Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

إعتذار بابا الفاتيكان ، عربياً



dilor7@hotmail.com
مبكراً ، أفقت من نومي على هسيس متأتٍ عبْرَ أثير إحدى فضائياتنا " الجهادية " ، المعروفة . كنتُ كغيري من خلق الله ، على موعدٍ مع برنامج إخباريّ مخصص عما قيل أنه " تصريح مسيء للإسلام ، تفوه به بابا الفاتيكان " . هيَ ذي فرصة سانحة ، لتلك الفضائية الكالحة الوجه كبراقع الإرهابيين ، السارحين في طول وعرض بثها اليوميّ ؛ فرصة اخرى ، لتضرب سهامها في الصميم من وعي وضمير المشاهدين ، إيقاظاً لنعرات الفتنة التي بالكاد تسنى لها الإغفاء إثر ما أسميَ في حينه " أزمة الرسوم الدانمركية المسيئة للرسول " . مقدمة البرنامج ، بدَتْ أشبه بقارئة فنجان منها إلى صفتها الوظيفية تلك ، ناهيك عن حشمتها ، المفقودة ، شكلاً ومحتوىً ؛ وهيَ المفترض بها أن تكون صوتاً وصورة للقناة الفضائية المنافحة عن ديننا القويم ، بمناسبة وبدونها . كالعادة ، لا شيء جديد في تلك التغطية التلفزيونية : قسّ مصريّ ، كاثوليكيّ ، يحاول توضيح إشكالية فهم تصريحات حبره الأعظم ؛ وشيخ مصريّ ، أزهريّ ، يعتبرُ أنّ ذلك الكلام ، سالف الذكر ، غيرَ كافٍ لإرضاء الكرامة الإسلامية ، المهدورة ، ويطالب بابا الفاتيكان ، شخصياً ، بالإعتذار ؛ وبين هذا وذاك ، يتم عرض مقتطفات من الصحف العربية والأجنبية ، مقتطعة بحرص من يوقد أوارَ الفتنة لا من يحاول إخمادها .

المطلوب ، إذاً ، من قداسة البابا ـ وهوَ رأس الكنيسة المسيحية ، الأعظم ـ ما لا يطلبه أحدٌ ، في واقع الحال ، من " الأزهر الشريف " نفسه ؛ هذا المعتبرُ فضيلة شيخه ، سيّد طنطاوي ، بمثابة رأس المرجعية الإسلامية ، الأكبر : الإعتذار عن الصمت ، المخزي ، إزاء الإرهاب المتلبّس زوراً وبهتاناً إسمَ العقيدة المحمدية ، والمستهدف بالدرجة الاولى الرعايا الغربيين ، النصارى ؛ الإعتذار عن عدم إدانته لذلك الإرهاب ، الموسوم ، الموجّه في مصر بالذات ، ضد مواطنيها الأقباط والنصارى عموماً ؛ ناهيكَ عن العراق والسودان وغيرها من الدول العربية والإسلامية . أما قناتنا الفضائية ، إياها ، التي تتناسى من يجدر به الإعتذار من المسلمين ، وهيَ المكفرة لشريحة ، كبرى ، منهم ؛ بإعتبارها للشيعة من آل البيت " كفاراً " : كما جاء ، حرفياً ، على لسان الشيخ القرضاوي ؛ صاحب البرنامج الديني المعروف ، في تلك الفضائية نفسها . هذا غير ما تبثه على مدار الساعة من بيانات تحمل صفة التكفير ذاتها ، موجهة من لدن الجماعات الإرهابية ، العراقية ، التي تعرّف أفرادهم بـ " المجاهدين " ؛ علاوة على عرض مآثرهم في التنكيل بالمواطنين على الهوية الطائفية أو العرقية ، وترويع حياتهم ونسف دورهم المقدسة ، وتهجيرهم من مناطقهم وفق تطهير مذهبيّ خبيث ، مخطط .

