليس محاصصة، في أقرب فرصة برئاسة نوري المالكي متكونة من إئتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي والتحالف الكردستاني والأحزاب الكردية الأخرى والحزب الإسلامي وإئتلاف وحدة العراق وإئتلاف إتحاد الشعب؛ وعزل "إتلاف العراقية" بوضوح وبدون تردد أو مجاملة ليكون درسا بليغا له ولرعاته لطائفيتهم وعنصريتهم ولا يجب أن يتخوف أحد من إرهابهم إذ لا يستطيعون أن يفعلوا من الإرهاب أكثر مما حرقوا الشعب به لحد الآن وفشلوا فشلا ذريعا في ترويع ذلك الشعب الجريح).
Opinions