في اليوم السابق ، وفي الصباح أيضاً ، كنتُ بنفسي على موعدٍ آخر مع فضائية عربية ، شقيقة ، للصمود والممانعة والمقاومة ؛ وهذه المرة في نشرتها الإخبارية ، المهمومة بما أصاب الأمة من خطبٍ جلل إثرَ تصريح ذلك البابا . مقدّمة تلك النشرة ـ المتأبدة في وظيفتها كأيّ مسؤول من مواطنيها ـ طالعت المشاهدين بسحنة بطلات أفلام الرعب ، مبشرة إياهم بأنّ الفاتيكان قد قدّم توضيحه لتصريحات حبره الأعظم ، مباشرة ً بعيْدَ إحتجاج مفتي سورية عليها (!) : مأثرة اخرى ، إذاً ، للإعلام البعثيّ ، في إستغبائه للناس ؛ مأثرة ، تضاف إلى ما سبقها من تشدق ذات الإعلام بخصوص أزمة الرسوم الكاريكاتورية ، بأنّ الحكومة الدانمركية ، وعبْرَ سفيرها بدمشق ، كانت قد قدمت إعتذاراً للحكومة الأسدية ، المؤمنة : فيما أنّ المسألة آنذاك ، ما كانت في حقيقتها سوى إجتماع سفير الدانمرك بدمشق مع ممثلي جميع البعثات الإسلامية المتواجدين في العاصمة السورية ، توضيحاً لوجهة نظر حكومته ؛ وهوَ التوضيح المعروف ، المعلن على الملأ آنئذٍ ، بأن تلك الحكومة غير ملزمة بالإعتذار ، وأنّ ذلك واجب الصحيفة ، المعنية ، أولاً وأخيراً .

كلّ من الفضائيتيْن ، المذكورتيْن ، يفتح بتغطيته للحدث المستجد فجوة ً في العلاقات بين العقيدتيْن السماويتيْن ؛ الإسلامية والمسيحية ، وبالتالي بين معتنقيهما . لا هذه الفضائية ولا تلك ، للحقّ ، ليهمه ما في ذلك الجهد ، غيْرَ المحمود ، من آثار وخيمة علينا ؛ نحن المسلمين بالذات ، وقبل غيرنا : لقد أضحينا ، يا ربّ الكعبة ، بنظر العالم كما لو أننا أمة دراكولا .. ، لا أمة نبيكَ الأمين ، محمدا ؛ أمة ، لا شاغل لها في عصر الإختراعات والإكتشافات العلمية هذا ، سوى " إختراع " مسببات الفتنة و " إكتشاف " الخصوم من كل لون وطيف : فلا الدعابة الساخرة ترضي مزاجنا العجيب ، ولا المناظرة الجدية ! .. عجباً ، لتلك الغضبة العارمة على رسوم كاريكاتورية ، مسوّقة بإساءتها لخير الأنام ، فيما أنّ تراثنا الإسلاميّ أدباً وتأريخاً وسيرة ً، فيه ما فيه من تجديفٍ دينيّ ، يضاهي كل ما يحتمل جمعه من آثار عالمية بهذا الشأن ؛ كما في مثال أشعار أبي نواس ، الماجنة . وعجباً ، أيضاً ، لهذه الغضبة المستنفرة للتوّ ، بصدد تصريح بابا الفاتيكان عن مفهوم " الجهاد " إسلامياً ، بينما أهل عقيدتنا أنفسهم ، من علماء وفقهاء وآيات وحجج ، غير متوافقين على رأي واحد يخص ذلك المفهوم ، الموسوم ؛ كما في مثال عمليات الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة ، في فلسطين والعراق وغيرهما ، والتي يسِمُها بعضهم بـ " الإستشهادية " ، فيما يصِمُها البعض الآخر منهم بـ " الإنتحارية " .. ؟؟


Opinions